فكر و ثقافةقصص وعبر

الديكتاتورية .. نماذج من الطغاه (الجزء 5)

وماذلنا في سيرة طغاة التاريخ وجبابرتهم وكيف كانوا ولماذا كانوا واليوم نستمر في سرد تلك النماذج خاصة التي حفلت بها افريقيا ..

فى إفريقيا الوضع مختلف .. تذكروا تلك الكلمة جيداً لأن كل ما ستقرأونه فى السطور التالية هو نتيجة إتحاد ثلاثى الفقر و الجهل و المرض ضد الشعوب الإفريقية و قبل ذلك الثلاثى هناك السادة الأوروبيون مدعى الحضارة و الذين دعموا كثيراً من الإنقلابات فى الدول الإفريقية بغرض الإستيلاء على موارد القارة الإفريقية الثمينة ..

و لأن إفريقيا ليست كغيرها فمن الطبيعى أن يكون سرد ذلك الجزء مختلف عن سابقيه .. إستعدوا أيها السادة  الأفارقة .. أنتم على وشك التعرف أكثر على بعض حكام قارتكم ..

فى جمهورية إفريقيا الوسطى قام جان بيدل بوكاسا بانقلاب عسكرى على الرئيس ديفيد داكوفى يناير 1966 و نصب نفسه رئيساً بدلاً منه و مثله مثل أى ديكتاتور يحترم نفسه كان حاكماً منفرداً بإمتياز .. لا برلمان .. لا دستور .. لا وزراء .. هو يضع القانون و الباقون عليهم التنفيذ ..

فرط فى ثروات بلاده من اليورانيوم و الماس ليضمن دعم الدول الأوروبية له مما أفقر شعبه أكثر و أكثر .. عذب و قتل المعارضين له حتى إنه اتهم بأكل لحومهم .. أمم أملاك الأغنياء من الشعب و أنفقها على حفلاته الباهظة ..

عام 1976 مات حوالى ربع أطفال إفريقيا الوسطى بسبب المجاعات و مع ذلك قرر بوكاسا فى نفس العام أن ينصب نفسه إمبراطور بدلاً من أن يكون مجرد رئيس فأقام حفلاً أسطورياً أنفقت فيه الدولة ثلث ميزانيتها السنوية فى يوم واحد فقط ليتحول الطاغية من الرئيس بوكاسا إلى بوكاسا الأول ..

فى سيراليون الوضع أسوأ بكثير فالبلد التعيسة عاشت حكماً ديكتاتورياً تحت إمرة الطاغية سياكا ستيفنز و الذى عاش حياته مرعوباً من الإنقلاب عليه فحل الجيش و منع الإنفاق عليه و استبدله بجهاز الأمن الداخلى الذى نفذ إعدامات كثيرة بحق كل من أبدى تذمراً من حكم السيد ستيفنز ..

بعد مرضه بالسرطان أتى بجوزيف سيدو موموه كبديل صورى له .. لم يستمر الأمر كثيراً حيث مات ستيفنز بعد عامين تقريباً ثم بعد مرور 4 سنوات أخرى استطاع ضابط سيراليونى مغمور إسمه فالنتين ستراسر الإنقلاب على السيد جوزيف موموه و الإستيلاء على السلطة بعد مجزرة فى حق جهاز الأمن الداخلى ..

لم تنتهى مآساة سيراليون عند هذا بل إستمرت بعدما استطاع فوداى سايبانا سنكوح قائد جيش المتمردين من السيطرة على شمال البلاد مستغلاً كثرة الإنقلابات فى الجنوب على النظام الحاكم ..

سنكوح أذاق سيراليون العذاب بعدما قتل حوالى 50 ألف و هجر حوالى 500 ألف آخرين و كانت هوايته هى قطع أطراف كل من يعارضه و على يديه صارت سيراليون صاحبة أعلى نسبة معاقين فى العالم ..

رائج :   بدايات غزو اليابان للصين أثناء الحرب العالمية الثانية ونشأة الصراع مع الولايات المتحدة

فى زيمبابوى بدأ روبرت موجابى حياته كحاكم عادل ذو رؤية جيدة أرسى عن طريقها مبادىء الإشتراكية الرشيدة و أعاد هيكلة الإقتصاد و قام بإصلاحات زراعية و صناعية و معها تحسنت حالة الإقتصاد نسبياً ..

لم تكد تمر 5 سنوات من حكمه إلا و تبدل الحال و لا أحد يعلم لماذا .. اتبع سياسات ظالمة و مجحفة أغربها قيامه بسحب الأراضى من السكان ذوى الأصول الأوروبية و وزعها على السكان الأصليين مما أضر بالزراعة بشدة لأن من وزعت عليهم الأراضى لم يكونوا مزارعين محترفين فتدهور الإنتاج الزراعى و دخلت زيمبابوى إلى مرحلة المجاعة و هاجر السكان الأوروبيون تاركين الشعب الزيمبابوى يواجه الفقر و سوء التغذية .. إنتشرت الأمراض .. أصيب أكثر من 150 ألف شخص بالإيدز و الكوليرا ..

