تاريخ

الحرب العالمية الثانية .. الجزء السابع || التراجع جنوبا

فى الوقت الذى كانت تخسر فيه ألمانيا فى الجبهة الشرقية لم تكن باقى الجبهات تسير على ما يرام .. ففى الجبهة الغربية كانت بريطانيا و معها الولايات المتحدة يخططون لإقتحام فرنسا .. و جنوباً فى إفريقيا كانت إيطاليا الحليف الضعيف الذى ركب على أكتاف ألمانيا متأخراً يعانى من ضربات الإنجليز له .. موسولينى دخل الحرب طمعاً فى مكاسب إعتبرها سهلة و إستثماراً فى الإنتصار المتوقع لألمانيا فى الحرب و لكنه مع الوقت صار عبئاً على ألمانيا و صار أمر نجدته لا مفر منه أمام هتلر ..

قبل الحرب ألمانيا كانت تأمل فى تكوين تحالفات قوية تجنبها خطر الحرب وحيدة كما فعلت فى الحرب العالمية الأولى و ضمان إنتصارها و حاول بالفعل مع بريطانيا أكثر من مرة و لكن عروضه قوبلت بالرفض .. كان يرغب بشدة فى أن يكون له حليف يعتمد عليه وقت الحاجة .. لم يجد إلا الإتحاد السوفييتي عدوه الأزلي و لم ينل أكثر من إتفاقية عدم إعتداء و ليس تحالف عسكرى كامل و لكنها كانت خطوة ضرورية ..

إيطاليا كانت تمثل لهتلر خطوة على الطريق ليس أكثر .. كان يعلم إنها ضعيفة و جيشها متهالك لكنه وافق على التحالف معها لعدم توفر البديل الأوروبى الجيد .. عانت ألمانيا من ضعف حلفائها فى الحربين و كل من إلتحق بها لاحقاً مثل بلغاريا و رومانيا و المجر كانت عملية مقامرة ليس أكثر .. هم تصوروا أن الألمان سيستولوا على أوروبا كلها و كان الأسلم بالنسبة إليهم أن يكونوا فى صف الجيش المنتصر .. ما كان ليبقى عليهم هتلر أبداً .. لو تمكن هتلر لكان انقلب عليهم كلهم ..

فى الوقت الذى كان هتلر يأمل فى استبسال الإيطاليين فى جبهة شمال إفريقيا لفتح جبهة شرقية له و بالتالى استغلال أمثل لموارد المنطقة العربية و من بعدها بلاد فارس و بلاد القوقاز كانت إيطاليا تخيب ظنه مرة بعد مرة و تتلقى الضربات من الإنجليز الواحدة تلو الأخرى و تحولت من حليف إلى أزمة جديدة فى طابور أزمات الألمان .. مع هذا التراجع الإفريقى لم يجد أمامه إلا دعم قوات موسولينى فى الجنوب بواحد من أبرع جنرالاته إيروين روميل مدعوماً بفرقته فيلق إفريقيا ..

قبل وصول روميل إلى ليبيا كانت لدى إيطاليا مخططها الخاص بها و هو هزيمة القوات البريطانية على أرض مصر ثم التوجه جنوباً نحو السودان المحتلة أيضاً من بريطانيا و ضمهم مع إريتريا ليصبح البحر الأحمر بالكامل فى قبضة إيطاليا و تصورها الشخصى بنى على أن قواتها كانت أكثر من حيث عدد الجنود والآليات الحربية .. فى 13 سبتمبر 1941 بدأت الحملة الإيطالية على مصر و بالفعل نجحوا فى إقتحام الحدود المصرية و توغلوا لمسافة 110 كيلو متر حتى وصلوا إلى مدينة ماكتيلا شرق سيدى برانى .. مساحة من الأرض أراد موسولينى استغلالها و استكمال الهجوم إلا أن قائده رودولفو جراتسيانى فضل بناء المعسكرات و مد الطرق على طريق الساحل المتوسطي ..

رائج :   الاستعمار الاوروبي للقارة السمراء و المحاولات الفاشلة لاثبات تفوق الجنس الأبيض

تأخر جراتسيانى فى الهجوم أتاح لبريطانيا فرصة تنظيم الصفوف .. 40 يوماً بلا هجوم كان كفيلاً بتجهيز القوات البريطانية نفسها و القيام بعملية من أنجح عملياتها فى شمال إفريقيا عملية البوصلة.. القوات الإيطالية كانت أكثر عدداً و أكثر تجهيزاً باستثناء بند الدبابات التى اعتمدت عليها القوات البريطانية فقد لديها 320 دبابة على رأسهم الدبابة ماتيلدا الثقيلة الوزن و العالية الكفاءة فى حين كانت لدى الإيطاليين 300 دبابة ليس بينهم دبابة واحدة ثقيلة ..

