قضايا وأراء

أحداث أمريكا || محاولة للفهم و التعلم

– يوم الخميس الجنرال مارك إيملي، رئيس أركان الجيش الأمريكي، قال إنه يأسف لظهوره في صورة جنب الرئيس ترامب، اتاخدت بعد ما ترامب ألقى خطاب هاجم فيه المتظاهرين وخرج من البيت الأبيض عشان يزور كنيسة قريبة وياخد صورة قدامها وبيده الكتاب المقدس.

 رئيس الأركان يعتذر عن صورته مع الرئيس ..
رئيس الأركان يعتذر عن صورته مع الرئيس ..

– كلام الجنرال إيميلي كان في فيديو لخطاب ألقاه على خريجين من جامعة الدفاع الوطني، قال “لم يكن يجب أن أكون هناك. إن وجودي في تلك اللحظة وفي تلك الظروغ أوجد تصوراً بأن الجيش متورط في السياسة الداخلية .. كان ذلك خطأ تعلمت منه، وآمل بصدق أن نتعلم جميعا منه”

– المشهد ده جزء من صورة كبيرة ومعقدة للاحتجاجات اللي بتحصل في أمريكا ضد العنصرية، وامتدت لدول كتير بالعالم، إنجلترا وألمانيا وأيرلندا وأستراليا ونيوزيلندا وغيرها.

– النهاردة هنتكلم عن ردود الأفعال المختلفة في أمريكا والعالم، وإزاي بيحصل تبادل ضغوط بين أطراف مختلفة، وموقف المؤسسات الأمريكية. إيه دور الجيش الأمريكي؟ وإيه دور الصحافة؟ وليه بلد ديمقراطي يكون لسه بتحصل فيه الأزمات دي؟ وإيه اللي ممكن نشوفه ونفهمه ويهمنا كمصريين في متابعة مشهد زي ده.


إيه بداية الأحداث؟

– البداية كانت في 25 مايو، شرطة مدينة “مينيابوليس” تلقت بلاغ بأنه في شخص، استخدم 20 دولار مزورة لشراء علبة سجائر، الشرطة راحت تقبض عليه.

– في أحد الفيديوهات بيظهر الأمريكي الأفريقي جورج فلويد وهو نايم على الرصيف، وأحد ضباط الشرطة “ديريك شوفين” مستمر في الضغط على رقبته بركبته لمدة 9 دقائق، وفي ثلاث ضباط تانيين واقفين بدون ما يمنعوا زميلهم، الوضع استمر رغم استغاثات جورج فلويد اللي عمال يقول أنه مش قادر يتنفس.

– تم توجيه تهمة القتل من الدرجة الثالثة للظابط ديريك لوحده، دي معناها قتل بالخطأ، ولم يتم توجيه تهم للضباط التلاتة الباقيين، وده أدى لتزايد الغضب والاحتجاجات، خاصة أنه فيديو القبض عليه بقى تريند عالمي بسبب قسوة المشهد، وانتشرت في أكتر من 35 ولاية أمريكية، وأكتر من 100 مدينة، بعضها كان فيه مشاهد عنف من حرق عربيات شرطة ونهب بعض المتاجر، أما باقي المظاهرات ومع مرور الوقت بقت مظاهرات سلمية.


إيه ردود الأفعال اللي حصلت؟

– على المستوى القانوني المدعي العام لمدينة مبينيابوليس قرر تغيير التهمة، وأصبحت القتل من الدرجة الثانية اللي معناها “قتل عمد دون سبق إصرار وترصد”، وكمان وجه تهم للظباط التلاتة اللي كانوا حاضرين.

– المدعي العام ده بالمناسبة هوا كيث أليسون، اللي هوا نفسه من أصل أفريقي وكان مشهور جدا بكونه أول نائب مسلم في الكونجرس، وأقسم على القرآن الكريم.

– على المستوى السياسي كل الأطراف بما فيهم ترامب وصفوا الحادث بأنه حادث وحشي، حاكم مينسوتا، وعمدة مينابوليس، ورئيس البوليس في المدينة وغيرهم مسئولين كتير طلعوا اعتذروا لعائلة جورج فلويد عن اللي حصل ووعدوهم بتحقق العدالة.

– الرئيس كلم أخو جورج فلويد للاعتذار، لكن بعدها أخو جورج طلع قال انه غاضب من المكالمة برضه لأن الرئيس لم يسمح لي بالكلام وكان عايز يقول كلمتين بس في التلفون ويمشي.

