أجمل رسائل بريد الجمعةقصص وعبرقضايا وأراء

الشئ الناقص .. رسالة من بريد الجمعة

من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)

بالرغم من متابعتي لـ بريد الجمعة منذ سنوات بعيدة حتى وصل الأمر بي إلى الاحتفاظ بصفحة البريد في ملف خاص‏,‏ وأيضا إلى قراءتها أسبوعيا مع زوجتي وأصهاري فإنني لم أتوقع أن أكتب إليك في يوم من الأيام‏..‏ ولكن ما دفعني إلى ذلك اليوم هي رسالة الأيام الجميلة للسيدة التي فقدت زوجها وكيف أنها تحيا معه في الماضي وكيف رددت عليها أنت بأن العشرة الجميلة والحب الصادق والعطف المتبادل كل ذلك لا يذهب سدى ‏..‏

فأنا رجل في العقد السادس من العمر وبالمعاش‏,‏ وقد أكملت هذا الشهر ‏35‏ عاما وأنا وشريكة العمر معا منذ تزوجنا وقد رزقنا الله بالبنين والبنات والأحفاد‏,‏ وبرغم التفاهم القائم بيننا منذ أول لحظة من تعارفنا وحتى اليوم إلا أنه كان من الطبيعي أيضا أن تحدث مشاكل عديدة تقع  عادة في بيوت الزوجية‏,‏ وقد تمكنا والحمد لله من تجاوزها‏,‏

ولكن حدثت مشكلة من تلك النوعية من المشاكل التي لم نتمكن من تجاوزها منذ‏3‏ أشهر فاستقلت زوجتي بمسكن خاص بها بمنزل أهلها ومعها جزء من الأثاث‏,‏ وحدثت بعض الاتصالات مع المقربين من أهلها وهم يحبوني ويحترمونني في الأيام الأولى لإقامتها بعيدا عن بيتها وتم الاتفاق على تجميد الوضع على ما هو عليه مع تخصيص مبلغ من المال لإعاشتها‏,‏ وللأبناء مطلق الحرية في التعامل مع الطرفين‏,‏ ولكن ما حدث بعد ذلك يا سيدي ما لم أكن أتوقعه أبدا‏,‏

رائج :   بناقص واحد || من كتابات د : أحمد خالد توفيق

فلقد مضى الأسبوع الأول وبالرغم من وجود الأحفاد والأولاد وأنا في حالة شرود دائم وافتقدت شريكة عمري بشدة وأصبحت أراها دائما أمامي وهي ليست أمامي ولم يغنني عنها وجود الأبناء الذين يخدمونني أو ضحكات الصغار من الأحفاد‏,‏ فقد كنت أشعر دائما أن هناك شيئا ناقصا حتى ولو كنت أقيم في قصر‏,‏ وكانت هي هذا الشيء‏,‏ ومنذ اليوم العاشر وجدت نفسي تعاف الطعام والشراب وبدأ المرض والضعف يتسللان إلي‏,‏

وبدأت حالتي النفسية في التدهور وتذكرت بعض ما كنت أقرأه أو أعلمه عما يحدث لأحد الشركاء بعد رحيل الآخر ولم أكن أدرك هذا الحدث أو أبعاده حتى وجدت نفسي في الموقف نفسه مع اختلاف مهم وهو وأنها والحمد لله موجودة بمسكن آخر‏,‏ وما حدث بعد ذلك يمكن استنتاجه فلقد عادت زوجتي إلى بيتها بعد عشرين يوما وعلمت من المحيطين بها أنها عانت مثلما عانيت وكانت تبكي باستمرار‏,‏ واعتزلت الناس حتى أقاربها‏.‏

رائج :   الشخصية الفولاذية .. رسالة من بريد الجمعة

إن ما حدث يؤكد أن العشرة لا يمكن أن تهون وأن ما يحدث بين بعض الأزواج في منتصف العمر أو خريفه ويدفع بعض الشركاء إلى التخلص من الآخر معتقدا بذلك أنه قد أراح واستراح‏,‏ هذا الذي يحدث ليس حلا للمشكلة لأن العشرة لا تذهب بالفعل‏,‏ كما قلت سدى‏,‏ ولابد من مواجهة مشاكلنا بحلول أخرى‏,‏ وكما قلت في ردك على رسالة الأيام الجميلة أنها رفقة من نوع آخر تختلف عن رفقة الجسد والمكان‏,‏ إنها رفقة الروح والوجدان وأود أن أقول أيضا أنه مهما يحدث من الزوجين الشريكين فقد يتصور احدهما أو كلاهما أن الأمور قد وصلت إلى طريق مسدود ولكن رفقة العمر وزمالة الأيام وشركة الحياة وعشرة السنين لابد أن توجد دائما طريقا آخر‏…‏ وشكرا

ولكاتبة هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :

ما تعرضت له يا سيدي من فقد للشهية وزهد في الطعام والشراب والانفصال وجدانيا عمن حولك برغم زحامهم وضجيجهم‏,‏ وتخيلك لمرأى زوجتك في غيبتها وإحساسك بوجودها في الجوار بالرغم من بعد المأوى بها‏,‏ كل ذلك من أعراض الأزمة النفسية المعروفة التي يسميها علماء النفس أزمة فقدان الرفيق‏,‏

رائج :   الأيام القليلة .. رسالة من بريد الجمعة

وهي تصيب الرجال والنساء على السواء بعد فقدهم لشركاء حياتهم بالرحيل الأبدي وتشتد وطأتها على كبار السن منهم‏,‏ ومن طالت بهم عشرة الأيام مع شركاء الحياة حتى أصبحا متلازمين ومتماثلين تقريبا في الفكر والطباع والعادات ورؤية كل منهما للحياة‏.‏

وكلما كانت عشرة الرفيق الراحل سلسة وجميلة وثرية اشتد افتقادنا له حين يغيب عن أفق حياتنا‏..‏

ولقد مررت أنت بصورة مصغرة لهذه الأزمة‏,‏ فأعادت إليك زوجتك التي لاشك في أنها قد كابدت كل ما كابدته أنت وربما أكثر خلال فترة التباعد والانفصال‏,‏ فعشرة السنين الطويلة لا تذهب هباء بالفعل‏,‏ ولابد من طريق آخر لحل المشاكل التي تعترض حياة بعض شركاء الحياة في الكبر‏,‏ بغير التباعد بينهما‏,‏ ومكابدة محنة فقدان الرفيق هذه قبل موعدها وشكرا لك علي رسالتك المفيدة‏.‏  

من أرشيف جريدة الأهرام

 نشرت سنة 2003

Related Articles