أجمل رسائل بريد الجمعةقصص وعبرقضايا وأراء

الستار الحديدي .. رسالة من بريد الجمعة

من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)

أنا رجل فى الثامنة والثلاثين من عمري .. متزوج منذ سبع سنوات تقريبا , ولى طفلتان توءم تبلغان من العمر ثلاث سنوات .. زوجتي تعمل سكرتيره بإحدى شركات القطاع الخاص , وتحصل على راتب كبير من عملها يصل إلى ضعف دخلى من عملى بإحدى شركات القطاع العام , ولكن يعوض الفرق إيراد خاص لى من بعض الأملاك , ولا نعانى من مشكلات مادية حادة والحمدلله.

أما مشكلتى مع زوجتى فهى أنها تتعامل مع الحياة بروتينيه بحته مع عصبية زائدة وعدم إحساس بالأمان للزمن .. فهي تتصرف معي ومع البنتين وكأنها تتعامل مع آلات صماء تدار بأزرار لأداء مهام معينة .. وعندما يخرج أي فرد عن الدور المرسوم له تثور أعصابها وتدخل فى طور من النرفزة والصياح مع إتهام من حولها بالبلادة والتخاذل!

لقد أصبحت أشعر أننى لست زوجاً وأبا ولكنى موظف بدرجة زوج وأب ينبغى على أداء مهام معينة يومياً وفقا لجدول محدد فى أوقات مرسومة مسبقا حتى لا يحدث خلل فى حياتنا .. ولكي تستطيع زوجتي الوفاء بالتزاماتها تجاه بيتها وبالأسلوب الذى يساعدها على الحفاظ على عملها الذى تؤمن إيمانا غريبا بأنه الشئ الوحيد الذى يؤمن لها مستقبلها ويحميها من تقلبات الزمن , بالرغم من أننا نمتلك أرضا زراعية وعقارا ورثتهما عن أبى رحمة الله عليه ..

وبالرغم من أنى أشهد الله أننى أحسن معاملتها جهد الطاقة ولا يصدر منى ما يشعرها بعدم الأمان لحياتها معي .. ولكنها تتصرف وكأنها فى معركة الزمن..فهى فى الصباح تثور على البنتين وعلىّ عند حدوث أى خطأ أو تأخير لأن هذا سيؤدى إلى تأخرها عن ميعاد عملها مما يعرضها لأن تتغير الصورة الطيبة المعروفه عنها فى العمل!

وبعد العودة من العمل نجلس إلى المائدة فى نظام شبه عسكري لكي نتناول الطعام بأدب وغير مسموح لأى فرد بأى نسبة خطأ..فإذا تساقط بعض الطعام من البنتين على مفرش المائدة أو على الأرض , انفجرت عصبيتها وصياحها بكلمات من نوع ” يا غبية يا هبلة .. إلخ ” فيمضى وقت الطعام ونحن فى حالة توتر وقلق خوفا من أى خطأ , مع أن معظم أخطاء البنتين تتناسب مع عمريهما , وفى المساء لا ينبغى أن أجلس مع الطفلتين وأداعبهما إلا فى أوقات معينة وظروف معينة تحددها هى ..

كأن تكون فى المطبخ لطهو الطعام أو عند إنشغالها بتنظيف البيت .. وفيما عدا ذلك فليس من حقى أن أداعب البنتين أو أن أتحدث معهما حديث الأب لأطفاله لأنهما ينبغى أن تكونا جاهزتين تحت الطلب ” لأعمال “الاستحمام والنظافة والنوم قسرا فى ساعة محددة كل يوم لابد أن نطفئ لها كل أنوار البيت , وأن نكتم أنفاسنا خلالها فلا نتكلم ولا نتحرك حتى تروحا فى سبات عميق .. وكل ذلك لكي يستطيعا الاستيقاظ فى ساعة مبكرة صباح اليوم التالى والنزول معها فى وقت معلوم لتودعهما الحضانة وهى فى طريقها إلى عملها .. ورغم هذا النظام الحديدى الذى تفرضه علينا زوجتى فكثيراً ما تتأخر رغما عنها وتواجه ذلك بالعصبية والتوتر والصياح.

رائج :   نقطة البداية ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

أما إذا دعوتها بعد نوم الطفلتين للجلوس والتسامر معى قليلا كما يفعل كل زوجين .. جاءت كارهة متأففة .. ولا يخلو الأمر من سماع بعض الألفاظ من نوع : “يالا خلصنا بقى عايزة انام أنا عندى بكره شغل .. أنا مش مرحرحة زيك ” ! ..

