تاريخمن هنا وهناكوعي

صلاح الدين و موقعة حطين: قصة البطولة والتحدي في التاريخ الإسلامي

موقعة حطين على أرض فلسطين (583هـ – 1187م):

في أواخر القرن الخامس الهجري، الموافق الحادي عشر الميلادي، استطاعت الحملات الصليبية التي قادها ملوك وأمراء أوروبا ضد الشرق الإسلامي تحت اسم الصليب لتبرير أطماعهم في هذه البلاد وثرواتها، أن يستولوا على عدد من بلدان المشرق العربي·

وكانت غايتهم فلسطين لمكانتها الدينية ولاسيما حاضرتها القدس التي دخلوها في 23 شعبان سنة 492هـ الموافق 15 تموز/ يوليو 1099م.

استرجاع بيت المقدس

وقد هزت هذه الهزيمة المسلمين في شتى بقاع الأرض· ومنذ ذلك الحين بدأ الاستعداد لبناء القوة القادرة على مواجهة هذا الحظر وتحرير الأرض واسترجاع بيت المقدس أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين الى حظيرة الإسلام· وطبق المسلمون قول الله تعالى:

{وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون}(الأنفال 60)·

واستمر ذلك حوالي قرن من الزمان· وكان صلاح الدين الأيوبي يوسف بن أيوب· مؤسس الدولة الأيوبية التي ضمت تحت جناحها مصر والشام، هو القائد المحنك والسياسي المجرب الذي تحقق على يديه، النصر في موقعة حطين التي جرت على أرض فلسطين في 17 ربيع الثاني 583هـ الموافق 4 تموز / يوليو 1187م·

رائج :   معاوية بن أبي سفيان (الصحابي الجليل و صهر رسول الله) رضي الله عنهما ||ج2

فبعد سنوات من الإعداد المنظم والحشد الاستراتيجي السياسي والعسكري الذي تولى القيام به صلاح الدين بنفسه، ونجاحه في توحيد مصر وسوريا، ووضع قواتهما تحت قيادته الحكيمة.

قرر أن يضع حداً للجرائم التي ارتكبها أمير الكرك المعروف بأرناط ضد المسلمين وتعرضه المستمر لقوافل الحج الذاهبة إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، مخالفاً بذلك ما كان بين المسلمين وبينه من اتفاقات للهدنة·

خطة حربية و انتصار عظيم

فوضع صلاح الدين خطة حربية محكمة، وأحسن اختيار الزمان والمكان المناسبين للمعركة المنتظرة فتقدمت الجيوش تحت قيادته من الشرق نحو فلسطين· وبدأ بمحاصرة مدينة طبرية وهي مهمة بالنسبة للصليبيين ثم أسرع واستولى عليها، وأحاط بها من كل جانب، وأحكم قبضته على مصادر المياه في المنطقة كلها·

رائج :   ماليزيا .. موهبة الإعتماد على الذات || الجزء الأول

عندئذ تجمعت جيوش الصليبيين وحاولت مهاجمته والتقدم لاسترجاع طبرية· وهذا ما أراده منها صلاح الدين فقام على الفور بمحاصرتها في وادي ضيق بين الجبال ومنعهم من الوصول إلى خزانات المياه وهي مادة حيوية في الحروب مثل النفط في عصرنا، لاسيما أن المعركة دارت في فصل الصيف شديد الحرارة في هذه البقعة من فلسطين·

وبعد أن حاصرهم حصاراً محكماً، وبلغ منهم الجهد مبلغه فتح لهم ثغرة ضيقة للاندفاع منها واستطاعت قواته أن تهجم عليهم من كل جانب، ودارت معركة حامية بين الطرفين ورجحت كفة صلاح الدين الذي حقق النصر المبين على جيوش الصليبيين· وكانت هزيمتهم في حطين بداية النهاية لاحتلالهم للشرق الإسلامي·

وتقدم صلاح الدين لتحرير بيت المقدس وظفر بذلك ودخلها في 26 رجب سنة 583هـ الموافق/ تشرين أول/ أكتوبر سنة 1187م أي بعد نصر حطين بثلاثة أشهر فقط ، ولما كان هذا النصر يبدو بعيداً في ظل ما كان يعاني منه المسلمون في ذلك الزمان من ضعف فقد وصفه نائب صلاح الدين عماد الدين الأصفهاني، بقوله: أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون·

رائج :   تعرف على قصة “الكاهن والشيطان” لفيودور دوستويفسكي

وعلى عكس ما فعل الصليبيون عند احتلالهم للقدس وقيامهم بارتكاب مذابح ضد السكان دون تمييز بين المسلمين أو النصارى الذين كانوا يعيشون جنباً الى جنب قروناً عديدة تحت راية الحضارة الإسلامية والدين الإسلامي الحنيف.

فقد عفا صلاح الدين عن الأسرى من النساء والأطفال والشيوخ والعجزة وقدم لهم العون والمساعدة التي تبلغهم بلادهم لمن أراد العودة منهم، وأمن من رغب في البقاء·

يصف ذلك الشاعر أبو الفوارس سعد بن محمد فيقول:

ملكنا فكان العفوا منا سجية … فلما ملكتم سال بالدم أبطح

وحللتم قتل الأساري وطالما … غدونا على الأسرى نمن ونصفح

وحسبكم هذا التفاوت بيننا … وكل إناء بالذي فيه ينضح

وقال المؤرخ الانجليزي لين بول عن فتح بيت المقدس:

لو لم يكن لصلاح الدين من الأعمال الثابتة إلا أخذه بيت المقدس لكان ذلك كافيا لجعله أعظم الفاتحين في عصره وأكبرهم قلباً بل لعله كان كذلك في أي عصر من العصور.

قد يهمك:

سيرة أمير المؤمنين علي رضي الله عنه

مقالات ذات صلة