أجمل رسائل بريد الجمعة

خلع القناع ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)

انا يا سيدى فتاة فى السابعة والعشرين من عمري، بدأت قصتي التى أكتب لك عنها برحيل أبى فجأة عن الحياة، منذ حوالى ثلاث سنوات , وهو فى الثالثة والخمسين من عمره , وفى قمة نشاطه وحيويته .

ولأن أبى كان شخصية عامة , ويشغل منصبا حساسا ومهما فى الدولة , وكان على الناحية الشخصية إنسانا عظيما وحنونا وصديقا لأبنائه, فلم يقصر يوما فى حقنا .. ولم يضايقنا مرة واحدة, ولم يدعنا ننام متكدرين ذات مرة, وقد افتقده كل من عرفه وعمل معه , وقال عنه الجميع إنه قد عاش حياته نظيف القلب واليد واللسان .ولن أطيل عليك فى الحديث عن هذه الفترة من عمري, ولكنى أقول لك إننى عقب رحيله عن الحياة , فقدت توازنى لأقصى حد , مع أنى الفتاة الجامعية الجميلة المحبوبة من الجميع والمتفوقة رياضيا , وذات الشخصية القيادية . وكنت قد عشت فترة الدراسة الجامعية دون أن اسمح لنفسى بالدخول فى أية علاقات عاطفية , ورفضت خطابا يسيل لهم لعاب فتيات أخريات .. فرفضت ابن السفير, وابن الوزير, وغيرهما , وكان منطقى فى ذلك هو أننى لن أتزوج إلا من أقع فى هواه ويملك على نفسى .

ولأننى رومانسية الطبع أكتب الشعر, وأعزف الموسيقى , وأبكى مع أفلام فاتن حمامة القديمة, وبكيت لرحيل الموسيقار عبد الوهاب عن الحياة, فلقد حلمت بفارس شهم قوى يحبنى وأحبه , ويحنو علي, ويحميني ويريدني لشخصي , وليس طمعا فى فائدة أو طموح , يتحقق له من وراء منصب أبى الكبير ,

ولقد ظهر هذا الفارس فى حياتى عقب رحيل أبى عن الحياة , وكان زميلا لى فى العمل فارع الطول , تقرب إلى بعد الوفاة بشدة , وملت إليه , وأسمعنى الكلام الجميل الذى كانت روحى تهفو إليه , وراح يسهر الليالى يحدثنى فى التليفون عن تعلقه بى , وكيف أنه إنسان محظوظ ؛ لأنه قد عثر أخيرا على فتاة جميلة ومتدينة , ولم تصاحب شابا قبله ,وكان يبكى لبكائى , حين أفتقد أبى , ويعدنى بتعويضى عن حنانه الذى فقدته , ويؤكد لى أن أمنية حياته الوحيدة هى أن يتزوجنى , لكن مشكلته هى الإمكانيات المادية ؛ لأن أهله لن يساعدوه فى الزواج “كما قال”, مع أنه ابن ناس محترمين , ولديه شقة كبيرة , فى ضاحية راقية , وسيارة .

ولأننى كنت قد تعلقت به بشدة .. فلقد هونت عليه الأمر , وشجعته على التقدم لخطبتى , مع وعدى له بأن أذلل كل الصعاب , وبالفعل فلقد تقدم لأهلى ورفضوه للوهلة الأولى , بدعوى أنه ” ولد غير مريح ” , وبدعوى أن ” من يشترى رخيصا فإنه يبيع أرخص ” ! لكنى لم استجب لأحد فى ذلك , وصممت على قبوله , وتمت الخطبة بالفعل , وأرغمت والدتى على أن تكمل له ثمن الشبكة اللائقة بى , وأنفقت كل ما معى من مال على شراء الأثاث المناسب .

وخلال مرحلة الاستعداد للزواج , بدأت ألمس بعض بوادر البخل والتقتيرفى شخصيته , ولكنى لم أتوقف عندها طويلا وفسرتها بقلة إمكانياته , وألتمست له العذر فيها بأنه فى مرحلة التكوين وصعوبات البداية , ومضيت فى طريقى سعيدة , ووجدتنى أتساهل معه فى كل شئ كأننى منومة مغناطيسيا لإرادته , بعد أن تعودت عليه وأحببته بكل كيانى ومشاعرى .وجاء موعد الزفاف فأقمت حفلا رائعا , لم يسهم هو فيه إلا بأقل القليل , وانتهى الفرح البهيج , وأنا فى قمة السعادة والفخر بالفارس الذى أحببته وفرضته على أسرتى , وأغلقنا علينا باب غرفتنا , فإذا بشخصية أخرى مختلفة تماما عن شخصية الفارس الذى أحببته تظهر للوجود , وأنا مازلت بفستان الزفاف , وإذا بأول عبارة يقولها لى هى : إيه شكلك المقرف ده ؟!

