أجمل رسائل بريد الجمعة

الشىء الواضح ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)

شجعني ما قرأته في بريدك تحت عنوان “الشيء الغامض” للسيدة التي تشكو مما أصاب زوجها الفاضل المحترم بين الأهل والزملاء من تغير غامض تجاهها لتجد نسها معه في مفترق طرق حاسم في حياتها .. شجعني ذلك على أن أكتب لك عن “الشيء الواضح” وليس الغامض في حياتي الآن والذي يجعلني الآن في مرحلة فاصلة من حياتي .. أرجو أن تشاركني الرأي والمشورة في اتخاذ قراري الحاسم بشأنها ..

فأنا سيدة في الثانية والثلاثين من العمر، نشأت بين أبوين منفصلين، وتنبهت مداركي فوجدتني أعيش مع أمي وشقيقي الذي يكبرني بعامين في حين يعيش أبي بعيدًا عنا ولا تربطنا به صلة سوى زيارات متباعدة متقطعة كنت أناديه خلالها بيا “أنكل” في حين كان خالي يعيش معنا ويرعانا وكنا نحبه كثيرًا ونناديه بالكلمة الحبيبة لكل طفل وهي بابا ..

إلى أن توفي فجأة – رحمه الله – وأنا في العاشرة من عمري ففقدت بوفاته سندًا عاطفيًا وإنسانيًا أساسيًا لي في الحياة ، وكانت وفاته أول صدمة قاسية في طفولتي ، أما أمي فلقد كان وقع الصدمة عليها أشد وأقسى ، وكانت مثالاً للأم الحنون المضحية بكل شيء من أجل أبنائها فواصلت كفاحها لتربيتنا بمرتبها من عملها ، ولم يدم الحال طويلاً للأسف إذ أصيبت وأنا في الرابعة عشر من عمري بنزيف حاد في المخ من فرط ما عانت من عناء الحياة وحيدة بلا زوج ولا شقيق يخفف عنها بعض العبء ، ورحلت الأم الطيبة الحنون عن الحياة وتركتني مع شقيقي وحيدين محرومين من الأم الراحلة ومن الأب الغائب ،

وتغيرت حياتنا برحيلها تغيرًا كليًا فكانت خالتي تأتي لتقيم معنا في موسم الدراسة وننتقل نحن للإقامة معها في فترة الإجازات ، ونواجه الحياة بمعاش أمي التي تكفلت بنا – رحمها الله – في حياتها وبعد مماتها إلى المرحلة الجامعية ، فاستقللنا بحياتنا أنا وشقيقي في مسكننا وأصبحنا نعتمد على أنفسنا في رعاية شئوننا مع بعض الزيارات من جانب أبي الذي أصبحت صلتنا به أقوى بعد رحيل أمنا – وإن لم تصل أبدًا إلى مستوى العلاقة الطبيعية بين الأب وأبنائه .

وفي عامي الجامعي الثالث وجدت نفسي غارقة فجأة في مشاعر الحب الفياضة تجاه أحد أصدقاء شقيقي الوحيد ، الذي بادلني حبًا بحب أكبر ، وتعاهدنا على الارتباط بعد انتهائه من دراسته ، وتقدم بالفعل لخطبتي بعد تخرجه بأيام وكانت إمكاناته المادية محدودة فلم أتوقف أمام ذلك لحظة .. فقد كنا نؤمن بأن الحب كفيل بحل كل المشكلات وتخليت عن أحلام كل فتاة في الشبكة الثمينة والشقة الواسعة وتزوجته بخاتم الزواج فقط وتفاءلت خيرًا بأن الحياة سوف تبتسم لي أخيرًا وبعد عشرين عامًا من الأحزان والحرمان في الطفولة والصبا ،