– الاحتجاجات مخلصتش لأن المسألة مبقتش القصة دي بس، لكن تحولت لمحاولة تغيير قوانين وسياسات عامة، منها حكم شهير من الستينات للمحكمة الدستورية بيدي حصانة لأفراد البوليس بأنهم ضد المحاكمة في حالة استخدام القوة ضد ما لم تكن تلك الحادثة متكررة في التاريخ الوظيفي للضابط.

– في كثير من الاحتجاجات أفراد الشرطة انضموا للمحتجين في مطالبهم، ومنهم ضباط شرطة انضموا للمظاهرة أمام البيت الأبيض.


رائج :   من كتاب هادم الأساطير || هل هبط الأمريكان على القمر فعلا ؟

ترامب ضد السوشيال ميديا

– بعض المظاهرات تحولت لأعمال شغب وسرقة ومواجهات مع البوليس، وترامب استغل ده وكتب تغريدة من عبارة معروفة في التاريخ الأمريكي “حين يبدأ النهب، يبدأ إطلاق النار”.

– التغريدة اعتبرتها إدارة تويتر تحريض على العنف وقامت بتصنيفها على أنها محتوى غير مقبول، نفس التغريدة اتنشرت على فيسبوك لكن إدارة فيس بوك سابتها، وده خلاها موضع نقد من كتير من المتظاهرين، وفتح نقاش واسع عن الحدود بين حرية التعبير وبين التحريض على العنف.

– إدارة تويتر برضه صنفت تغريدات تانية للرئيس كمعلومات مضللة، وأضافت تحت التغريدة رابط بالمعلومات الصحيحة، ده استفز ترامب وهدد انه هياخد إجراءات ضد مواقع التواصل.

– بعدها ترامب وقع أمر تنفيذي ممكن يسمح قانونا بمقاضاة الشركات دي بتهم زي تقييد حرية التعبير، لكن محصلش أي حاجة بعدها، وجاك دوروسي رئيس تويتر أكد انه متمسك بموقفه تماما.


ترامب ضد المؤسسات: الجيش الأمريكي

– بدأنا كلامنا باعتذار رئيس الأركان الأمريكي عن مجرد ظهوره في صورة جنب ترامب، مع انه مقالش ولا كلمة في المشهد ده، وده جزء من حالة رفض واسعة جدا لقادة عسكريين حاليين وسابقين لاستخدام الجيش في السياسة الداخلية الأمريكية.

– مجلة ذا نيويوركر نشرت تفاصيل أكتر، انه حصلت مشادة في البيت الأبيض بين ترامب ورئيس الأركان، ورفع صوته ضده، وصمم على رفض مشاركة الجيش وترامب اضطر يتراجع قدامه.

– وزير الدفاع الحالي، مارك اسبر أكد عدم تأييده لاستخدام الجيش ضد الاحتجاجات، وقال “خيار استخدام قوات الجيش في عملية إنفاذ القانون يجب أن يكون الأخير وذلك فقط عندما يكون الوضع طارئا وأليما .. ونحن لسنا في أحد هذه المواقف الآن”.

– البنتاغون سحب القوات الرمزية اللي كانت تواجدت في شوارع واشنطن، وزير الجيش الأمريكي رايان ماكارثي قال إنه “لم يتم استخدام أي من القوات العسكرية الفعلية لدعم انفاذ القانون في الولايات المتحدة”.

– عشرات من المسؤولين العسكريين منهم وزراء دفاع سابقين وقعوا رسالة مشتركة بتتهم الرئيس ترامب “بخيانة القسم والدستور” لانه فكر يستخدم الجيش لأغراض سياسية داخلية.

– وزير الدفاع السابق جيمس ماتيس هاجم ترامب بشدة وقال انه مصدوم من أسلوب تعامله اللي يؤدي إلى “نشر الفرقة في البلاد وإساءة استخدام سلطاته”، فترامب رد عليه على تويتر قال إنه “لم يكن معجبا بماتيس ولا بأسلوب قيادته علاوة على الكثير من الجوانب الأخرى”


ترامب ضد المؤسسات: حكام الولايات والسياسيين

– استجابة ترامب للاحتجاجات كانت بالمطالبة باستخدام القوة معاها، ووصفها بأنها احتجاجات منظمة من قبل حركة “أنتيفا” اليسارية اللي وصفها بالإرهابية.