ارتج على الأمر للحظات .. ولكنى تمسكت بالحلم الجميل , ففسرت هذه العبارة بإرهاقه من حفل الزفاف .. ولكن ما حدث فى الأيام التالية لم يؤيد ذلك , فلقد بدأت ملامح الشخصية الأخرى فى الظهور واحدا وراء الآخر , كأن شخصا راح يخلع قناعا يرتديه فوق وجهه ببطء , فتظهر خلفه ملامح وجهه الحقيقية تدريجيا , وبدأ يهيننى ولا يتعامل معى إلا بالإهانة والعنف ,

حتى فى لحظاتنا الخاصة منذ الأيام الأولى , وراح يسألنى على الفور عن مجوهراتى وميراثى هكذا – عينى عينك – ويحاول الاستيلاء على كل ما لدى من مال , ولم يمضى على زواجنا أسبوع أو أسبوعان ؛ حتى كرهت نفسى وكرهت الدنيا , وبدأت أتناول المهدئات وأنا مازلت فى شهر العسل , كما بدأ الخوف منه يساورنى حين راح يحدثني حديثا غريبا عن الموت , ” يبشرنى ” بأننى سأموت قريبا , ولن يرثنى ؛ لأنه لا يعرف شيئا عن مالى وميراثى من أبى , ولا بد أن يعرف كل شئ تحسبا للظروف , ثم يسألنى أين أفضل أن أدفن بعد وفاتى ؛ لكى ينفذ رغبتى ووصيتى , حين يوافينى الأجل المحتوم ,

رائج :   قصة رائعة .. رسالة تحت رغيف الخبز

حتى تملكنى الخوف منه وخشيت أن يفعل بى شيئا , وتفاقم الأمر بينى وبينه بعد ذلك حين مد يده إلى مبلغ من المال , كان فى درجى , وحين واجهته بذلك كان يضربنى , فكانت هذه هى ليلتى الأخيرة معه فى عش الأحلام , التى لم تتحقق به , وأمضيت الليل كله أبكى وأصلى , إلى أن طلع الصباح , فغادرت بيت الزوجية بعد 35 يوما فقط من الزواج .

ورجعت إلى أمي باكية ومنهارة , فاحتضنتنى وهدأتنى , ولم يتخل الله سبحانه وتعالى عنى بعد ذلك , فلقد وقف إلى جوارى الأهل وأصدقاء والدى , الذين ساءهم ما تعرضت له , وتم الطلاق وتنازلت للفارس السابق عن كل شئ , ووجدت نفسى مطلقة , وأنا أقترب من السادسة والعشرين من عمرى , وتساءلت بعد أن أفقت من هذا الحلم الحزين عما جرى لى .. وأين الخطأ فيما فعلت , وأنا لم أتزوج شابا من الشارع أو شابا لا أعرف جذوره العائلية , وإنما تزوجت شابا جامعيا , والده له مكانته الاجتماعيه ووالدته من أسرة كبيرة , فأين الخطأ إذن فى الاختيار , وكيف كنت أستطيع أن أتصور أن فى الحياة نماذج واقعية لما كنا نراه فى الأفلام القديمة من شخصية ” الشرير ” الذى يرفع حاجبه اليسرى لأعلى , ويقول لأصدقائه أنه سيتزوج فلانة لكى يجردها من كل ما هو أمامها وخلفها .وقد كنت أظن أنه لا وجود له إلا فى الأفلام ..