وبدأت حياتي الزوجية معه بالحب والإخلاص اللذين اشتهيت في أعماقي أن أمنحهما للرجل الذي تفتحت عليه مشاعري العاطفية الحبيسة لأول مرة في حياتي ، وأصبح زوجي هو دنياي التي لا دنيا لي غيرها .. ورجلي الذي لا أرى رجلاً سواه في الكون كله ، وبالرغم من أن حياتنا لم تكن ناعمة ولا مترفة من الناحية المادية إلا أن ذلك لم يقلل لحظة من تمسكي بها ، وحرصي عليها فلقد كنت في أشد الحاجة إلى ما حُرمت منه في طفولتي وصباي وهو الحب والحنان والاستقرار وليس إلى أي شيء مادي آخر .وأنجبت من زوجي طفلا بعد عام من زواجنا ، ثم طفلة أخرى بعد أعوام من الزواج .

ومضت تسع سنوات من الزواج تخرجت خلالها ، وبلغ ابني عامه الثامن وطفلتي عامها الرابع واستمتعت فيها بإحساس الأمان والحب والاستقرار .. ومنذ حوالي عامين فقط بدأت ألاحظ فجأة تغيرًا طارئًا في سلوك زوجي تجاهي ، فلقد بدأيتغيب عن البيت أوقانًا طويلة كما بدأ يمضي بعض الليالي خارج البيت بدعوى أن عمله يستدعي ذلك أحيانًا ، ثم ساءت معاملته لي فجأة وشابها الجفاء والغلظة بلا مبرر .

واستقل بغرفة خاصة به في البيت يغلقها عليه وهو موجود بها ويغلقها خالية حين يغادرها وقدرت أنها قد تكون نوبة ملل طارئة من الحياة الزوجية قد يمر بها بعض الأزواج أحيانًا وستنتهي بمرور الوقت ويعود إلى طبيعته معي .. ولكن هيهات أن يحدث هذا يا سيدي فلقد ازداد ابتعادًا وجفاءً حتى أهملني تمامًا وأهمل طفليه ، وحرت في تفسير ما أصابه من تغير لم أر له سببًا واضحًا في حياتنا حتى عرفت من بعض الأصدقاء أنه على علاقة بامرأة أخرى ، وصدمت بماعرفت وحاولت استرجاع زوجي وإعادته إليّ بشتى الطرق والحيل لكن جهودي كلها باءت بالخيبة والفشل ..

رائج :   دائرة الأنتقام ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

وبدلاً من أن أسترجعه فلقد ازدادت العلاقة بيننا سوءًا .. يسبني بأفظع الألفاظ ويمد يده عليّ بالضرب والإيذاء أحيانًا وتدخل بيننا الأهل والأصدقاء للإصلاح وجمع الشمل فباءت مساعيهم جميعًا بالفشل إذ لم يعد زوجي يستمع لأحد ولا حتى لأقرب الناس إليه ، وآثرت بعد كل ما حدث في حياتنا أن أترك بيت الزوجية لفترة من الوقت لعله يراجع نفسه وضميره خلالها ويتذكر اللحظات الحلوة الطيبة التي كانت لنا في سنواتنا السابقة ، ويشعر بمدى الجرح والألم والحرج الذي سببه لي بسلوكه هذا معي فإذا به يصر على نفس موقفه

وإذا بي أسمع من بعض الجيران أنهم قد شاهدوه أكثر من مرة يغادر عش الزوجية الذي بنيناه معًا ، وشهد أيامنا الحلوة متأبطًا ذراع امرأة أخرى غير صاحبة البيت أم طفليه بلا خجل ولا حرج ومادت الأرض بي حين سمعت ذلك وأحسست أن الدنيا كلها تدور بي ووجدت نفسي أمام السؤال الصعب الذي ارتجفت أمامه وهو : هل أنفصل عنه نهائيًا فأعرض أولادي لنفس التجربة القاسية التي عشتها أنا وشقيقي الوحيد بين أبوينا المنفصلين والتي ماتزال بعض آثارها الحزينة كامنة في أعماقي حتى الآن ؟