– طالب حكام الولايات انهم يستخدموا سلطتهم في نزول قوات الحرس الوطني التابعة ليهم لفض المظاهرات، لكن أغلبهم تجاهلوه والعديد منهم قالوله اسكت أو سخروا منه.

– حاكم ولاية مينسوتا طلع اعتذر عن العنف المستخدم ضد المتظاهرين، فترامب وصفه بالضعيف وهدد باستخدام الجيش، فرد على ترامب بان انتا اللي ضعيف وبتهرب من المشاكل بدفن راسك في الرمال، وان في مشكلة حقيقية هي عنف الشرطة تجاه المواطنين الأمريكيين السود، وعرض جهود حكومة الولاية في إصلاح الوضع دا في السنين اللي فاتت، وقال أننا محتاجين نبذل الكثير من المجهود في الملف ده.

– عمدة واشنطن مورييل بوزير، وهيا أيضا أمريكية من أصل أفريقي، أعلنت رفضها التام وجود الجيش في واشنطن، وكمان طلبت من أي قوات جاية من خارج الولاية تغادر المدينة فورا، أعلنت دعمها لمطالب المتظاهرين، وغيرت اسم جزء من الشارع الرئيسي اللي قدام البيت الأبيض إلى شارع “حياة السود مهمة”، العبارة اللي سمحت بكتابتها على الشارع كرد ضد ترامب. ترامب شعر بالاستفزاز وقال انها “غير مؤهلة لمنصبها”.

– كثير من المسئولين والسياسيين هاجموا ترامب، ومنهم شخصيات مهمة من حزبه الجمهوري نفسه، ومنهم الرئيس السابق جورج بوش اللي اتهم ترامب بسوء التصرف “والفشل الصادم” في التعامل مع ملف العنصرية، وكمان وزير الخارجية الأسبق كولن بأول اللي قال إنه هيصوت لخصمه الديمقراطي بيدن، فترامب هاجمه وفكره بدوره في تضليل الأمريكيين بغزو العراق.

– لما ترامب ظهر في مشهد رفع الانجيل قدام كنيسة القديس يوحنا قرب البيت الأبيض، والبعض بدأ يذكره بفديو أثناء انتخابات الرئاسة لما اتسئل على أفضل آية بالنسبة له في الإنجيل، واتلعثم وقتها ومقدرش يفتكر ولو جملة واحدة.

– مثلاً ماريان بادي، رئيسة قساوسة واشنطن قالت ” إنّ ما فعله ترامب “تمثيلية، تتناقض مع تعاليم المسيح”.

– حاليا النواب الديمقراطيين بيجهزوا مشروع قانون جديد يتضمن إصلاحات كبيرة في الشرطة الأمريكية.

– استطلاعات الرأي كلها بتكشف تراجع شعبية ترامب .. استطلاع من سي إن إن على سبيل المثال قال إن 80٪ من المواطنين أيدوا حق المتظاهرين في التعبير عن رأيهم، 57٪ أعلنوا رفضهم الطريقة اللي بيتصرف بيها ترامب، 41٪ قالوا انهم هيصوتو لترامب مقابل 55٪ لبيدن. طبعا ده مش معناه بالضرورة ان النتيجة هتكون كده بيدخل في الموضوع عوامل كتير ممكن تغير اللي هيحصل.


رائج :   مسلسل “الاختيار” ونقاط هامة.. بعيدا عن “التسييس”

دور الصحافة في الأحداث؟

– الصحافة والاعلام بالمجمل عملوا تغطية رائعة، واستثناءات قليلة هي اللي قدمت خطاب تحريض ضد المتظاهرين مع أعمال العنف والاشتباكات مع الشرطة.

– بعض الصحفيين تعرضوا لاحتجاز زي ما حصل مع طاقم سي إن إن اللي تم احتجاز مراسلها عمر جيمينز وزملاؤه لمدة ساعة، لكن سرعان ما تم الإفراج عنهم.

– حاكم ولاية مينوسوتا قال انه “يعتذر بشدة” عن اللي حصل في اتصال هاتفي مع رئيس شبكة سي إن إن جيف زوكر.