لقد علمت بعد الطلاق , أنه كان يقول لأصدقائه عنى قبل الخطبة أننى بالنسبة إليه ” فرصة ” , وأن ” أبو سلطة ” يقصد أبى , الذى كان يمكن أن يخشاه رحل عن الحياة , ولم يعد هناك ما يمنعه من تحقيق مأربه ؛ لأن ” البنت وارثة وتحبنى ” … وهكذا كان الحب والهيام والبكاء معى على التليفون كله من تكتيك الأفلام الرديئة , فكيف كان لى أن أتخيل شيئا من ذلك ياسيدى , وقد عشت فى بيئة عائلية لا تضمر شرا لأحد , وتعاملت مع أصدقاء وزملاء دراسة وعمل , يخشون الله , ويجلون الحلال ويحرمون الحرام ؟

لقد مضى الآن عام مرير على طلاقى من زواج , لم يدم سوى 35 يوما , وقد رفضت العودة إلى عملى السابق , حتى لا تكون لى صلة بالفارس القديم سامحه الله فيما فعل بى , وانتقلت إلى عمل آخر وارتقيت فيه , والحمد لله , وقد دخلت مجتمع عملى الجديد , وأنا أخفى عن الجميع حقيقة أننى مطلقة , ليس خجلا من الطلاق , لأن كل صديقاتى واهلى يعرفون به , وإنما لأنه ليس من المنطقى أن أدخل مجتمعا جديدا فأقدم نفسى لمن فيه قائلة : ” هاى .. أنا مطلقة ! ” 

وسامح الله من ظلمنى , حتى احتسب على هذه الزيجة الظالمة , فى حين أننى أعتبر نفسى مازلت عذراء فى أعماقى ؛ لأننى لم أتزوج بالحسنى كما أمر الله بذلك , وإنما اغتصبت معنويا , وخدعت وحيكت لى مؤامرة حقيرة من مؤمرات أشرار السينما القديمة ..نعم يا سيدى هكذا أشعر الآن , بعد مرور عام على طلاقى , فلقد أعطيت لمن خان وصدقت مع من كذب .. وأخلصت لمن خدع , فأين الزواج الذى أمر به الله سبحانه وتعالى سكنا ومودة ورحمة من كل ذلك ؟

إننى أرجوك أن توجه كلمة إلى كل الفتيات ألا ينخدعن بمعسول الكلام من بعض الشبان , كما انخدعت أنا , وألا يتمسكن برأيهن فيما يراه الأهل بخبرتهم وحكمتهم خطأ .. كما أرجوك أيضا أن تدعو ربك لى ولغيرى من الفتيات الطيبات , أن يعرفن الحب الحقيقى , الذى لا غش فيه ولا خداع , والذى نهلت أنا وأمى وأخوتى من نبعه الصافى , فى قلب أبى , يرحمه الله , كما أرجوك أن توجه كلمة أخرى إلى كل شاب يرى أن خداعه لفتاة بريئة ” شطارة ” بأن الله يمهل ولا يهمل .. ولسوف يدفع الظالم ثمن ظلمه فى يوم من الأيام .. وأن تقرأ الفاتحة لأبى الحنون , الذى لو كان على قيد الحياة لحمانى مما تعرضت له .. ولما جرؤ الظالم على ظلمه , والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

رائج :   علامات الخطر ! ..رسالة من بريد الجمعة

ولكاتبة هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :

بعض البشر ينظرون إلى الحياة بعين صياد , يتحين الفرص للانقضاض على فريسته , يحقق من ورائها طموحه المادى أو يحل بها بعض مشاكله , وآفة هذا الصنف من البشر أنه يتوسل دائما لتحقيق أغراضه الوضيعه هذه بأنبل ما فى الحياة من قيم ومعان ومشاعر إنسانية , ينتحلها أو يدعيها , فسئ إليها أبلغ الإساءة , حين ينكشف الزيف ويسقط القناع , ويتشكك الأبرياء من الضحايا فى هذه القيم الإنسانية نفسها , وليس فيمن إدعاها وحده فى غمرة تأذيهم , بما تعرضوا له من غش وخداع !

وتزداد ساحة القبح فى الحياة بما يورثه المخادعون لضحاياهم من سوء ظن بالأخيار إلى جانب الأشرار .
ولا مفر من أن نعترف فى البداية بأن غلبة الفكر المادى على عقول بعض الشباب ذكورا وإناثا , وإعلاءهم للقيم المادية فى الحياة , على كل ماسواها من قيم وأهداف فى الحياة تجعلهم مسئولين عن مثل هذه المآسى , ومن الإنصاف أن نقول أن معظم نماذج هذه الشريحة شديدة الإحساس بالقيم المادية , هى غالبا من أبناء الطبقة الوسطى , أو الطبقة الوسطى / العليا ؛ لأن تماس خطوطها مع خطوط الطبقة الأعلى , يشعرهم بشدة بحرمانهم مما تتمتع به الطبقة العليا من ثراء , ويلهب إحساسهم ” بالحرمان ” النسبي, ويؤجج تطلعاتهم لحياة لا تؤهلها لها إمكاناتهم الطبيعية .

