أجمل رسائل بريد الجمعةقصص وعبرقضايا وأراء

العين الزائغة‏ !‏ .. رسالة من بريد الجمعة

من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)

أنا سيدة في الثلاثين من عمري‏.‏ جامعية وعلي قدر من الجمال وخفة الظل كما أنني أيضا علي قدر كبير من الاستقلالية في شخصيتي وأسلوبي في معالجة مشكلاتي‏.‏

وأنا الابنة الوسطي لأسرة تتكون من أب في منصب كبير وأم علي قدر جيد من التعليم وعده أخوة يشغلون كلهم مراكز مرموقة وقد تعرفت خلال عملي علي زوجي وأحببته واعترض عليه كل أفراد أسرتي للفارق الاجتماعي بين الاسرتين‏.‏ ولكني أصررت علي الارتباط به‏.‏

وبذل زوجي كل مايستطع ليرفع من مستوي التجهيزات اللازمة للفرح والاثاث‏,‏ كما لم يبالغ ابي أو أمي في طلباتهما المادية منه بعدما أحسا بإصراري عليه‏.‏ ولقد عاهدت نفسي أن أعيش حياة أسرية أقرب ماتكون للمثالية وأن أحترم نفسي وألا أدع ايه فرصة لزوجي لكي يهينني أبدا وذلك عن طريق حفظ لساني في الخلافات العائلية ومحاولة ترك الغرفة في أثناء الشجار وعدم التفوه بالتفاهات

ومنذ بداية زواجي كنت اعرف أن زوجي طيب‏,‏ ويحبني بطريقته ويرغب في الاستقرار والسعادة‏,‏ اما انا فإن كنت عنيدة بعض الشيء فإني حين أحب أخلص للنهاية وأحاول أن أوفر لزوجي كل ما يتمناه من زوجة تنتظره وترتدي أجمل مالديها وتتزين له‏,‏ وتطهو له مايحبه من طعام‏,‏ وتكرم أهله‏..‏ إلخ‏..‏

وقد طبقت كل ماقرأته من معلومات عن السعادة الزوجية وطرق الحصول عليها في حياتي وكثيرا ما اكتشفت أن زوجي يخفي عني موارده المادية بالرغم من اني لا أطلب لي شيئا إلا في حدود أقل القليل‏,‏ ومع ذلك ثرت ثم هدأت وناقشته وسألته عن السبب فلم يعرف إجابة غير الأسف والندم الشديد‏,‏ وتكرر هذا السيناريو أكثر من مرة‏.‏ وأرجعته الي رغبة زوجي في بعض الخصوصية أو في التملك‏,‏

فبدأت في تخفيف أسئلتي ومحاصرتي له ثم جاء لزوجي الذي يبلغ عمره الآن‏38‏ عاما فرصة عن طريق أحد أقاربي للسفر إلي دولة افريقية بثلاثة أضعاف دخله فوافق وأصر علي مرافقتي كما أصررت أنا أيضا علي ذلك وتخليت عن عملي المرموق لحرصي الشديد ان تنشأ ابنتي وابني في ظروف أسرية طبيعية‏.‏ وتمنيت أن تحسن الغربة طباع زوجي الذي يثيره أتفه التصرفات من ابنتي وكثيرا مايتعامل معنا بعصبية وأقابل ذلك بالهدوء خصوصا أمام طفلي لكي نصبح أنا ووالدهم واجهة واحدة ثم أناقشه بعد ذلك بهدوء‏.‏

وحرصت طوال السنوات الست الماضية علي أن أواظب علي صلاتي وأدفعه إلي الصلاة باستمرار‏.‏ مرة بالشجار ومرة بالتودد‏.‏ وأدينا فريضة الحج ثم ازداد حرصي علي أن يصلي زوجي بانتظام وكنا نرجع في الاجازة السنوية كل عام وقد ازداد يقيني أن طباع زوجي لاتوافقني إلي أن حدثت آخر الخلافات‏.‏

ففي هذه الدول تكثر الخادمات وطبعا لابد من وجود واحدة نظرا لظروف الجو شديد الحرارة‏.‏ فدخلت يوما علي زوجي فأحسست بشيء غير طبيعي ولما سألته ارتبك ثم غادر الغرفة ولما ذهبت للخادمة وسألتها بكت وقالت إنها تخاف الله وأن زوجي دائم التحرش بها وهي تأبي وترفض أن تستسلم له لأنها متدينة وتحبني وهي تخاف حين أتركها مع الأولاد واذهب لشراء أي شيء ولا تتخيل كيف كان وقع هذه الكلمات علي لقد طالبتها بالمغفرة لي ولزوجي‏.‏