أم ترى هل أرضخ للأمر الواقع وأحاول تغييره خطوة بعد خطوة حرصًا على مستقبل أبنائي وعلى زوجي الذي لم يعد يراعي شيئًا في علاقته بي ؟ وفكرت في الأمر طويلاً ثم كان قراري بأن أعود إلى بيتي وأحاول حمايته من أن يتهدم ، عسى أن أجد وسيلة ناجحة فيما بعد لاسترداد زوجي الشارد بعيدًا عني ، وعدت إلى بيت الزوجية مع أحد أقاربي فلم يهتز لزوجي رمش حين رآني عائدة مع الطفلين إلى بيت الزوجية الذي شهد من قبل حبنا وقصة كفاحنا لبنائه .

واحتفظ زوجي باستقلاله” عني في غرفته كما كان الحال قبل مغادرتي لبيت الزوجية ومضت الأيام بي وأنا أعيش في بيتي في صمت ثقيل مع فارق خطير وجديد في علاقتي بزوجي وهو أنه قد أصبح لا يطيق رؤيتي أو الكلام معي أو مجرد سماع صوتي ، في نفس الوقت الذي ينفطر فيه قلبي لهفة على لمسة حب وعطف منه سامحه الله وغفر له . فإذا حاولت أن أطرق باب غرفته المغلق دائمًا لأتكلم معه في أي شأن من شئون حياتنا استقبلني بأفظع الكلمات ثم أغلق الباب في وجهي ، وتكرر هذا الموقف بيننا مرارًا حتى أصبت بصداع دائم لا يهدأ إلا بتناولي المسكنات القوية ، وحلّ الصمت القاتل بيننا نهائيًا ..

وكلما نظرت إلى الطفلين الصغيرين اللذين يشاهدان ما يجري بين أبيهما وأمهما مما لا ذنب لهما فيه يتفتت قلبي إشفاقًا عليهما مما سوف تحمله لهما الأيام في المستقبل ، وكم من مرة يا سيدي ذللت نفسي لزوجي وقلت له إنني في أشد الحاجة إليه ورجوته ألا يتركني وحيدة لأن المرأة تحتاج إلى الكلمة الحانية خاصة من كان لها تاريخ طويل من الحرمان مثلي ، ولكن بلا جدوى ولا أمل فقد كان يجيبني دائمًا بقوله إنه قد خلق هكذا ولن يتغير وإن من الأفضل أن أعتبر أن زوجي قد مات ، وأن الشيء الوحيد الذي يريده مني أن أخرج من حياته إلى الأبد لأنه يشعر – كما يقول – بالميل للتقيؤ والغثيان كلما رآني ، ولأنه لا يطيقني منذ أول يوم لنا في حياتنا الزوجية سامحه الله .

ولك يا سيدي أن تتخيل عمق القهر الذي تشعر به زوجة شابة مثلي لم تحب ولم تعرف ولم تحلم برجل آخر سوى بزوجها حين تسمع منه هذا الكلام الجارح الذي يعبر عن كراهية شديدة ، وسألته مرارًا عن أسبابها فلم يجبني سوى بأنه لم يحمل لي مشاعر الحب في يوم من الأيام وأنني لست سوى غلطة عمره !

فما العمل يا سيدي مع زوجي القاسي هذا ؟ لقد مضى الآن عامان كاملان على هذا الحال المؤلم لا يقربني ولا أقربه ولا يوجد بصيص أمل واحد في استرجاعه في حين أني أحس بأنني في أشد الحاجة الآن لمن يمسك بيدي ويعينني على أمري؟

ولم أعد أستطيع التحمل أكثر من ذلك .. فأنا أشعر الاحتراق في كل لحظة ولا أعرف كيف أحتمل المزيد من هذه الحياة القاسية الجافة ؟
فهل أبقى مع هذا الزوج الذي لا أمل في استرجاعه .. وإلى متى أستطيع تحمل هذه الأوضاع الشاذة ؟

