قصص وعبر

قصة رعب قصيرة … لعنة ماتيرا || ج2

ربما توقفت بي المصاعد عشرات المرات بين الطوابق علي مدار عمري الذي تخطي الخامسة والستين..
ولكن هذه المرة كان الأمر مختلفاً..فقد كنت علي علم أني مطارد..كاد توقفه أن يوقف قلبي من الخوف..

كان الصمت في المصعد مُطبقاً أستطيع معه أن أسمع صوت دقات قلبي المتسارعة..ولكني بدلاً من ذلك سمعت صوت أنفاس تلهث بجواري..ثم شعرت أن المصعد يهتز قبل أن تقترب الأنفاس من أذني في هدوء..
كانت مرآة المصعد أمامي فنظرت إليها..فإذا بعينين لونهما أبيض تماماً بجوار أذني تشعان وميضاً لامعاً ينعكس علي المرآة..
فتملكني الرعب..

فانتفضت في مكاني أضرب الهواء حولي بلا فائدة..ثم وقفت أرتجف وألهث قبل أن أسمع صوت امرأة في أذني فجأة تقول في همس : نجينيما إيسي هوجوينو..

سقطتُ متشنجاً علي الأرض أنتفض من الفزع..بينما عادت الطاقة إلي المصعد فاستأنف رحلته إلي أعلي..
كانت الجملة التي سمعتها تتردد في عقلي كما لو كانت المرأة تهمس بها مراراً..

حملني زملائي في العمل إلي مكتبي وأمضيت نصف اليوم محاولاً أن أتمالك أعصابي..بينما كانوا جميعاً – علي عكس ما توقعت – يصدقون ما حدث لي..ويؤكدون علي أنها لعنة المومياء..
بعد أن بدأت أتماسك كتبت الجملة التي سمعتها في أذني كي لا أنساها وحاولت عبثاً أن أترجمها..استعنت بكل خبراء اللغات القديمة بلا فائدة..حتي استأذن عليّ أحد العمال الذين كانوا من فريق البحث الذي اكتشف ذلك التابوت..

رائج :   حكاية وسيلة || ج2

أخبرني أنهم كانوا يسمعون عزف القيثارة أثناء التنقيب..وكانوا يسمعون صوت إمرأة تغني غناءاً حزيناً جداً كان يُدخل علي نفوسهم الحزن..وكان بعضٌ منهم تصيبه نوبات من البكاء بلا سبب..كما كان هناك من تصيبه نوبات صرع..
ظلوا علي حالهم كذلك حتي ظهرت إمرأة مشعوذة كانت تسكن بجوار مقبرة ماتيرا..
حذرتهم من التنقيب هناك ..

وأضاف : كانت تقول أننا يجب أن نتوقف عن التنقيب ونسترضي ساكنة هذا المكان بأن نعزف موسيقي فرعونية لثلاثة أيام عند قبرها من الغروب إلي الفجر..وأملت علينا شروطاً لطقس معين وقالت بأننا يجب أن نتم هذا الطقس بالكامل ثم نترك المقبرة ونرحل..
ثم قال : إذهب إليها لعلها ترشدك إلي الخلاص

*****************************

ذهبت فوراً إلي تلك المرأة المشعوذة التي ما أن دخلتُ عليها حتي نظرَت إليّ بحدة وقالت بصوت غليظ قاسي : إبقَ بعيداً ولا تقترب..أري بصمة ماتيرا علي وجهك وعنقك..ستدفع ثمن إزعاجك لها..
قلت لها : أنا لا أفهم ما الأمر..وعلي استعداد لاسترضاءها..أرجوكي لقد جئت إليكي لتساعديني..وسأدفع لكي ما تشائين..لا أريد أن أموت..

جلسَت غير قليل ثم قالت : ماذا تريد؟؟
قلت لها : أخبريني ما تعرفيه عن ماتيرا..وكيف أسترضيها وأتخلص من لعنتها؟

رائج :   من سلسلة (روايات مصرية للجيب) || عملية نشل

فقالت وهي واجمة وتنظر إلي موقد مشتعل أمامها : كانت ماتيرا عازفة ملكة مصر الخاصة..وتعاملها كإبنتها برغم أن الملك كان مغرماً بها..ولكن عندما أراد أن يتزوجها..
انقلبت الملكة عليها فقررت أن تنتقم منها وتجعلها عبرة لكل نساء القصر..
ففكرت في إعدامها بطريقة لم يسبق لها مثيل..

فسلمتها إلي سحرة المعبد وقالت لهم أن يُسلطوا عليها الأرواح الخبيثة لتقتلها قتلاً بطيئاً تتعذب معه عذاباً لا مثيل له..وأن يفعلوا ذلك في قبو القصر حتي تسمع النساء عذابها..
عاش القصر وقتها أياماً عصيبة..كانوا يسمعون صراخها طيلة الليل..وعزفها الحزين طيلة النهار..لم تكن تنام..كان عذابها يقُضُّ مضجع كل من بالقصر حتي الملك والملكة..
ويدفعهم إلي البكاء عليها..إلي أن ذهبت إليها الملكة يوماً و رأت ما حل بها من العذاب..
فجلست تبكي بجوارها..

كان جسدها قد تشوه بفعل الشياطين وكانت أوتار القيثارة قد تمزقت وإلتفت حول عنقها ولم يبق إلا وتر واحد..وبينما كانت الملكة تسترضيها كان موعد العذاب قد حل..
فمالت ماتيرا نحو الملكة وهمست لها بجملة أخيرة أفزعتها..
ثم اندفعت إلي الخلف وقد شُدّت الأوتار حول عنقها فذبحتها..
أخذت الملكة تصرخ..فتلبستها الأرواح الخبيثة التي كانت في المكان..وقيل أنها ماتيرا هي من تلبستها لتُعذبها..فشُلّت ما بقي من حياتها..

رائج :   من سلسلة (روايات مصرية للجيب) || سبحان الله

فقلت لها : لقد قالت لي جملة في المصعد ولا أعرف معناها؟؟
فقالت : ما هي؟؟
فقلت لها : نيجينيما إيسي هوجوينو..
فقالت بحسرة : إنها نفس الجملة التي همست بها للملكة..إنها بلغة العبيد..و تعني “سآخذك معي إلي الجحيم”..
فقلت لها : كيف أتخلص من تلك اللعنة؟؟
فقالت : يجب أن تسترضيها إلي أن تقبل اعتذارك..
فقلت : كيف؟؟

فقالت : تأخذ حفنة من تراب مقبرتها..ثم تقوم بنثرها علي الأرض في بيتك..واخلط بعضاً منها بالماء ثم انثرها بمحاذاة جدران البيت وأمام الباب..ولطخ بها يديك وشيء من ملابسك..
ثم أشعل شموعاً في كل غرف البيت..وأمسك قيثارة وأجلس بها عند الغروب في حوض الاغتسال وهو نصف ممتلئ بالماء..حتي إذا بدأت تشعر بحركة من حولك إبدأ في العزف..
ولكن إنتبه..يجب أن تنتحب بشدة وأنت تعزف..و استمر بالعزف والنحيب إلي الفجر..فإذا ما كانت اللعنة قد انحلت فستجد العلامات علي وجهك وعنقك قد زالت..

****************************
وهكذا……
أعددت كل شيء لأنفذ الطقس..وجلست أنتظر غروب الشمس..
كنت أظن أن كل شيء سينتهي بذلك..ولم أكن أعرف أن الأمور سوف تتعقد أكثر..

يُتبع في الحلقة القادمة

مقالات ذات صلة