ورجوتها ألا تخبر أحدا‏.‏ ثم خرجت واخذت أولادي وحاولت أن أحجز تذاكر السفر للعودة إلي بلدي مع أولادي وعند عودة زوجي من العمل أبلغته أن الخادمة قد تركتنا وانني طلبت منها ذلك‏,‏ لأنني سوف ارجع الي بلدي بعد خيبة أملي فيه وفي إصلاحه‏.‏ فحاول الانكار في البداية لكنه ونتيجة رفضي حتي مجرد النظر اليه جاء ليقبل يدي ويقبلني فلم اشعر بنفسي إلا وأنا أرتعد وأصرخ ولولا خوفي علي ابنتي التي جاءت علي صوتي لما توقفت دموعي وصراخي‏.‏ لقد انهمرت دموعي دون توقف لمدة ثلاثة أيام متتالية‏.‏ ولم يتوقف لساني عن الدعاء عليه وترديد‏..‏ عبارة‏.‏ حسبي الله ونعم الوكيل‏,‏ وحاولت أن أدعو له بالهداية فلم يطاوعني لساني لأول مرة‏.‏

وكلما حاول التحدث معي لا أطيق حتي الجلوس بجانبه في نفس الغرفة‏,‏ وبدأت حالتي النفسية في التدهور وبدأ المرض يهزمني فأيقن زوجي أن محاولاته للاعتذار والندم لا فائدة منها‏.‏ وخشي أن أمرض فبكي بين يدي وأقسم أن الله قد أراد فضحه في الوقت المناسب حتي يتوقف عن زوغان العين الذي كثيرا ما رجوته أن يقلع عنه‏,‏ مذكرة إياه بأن لنا أبنة واني أخاف عليها أن يحدث لها مثلما يفعل هو مع الآخريات‏.‏

وكلما توقف وقاوم قليلا رجع لطبيعته مرة ثانية المهم‏..‏ أنه أقسم ان هذه المرة هي الاخيرة ولا رجوع فيها‏.‏ ولكني للأسف لم أستطع أن أسامحه‏,‏ ودعوت الله أن يهديني إلي ما يحبه ويرضاه لأني بصراحة أخاف غضب الله وأرجو رحمته وغفرانه ولما هدأت بيننا الأمور واستطعت التحدث معه قررت أن انفصل عنه في الفراش حتي أهدأ وإن كنت لا أعرف اإن كنت علي حق في ذلك أم لا؟

وهل يحاسبني الله علي امتناعي عن زوجي أم أن ظروفي النفسية تكفي لتكون عذرا لي‏.‏
لقد طلبت منه الطلاق ولكنه رجاني أن أؤجل هذه الفكرة حتي يرجع في الاجازة السنوية في شهر يونيو القادم‏.‏ والآن أنا في بيت أبي وأمي‏,‏ ولقد رجاني ألا أخبر أحدا مهما يكن بهذه القصة وأقسمت علي ذلك لكني حزينة إلي أبعد مدي‏.‏ لقد تمنيت أن أعيش حياة هادئة طبيعية مع رجل أحبه واحترمه ومع زوج يستطيع احتوائي وأنا إنسانة أرضي بالقليل ويسعدني ضحكة زوجي وأولادي‏.‏

ولا أهمل في احتياجات زوجي العاطفية أو المادية وأسانده في أي أزمة ولا أهمل في مظهري في أي وقت من الليل أو النهار‏.‏ فلماذا إذن يخون الإنسان من أعطاه الأمان؟ وماذا يريد الرجل اكثر من زوجة تخاف عليه وعلي ماله وعرضه وولده؟ ولماذا لايحمد الله علي مارزقه به من ابناء ورزق ومال؟ أنا لا أعمم تجربتي علي أحد‏,‏ ولكني أسألك بأمانة هل العين الزائغة داء له شفاء؟‏!‏

هل لان لكل الرجال أن ينظروا إلي محاسن النساء الأخريات؟ هل هذا طبيعي؟ وإذا كان الله قد أمرنا بغض البصر للمؤمنين والمؤمنات فما المبرر الذي يجده زوجي في النظر الي غير ما أحله الله؟ لو يعلم الرجال مدي المهانة التي تشعر بها الزوجة بعد هذه النزوة العابرة كما يسميها زوجي لتوقفوا عن خيانة زوجاتهم بأي صورة وأي شكل‏.‏ إن زوجي يطلب مني السماح وأنا في داخلي مازلت أكن له مشاعر العشرة أو لا أعرف كيف أكره أحدا فما بال زوجي الذي عارضت أهلي كلهم وتزوجته‏.‏