فضلا عن أنها دائما مرهقة وتعبانة من العمل والبيت ولا وقت عندها لمشاعر الناس المرحرحين من أمثالي .. حتى أصبحنا لا نجلس سويا لمناقشة أمور حياتنا وبناتنا فضلا عن أنها تؤمن إيمانا لا يقبل النقاش بأن الحياة العصرية تستلزم تقسيم الأعباء العائلية إلى واجبات متساوية بالسنتيمتر بين الزوج والزوجة,يجب أن يؤديها كل منهما آليا ودون تفكير أو تقصير أو خلل ! وإلا فهو بليد وخامل ومقصر وليس عنده إحساس بالمسئولية ! أما المشاعر والأحاسيس فلا وقت لها ما دام كل طرف يؤدى واجبه !

وقد جربت ذلك منها حين مرضت أنا لفترة طويلة فكان تصرفها معى أنه ما دام الطعام والدواء يعدان بالطريقة التى أمر بها الطبيب وفى الأوقات المحددة لها , فلقد أدت واجبها تجاهى على أكمل وجه وعلىّ أن أشكر لذلك وأمتن !

حتى مرات خروجنا القليلة تتم فى مواعيد محددة قبلها بفترات طويلة , ولأهداف محددة بدقة وبنظام صارم لا يمكن الخروج عليه .. ولا يمكن أبدا الإستجابة لرغبة طارئة منى للخروج لزيارة أحد أو للترفيه على الأطفال ونفسينا .. إنني يا سيدي لست ضد الإلتزام فى أى شئ , ولا مع النكوص عن تحمل كل إنسان لمسئوليته , ولا ضد عقاب الطفل إذا أخطأ بشرط أن يتناسب العقاب مع الخطأ , ولا ضد أن تعمل زوجتى وتحس بنفسها فى عملها مع أنى لا أهتم بعملها ولا أنظر إلى عائده ونستطيع إذا أردنا أن نحيا بدونه .. لكنى ضد التوتر المستمر والآلية الشديدة فى كل شئ ومحاولة علاج الأمور بالعصبية ..

فقد تأثرت الطفلتان كثيراً بالعصبية الشديدة التى تعاملها بها أمهما , فأصبحتا كثيرتي البكاء وكثيرتي الأخطاء وتكرران نفس الأخطاء التى تعاقبان عليها دون أى فهم, أما أنا فقد حاولت كثيراً إصلاحها وتغير أفكارها وتخفيف عصبيتها حتى أنى أدمنت القراءة فى الكتب التى تتحدث عن الأسلوب الأمثل لتربية الأطفال والأسرة المثالية وفطرة الإنسان وضرورة عدم إغفال الجانب الروحى فيه .. مع قراءة الكتب الخاصة بالتعامل مع الأشخاص العصبيين ,

رائج :   قصة رعب قصيرة … لعنة ماتيرا || ج2

وكانت آخر محاولاتى معها أن أصطحبتها منذ شهور معى لأداء فريضة الحج عسى الله أن يهدى النفوس الثائرة وأن تشعر زوجتى بأنها تتعامل مع بشر وليس مع آلات متحركة .. لكن كل ذلك لم ينجح فى تغييرها .. حتى أنني أصبحت أكره العودة إلى بيتى وأظل أسير بعد العمل فى الطرقات إلى أن ينهكنى التعب فأعود للبيت وأتناول طعامى وأنام مباشرة حتى لا ألتقى بها ولا أسمع ولا أرى ما يضايقني .

لقد فشلت كل محاولاتى معها وأرجو أن توجه لى النصح فيما يجب أن أفعله , أو أن توجه لها كلمة فهى تقرأ أهرام الجمعة لعلها تتأثر بكلماتك الطيبة إن شاء الله. أو إن كان هناك قصور من ناحيتى فأرجو إرشادى إليه.

ولكاتبة هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :

لا لوم عليك يا سيدى ولا تقصير من جانبك , وإنما اللوم كله والعتاب للسيدة زوجتك لهذا سوف أجه حديثتى إليها مباشرة.

إن غاية الحياة الأساسية هى السعادة , وكل ما نهتم به فى حياتنا ليس فى النهاية سوى وسائل نتوسل بها إلى تحقيق سعادتنا بالطرق المشروعة .. وفيما لا يغضب خالقنا أو يعرضنا لعقابه , فإذا طغى إهتمامنا بالوسائل على إهتمامنا بالأهداف فإن محصلة سعينا فى الحياة تكون فشلا ذريعا مهما حققنا من نجاح أو أمجاد , وبهذا المفهوم فإن عملك وسيلة وليس غاية ..

