أجمل رسائل بريد الجمعةقصص وعبرقضايا وأراء

الخروج إلي المجهول ‏!‏! .. رسالة من بريد الجمعة

من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله) 

أنا موظف بمحافظة قريبة من القاهرة‏..‏ وقريبا جدا سأخرج للمعاش بعد ان عملت في الحكومة‏37‏ سنة بجد واجتهاد‏,‏ وحصلت علي أعلي مستوي وظيفي في عملي وذهبت للتدريب في الخارج‏.‏

كما أني من أسرة طيبة متضامنة اعتبر كبيرها حاليا بعد وفاه والدي‏.‏ وزوجتي أيضا مربية فاضلة من أسرة طيبة ساهمت معي في بناء الاسرة بكل جهد‏,‏ وتتمتع اسرتي والحمدلله بالستر‏,‏ والحمدلله ولدينا كل ما يحتاجه المنزل من اجهزة ولوازم وسيارة أيضا‏,‏ ولدينا مبلغ من المال يدر علينا دخلا بجنبنا اللجوء للحرام ويساعد في استكمال مصاريف الأسرة‏.‏

ولدينا بنتان وولد وقد انهت الابنتان دراستهما والحمدلله وحصلنا لهما علي عمل الاولي في عمل حكومي محترم والثانية في مجال تخصصها في عمل خاص وفي مكان ممتاز‏,‏ اما الثالث فمازال في دراسته الجامعية التي اختارها بنفسه‏.‏

والمشكلة هي الابنة الأولي والتي تخطت سنها ‏25‏ سنة بقليل وتعمل منذ خمس سنوات في مجال تخصصها في المحافظة التي نقطن بها‏,‏ فمن البداية وهي ترفض العمل بداخل المحافظة وتريد العمل والعيش في القاهرة بعيدا عنا وهو ما رفضناه لأنه غير مناسب اجتماعيا إلي أن تتزوج وتستطيع الذهاب مع زوجها الي اي مكان‏,‏ لكنها تنطلق وغير راضية عن اي شخص بالرغم من التزامها بالصلاة واداء الحج معنا والعمرة عدة مرات‏,‏ ولكنها لايكفيها مرتبها‏,‏ ولانعلم في اي شيء تصرفه وتشتري اشياء وملابس غالية الثمن‏,‏ وفي اغلب الاحيان غير مناسبة لها‏,‏ مما أدي إلي ارتباكها ماليا اضافة الي اتجاهها لاستخدام الانترنت وشراء تليفون محمول وتغييره عدة مرات دون داع‏,‏ واعتقد ان هذين الجهازين هما سبب المصيبة لي ولغيري من الآباء‏,‏ فقد كانت تقضي أربع أو خمس ساعات في برنامج المحادثة‏(‏ الـ‏chat )..‏

رائج :   الشىء الواضح ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

واعتقد أنه تسرب من هذه الأجهزة شيطان من شياطين الأنس استغل علي ما اعتقد انفتاحها في الحديث وقلقها من عدم الزواج في التسلل اليها‏..‏ فبدت منذ شهرين منطوية علي نفسها وتعتزل الأسرة والأصدقاء والأهل وتثير المشاكل في العمل مما أدي الي ان عادت للشكوي من عملها والرغبة في العمل بالقاهرة ـ واثارة المشاكل مع أمها واخوتها‏.‏

ومنذ بداية شهر رمضان الماضي وفي صبيحة احد الايام توجهت الي عملها ولم تعد ولا تأخذ معها اي شيء من احتياجاتها او ملابسها ولم اشعر بغيابها الا عند آذان المغرب‏,‏حين بحثت عنها دون جدوي ووجدت خطابا منها موجها لي تعتذر فيه عن مغادرتها المنزل وترجوني عدم البحث عنها لأنها ستعود قريبا بعد إصلاح شأنها واثبات وجودها دون ان تترك اي اثر خلفها يدل علي مكانها سوي ان نراسلها عن طريق الانترنت‏,‏ وبالطبع لانستطيع تحديد مكانها‏..‏

وتركت لاخوتها خطابات مماثلة ولأمها خطابا شديد القسوة‏,‏ وعلمت بعد ذلك ان امها كانت تتناقش معها في بعض الأمور وتحاول ان تعنفها بأن تصرفاتها خاطئة لكن هيهات ان تستجيب للنصح فهي عنيدة وفي اليوم الذي تركت فيه المنزل قالت لي‏:‏ سامحني ولا تزعل مني انت وماما ولم ادرك ساعتها ماذا سيحدث حيث ان ثقتي بابنائي كبيرة وكل الاسرة تحسدني عليهم وعلي تربيتي لهم‏,‏ وللأسف الشديد فقد قالت انها ستذهب لمكان لإثبات ذاتها وانها ستراعي الله في نفسها وتحرص علي صلاتها‏..‏

رائج :   أمازون .. عندما يكون وقت توصيل الطلب في بعض الأحيان أسرع من وصول البيتزا !