رائج :   الخطأ الفادح .. رسالة من بريد الجمعة

أم هل أنفصل عنه بعد أن استنفدت كل وسيلة معروفة وغير معروفة لاسترجاعه بلا جدوى حتى أنه طالبني بألا أتعب نفسي بالاستمرار في المحاولة لأنني قد أصبحت خارج حياته للأبد وعلمًا بأنه قد تخلى أيضًا عن مسئولياته المادية طوال العامين الماضيين وأحاول أنا أن أفي بها حتى لا يتأثر مستوى معيشة الطفلين بمرتبي من وظيفتي وأحيانًا بمساعدة من أبي وشقيقي ؟
فبماذا تنصحني أن أفعل يا سيدي ؟

ولكاتبة هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :

وماذا يمثل الزوج في حياة زوجته حين ينبذها ويجتنبها عامين طويلين يتخلى خلالهما عن مسئوليته الأدبية والإنسانية والعاطفية تجاهها ويهملها ويهمل أطفاله منها ويتخلى حتى عن مسئوليته والتزاماته المادية عنها وعنهم ؟

ماذا يبقى منه إذًا سوى وجوده في “الجوار” بلا دور ولا فاعلية في حياة زوجته وأطفاله ، مع حلول الصمت الثقيل والجفاء القاتل بين الزوجين إلى حد لا يتورع معه الزوج عن إيلام زوجته وسحق مشاعرها بمصارحتها بأنه يشعر بالغثيان والميل للقئ حين يراها ؟

لقد تعلمنا من أدب النبوة يا سيدتي أن صاحب المروءة والدين إذا أحب زوجته أعزها وأكرمها ، وإذا كرهها لم يظلمها ولم يؤذ مشاعرها بما تكره من الكلام ، حتى لقد أباح له دينه أن يكذب على زوجته عند الضرورة إذا ألحت عليه بالسؤال عن حقيقة مشاعره تجاهها فرخص له بأن يصارحها بحبه لها حتى وإن يكن لا يحمل لها من مشاعر الحب شيئًا حرصًا على كرامتها ،

وإرضاءً لنفسها عسى الله أن يغير ما بينهما ذات يوم فلا يكون قد جرح مشاعرها وأهان كرامتها بالإجابة الحقيقية ذات يوم ، وهي إحدى الحالات الثلاث التي أبيح فيها الكذب على شدة كراهية الإسلام له وتحريمه إياه وهي حالة الحرب .. وحالة السعي للإصلاح بين المتخاصمين إذ يجيز للمرء بأن ينقل لأحد الطرفين خيرًا عن الآخر وإن لم يقله ، ثم في “حديث الرجل لزوجته والزوجة لزوجها” أي في حالة إلحاح كل منهما على الآخر بأن يعرف حقيقة مشاعره تجاهه .

فكيف يجيز زوجك لنفسه أن يمتهن مشاعرك على هذا النحو اللا إنساني ؟ .. وماذا يختلف الطلاق الصريح عن هذا الحال المؤسف الذي تعيشينه الآن سوى في علانية الانفصال والافتراق في لمكان بعد أن تحقق الانفصال الصامت .. والافتراق في المشاعر والأحاسيس والمضاجع ؟

نعم .. قد يموت الحب أحيانًا . ولأسباب مختلفة ، لكن الحب الحقيقي الصادق لا يتحول أبدًا إذا انتهى ولأي سبب إلى كراهية مريرة عميقة كهذه الكراهية التي يعبر لك عنها زوجك بهذه الكلمات القاسية المؤلمة .. فأين الخطأ في قصتكما يا سيدتي .. وكيف تدهورت العلاقة بينما إلى هذا الحد المؤلم ؟

