تاريخ

الحرب العالمية الثانية .. الجزء الخامس || الحركة الخاطئة

 فى 23 أغسطس 1939 أى قبل إعلان الحرب العالمية الثانية بأسبوع واحد قامت ألمانيا و والاتحاد السوفييتي بتوقيع إتفاقية عدم الإعتداء .. شملت الاتفاقية بنوداُ سرية لم تعلن كانت تنص على تقسيم دول البلطيق بينهم ففى الوقت التى أخذت فيه ألمانيا غرب بولندا و ليتوانيا أخذ الإتحاد السوفييتي شرق بولندا و فنلندا وإستونيا و لاتفيا ..

بعدها بفترة تم توقيع إتفاقية أخرى و ضم بمقتضاها الإتحاد السوفييتي ليتوانيا .. مقابل ذلك ضمن هتلر عدم مشاركة روسيا فى الحرب و أيضاً ضمن إستيراد مواد خام من أوروبا الشرقية بأسعار زهيدة جداً و أحياناً بدون مقابل .. رغم العداء إلا أن الإتحاد السوفييتي إلتزم تماماً مع ألمانيا فيما يخص الحدود و ما يخص دفعات المواد الخام و شحنات المحاصيل الزراعية .. كانت روسيا تعتبر الوقود الذى يعتمد عليه هتلر فى غزو أوروبا الغربية ..

ألمانيا كانت تريد حليفاً قوياً و عدم تكرار خطأ سوء إختيار الحلفاء فى الحرب العالمية الأولى .. إيطاليا ضعيفة و حتى الآن هى لم تدخل الحرب رسمياً و اليابان ليست فى أوروبا وبالتالي معركتها بعيدة نسبياً .. هى كانت تحتاج ظهيراً أوروبياً و الإتحاد السوفييتي رغم العداء إلا أنه كان أفضل البدائل المتوفرة وقتها .. إيطاليا اقتصادها مرهق و قواتها المسلحة كانت متأخرة من حيث العدد و التدريب و لكن يحكمها نظام فاشى عسكرى بقيادة موسوليني 

كان موسولينى يرغب بإعادة أمجاد روما القديمة و بسبب وضعه الاقتصادي رفض الدخول مباشرة فى الحرب و انتظر حتى بدأت بوادر إنتصار ألمانيا بغزوها لفرنسا ثم أعلن اشتراكه فى الحرب فى 10 يونيو 1940 و قام باقتحام الحدود الجنوبية لفرنسا و لكن مشاركته كانت محدودة .. قبل بداية الحرب بـ 5 شهور إيطاليا غزت ألبانيا ثم بعد الحرب قامت بغزو اليونان بمساعدة ألمانيا نفسها .. لم يبقى فى أوروبا إلا إنجلترا و يوغوسلافيا ..

فى 6 إبريل 1940 تم إقتحام الحدود اليوغوسلافية عن طريق ألمانيا وإيطاليا والمجر وبلغاريا و خلال شهرين فقط كان قد تم احتلالها و تقسيمها إلى كرواتيا و والبوسنة كجمهورية جديدة و مونتينجرو و جزء من سلوفينيا إيطاليا و الجزء الأخر مع صربيا بالكامل كان من نصيب ألمانيا .. الآن أوروبا كلها باستثناء إنجلترا فى يد ألمانيا وحلفائها و ما تبقى فهو على الحياد لأنه لا يستطيع مواجهة ألمانيا بحكم عنصر التفوق على الأرض ..

لو أن هتلر فى تلك اللحظة فكر قليلاً و ركز كل جهوده و جهود حلفائه على هزم إنجلترا لكانت هزمت و لا شك .. فمع الوضع الراهن كانت أمريكا تنأى بنفسها تماماً عن الجبهة الأوروبية و إن فكرت فى الحرب فإن اهتمامها الأكبر سيتوجه لليابان عدوتها اللدود فكانت مسألة مساندة إنجلترا مطروحة بالفعل و لكن مع موازين القوى الحالية فلم تكن لتضحى بنفسها فى مواجهة قارة بأكملها و تدريجياً لم تكن لتقوى إنجلترا على مواجهة المد الألمانى وحدها .. هتلر كان متسرع و كان عصبى المزاج تماماً كما اعتقد باول فون هندنبرج رئيس ألمانيا حين رفض إعطائه المستشارية .. مكسب الحرب الآن كان أقرب ما يكون لألمانيا ولكن قرار واحد غير مدروس من الممكن أين يقلب الكفة تماماً ..