– الصحافة بدأت تغطي القضية بالعموم مش الأحداث الجارية، ويطرحوا أسئلة عن عن تسليح الشرطة المبالغ فيه، وتدريبات الشرطة هل بترسخ لاستخدام العنف المبالغ فيه في القبض على المشتبه بيهم خاصة لو كانوا أمريكين سود، وهما بياخدوا التدريبات دي فين؟ وبتتكلف كام؟ وهل هي ضرورية بالشكل دا؟

– بيظهر ضيوف من كل التوجهات، من أول اللي بيأكدوا ان الشرطة عنصرية كمنهجية، بدليل ان نسبة السود في ضحايا قتل الشرطة أو في السجون أضعاف نسبتهم السكانية، وقصادهم ضيوف بيؤكدوا ان السود بيطلع منهم النسبة الأكبر من الجرايم وده برضه بيروح لنقاشات اجتماعية وتاريخية، أو بيركزوا على مخاطر عمل رجال الشرطة في بلد فيها حمل الأسلحة النارية قانوني

– الصحافة نشرت كتير من الأخبار الحصرية، وبعضها أزعجت الرئيس جدا، زي خبر ان ترامب لجأ لمخبأ تحت الأرض أثناء اقتراب المتظاهرين من البيت الأبيض، وترامب اضطر يطلع ينفي ده، وإنه بس كان بيزور الملجأ ده لمدة دقايق.


رائج :   الصمت الاسلامي – العربي تجاه مأساة مسلمي الروهينجا بميانمار (بورما) … عذر أقبح من ذنب

ايه اللي ممكن نشوفه في كل ده؟

– بشكل عام الولايات المتحدة والدول الديمقراطية بالعموم مش بلاد ملايكة ولا مفيهاش أخطاء جسيمة جدا، وبشكل عام كمان مفيش حقوق بتيجي منحة أو ناس بتتولد بيها، لكن أمريكا تحديدا فيها تاريخ طويل من نضال الشعب والمجتمع المدني لتوسيع الحقوق والمساواة، ونفتكر هنا ان حركة الحقوق المدنية اللي وصلت لإقرار حق السود في التصويت سنة 1965 بعد حركات عصيان مدني ومظاهرات ضخمة ظهر فيها قادة زي مارتن لوثر كينغ.

– لكن أهم ميزة في البلاد دي هيا حاجتين، الانتخابات النزيهة، والمؤسسات، وده اللي بيقلل من الآثار السلبية لأي شخص في أي منصب حتى لو كان الرئيس، وكمان بيدي طول الوقت فرص للمراجعة والتغيير، سواء بالانتخابات أو بالقضاء المستقل أو بغيرها من الآليات المتاحة لكل الأطراف.

– يعني لك أن تتخيل لو المشاهد دي في دولة استبدادية فردية بدون مؤسسات مستقلة، ورئيسها طلع قال الخطاب العنيف ده، كان عدد القتلى من المتظاهرين وصل كام، أو الجيش وحكام الولايات والبرلمان وكل المؤسسات وضعها إيه.

– كتير جدا في العالم العربي بيتقال ان المظاهرات والثورات مؤامرة من أمريكا، طيب لما تحصل مظاهرات في أمريكا نفسها تبقى مؤامرة من مين؟ الحقيقة إن الناس بالعالم كله مش بتنزل الشوارع إلا لما يفيض غضبها، فلازم دايما الحاكمين يشوفو المطالب العادلة وتحقيقها أو حتى التفاوض فيها .. الحل انك تعالج المشاكل دي بقوة وشجاعة وتعترف بالأخطاء، خصوصاً لو كانت نتيجة تراكم تاريخي زي تراكم العنصرية تجاه السود في أمريكا أو أمثالها من القضايا المتراكمة في بلادنا.

– حياة المواطنين نفسها لها قيمة أولوية، وده اللي حصل في مشهد زي إحراق قسم شرطة مينابوليس بعد الأحداث، الشرطة انسحبت ومفتحتش الرصاص على الناس ولا حاجة، لإن المباني تتعوض لكن الحفاظ على حياة المواطنين ومحاولة امتصاص غضبهم أهم، بينما بنشوف عندنا من وقت ثورة يناير خطاب بيبرر قتل المواطنين كإنه الوسيلة الوحيدة عشان الحفاظ على “منشآت الدولة”.

– اللي بيمنع تكرار مشاهد بتحصل في بلادنا، زي افلات ظباط بيعذبوا مواطنين من العقوبة، أو الرئيس نفسه يصدر عفو رئاسي عندهم زي ما شفنا، أو اغلاق الصحف وسجن الصحفيين، هوا ان المسؤولين بيخافوا من المحاسبة القانونية أو الانتخابية، وده هوا فعلا اللي بيعمل “هيبة مؤسسات الدولة”، وهوا فعلا اللي بيخلي الدول تقدر تصحح مسارها وتحسن كفائتها.

مقالات ذات صلة