وحين تشتد الرغبة بالإنسان لأن ينال ما لا تؤهله لنيله إمكاناته الطبيعية , فإن الطريق ينفتح أمامه دائما لاستخدام الوسائل غير الطبيعية لنيل هذه الأهداف .

والمفكر الفرنسى مارسيل بروست يقول لنا : إن الإنسان ينبغى له أن ينمو كما ينمو النبات , وليس كما يعلو البناء , لأن النبات إنما ينمو من داخل نفسه , وبما يتمثل داخله من غذاء وماء وهواء وضوء , أما البناء فإنه لايعلو من تلقاء نفسه , وإنما يضاف إليه من خارجه بجهد الآخرين , وليس بجهده هو !

ومأساة البعض قد تبدأ أحيانا حين يتطلع لأن يعلو كما يعلو البناء , بما يضاف إليه من خارجه .. وليس كما يرتفع النبات بما يتفاعل داخله , ولا شك أن هذا الشاب الذى ارتبطت به كان للأسف ممن أفسدت عليهم هذه التطلعات المادية الحادة نخوتهم ورجولتهم ورغبتهم فى الاعتماد على النفس ؛ لتحقيق أهداف الحياة , إلى الحد الذى أظهرت لديه بعض النزعات السادية لتخويفك من الموت ومحادثتك عن ” ميراثه ” منك , وأنتما مازلتما فى شهر العسل !

والمؤكد أيضا أنه لم يكن يبعث على الارتياح أو الثقة منذ البداية بدليل نفور أهلك منه , بمجرد رؤيته , وتشككهم فى نياته الاستغلالية تجاهك . ومع ذلك فلقد تمسكت به فى وجه اعتراض الجميع , ورفضتى أن تسمعى لأحد إلا لنداء القلب وحده , وأرغمت والدتك على أن تكمل له ثمن الشبكة , وأنفقت كل ما معك على شراء الأثاث .. وواصلت الطريق معه إلى نهايته , رغم ما تبدى لك من بعض بوادر الإحساس المادى العالى لديه فى أواخر مرحلة الخطبة .

وليس فى مساندتك المادية لمن تختارينه لمشاركتك الحياة خطأ فى حد ذاته ؛ إذ لا بأس بأن يعين المحبون الصادقون أنفسهم على اجتماع الشمل , وتخطى صعوبات البداية , وإنما الخطأ الجوهرى , الذى لم تدركى أبعاده إلا بعد فوات الآوان , هو فى صم الأذن نهائيا عن نصيحة الأهل .. ورأيهم فيمن ترغبين فى أن يشاركك حياتك , ورفض هذا الرأى حتى من قبل الاستماع إليه , استجابة لنداء العاطفة وحدها .

وأكثر أسباب الشقاء الإنسانى ترجع إلى رفض الرأى الآخر , حتى قبل مجرد الاستماع إليه ؛ لأنه لا يتفق مع هوى النفس , وما يرغبه القلب , بدلا من التفكير فيه بروية وتقليبه على وجوهه المختلفة , ومحاولة تبصر أوجه الحق فيه بغير تأثر بهوى النفس فى ذلك , سواء قبلنا به بعد ذلك أو رفضناه .

رائج :   الليالي القاسية .. رسالة من بريد الجمعة

ولأن علم الحياة مؤسس – أصلا – على التجارب .. تماما كعلم الطب .. كما يقول لنا الأديب الفرنسى مونتانى , فلقد أثبتت لك تجربة الأيام وحدها صدق بصيرة أهلك , وصواب حكمهم على شخصية فتاك , ولكن آفة هذا ” العلم ” أنه قليلا مايكتسب أحد دروسه , دون أن يكتوى بألم التجربة الشخصية وغنائها .