وماذا يعيبه عليك أو ينقصه فيك ؟ إذا لم يكن لك أي إسهام في تدهور العلاقة بينما – وهذا ما أميل إلى الاقتناع به ؟ فلا تفسير لما جرى بينكما سوى في أنكما قد ارتبطتما عاطفيًا وتزوجتما في سن مبكرة تفتقر إلى نضج المشاعر وثباتها ، فلقد تزوجتما وعمرك 21 عامًا وعمره – وهو صديق شقيقك وقرينه – يدور حول الثالثة والعشرين تقريبًا فاختار كل منكما الآخر وارتبط به في سن قد لا تسلم معه المشاعر من التقلب والأهواء بعد بضع سنين ،

فإذا كانت مشاعرك تجاهه قد ثبتت وتعمقت تدفعك إلى ذلك طبيعتك وتطلعك القديم إلى الحنان والأمان ، فإن مشاعره تجاهك لم تثبت للأسف – ولم تصمد للأنواء والتقلبات المزاجية ونداء المغامرة والتجارب العاطفية الخارجية بلا محاولة لمغالبة النفس .. وردها عن ضعفها دفاعًا عن الحب القديم ..

وحرصًا على مصلحة الأبناء ، وانعكس كل ذلك على علاقته بك ، وحين عجز عن مواجهة الحقيقة حاول أن يقنع نفسه ويقنعك بأنه لم يحبك في يوم من الأيام ، ولم يكن يطيقك منذ أول يوم في علاقته بك وتمادى في هذه المحاولة فاعتبرك خطأ عمره ، وهي حيلة نفسية معروفة يحاول بها زوجك – دون أن يعي ذلك – أن يتخلص بإحساسه بالذنب تجاهك لخيانته لعهدك والحب القديم الذي جمع بينكما ،

والمؤكد أنه قد أحبك ورغب فيك كما أحببته أنت ورغبت فيه ، لكن حبه لك لم يكن ناضجًا بالقدر الذي يسمح له بالصمود أمام الزمن والمتغيرات كما صمد حبك أنت له وتعمق ، بدليل أن حياتكما معًا لم تشهد أية عاصفة حقيقية خلال السنوات التسع الأولى من زواجكما ، فإذا كان يزعم الآن أنك “خطأ عمره” الحق أنه خطأ مشترك لكل منكماةفي الارتباط المبكر وقبل التأكد من ثبات المشاعر ونضج الشخصية الذي يسمح للإنسان بتقدير العواقب ، وتفضيل مصلحة الأبناء على أية اعتبارات شخصية أخرى .

رائج :   عودة الغائب ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

واستمرار الحال على ما هو عليه بينكما ولأي عدد آخر من السنين لن يكون له غالبًا من معاني الزواج ومقاصده سوى بقاء الأبناء تحت سقف واحد مع أب ينادونه بكلمة الأبوة فلا يحتاجون إلى مناداة غيره بها كما كنت تفعلين مضطرة في طفولتك الحزينة ، وإذا كان لهذا الوضع بعض الأثر الإيجابي على شخصية الأطفال برغم عدم مثالية باقي الظروف لتربية الأبناء ، فإنك وحدك يا سيدتي التي تستطيعين أن تقدري حدود قدرتك على احتمال هذا الوضع الشاذ بينك وبين زوجك وإلى أي مدى إكرامًا لطفليك وأملاً في تغير الأحوال للأفضل في الغد القريب ، فإذا اخترت الصمود لفترة أخرى إرضاءً لضميرك وواجبك تجاه طفليك ..