على الرغم من كثرة عدد الجنود إلا أن التفوق فى تكنولوجيا التسليح كان فى صف الإنجليز و بالفعل إستعادوا ماكتيلا و السلوم و لم يكتفوا بذلك بل توغلوا داخل الحدود الليبية و احتلوا سيدى عمر و البردية و طبرق و برقة و درنة و الجبل الأخضر و المخيلى و خولان حتى تم احتلال بنى غازى فى 6 فبراير .. خلال شهرين فقط من عملية البوصلة توغل البريطانيين حوالى 800 كيلو متر و أسروا 130 ألف إيطالى و استولوا على 380 دبابة و 845 مدفع بالإضافة لإغراق سفينة حربية إيطالية ..

هنا لجأ موسولينى إلى هتلر فأرسل إليه روميل مع فرقته لمجابهة القوات البريطانية .. قرار كان كافياً لوقف النزيف الإيطالى بكل تأكيد خاصة مع خطأ الإنجليز بتقسيم قواتهم فى ليبيا إلى 3 أجزاء سحبوا منهم جزئين .. جزء توجه لمهاجمة الطليان فى إثيوبيا و جزء توجه لليونان لمساعدتها فى مواجهة الغزو الألمانى لها .. خطوة ساعدت روميل فى إنهاك قوى البريطانيين لمدة عامين قبل انسحابه و توجهه لألمانيا ..

روميل وجد أن الإجتياح البريطانى كان هائلاً و معنويات الجيش الإيطالى و خاصة قادته كانت فى أدنى مستوياتها فقرر الانسحاب مؤقتاً لتنظيم الصفوف .. روميل لم يواجه البريطانيين وحيداً و لكنه كان مدعوماً بالشفرة السرية التي كان يستخدمها الملحق العسكرى الأمريكى فى القاهرة فى المراسلة مع الحكومة الأمريكية .. كانت المخابرات الإيطالية قد حصلت عليها بعد إقتحام سفارة الولايات المتحدة فى روما و كانت أمريكا لم تدخل الحرب وقتها .. ضمن تلك المراسلات كانت توجد خطة القوات البريطانية فى شمال إفريقيا .. وقتها وجد روميل تحت يديه خطة الحلفاء حتى يونيو 1942 .. كنز ساعد روميل فيما كان يجهز له بالتأكيد ..

رائج :   ماليزيا .. موهبة الإعتماد على الذات || الجزء الثاني

معركة عين الغزالة أكبر نجاح لروميل فى إفريقيا حيث استدرج قوات الحلفاء عن طريق هجوم تضليلي على ساحل البحر عند طبرق الليبية ثم الالتفاف من خلفهم بفيلق إفريقيا و تطويقهم من الخلف .. نجحت الخطة نجاحاً باهراً و ابتلع الحلفاء الطعم بسهولة .. بدأت المعركة يوم 26 مايو 1942 و خلال 25 يوم بالتمام و الكمال كانت قوات روميل قد حاصرت طبرق ثم اقتحمتها بعد هجوم كبير شنته قوات ألمانيا يوم 21 يونيو و أسرت حوالى 35 ألف جندى مع إستسلام قائدهم كلوبر .. نصر كبير رقى معه روميل من جنرال إلى رتبة مشير .. روميل لم يكن يريد ترقية قدر ما كان يريد دعم أكبر .. كانت عينه على التوجه شرقاً .. نحو مصر ..

الخطة الأصلية التى تم الإتفاق عليها بين ألبرت كيسلرنج قائد القوات الألمانية فى البحر المتوسط و روميل فى حضور هتلر و موسولينى كانت تقضى باحتلال طبرق ثم التوقف حتى الإنتهاء من إحتلال جزيرة مالطا التي كان يستخدمها الحلفاء للهجوم على قوافل الدعم لقوات روميل .. إلا أن روميل فاجىء الجميع باستمرار الإقتحام الشرقى .. قرار لم يكن متفق عليه إلا أن هتلر وافق عليه .. روميل كان يعشق الهجوم .. ولذلك أحبه هتلر ..