إنهار الإقتصاد و تضخم الدين الخارجى .. وصلت البطالة إلى 94 % و هى نسبة تاريخية لا يمكن تصورها حتى .. تم إيقاف التعامل بالعملة المحلية و استبدلت بالدولار الأمريكى أو الراند الجنوب الإفريقى و أعلنت الحكومة أنه يمكن تغيير الدولار الزيمبابوى إلى العملة الأمريكية بحيث يساوى الدولار الأمريكى 35 مليون مليار ( كوادريليون ) دولار زيمبابوى و وصل الحال بالعملة المحلية إلى أن تباع كتذكارات للسياح ..

زيمبابوى بتلك الظروف وصلت إلى الحضيض حرفياً إلا أن موجابى الذى يحكم منذ ثلاثين عاماً لم يرى أى مشكلة فى إستمراره كرئيس و لم يمنعه هذا من الإحتفال بعيد ميلاده ال 93 بتكلفة قدرت ب 800 ألف دولار مع دعوة آلاف من المدعوين للإستمتاع بلحوم الفيلة و الحمير الوحشية التى يعشقها فى الوقت الذى يتسلل آلاف من الشعب الزيمبابوى إلى الجارة جنوب إفريقيا بحثاً عن الطعام ..

فى أوغندا كان هناك رئيساً إسمه ميلتون أوبوتى شعر بولاء ضابط بالجيش إسمه عيدى أمين دادا فقرر مكافآته بترقيته إلى رتبة نقيب عام 1963 ثم نائب لقائد الجيش عام 1964 ثم لرئيس أركان الجيش عام 1970 ..

بعد شهور قام عيدى أمين دادا بالإنقلاب على رئيسه أوبوتى و أرسى بإنقلابه حكماً ديكتاتورياً عانت منه أوغندا لسنوات .. أعدم القادة العسكريين الذين رفضوا إنقلابه .. طالت إعداماته مئات الآلاف من شعبه ما أجبره على إختلاق حرباً مع تنزانيا لإثارة النعرة الوطنية فى نفوس الشعب الذى بدأ فى التذمر من سياساته ..

اتسمت فترة حكمه بالكثير من القرارات الغريبة منها مثلاً قراره بإمهال حوالى 70 ألف مقيم آسيوى لمغادرة البلاد بناءاً على رؤية رآها فى منامه إدعى فيها أن الله أوحى إليه بطردهم .. بسبب ذلك القرار أدانته بريطانيا عالمياً فقام بقطع علاقة بلاده بها ..

رائج :   الحاج مصطفى البشتيلي والحملة الفرنسية ..

أشيع عنه أنه يحتفظ بتشكيلة من جماجم ضحاياه فى غرفة خاصة فى قصره .. كان معجباً بالتقاليد الأسكتلندية فلقب نفسه بـأخر ملوك إسكتلندا إعتقاداً منه أن الشعب الأسكتلندى يرغب سراً فى تتويجه ملكاً عليهم و أمر بتشكيل فرقة حماية خاصة على الطراز الإسكتلندى من شروط الإنضمام لها القدرة على عزف آلة القرب الإسكتلندية .. لا تتعجب من كل ما سبق فاللقب الرسمى لتقديم عيدى أمين فى المناسبات الرسمية كان :

( عظمة صاحب السعادة .. الحاكم مدى الحياة .. قائد الجيش .. الحاج الدكتور عيدى أمين دادا .. زعيم كل وحوش الأرض و أسماك البحار و غازى إمبراطورية بريطانيا العظمى فى أفريقيا عامة و أوغندا خاصة )

فى إثيوبيا كان هناك إمبراطوراً يدعى هايلا سيلاسى حكم الدولة لمدة 44 عام لقب نفسه خلالها بملك الملوك و الأسد فاتح مملكة يهوذا و المختار من قبل الله و أكد لشعبه أنه الحفيد رقم 225 من نسل النبى سليمان و الملكة بلقيس ملكة سبأ ..

44 عاماً إنتهت بتولى الشيوعيون زمام الأمور فى الدولة بزعامة منجستو هايلا ميريام بعد سيطرتهم على المؤسسة العسكرية .. قاموا بتشويه صورة الإمبراطور و نشروا له صورة و هو يطعم كلبه فى الوقت التى عانى فيها الشعب الإثيوبى من المجاعات .. تشوهت صورة الملك فى أعين الشعب و قامت ضده إحتجاجات طلابية و إضرابات عمالية شلت الدولة بالكامل ما أجبر الإمبراطور على التنحى عام 1974 .. توفى بعدها بشهور بعد أن أمر منجستو ميريام بقتله و دفنه تحت مكتبه بالقصر الجمهورى ليضمن عدم رجوعه إلى السلطة مرة أخرى ..

جرائم منجستو لم تقف عند الإمبراطور فقط بل إمتدت للشعب أيضاً .. عام 1977 أعلن عن حملة تطهير .. وقف فى منتصف الميدان الرئيسى فى العاصمة و ألقى بزجاجة كانت تحوى دماً على الأرض .. كان هذا إيذاناً ببدء عمل جزار أديس أبابا كما أطلق عليه الشعب ..

قتل رفاق دربه مثلما قتل المعارضين .. نكل بالإريتريين بإختلاف فصائلهم و توجهاتهم .. واصل إحتلال إقليم أوجادين الصومالى و الأهم هو جرائمه التى إرتقت لحدود الإبادة الجماعية عام 1977 و التى وصفت بالرعب الأحمر و راح ضحيتها حوالى نصف مليون إنسان .. بسبب سياساته الدموية دخلت البلاد فى إنهيار إقتصادى و مجاعات كان أبرزها عام 1980 عندما طالت المجاعات 8 مليون مواطن إثيوبى مات منهم مليون مواطن بسبب سوء التغذية ..

فى الجارة إريتريا حول الرئيس أسياس أفورقى الدولة إلى معسكر كبير للجيش الإريترى فالشعب كله يعتبر جزء من الجيش و مدة تجنيدهم قد تصل لعقود .. تحولت الدولة إلى سجن كبير لا وجود فيه للإعلام الحر حيث تعتبر إريتريا ثانى أسوأ دولة بعد كوريا الشمالية من حيث حرية الصحافة ..

رائج :   أذواق || د : أحمد خالد توفيق

أفورقى ملأ الدولة بمعسكرات الإعتقال و معسكرات الخدمة العسكرية و معها فقد الشباب الإريترى القدرة على الحلم بمستقبل أفضل ما أدى لمحاولة فرار أكثر من 5000 شاب إريترى كل شهر للنجاة بأنفسهم من دولة بلا مستقبل ..

العجيب فى الأمر أن الحزب الحاكم فى إريتريا إسمه حزب الجبهة الشعبية للديموقراطية و العدالة .. أى ديموقراطية و أى عدالة مع رئيس يحكم منذ 24 عاماً و متهم بجرائم ضد الإنسانية !!..

فى بوركينا فاسو طُلب من الرئيس توماس سانكارا أن يتخذ إجراءات إحترازية و القبض على بليز كومباوريه صديقه القديم الذى تحوم حوله الشبهات بأنه سينقلب ضده فرد على مطالبيه قائلاً :

( صداقة العمر لا تنتهى هكذا )

بعد أقل من شهر قام كومباوريه بالإنقلاب ضد سانكارا و قتله جنوده بالرصاص داخل القصر الجمهورى. .. سانكارا كان أخر الرؤساء الأفارقة الذى دعى إلى التكامل الإقتصادى و عدم التبعية لأوروبا و خاصة فرنسا فكان جزاؤه الخيانة على يد أحد أقرب أصدقائه ..

فى غينيا الإستوائية قام الرئيس ماسى نجيما بنفى المثقفين خارج البلاد و عين نفسه كبير العلماء و ادعى أن هناك مخدراً يدعى بيهانج يشفى كل الأمراض و فى واحدة من قراراته الديكتاتورية قام بإعدام مدير المصرف المركزى ثم نقل كل أموال الدولة فى منزله فى الريف ..

فى ليبيريا حصدت الحرب الأهلية على مدار 14 عاماً حوالى 270 ألف قتيل بسبب الديكتاتور المجنون تشارلز تايلور ..

فى جامبيا إدعى الرئيس السابق يحيى جامع أنه إكتشف علاجاً للإيدز و أنه يملك قوى سحرية و سوف يحول جامبيا إلى دولة نفطية .. الا يذكرك ذلك بشئ!!؟

فى أوغندا مرة أخرى أعلن الرئيس يورى موسيفينى أنه يجب ألا تزيد فترة حكم أى رئيس إفريقى عن 10 سنوات ثم بقى 31 عاماً يحتل منصب الرئيس و وزير الدفاع بعد أن منع المسيرات المضادة له بقوة السلاح و رغم طول فترة حكمه إلا أنه لم يستطع القضاء على أحد أشرس الحركات الأصولية فى إفريقيا حركة جيش الرب المسئولة عن قتل حوالى 100 ألف إنسان ..

فى الواقع إفريقيا غنية بتلك الأحداث و قد لا تكفى عدة مجلدات لتجميعها و لكن هذا لا ينفى أن الديكتاتورية منتشرة فى العالم كله و منذ بدأ الخليقة إلى يومنا هذا ..

آسيا أيضاً لديها طغاتها و هم لا يقلون غرابة عن نظرائهم فى إفريقيا .. فى الجزء القادم نتعرف عليهم بالتأكيد و لكن كما تعلمون ..

تلك قصة أخرى بالتأكيد ..

مقالات ذات صلة