رائج :   الحرب العالمية الثانية .. الجزء الثاني || التجهيز للحرب

احتاجت ألمانيا للمواد الخام .. هى تحتاج أن تغذى مصانعها بإستمرار و يجب أن تستمر عجلة الإنتاج فى الدوران .. لو توقفت فهذا معناه بداية الهزيمة .. غلطة هتلر الكبرى هى فتح جبهة جديدة على نفسه قبل الإنتهاء من الجبهة القديمة .. يبدو أنه صدق أن الجندى الألمانى لا يقهر بالفعل .. يبدو أن تملق الناس له و سحر آلة جوبلز الدعائية أثر عليه هو شخصياً .. وجد أن أوروبا الشرقية تمتلىء بالمواد الخام التى تحتاجها مصانعه بشدة .. و لكن هناك اتفاقية عدم اعتداء مع روسيا .. فلتذهب تلك الإتفاقية للجحيم .. لقد حان الوقت لفتح مجال حيوى جديد .. حان الوقت لمساحة عيش جديدة لهتلر و شعبه ..

رغم كل تلك التجهيزات التى سبقت الهجوم و رغم كل تحذيرات القادة و الجواسيس السوفييت إلا أن ستالين لم يتخيل أن يقدم هتلر على ذلك الهجوم خصوصاً و أنه لم ينهى معركته مع إنجلترا بعد .. فى 22 يونيو 1941 قامت قوات المحور بزعامة ألمانيا بدء عملية بارباروسا .. 4.5 مليون جندي اجتاحوا حدود الإتحاد السوفييتى بطول 2900 كيلو متر .. اعتمدت قوات المحور على الهجوم على 3 محاور شمالاً ناحية دول البلطيق وصولاً إلى لينينجراد و فى الوسط ناحية سمولنسك ثم موسكو و جنوباً ناحية كييف ثم دول القوقاز ..

شمالاً دول البلطيق غنية بالنفط و جنوباً كييف مركز زراعى كبير و أيضاً دول القوقاز غنية بالنفط أما فى الوسط فيوجد موسكو برمزيتها السياسية .. اختلف القادة حول أولوية الهجوم و رأوا أن الهجوم على موسكو مرة واحدة كفيل بإنهاء 70 % من المعركة بداعى العامل النفسي والإحباط الذي سيسيطر على الجنود الروس حين يعلموا بسقوط عاصمتهم بتلك السرعة .. أما هتلر فسال لعابه على الموارد النفطية و المعادن المنتشرة فى كل ربوع روسيا فأمر بتقدم ال 3 محاور مع إعطاء الأولوية لإحتلال لينينجراد و كييف و بالطبع تم تنفيذ خطة هتلر فمن يستطيع مخالفة أوامر الفوهرر ..

رائج :   صلاح الدين و موقعة حطين: قصة البطولة والتحدي في التاريخ الإسلامي

التاريخ أثبت صحة وجهة نظر مساعديه فلو كانت سقطت موسكو كان إحتلال باقى المناطق أسهل لأن الجيش سيصيبه التفتت حينها مع تشتت قيادته أما ما حدث فكان العكس تماماً .. الإتحاد السوفيتي لم يكن دولة ضعيفة .. نعم خسائره فى تلك الحملة كانت أكبر من ألمانيا بكثير و لكن كانت عنده القدرة للدفاع عن أراضيه بضراوة فكان يقف على الجبهة الغربية له 2.6 مليون جندى و 70 % من مدرعاته و آلياته كان هناك أيضاً 240 فرقة .. 12782 دبابة على رأسها الدبابة تى_34 مقابل 4.5 مليون جندى ألمانى و 3350 دبابة من نوع بانزر ..

153 فرقة ألمانية بخلاف فرق بلغارية و رومانية و فنلندية و سلوفاكية .. 3 مليون جندى كدفعة أولى .. 600 ألف شاحنة .. 3000 دبابة .. 7000 مدفع .. 3000 طائرة .. اقتحموا الحدود بدون إعلان رسمى للحرب .. هجوم كان مباغت و أحدث خسائر كبيرة جداً فى الجانب الروسى .. تم إجتياز جمهوريات البلطيق بسهولة .. روسيا يحميها شيء أهم بكثير من قواتها المسلحة .. مساحتها ..