وحتي الآن لم نعرف مكانها لانها حذرتنا من البحث عنها‏,‏ هكذا قضت معظم ايام رمضان بعيدة عنا والعيد وما بعد العيد وقد مر الآن اكثر من شهرين دون ان نستدل علي مكانها‏..‏ لقد اعمتني ثقتي بها عن ملاحظة أي علامة علي ما كانت تنوي عمله وتخطط له وتركتني معرضا للفضيحة أمام الناس ولا تعرف بماذا نرد علي اسئلة الناس عنها كما انها انقطعت عن عملها‏,‏ وحاولت علاج ذلك الا أن المدة طالت ونحن في انتظار قرار فصلها في وقت يصعب فيه علي الشباب الحصول علي العمل‏.‏

لقد كانت محبوبة من الجميع متعاونة‏..‏ صحيح ان هناك بعض المشكلات العادية بينها‏,‏ وبين الغير وبعض المناوشات مع اخوتها‏,‏ وأيضا بعض الخلافات في وجهات النظر مع أمها عن أسلوبها في التفاهم معها ورفض أمها تصرفاتها الخاطئة‏,‏ لكن كل ذلك من الأمور الطبيعية والاسرة الآن كلها في حزن شديد من تصرفها غير المتوقع علي الإطلاق‏..‏ فلقد عاقبت الجميع علي ذنب لم يتركبوه وعاقبت اخويها الاصغر بآثار تصرفها هذا‏.‏
انها مثقفة وقارئه مطلعة وهي متعودة علي قراءة بابك الأسبوعي في جريدة الأهرام وأرجوا ان توجه لها رسالة عسي ان تقرأها وتعود الي رشدها وترجع لأسرتها‏,‏ ونحن مرحبون ومنتظرون عودتها‏,‏ ويمكننا علاج كل مشكلاتها التي ارجو من الله ألا تكون قد تضاعفت بعد مغادرتها لنا‏.‏

كما ارجو تحذير الأسر من الآثار المدمرة للإنترنت والمحمول علي الفتيات والشباب من خلال الشياطين الذين يتسللون من خلال هذه الأجهزة التي اراد مخترعوها منفعة الناس لكن الشياطين استغلوها فيما يضر الناس‏.‏

رائج :   الانتقام الوهمي .. رسالة من بريد الجمعة

ولكاتب هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :

ياإلهي‏..‏ كيف تخرج فتاة في الخامسة والعشرين من عمرها من بيت أسرتها تختفي من كل مظانها وتترك اهلها ينهبهم القلق والخوف علي مصيرها المجهول ؟
وكيف ترضي هذه الفتاة لأبويها واخوتها بهذه المحنة العائلية

وهل تكفي الرغبة في العمل بالقاهرة وإثبات الذات لأن تقلع فتاة نفسها من جذورها العائلية علي هذا النحو الغريب وتذوب في زحام البشر دون ايه اشارة تطمئن اهلها علي مصيرها‏.‏
ان الهروب ليس حلا لايه مشكلة ـ وانما هو نقوص وجبن عن مواجهة المشكلات والسعي لحلها بالطرق المشروعة‏.‏

وهروبك يا آنستي من بيت أسرتك تصرف يعكس درجة عالية من القسوة علي الأهل‏..‏ والاستهتار بالأعراف والتقاليد السائدة‏,‏ فإذا كنت قد امتلكت الجرأة علي القيام بهذه المغامرة المجنونة‏..‏ فكيف تجبنين عن مواجهة الأهل ومواجهة مشكلاتك معهم بشجاعة كما يفعل الأمناء من البشر ؟

ان من حق ابويك عليك ان يعرفا مصيرك‏,‏ واني لاعتمد علي ضميرك الاخلاقي في تصحيح هذا الخطأ الفادح الذي اقدمت عليه قبل ان يتفاقم ويفوت اوان إصلاح آثاره علي نفسك اولا وعلي أهلك من بعد ذلك‏,‏ فعودي إلي أهلك او تفضلي بالاتصال بي وثقي من ان كل المشكلات قابلة للحوار والمناقشة‏,‏ وأعدك بالسعي لحل مشكلاتك واعانتك علي أمرك‏,‏ بشرط ان تبادري علي الفور بمحاصرة الخطأ قبل أن تتسع دائرته ويصعب استدراكه فيما بعد‏.‏

مقالات ذات صلة