فكر و ثقافةقصص وعبر

الديكتاتورية .. نماذج من الطغاه (الجزء 2)

في مقال الديكتاتورية .. نماذج من الطغاه (الجزء 1) كنا قد تحدثنا عن بعض صفات طغاة التاريخ المشتركة و ذكرنا بعض منهم وتحدثنا عن ملامحهم التاريخية وفي هذا الجزء نستكمل هذه الأمثله 

سمرقند .. 8 إبريل 1336 ميلادية ..

فى ذلك اليوم ولد طفل سيكون لاحقاً مؤسس أكبر إمبراطورية آسيوية فى زمانها .. فى ذلك اليوم ولد تيمور لنك ..

على الرغم من أن تيمور لنك معروفاً بين الناس بأنه مغولى إلا أنه فى الواقع أوزبكى الأصل و قد ساهم فى نشر تلك الشائعة أن بعض الروايات ذكرت أن أمه من نسل جنكيز خان و أنه اعترف بهذا و أيضاً تكوين جيشه الذى إستعان فيه بكثير من المقاتلين المغول ..

مقاتلاً لا يشق له غبار .. هكذا وصفه من عايشه فى شبابه و بحسب طبيعة العالم وقتها أصبح تيمور مرتزقاً فى خدمة ملوك المنطقة و هو ما أوصله لبلاط الأمير حسين حفيد أخر حكام تركستان و الذى وثق فيه و قربه إليه حتى إنه زوجه أخته لكن تيمور الذى تحركه رغبة الزعامة و السلطة و مع أول خلاف مع صهره إنشق عنه و انتصر عليه و دخل سمرقند عام 1370 ميلادية و أعلن نفسه حاكماً عليها و مؤسساً للدولة التيمورية ..

ويكفى للدلالة على مدى قوة تيمور لنك العسكرية أنه و خلال 34 سنة تقريباً إستطاع السيطرة على رقعة كبيرة من الأرض تمتد حسب الخرائط الحالية من قرغيزيا غرباً إلى دلهى فى الهند جنوباً ثم إلى إيران و العراق غرباً ثم إلى  جنوب روسيا و تركيا شمالاً .. الدولة التيمورية وقت وفاته كانت مسيطرة على أراضى 10 دول من عالمنا الحالي وبشكل كامل مع سيطرتها على أجزاء من 7 دول أخرى .. كل ذلك لم يحدث بسلاسة .. كانت الدماء فى عهد تيمور لنك تسيل كما البحور ..

فتيمور لنك كان غازياً فاتحاً لم تأخذه رحمة بالدول التى فتحها أو تلك التى تمردت على حكمه .. يمكن الإشارة لتلك المجازر بالآتى :

تمردت عليه مقاطعة أصفهان فى إيران فقام بإرسال جيشه لتأديبهم فقتلوا من أهلها قرابة السبعين ألفاً و لم يكتفى بذلك بل بنى من جماجمهم عدة مآذن لمساجد المدينة

حاولت مدينة خوارزم فى أذربيجان الثورة عليه فدخلها بجيشه و خربها تماماً حتى ذكر المؤرخون أنه لم يعد بها جداراً واحداً يستظل به المرء من الشمس

مات ملك الهند فيروز شاه فقام بغزو مدينة دلهى و خربها تماماً حتى إن بعض الروايات ذكرت أن من شدة خراب المدينة لم تقم لها قائمة إلا بعد مرور 150 عاماً

حاول أهل مدينة سيواس فى تركيا المقاومة فأسر منهم ثلاثة آلاف و حفر لهم خندقاً و دفنهم فيه

قرر غزو الشام و كلما احتل فيها ولاية خربها .. أحرق دمشق و ظلت النيران مشتعلة فيها ثلاثة أيام .. أحرق حلب .. دمر طرابلس و بعلبك فى لبنان .. إجمالاً كان ضحاياه فى الشام فقط عشرون ألف قتيل و ثلاثمائة ألف أسير

دخل بغداد و دمرها تدميراً شاملاً و أمر جنود جيشه بأن يحضر كل فرد منهم رأسين من رؤوس أهلها .. حاول أهل المدينة الهرب منهم من مات سقوطاً من الجبال و منهم من مات غرقاً أما عن الجنود فقد جمعوا 100 ألف رأس

مظهر أخر من مظاهر تجبره تمثل فى عقدته من كونه أعوراً أعرجاً مشوه الأنف و على الرغم من حبه للرسم إلا أنه أعدم عشرات الرسامين الذين فشلوا فى إخفاء عيوبه إلى أن قام أحد الرسامين برسمه كمحارب يتكىء على ركبته اليسرى فلا يظهر عرجه و يطلق سهماً بحيث يغلق عينه العوراء و لم يظهر تشوه أنفه فى الصورة كون الصورة كانت جانبية