إستمر التقدم شرقاً و تمكن روميل من مرسى مطروح ثم استمر شرقاً حتى وصل إلى الضبعة .. و رأى أن العلمين ستكون المكان المناسب لمعركة فاصلة أمام قوات الحلفاء .. روميل كان قد كسب حوالي 600 كيلو متر منذ احتلاله طبرق و أكثر من 1050 كيلو متر من بنى غازى آخر نقطة وصل لها الحلفاء وهو ما يعد نجاحاً هائلاً بكل تأكيد إلا أن مع عدم إقتحام جزيرة مالطا فإن كثير من الدعم المرسل لروميل تمت مهاجمته و أيضاً بعد خطوط الإمداد لأكثر من 1000 كيلو متر لم يكن شيئاً سهلاً بالمرة فى حين أن ميناء السويس نقطة الإمداد الرئيسية لقوات الحلفاء كان يبعد حوالى 340 كيلو متر فقط و أيضاً يعتبر خط إمداد غير مهدد و هذا بخلاف ميناء الأسكندرية الأقرب للعلمين بحوالى 110 كيلو متر فقط .. روميل أخطأ كثيراً حين أصر على الهجوم دون تأمين دعم لقواته ..

تم تجهيز الجيوش لمعركة العلمين الأولى تحت قيادة روميل لقوات المركز ضد قوات الحلفاء بقيادة كلود أوكلنك قسمت تلك المعركة إلى 4 معارك فرعية حاول فيها الألمان إقتحام خطوط الحلفاء الدفاعية فى حين حاولت قوات الحلفاء تركيز الهجوم على القوات الإيطالية التى بالفعل تأثرت بشكل كبير و مثلت عبئاً كبيراً على القوات الألمانية

رائج :   كوريا الجنوبية … كيف تنجح في ألا تكون كوريا الشمالية

ففى الوقت التى كانت فيه القوات الألمانية تحرز تقدماً كانت هجمات الحلفاء على فرق إيطالية مثل أريتى و سابراتا و تريستا و بريسكا تكبدهم خسائر كبيرة فيضطر روميل لسحب جزء من فرقه لإنقاذ ما يمكن إنقاذه و استمر الحال كما هو عليه لمده 26 يوماً تكبد فيها الطرفان كثيراً من الخسائر ما اعتبره وينستون تشرتشل فشلاً ذريعاً جعله يعزل كلود أوكلنك من قيادة الجيش و تعيين برنارد مونتجمرى و هارولد ألكسندر بدلاً منه مع إعطائهم أوامر بوجود دحر القوات الألمانية لأنهم لو تقدموا أكثر لسقطت الأسكندرية و بعدها قناة السويس و معها تخسر بريطانيا أكبر قاعدة لها فى شمال إفريقيا ..

بدأت مشكلة الإمدادات تظهر على قوات المركز و هو ما أخبره روميل صراحة لهتلر و موسولينى إلا أن موسولينى إستخف بالتحذير و هتلر التى كانت قدماه غاصت فى المستنقع الروسى استكفى بالقوات التى أرسلها و اعتمد على الجيش الإيطالى لصد أى هجوم محتمل .. فى المقابل فإن خطوط إمداد الحلفاء أقرب و مؤمنة أكثر مما جعل قواتهم الحربية فى إزدياد دائم مقابل قوات المركز خاصة بعد مساعدة أمريكا لبريطانيا و دعمها فى أغلب خطوطها التى كانت تعانى من النقص ..

و بالفعل فمنذ بداية معركة العلمين الثانية فى 23 أكتوبر لم تستمر أكثر من أسبوعين على الأكثر لأن قوات الحلفاء استطاعت عزل قوات المشاة الألمانية و بعدها مباشرة قامت بهجوم كاسح عبر بلدة تل العقاقير جنوب سيدى عبد الرحمن ما لم تستطع مواجهته القوات الألمانية و ما أجبر روميل على أكبر عملية إنسحاب لمسافة قدرت بـ 2300 كيلو متر حتى مدينة مدنين فى تونس و ذلك لمقابلة إنزال قوات الحلفاء فى الجزائر و المغرب ..

حصار قوات المركز من الناحيتين جعل مسألة الفوز بالمعركة شبه مستحيل فمع بعد المسافة التى تم قطعها و قلة الإمدادات و خسارة معركة بنزرت و تونس لصالح الحلفاء أضطر حوالى 230 ألف جندى محورى للاستسلام و بحلول يوم 13 مايو 1943 كانت إنتهت أى مقاومة تذكر من قوات المحور و صارت شمال إفريقيا كلها فى يد الحلفاء ..

فى ذلك الوقت كان الجيش الألمانى يتراجع شرقاً و خسر الجبهة الجنوبية كلها ما جعلها منصة إنطلاق تجاه إيطاليا .. و إذا أضفنا لها تجهيز قوات الحلفاء للإنزال على شواطئ نورماندى فى شمال فرنسا فالصورة الآن توحى بحصار هتلر من 3 جبهات .. الحلقة الآن تضيق على رقبة هتلر .. لابد من حل و إلا إنهار الرايخ .. حلم هتلر القديم ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *