مما لا شك فيه أن افتتاحية العرّاب واحدة من أعظم الافتتاحيات في تاريخ السينما العالمية ..
قد يهمك:
فيلم “الضيف” .. محاولة لحشر الأفكار في رأس الجمهور
حفل زفاف ضخم، يُظهر فيه فرانسيس كوبولا كل شخصيات العمل، قبل التوغل في عوالمهم. إن هذا النوع من التجمعات الكبيرة والضخمة، صعبة جداً، خصوصا على المستوى التقني، تأخد من المخرج وقت وجهد كبير. كما أنها مكلفة جداً.
لكن الافتتاحيات ربما أكثر ما كان يميز أفلام كوبولا. افتتاحية فيلم “القيامة الآن” تصنف بدورها من بين أعظم الافتتاحيات، وأكثرها ضخامة، فهي جزء لا يتجزأ من أسلوبية كوبولا ..
” الانتقال من الحفل إلى الغرفة المظلمة ”
الانتقال الأول يكون مباشرة إلى غرفة العرّاب، حيث نجد مارلون براندو والهرّة، وهنا يتضح لنا نوعية الرجل الذي نحن على وشك أن نتعامل معه طيلة أطوار الفيلم، يُقال أن الهرْة لم تكن جزء من المشهد، فقط تقدمت عند براندو وهو في مقر التصوير فطلب من كوبولا أن يتركها في يده أثناء إلقاء الحوار، وافق كوبولا واعطت الهرّة جمالية للمشهد. هرّة تمثل اللطف، في مشهد تطغى عليه البشاعة، لتحقيق أول أنواع التوازن.
هكذا هي حياة ڤيتو كورليوني، اللطف موجود فيها بقوة رغم طبيعة عمله. رجل مسكين يطلب من الدون أن ينتقم له، ومستعد أن يدفع له ما يريد:
رجل أمن بأمريكا، لكنها لم تؤمن به، لم يتبقى له إلاّ اللجوء عند الدون، رمز العدالة والقصاص ..
ڤيتو رغم انه زعيم مافيا يشتغل في الأعمال غير الشرعية، رجل أزهق أرواح كثيرة، لكنه في نفس الوقت الرجل الذي ينتصر للعدالة، الطفل الصغير الذي جاء إلى أمريكا على متن باخرة، محمل بكل هموم الدنيا، ينظر إلى تمثال الحرية، ويتمنى أن يصنع حياة لنفسه، بعد أن فقد كل عائلته أمام أعينه. أصبح اليوم رمزا للعدالة. يغضب ڤيتو من طلبه. الدون لا سعر له، لا يقدم خدمات من أجل المال، هو يقدم خدمات من أجل الخدمات، يمكنني أن أنتقم لك، لكنك ستكون مستعد لتقف معي عندما أحتاجك، وذلك ما سيحصل فعلا عند مق-تل سوني بطريقة بشعة جداً، ويحتاج الدون ڤيتو له من أجل ترميم وجه ابنه: وهو يردد “انظروا ماذا فعلوا لابني ”
قد يهمك:
لماذا أعتبر فيلم توم هانكس A Hologram for the King بمثابة “تعرية” للعرب
ڤيتو كورليوني، وفلسفة التوازن
الدون ڤيتو أكثر ما كان يميزه أنه رجل تقليدي يؤمن بمجموعة قواعد لا يمكن تجاوزها، مهما كلف الأمر ..
ليس لأنه رجل يرفض التجديد، لطالما كان يبحث عن تطوير أعماله، لقد بنى امبراطورية من لا شيء، لكنه داخل عالم الجريمة ويعي أن الحدود مهمة جداً لكي لا يتمادى. حدود تمثل التوازن في حياته.
عندما تمتلك القوة لفعل أي شيء، من الحكمة أن تضع حدود لنفسك لكي لا تتجبر، لكي لا تنغمس في الشر لدرجة تنسى فيها نفسك، وانسانيتك، الافراط في القسوة قد يجعلك تخسر كل شيء ( نقيض مايكل) لذلك لم يكن ڤيتو يؤمن بالمال فقط، أو بالقوة فقط، أو بالقسوة فقط، بل كان يؤمن بأشياء أخرى مثل: الصداقات والخدمات، الوفاء والولاء، العائلة. لقد كان رجل لطيف جداً مع من يستحقون ذلك.
الحياة بالنسبة له قائمة بالأساس على تحقيق هذا التوازن، الافراط لم يكن يوما في قاموس الدون ..
Coppola, The godfather (1972)