رائج :   ليبيريا مع جورج وياه .. من العبودية إلى الحرية

فى عام 1405 و فى شهر فبراير كان قد أعد العدة لغزو الصين و لكنه أصيب بنزلة برد حادة لم يستطع جسده العجوز تحملها .. تيمور لنك لو تم حصر سيرته فى الشئون العسكرية فقط لكان قائداً فذا و لكنه دمج تلك العبقرية العسكرية بدموية شديدة غير مبررة فى أغلب الأحيان جعلت الكاتب منصور عبد الحكيم يصفه بـ (سفاك الدماء و هادم الحضارات) فى كتابه إمبراطور على صهوة جواد

سيجيشوارا .. مملكة المجر .. 1431 ميلادية

فلاد الثاني يرزق بطفل من زوجته الأميرة كنياينا أميرة مولدافيا … بداية من ذلك اليوم سيتم تهيئة الطفل ليكون أميراً على والاكيا .. نتحدث هنا عن فلاديسلاوس دراغوليا أو فلاد الثالث المعروف تاريخيا باسم (دراكولا) ..

ولد فلاد الثالث فى مرحلة إضطراب كبيرة تحكم العلاقة بين أوروبا المسيحية و الإمبراطورية العثمانية و كانت مملكة والاكيا و التى تقع كلها الآن فى جمهورية رومانيا تحت سيطرة الإمبراطورية العثمانية و لكى يتمكن فلاد الثانى من حكم والاكيا كان عليه أن يترك إبنيه فلاديسلاوس و رادو كرهائن فى البلاط العثمانى و هو ما أوغر صدر فلاد تجاه العثمانيين منذ صغره .. لاحقاً مات والده فبعث السلطان العثمانى فلاد الثالث ليحل محل والده فى حكم الإمارة و بعد رسائل عديدة بين السلطان محمد الثانى و بين فلاد الثالث ظهرت رغبة فلاد فى الإستقلال بوالاكيا .. منذ تلك اللحظة ستبدأ مذابح فلاد فى الظهور للنور ..

فلاد كان له عَدْوُان .. عدو داخلى تمثل فى طبقة النبلاء و الإقطاعيين البويار و عدو خارجى تمثل فى السلطان محمد الثانى و الذى تربى معه فى البلاط العثمانى و كانت علاقته به سيئة للغاية .. فلاد لن يترك فرصة إلا و سيستغلها للإنتقام من أعدائه .. إنتقامه سيكون دموياً بشكل لم يعرفه أحد من قبل ..

فى البداية قتل 30 ألفاً من النبلاء و التجار بعد إقتحام مدينة براشوف التى كانت تمثل إمبراطوريتهم التجارية .. أغلب هؤلاء القتلى ماتوا خزقاً حيث كانت طريقة القتل المحببة له هى وضع ضحاياه على خازوق خشبى كبير مع إنزال الضحية عليه ببطء ليتعذب خلال موته

لم يكتفى بهجوم براشوف بل تبعه بهجوم أخر على مدينة سيبيو فى ترانسلفانيا و أعدم فيها حوالى 10 آلاف بنفس الطريقة

بعد ذلك قام بسن واحد من أغرب القوانين فى وقتها .. قام بتوحيد عقوبة جرائم مثل السرقة و الزنا و الخيانة و حتى الكذب .. قطع الرقبة هى العقوبة المناسبة من وجهة نظره

أرسل له السلطان العثمانى قوة من ألف فارس بقيادة حمزة باشا للقبض عليه إلا أن فلاد إستطاع نصب كمين لهم و قتلهم جميعاً بنفس الطريقة مع وضع حمزة باشا على أكبر خازوق فيهم

أرسل له السلطان العثمانى رسولان لينذرانه فما كان منه إلا أن طلب من الرسولان خلع عمائمهم إحتراماً له فرفضوا فأمر بدق عمائمهم فى رؤوسهم بالمسامير

قرر فلاد الإنتقام من السكان المتعاطفين مع الدولة العثمانية فعبر نهر الدانوب حتى وصل إلى بلغاريا و قتل فيها حوالى 25 ألف تركى و بلغارى مسلم بأبشع الطرق الممكنة .. كانت الخوازيق أقل الطرق دموية

جهز السلطان محمد الثانى جيشاً قدر ب 90 ألف مقاتل و دخل رومانيا و فى الطريق المؤدى لمدينة ترجوفيشت رأى السلطان العثمانى حوالى 20 ألف جثة مخترقة بالخوازيق و وجد بينهم جثة حمزة باشا و قد تحللت تقريباً

رائج :   التواجد السوري في مصر .. إضافة ولا زيادة أعباء ؟؟

أقرب الأرقام دقة فى تحديد ضحايا فلاد الثالث كانت حوالى 80 ألف ضحية بخلاف عشرات القرى و المدن و الحصون التى أحرقها عن بكرة أبيها .. سبب شهرته كانت الممارسات الوحشية التى مارسها مع ضحاياه .. الخوزقة و إن كانت طريقة بشعة للقتل لكنها لم تكن أبشع ما قام به فلاد فى حق شعبه و حق أعداؤه على السواء فمثلاً :