فلا تمتهني نفسك وكرامتك أكثر مما فعلت حتى الآن باستجداء مشاعر من لا يزيده الاستجداء إلا نفورًا وازدراءً وإيلامًا لك ، وإنما احتسبي هذه الفترة المقبلة وهذا الوضع الشاذ عند ربك تضحية أخرى تقدمينها طائعة لأطفالك ، فإذا استيقظ ضمير زوجك واستشعر تقصيره في حقوقك وأدى واجبه تجاهك وتجاه طفليك فلا بأس باستمرار الحياة معه وطي هذه الصفحة من حياتكما للأبد ، أما إذا لم يتغير الحال وازداد سوءًا فلا لوم عليك إن أنقذت نفسك من المعاناة والحرمان .. وانفصلت عن زوجك ..واستقللت بحياتك عنه ، ولن يتغير وضعك كثيرًا في مثل هذه الحالة فأنت شبه مستقلة عنه الآن ماديًا واجتماعيًا ،

ولا بأس بك بعد ذلك إذا بدأت وبعد فترة نقاهة مناسبة تتخلصين خلالها من رواسب حب هذا الزوج الغادر ، بحياة جديدة مع آخر لا يشعر بالغثيان حين يراك وإنما بالبهجة والارتياح لرؤياك ولا يعتبرك خطأ عمره .. وإنما هدية السماء له ، وليس ذلك بكثير عليك ولا هو ببعيد عن الواقع .. فمن غرس – بإرادته جل شأنه – حب هذا الزوج الغادر في قلبك قادر أيضًا بمشيئته على أن ينزعه منه وأن يحلغيره محله فيه .

وعندها سوف تكتشفين أنك قد أحببت ذات يوم من لم يكن يستحقك أو يقدرك ، وأن نصفك الصحيح لم يكن ذلك الظالم القاسي الذي عانيت الكثير لاسترضائه واستجداء مشاعره بلا طائل ، وإنما هو ذلك “الإنسان” الذي ستضعه الحياة في طريقك في الوقت المناسب ، والذي سيختارك اختيار القلب والعقل معًا وهو في سن النضج النفسي وثبات المشاعر فيعوضك بحبه وإعزازه لك وتقديره لشخصك عن كل ما تأذى منه القلب قديمًا من جحود من كنا نستجدي منه لمحة الحب والحنان فيتأبى بها علينا ، ويتلذذ بامتهاننا وإيلامنا ، حتى جفت مشاعرنا تجاهه وعرف بعد فوات الأوان ماذا أضاع من بين يديه مما لن تجود عليه السماء بمثله أو ببعضه ذات يوم .

هذه هي نصيحتي لك يا سيدتي .. أن تمنحي طفليك – وليس زوجك – فرصة أخرى وأخيرة لا تتعدى بضعة شهور أملاً في تغير الظروف ، ودون أي محاولة من جانبك للتذلل لزوجك أو استجداء مشاعره أو امتهان نفسك أو مشاعرك معه ومع الحرص في نفس الوقت على تفادي أي احتكاك أو صدام معه ، فإذا كنت عاجزة حتى عن احتمال هذه الشهور الإضافية فلا لوم عليك ولا ملامة إذا بادرت بطلب الانفصال من الآن ، ووضع زوجك أمام مسئولياته كأب مع ما في ذلك من غبن للأطفال الصغار ، وحقهم في الاستقرار والأمان .

وإذا كنت قد قلت مرارًا من قبل إنني لا أؤمن باستجداء زوجة كارهة غير مخلصة للرجوع إلى حياة تمقتها وتصرح بكراهيتها لها ، فإني أيضًا وبنفس القدر لا أؤمن باستجداء زوج كاره غير مخلص للرجوع إلى حياة يمقتها ويصرح بكراهيته لها .. بل ويتعدى في ذلك كل الأعراف الإنسانية فيصارح زوجته بأنه يشعر بالميل للقئ كلما رآها ، إذا ماذا نستطيع أن نقول لمثل هذا الزوج وبعد أن فشلت معه كل الحيل وطال الحرمان .. ووصلت زوجته إلى حد “الاحتراق” كل لحظة دون أن يلين له قلب .. أو ترق له مشاعر ؟ ماذا نستطيع أن نقول له سوى ..

“وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته”

صدق الله العظيم

مقالات ذات صلة