ولا ينبغي أن يدفعك حرصك عليه كأنه طوق النجاة الوحيد لك ضد الزمن , إلى التقصير فى حقوق طفلتيك وزوجك .. أو محاولة فرض نظام حديدى يشقون به .. فالعمل يمكن أن يفقده الإنسان مهما بذل من حرص عليه .. كما يمكن له أيضا أن يغيره إذا إقتضت الظروف ذلك , أما العمر فإنه لا يمكن إستبداله أو إسترجاعه من عالم الغيب لكى نحياه من جديد ونطبق فيه ما تعلمناه من تجارب الزمن إذا ضاع وإنقضى فى التوتر والشقاء ومحاولة إخضاع الآخرين قسرا لما يناسبنا نحن وحدنا .

فخففي الوطء كثيرا يا سيدتى وإعلمى أن الملل والروتينية يورثان الاكتئاب , وأن تجاهل مشاعر شريك حياتك وعدم مجاراته فيها بدعوى ضرورة العمل يقتل الحب ويبلد الأحاسيس,ويحول الحياة إلى كآبة عصرية منظمة لا روح فيها ولا نبض ..

وتذكري دائما أن معظم مشاكل الزوجات والأزواج إنما ترجع إلى أنهم لا يحاولون أدنى محاولة أن يلتزموا مع أهلهم الأقربين بما يلتزمون به من آداب اللياقة وضبط النفس والتسامح التى يلتزمون بها فى معاملة الغرباء .. مع أن الأقربين أولى بالمعروف وبحسن الرعاية ورقة التعامل , وأنت قادرة بغير شك على التحكم فى عصبيتك وكبح جماح نفسك لكنك لا تحاولين ذلك فى تعاملك مع أسرتك ..

وإلا فكيف لم تفقدى عملك حتى الآن إذا كنت تتعاملين مع رئيسك وزملاء العمل والغرباء بهذه العصبية والتوتر الدائمين وأنت موظفة بقطاع خاص يستطيع أن يستغنى عنك بسهولة ؟ .. إذن فأنت تستطيعين لكنك لا تحاولين .. وتبررين لنفسك كل شئ بأنك مرهقة , وأنها ضرورات لكى تستطيعى أداء عملك ,

ومن أقوال زوجة أمريكية سعيدة أنه :لو إلتزمت الزوجات حدود اللباقة مع أزواجهن كما يلتزمن بها مع الأغراب لعض كل زوج على لسانه إذا إندفعت إليه قوارص الكلم ! ونفس المبدأ ينطبق على الأزواج .

وزوجك يا سيدتى لا يبادلك عصبيتك ولا تندفع قوارص الكلم إلى لسانه .. ولا يحاول أن يفرض عليك ما يراه حقاً له , فلماذا لا تبادلينه رقه برقه ومشاركه بمشاركه ؟ ولماذا تتصورين أن كل من فى مملكتك الصغيرة ينبغى أن يخضع لإرادتك ونظامك الحديدى الذى قد يناسبك وحدك بغير أدنى محاولة لتفهم حقوق الآخرين عليك .. إن تجديد الحياة من حين إلى آخر أمر ضرورى لطرد الملل الذى يهدد السعادة الزوجية ..

وبعض الحكماء يطالبون الزوجة بأن ترتدى لزوجها كل يوم قناعا جديداً كأقنعة سالومى السبعة لكى تنبه مشاعره وتحتفظ بها دائما عند درجة الفوران .. ونحن لا نطالبك بأقنعة سالومى السبعة أو الستة , ولكن نطالبك فقط بشئ من التسامح الضرورى مع طفلتيك , وبشئ من المرونة فى نظام الحياة فى بيتك الذى تفرضين عليه الإظلام التام كل ليلة كأنكم فى زمن الحرب ..

وبشئ من الإعتبار لأهمية المشاعر والأحاسيس فى الحياة الزوجية,وبشئ من الخروج على روتين الحياة من حين لآخر ترويحا للنفوس , وليس كل ذلك عليك بعسير إذا إقتنعت معى بأنه لا شئ فى الحياة يعدل حياة زوجية سعيدة هادئة وأبناء سعداء أسوياء.

فهل تقتنعين بذلك ؟ وهل تجدين فى نفسك الشجاعة لأن تطلبى المساعدة الطبية من طبيب أعصاب متخصص إذا إكتشفت حاجتك إلى ذلك وهو أمر لا شئ فيه ولا يسئ إليك بحال من الأحوال ؟

من أرشيف جريدة الأهرام

 نشرت سنة 1988

مقالات ذات صلة