عرف عنه أنه كان يحب تناول طعامه و هو يشاهد ضحاياه تعدم على الخوازيق

كان يسلخ جلود اللصوص ثم ينثر الملح على جروحهم

كان يحرق ضحاياه أحياءاً

كان يشوى الأطفال ثم يأمر أمهاتهم بأكلهم و يأمر بقطع أثداء النساء و يشويها ثم يأمر أزواجهم بأكلها ثم يقوم بقتل الجميع على الخوازيق

ذات مرة ضاق ذرعاً من تفشى الفقر فى والاكيا فدعا كل الفقراء و العجزة و المعاقين إلى وليمة فى أحد قصوره فتجمع له كل فقراء إمارته و بعد أن إنتهوا من الطعام سألهم :

– هل تريدون التخلص من فقركم و بؤسكم ؟

– فأجاب الجميع أن نعم

– فهز رأسه راضياً ثم أمر بإغلاق القاعة عليهم و قام بإحراقهم بداخلها

قُتل فلاد الثالث فى أحد المعارك مع العثمانيين قرب بوخارست فى ديسمبر 1476 .. تم قطع رأسه و إرسالها إلى السلطان محمد الثانى الذى علقها على خازوق فى وسط العاصمة أدرنة و دفن باقى الجسد فى دير كان قد أنشأه السفاح بنفسه .. مات فلاد تاركاً وراءه واحدة من أبشع فترات رومانيا دموية ..

رائج :   سنوات الحرمان .. رسالة من بريد الجمعة

قد تظنون أن الأمر يقتصر على الرجال فقط حين نتحدث عن التاريخ الدموى .. بالتأكيد أنتم مخطئون .. النساء لها نصيب أيضاً فى ذلك التاريخ ..

فى البداية يمكن ذكر مارى أنطوانيت الأميرة النمساوية التى أصبحت ملكة لفرنسا بزواجها من لويس السادس عشر و التى لم تكن دموية و لكنها كانت ديكتاتورة بالتأكيد .. زوجها كان واحداً من أضعف حكام أوروبا لذا فقد كانت هى الحاكمة الفعلية و مع إحتدام الثورة ضد النظام الملكى تشددت هى فى قبول مطالب الثوار و ضغطت على زوجها لرفض كل المطالب المشروعة للثورة و إستخدام القوة ضدهم متهمة إياهم بأنهم عملاء و أن الشعب الفرنسى لا يرغب حقيقة فى الثورة على التاج الملكى .. تشددها أجبر الشعب على معاملتها أسوأ معاملة بعد القبض عليها و سجنها ثم إعدامها بالمقصلة عام 1793 ميلادية ..

مارى الأولى ملكة إنجلترا و التى لقبت تاريخياً بـ مارى الدموية و التى أعدم فى ولايتها أكثر من 300 شخص حرقاً بالنار بتهمة الهرطقة .. أيضاً كانت صاحبة إختراع أحد أسوأ أدوات التعذيب الأوروبية و هو مقلاع الثدى حيث كانت يثبت المقلاع فى ثدى المرأة ثم يتم شده بقوه حتى يتم إقتلاعه من جذوره و استخدمت هذا العقاب ضد النساء التى أدينت بالزنا .. توفيت مارى الأولى عام 1558 عن عمر يناهز 42 عاماً ..

فى إفريقيا و تحديداً مدغشقر تواجدت واحدة من أكثر ملكات إفريقيا و العالم دموية .. الملكة رانافالونا الأولى و التى تسبب فى مقتل أكثر من ربع تعداد شعبها خلال فترة حكمها للبلاد حتى إنها تفاخرت ذات يوم بأنها قتلت أكثر من 10 آلاف شخص فى أسبوع واحد ..

قطعت رانافالونا علاقاتها بالعالم الخارجى و منعت إستجلاب العمالة من الخارج و استخدمت سياسة السخرة فى إنجاز الأعمال الإدارية و الإنشائية للدولة و ابتدعت نظام العمل بدلاً من الضرائب .. بالطبع العمل كان فى ظروف غاية فى القسوة و تحت تهديد السلاح .. رفعت ميزانية الجيش و زادت فى أعداده و قامت بمغامرات توسعية تسببت فى مقتل حوالى 260 ألف شخص مقسمين بين المعارك العسكرية و بين عقوبات الإعدام التى طالت كثيراً من المدنيين أو حتى بسبب سقوط شعبها فى مواقع العمل بسبب سوء أوضاعهم و الضغط عليهم لإنجاز أعمالهم .. ماتت رانافالونا عام 1861 ميلادية عن عمر يناهز 83 عام بعد أن قضت 33 عاماً فى سدة الحكم ..

والأن حان الوقت لنتعرف على إيفان الرابع ..

و أيضاً على الحجاج بن يوسف ..

و ربما الحاكم بأمر الله المنصور ..

ولكن ماذا عن مذابح الأرمن و السريان ..

هناك الكثير من التفاصيل لنتعرف عليها بالتأكيد ..

و لكن .. تلك قصة أخرى ..

مقالات ذات صلة