لكني من ناحية أخري لا أنسي الإساءة سريعا ولا أؤمن بأن الانسان يمكن أن يتغير بمجرد الضغط علي أزرار‏.‏ فهل ترجع كفة التغاضي عن الموقف البشع الذي وضع زوجي نفسه ووضعني فيه أما ترجح كفة الانفصال الآن مادمت لا استطيع أن أنسي ما فعله بي وبأولاده‏.‏ خاصة أن ابنته التي تبلغ من العمر أربع سنوات قد رأته مرة يحاول أن يقبل الخادمة وأخبرتني بطريقتها ولم أفهمها في حينها؟ وهل من يعاني هذا الضعف البشري يظل يعانيه طوال العمر؟

رائج :   خلع القناع ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

ولكاتبة هذه الرسالة أقول (رد الأستاذ عبد الوهاب مطاوع) ‏:‏

ليس فيما تروين عن زوجك ما يشير إلي أن له نزوات سابقة لهذه النزوة المخجلة‏,‏ وبالرغم من بشاعتها وتأثيرها الضار علي مثالياتك ومعنوياتك كزوجة فإنه ليس هناك حتي الآن مايقطع بان هذا الانحراف الأخلاقي قد تمكن من زوجك او انه قد تحول الي انحراف نفسي مستقر ينذر بالمتاعب ويتعذر علاجه ‏..‏

فالانسان قد يخطيء او يتنكب الطريق القويم مرة فإن لم يجد ما يشجعه علي الاستمرار في الخطأ او وجد من يردعه او خشي من عاقبةه الخطأ‏,‏ فانه قد يندم ولايعود اليه مرة اخري ولا يصبح سلوكا مألوفا لديه‏..,‏ وهذه هي حكمة التوبة ‏..‏ ألا ييأس المخطيء من الأمل في رحمه الله في اي مرحلة من مراحل ارتكاب الخطأ وان يرجع عنه بدلا من ان يواصله الي مالانهاية‏,‏ كما ان هذه هي ايضا الحكمة من إلغاء السابقة الأولي من صحيفة الحالة الجنائية للمواطن في كثير من المجتمعات المتقدمة باعتبارها خطأ قابلا للتقويم او التغاضي عنه إذا لم يعتد مرتكبها الاجرام بعد ذلك وتتعدد جرائمه‏.‏

ففتره المراقبة التي تلي العقاب علي السابقة الأولي هي دائما الفيصل في الحكم علي سلوك مرتكبها‏..‏ وهل وعي الدرس جيدا وسوف يلتزم الطريق القويم فيما بعد أم العكس‏.‏

ولأن هناك اطفالا صغارا يجمعون بينك وبين زوجك‏,‏ ولانك قد اخترته من قبل وتمسكت به بالرغم من فارق المستوي الاجتماعي كما تقولين فليس من الحكمة ان ينهدم المعبد الذي كافحت لبنائه عند اول عاصفة حتي ولو كان الخطأ بشعا علي هذا النحو‏,‏ ولقد يكون الأقرب للرحمةه بالأطفال وبنفسك وزوجك هو أن تعتمدي علي نفس هذا المبدأ الخاص بفترة المراقبة بعد تنفيذ العقوبة علي السابقه الأولي‏..,‏ وتراقبي سلوكه‏..‏ وتتهيئي لاستعادة حياتك معه ‏..‏ وتحددي موقفك في النهاية علي ضوء نتائج المراقبة‏,‏ فان صدقت التوبة وصح الندم فإن الله يغفر ولا يعير وإن جاءت النتائج مثيرة للشكوك حول إدمان التطلع الي غير ما أحله له الله ‏..‏

كان لك ان تختاري لحياتك وفقا لما ترينه محققا لسعادتك مع ضرورة وضع مصلحة الابناء دائما في الاعتبار‏,‏ فأما الانفصال في الفراش فانه لايعينه علي امره‏ ..‏ ولا علي ماترجينه له من التزام الطريق القويم وغض البصر عما لم يحله له الله‏ ..‏ وفارق كبير بين العقاب بدافع الانتقام وحده أو الغضب الأعمي وحده وبين العقاب بدافع الرغبة في الإصلاح ‏..‏ والأمل في استعادة المخطيء إلي حظيرة الأمان‏.‏

رائج :   دائرة الأنتقام ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

نشرت عام 2001

من أرشيف جريدة الأهرام

مقالات ذات صلة