عندما هاجم الألمان روسيا كانت خطوط إمدادهم أقرب و كان معهم عنصر المفاجأة .. على العكس الجانب الروسى بوغت من الهجوم و خطوط إمداده بعيدة جداً بالإضافة للنقص الحاد فى شاحنات نقل الإمدادات .. مع الوقت و التقدم المستمر لألمانيا إنتقل هذا العيب إلى ألمانيا و تم عكس المعادلة .. صارت خطوط ألمانيا أبعد و دفاع الروس أقوى ..

خطأ أكبر وقع فيه هتلر قبل التجهيز لعملية بارباروسا .. إذا كنت ستتخلى عن حليفك الأقرب و هو روسيا فعلى الأقل كان يجب عليك التنسيق مع اليابانيين للهجوم فى نفس التوقيت من الجانب الشرقي لروسيا و بالتالى المفاجأة تتضاعف و الإرتباك يزيد و تشتت قوات الروس بين الدفاع عن أراضيها على جبهتين .. كان التنسيق فى أدنى مستوياته و لعل السبب أن اليابان لم تكن لتعير طلبه إهتماماً لأنه كان من الواضح أنها دخلت الحرب طمعاً فى إمبراطورية أسيوية و أيضاً تربصاً بعدو أكثر شراسة .. الولايات المتحدة الأمريكية

رغم تفوق الدبابة الروسية على نظيرتها الألمانية و رغم عددها الأكبر و رغم عدد القوات الكبيرة و قوة المدفعية الروسية و على رأسها المدفع المطور كاتيوشا إلا أن كل هذا لم يوقف التقدم الألمانى .. تم حصار لينينغراد و تم السيطرة على سمولنسك و أيضاً كييف .. صارت المواد الخام مؤمنة بالتأكيد .. ماذا بقى إذاً .. بقى الجزء الذى اعتبره هتلر هيناً و سيتم تولى أمره لاحقاً .. موسكو ..

رائج :   هزيمة يونيو المستمرة || (٨): بحق الدم ، تيران وصنافير مصرية

حين تخسر حوالى ربع مساحتك و لا تكون مهدداً من حدودك الشرقية فما يجب عليك سوى إثارة الحس الوطنى فى جنودك و شعبك و أيضاً تحريك أغلب قواتك تجاه الجبهة المهددة .. روسيا خسائرها البشرية وصلت لأعلى مستوياتها فى التاريخ .. تم أسر حوالي 1.5 مليون جندى من جنودهم .. وصل إحساس الخطر إلى كل الروس و بالأخص الجنود .. الحس الوطنى وصل إلى أعلى معدلاته .. شرف الموت من أجل الوطن صار حلماً للجنود الروس .. عندها صارت موسكو صعبة المنال .. زاد استبسال الجنود فى الدفاع عنها فهم قد وصل إليهم أن خسارتها تعنى خسارة كل شيء .. الإتحاد السوفيتي لم يكن بذلك الضعف نعم القوات الألمانية أقوى و لكنهم كانوا أيضاً أقوياء .. فشلت ألمانيا فى إجتياح موسكو رغم أنهم كانوا على بعد أقل من 50 كيلو متر منها و أثبتت خطة هتلر فشلها ..

هتلر أخطأ في قرار اجتياح روسيا من البداية .. ثم أخطأ أكثر حين قرر الهجوم عليها فى أواخر الصيف حيث خلال شهرين سيحل الخريف وبعده الشتاء .. و خريف و شتاء روسيا قاتل لمن يقوم بدور الهجوم .. مع الهزيمة فى معركة موسكو اضطرت القوات الألمانية للتراجع حوالى 200 كيلو متر .. و حينها فقد هتلر ميزة الحرب على جبهة واحدة و حليف الأمس سيصير عدو المستقبل .. روسيا دخلت الحرب و عاد ميزان القوى يميل إلى جهة الحلفاء .. ليس فقط لإنضمام روسيا و لكن لأن بسبب عدم التنسيق مع اليابان فإنها قد هاجمت أمريكا و حينها أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية دخول الحرب ..

بسبب قرار واحد خاطىء من هتلر تحولت ألمانيا من دولة تسيطر على نصف أوروبا و لديها حليفين فى الشرق إلى دولة مهددة من جبهتين .. يا لسعادة بريطانيا و رئيس وزرائها وينستون تشرتشل بعد أن كانت تحارب وحدها فجأة و خلال شهور أصبح لها حليفين من أقوى جيوش العالم وقتها .. هتلر كان كمن يلعب شطرنج و قام بحركة خاطئة .. حركة واحدة لم يستطع بعدها إنقاذ نفسه من الخسارة ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *