أجمل رسائل بريد الجمعة

السند المنهار ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)

هل تتذكرني ؟ إنني القارئة الشابة التي تعمل موظفة بإحدي الهيئات وكتبت لك منذ ثلاثة أعوام أن رئيسي المباشر رجل متزوج وله أبناء أصغر مني قليلا, وأنه قد عرض علي أن يتزوجني زواجا عرفيا سريا وراح يغريني بقبوله بدعوي أنه سوف يكون لي سندا في العمل وفي الحياة وسوف يحميني من أية مشاكل تعرض لها في عملي, فلما رفضت هذا العرض المهين خاصة أن له سوابق من هذا النوع في دائرة العمل, راح يطاردني ويلح علي حتي اضطررت لتهديده بأنني سوف أبلغ زوجته,

وانتهي الأمر بأن علمت زوجته بالفعل بالقصة, ولكن عن غير طريقي, فراح يتوعدني بأنني سوف أدفع ثمن ذلك غاليا, ويكيد لي المكائد في العمل.. ويدبر لي المشاكل حتي تعرضت لمتاعب عديدة, وراح هو في كل مرة يظهر أمامي بريئا من ذلك براءة الذئب من دم ابن يعقوب كأنما يقول لي بغير كلام: لقد رفضت السند الذي كان يستطيع حمايتك من مثل ذلك, فتحملي إذن ثمن الرفض إلخ.

ولقد اختتمت رسالتي إليك وقتها بأن طلبت منك أنت وقراؤك أن ترفعوا أيديكم إلي السماء بالدعاء من أجلي علي رئيسي الظالم وعلي كل ظالم جبار يستأسد علي الضعفاء, ونشرت رسالتي بعنوان السند, وقلت لي في ردك مماقلت: ولماذا لأنشرك معنا في هذا الدعاء الجماعي رجال الرقابة الإدارية ؟ وأريد الآن أن أبلغك بتطورات قصتي فأقول لك إنه بعد نشر رسالتي اتصلت بي إحدي الجهات الرقابية,

في نفس الوقت الذي تمادي فيه رئيسي المباشر في ظلمه وفي تصد الأخطاء وتلفيق الجزاءات لي ولغيري, وفي قمة يأسي من العدل في الحياة قررت قبول الزواج من أول شخص مناسب يطرق بابي بعد أن كان الرفض هو مبدئي السابق, فإذا بالسماء تهديني زوجا رائعا خلقا ودينا وطبعا, فكأنما قد خلق لي من البداية في فهمه لشخصيتي وطباعي, حتي لقد تذكرت قول أحد الصالحين من رفض شيئا في الحرام رزقه الله خيرا منه في الحلال.

رائج :   عاهدني على أنك لاتكذب … قصة قصيرة

وسعدت بحياتي الزوجية وتلمست فيها العزاء عن معاناتي في الوظيفة, وانطويت علي نفسي في العمل, فلا أحاول الاحتكاك برئيسي.. ولا أرد علي الإيذاء بغير الدفاع عن نفسي, وتجنب أي أخطاء يمكن أن يتصيدها لي, فهل تعرف ماذا فعلت الحياة به ؟

لقد سلط الله سبحانه وتعالي عليه إحدي زوجاته السريات السابقات في العمل وهيأ لها من ساعدها علي جمع عدد كبير من المخالفات المالية له وإن كان بعضها مما يعد في عملنا عاديا, وماكان يطبق علي خلال فترة اضطهاده لي من تحقيق وجزاءات طبق عليه, وأحيلت المخالفات الأخري التي يصعب التجاوز عنها إلي النيابة, وانتهي الأمر بفصله هو وزوجته السرية

ووجدتني أبكي تأثرا بانتقام العادل الجبار سبحانه وتعالي وتقدمت لرئيس الهيئة بطلب لرفع الجزاءات التي وقعت علي ظلما وعدوانا, فقيل نقلا عنه أنه يعلم ان هذه الجزاءات خاطئة, لكنها قد حولت إليه من الشئون القانونية مستوفية للشروط, ولقد سقطت بمضي المدة القانونية, فهتفت بأنها لن تسقط عند الحاكم العادل سبحانه وتعالي, فهل يتعظ الظالمون.. وكل من ينسي الله ويستغل موقعه في إيذاء الغير ؟

رائج :   الخطأ الفادح .. رسالة من بريد الجمعة

لقد استجاب الله لدعاء قرائك الطيبين ونصرني بفضل من عنده.. فشكرا لك ولهم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ولكاتبة هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :

يأخذ علي البعض أحيانا أنني أدعو دائما إلي ألا يهددر الإنسان طاقته النفسية في محاولة الانتقام ممن أساءوا إليه, وأن يجتهد فقط في الدفاع عن نفسه ورد الأذي عنها, محاذرا أن يبلغ في ذلك حد الانتقام ممن أساء إليه, ويرون في ذلك نوعا من السلبية في المعاملات الإنسانية قد لا يصلح لمواجهة أعاصير الحياة في هذا الزمان, غير أنني أؤمن علي الجانب الآخر بأن خير وسيلة للانتقام ممن أساءوا إلينا هي ألا نصبح مثلهم, أشخاصا قادرين علي إيذاء الغير بأن يؤرق ذلك ضمائرنا أو يحرمنا من النوم المطمئن..

وتعجبني كلمة المفكر الفرنسي جان جاك روسو التي يقول فيها: حين أري الظلم في هذا العالم أسلي نفسي بالتفكير في أن هناك جهنم تنتظر هؤلاء الظالمين

وأؤمن كذلك بما قاله أحد الحكماء ذات يوم: لا تنتقم من خصمك, ولكن اجلس علي حافة النهر وانتظر ولسوف تري جثته طافية فوق الماء بعد قليل دون أن تلوث يدك بدمه.

وهو موقف ليس سلبيا كما يبدو في ظاهره.. لأنك مطالب حقا بالدفاع عن نفسك ورد الأذي عنها, ثم الترفع بعد ذلك عن الانتقام ممن أساء إليك حرصا علي سلامك النفسي.. وتعففا عن الدنايا, والفحش في الخصومة وهو موقف إيماني وعملي أو برجماتي في نفس الوقت,

فأما جانب الإيمان فيه فهو يقينك الذي لا يداخله شك في أن في السماء عادلا لا يظلم أحد عنده, ومنتقما جبارا سبحانه وتعالي سوف ينتقم لك ولغيرك ممن أساء بأفضل مما تفعل أنت لو أردت. وثقتك كذلك بأنك حين تردد الآية الكريمة وأفوض أمري إلي الله إن الله بصير بالعباد فكأنما قد أعفيت نفسك من عبء الثأر ممن أساء إليك, وفوضت فيها خالقك وهو خير الحاكمين.

رائج :   الشىء الواضح ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

وأما الجانب العملي البرجماتي من هذا الموقف فهو إداركك أن من ظلمك وافتري عليك, لابد وأنه سوف يكرر إساءته وعدوانه علي الآخرين مادامت طبيعته العدوانية قد سمحت له بذلك, ولسوف يوقعه أذاه بالضرورة في شر أعماله ذات يوم فيصطدم بمن لا يتعفف عن الانتقام منه وينفذ فيه حكم السماء ولو كان هو نفسه من الظالمين.. وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا صدق الله العظيم.. وقديما قال الإمام مالك بن أنس, قد ينتقم الله من ظالم بظالم ثم ينتقم من كليهما. فأية سلبية إذن في هذا الموقف!

وهاأنت ياسيدتتي قد انتقم الله الذي يملي للظالم ولا يهمله بأفضل مما كنت تستطيعين أنت الثأر منه لو كنت قد أهدرت طاقتك النفسية والمعنوية في تدبير المكائد له..

فشكرا لك علي إطلاعنا علي تطورات قصتك هذه, وأرجو أن تتعففي عن التشفي في رئيسك السابق وزوجته السرية بعد انكسارهما لأن التشفي في الغير ضرب من التقصير في أداء واجب الشكر لمن أنصفك في النهاية سبحانه وتعالي.. والسلام


لطفا .. قم بمشاركة الموضوع لعله يكن سببا في حل أزمة أو درء فتنة …

مقالات ذات صلة