ولأنه مما يفيد الإنسان فى تجنب عثرات المستقبل أن يعرف لماذا تعثرت به الخطى فى الماضى , فلابد أن تعرفى أن من أهم أسباب سوء اختيارك لهذا الشاب , ونجاحه فى التأثير عليك – إلى حد أن أحسست كما لو كنت منومة مغناطيسيا معه – هو أنك قد عرفته , واخترته فى مرحلة من العمر , لم تكونى مؤهلة خلالها نفسيا ووجدانيا لحسن الاختيار , وهى مرحلة انعدام الوزن , التى تعرضت لها بتأثير الصدمة المعنوية الكبيرة لرحيل الأب , وافتقاد كل ما كان يمثله فى حياتك .

ففى أوقات المحن الشخصية المزلزلة , لايكون الإنسان يا سيدتى مؤهلا لاتخاذ القرارات المصيرية الصائبة فى حياته ؛ لأنه فى حالة ضعف نفسى شديد , تؤثر على أحلامه وتغير من سلم أولوياته تغيرا لايدوم , وقد تدفعه هذه الحالة من الضعف النفسى لالتماس الأمان والتعويض من أى سبيل , فإذا بهتت مؤثرات المحنة , وتخفف من مؤثراتها , استعادت أولوياته ترتيبها السابق قبل المحنة , وتطلعت نفسه إلى ما كانت تتطلع إليه من قبل , تماما كما يشتد العطش بالإنسان فى الصحراء , فيصبح أمله الوحيد فى الحياة فى هذه اللحظة هو جرعة الماء

.. ولو لم تكن زلالا , وليس المجد ولا الثراء ولا النجاح ولا الوجاهة الاجتماعية , ولا أى شئ آخر , فإذا ارتوى ورجع إلى بر الأمان , اعتدلت من جديد الأولويات لديه .. وسعى إلى أهدافها الطبيعية فى الحياة , وتراجعت أهمية جرعة الماء إلى مكانتها العادية لديه , وأنت يا سيدتى كنت خلال هذه المحنة فى حاجة ملحة إلى جرعة الحنان العاطفى , التى افتقدتها برحيل أبيك عن الحياة .. فاخترق هذا الشاب حصونك من أضعف نقطة فيها , وحدث ما حدث .. والدرس المستفاد من ذلك هو ألا نتخذ بعض قراراتنا المصيرية فى أوقات الضعف النفسى والمحن الشخصية الأليمة , وأن نؤجل هذه القرارات دائما إلى مابعد النقاهة النفسية منها .

وعلى أية حال … فلقد تلطفت بك الأقدار كثيرا , حين أعمت بصيرة هذا الشاب عن بعض أسرار ” الصنعة ” فغفل عما ينبغى أن يتحلى به الصيادون المحترفون من صبر وطول أناة , لكى يصيبوا الهدف فى مقتل , فبادر على عكس ما تقضى به أصول الصنعة بخلع القناع عن وجهه الحقيقى , بمجرد انطفاء أضواء الفرح .. وبادر على الفور بالكشف عن انتهازيته وماديته ورغبته الفاضحة فى استغلالك وابتزازك ماديا , فأعانك من حيث لا يدرى على النجاة بنفسك من أسره , قبل أن تحملى منه وتنجبى وتزداد مشكلتك تعقيدا .

وصبر عليك بعض الوقت , لكى تضطرى إلى عشرته ومحاولاته الرخيصة لاستغلالك لسنوات وسنوات بسبب حرصه على مستقبل الأطفال .. أو تهيبا لتمزيقهم نفسيا .. ولكن من التدابير الإلهية أيضا ما يدفع به الله سبحانه وتعالى عن الصادقين أذى الآخرين , ويحميهم مما يمكرون لهم فيه , فحمدا لله أن خرجت من هذه المحنة بأقل الخسائر الإنسانية الممكنة , ويبقى بعد ذلك أن تستفيد الأخريات من درس رسالتك فى عدم إهدار الرأى الآخر , الذى لا يوافق هوى النفس , وفى ضرورة تأمله طويلا , والتفكر فيه بعقل مفتوح قبل اتخاذ القرار , أما الصيادون فليس عندى ماأضيفه إلى ماقلته أنت لهم .. سوى أن الإمام مالك بن أنس يقول لنا ” قد ينتقم الله من ظالم بظالم ثم ينتقم من كليهما ” .. وشكرا على رسالتك .. والسلام ..


لطفا .. قم بمشاركة هذا الموضوع لعله يكن سببا في حل أزمة أو درء فتنة …

مقالات ذات صلة