أجمل رسائل بريد الجمعةقصص وعبرقضايا وأراء

النظرات الخفية .. رسالة من بريد الجمعة

من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)

أكتب لك لأني فى حاجة ماسه للتعرف على رأيك والحلول المقترحة والممكنة لعلى أجد فيها مخرجا من المأزق الذى وقعت فيه مؤخرا. أما أنا فطبيبة حصلت عقب تخرجي على دبلومتين فى مجال تخصصي وعلى درجة الماجستير من بريطانيا مع درجة الزمالة منها أيضا,

وأوشك الآن على الانتهاء من مناقشة رسالة الدكتوراه تحت إشراف إحدى كليات الطب التابعة لجامعة بنسلفانيا الأمريكية, وقد تزوجت منذ عشر سنوات وعينت بالكلية التى تخرجت فيها ووقف زوجي إلى جواري وساندني كثيرا بالتشجيع المادي والمعنوي حتى حققت النجاح الذى أردته لنفسي وحصلت على الماجستير والزمالة وبدأت الإعداد للدكتوراه,

وحقق زوجي أيضا نجاحه وحصل على وظيفة مرموقة وبدأ التحضير للدراسات العليا فى مجال دراسته النظرية ودرس الكمبيوتر وراح يحلم بالهجرة لأمريكا التى سبقت أختي الوحيدة بالهجرة إليها وراحت تحثنا على اللحاق بها, لكن والدى اعترض على هجرتنا وراح يطالبها هى بالعودة بعد أن لم يبق له من أسرتنا سواى وسواها, وفى هذه الظروف تلقيت موافقة كلية طب عربية على عملي فيها,

وتحمست للسفر وخوض التجربة واعترض زوجي فى البداية بشدة لعدم اقتناعه بألا يكون له عمل فى تلك الدولة العربية سوى مرافقتي كمحرم لى كما تقضى نظمها, لكنى استطعت بعد جهد كبير إقناعه بأننا نحتاج لهذا السفر لما سيكون له من أثر إيجابي على مستقبلنا ..

ولأنه سوف يساعدنا على الهجرة لأمريكا فيما بعد, فقبل ذلك بعد عناء, أما أبى فلقد سكت وهو غير راض عن فراق من بقوا له من أحباب فى الحياة على حد قوله, وأسرها فى نفسه ضدى غفر الله لى, ولم يخفف من حزنه سوى تأكيدى له إننى سأدعوه من حين إلى آخر لأداء العمرة والحج, وهكذا غادرنا القاهرة منذ خمس سنوات وبدأنا حياة جديدة.

    ولم أحس بالغربة كثيرا فى وجود زوجى الحبيب معى والطفلين الصغيرين وخططنا لحياتنا فى الغربة بحيث تكون عملا ودراسة فى النهار وإستمتاعا وإستقرارا عائليا فى المساء, فى سعادة وإنسجام “وأفراح” أسرية أسبوعية نحييها بأنفسنا خاصة ونحن أسرة تتذوق الفن وتقدره, فزوجي رسام موهوب وأنا أعشق الموسيقى والغناء وأجيدهما,

كما أجيد العزف على العود والأورج, وقد أحضرت معى من مصر العود وإشترينا “أورج” جديدا من حيث نقيم, وأهتممنا بفرش عشنا بأثاث جميل ووفرنا به كل ما نحتاج إليه .. وأشترينا سيارة لأول مرة فأصبحت حياتنا سهلة وميسورة “وأفراحنا” وليالينا وأمسياتنا رائعة سعيدة, وفى كل أجازة نعود إلى مصر ..

ونضيف إلى خطواتنا على طريق تحقيق أحلامنا المشتركة خطوة جديدة, فأشترينا شقة للعيادة التى أعتزم افتتاحها فى القاهرة بعد العودة, وأخرى فى نفس العمارة للمكتب الذى سيفتتحه زوجي لممارسة عمله الخاص أيضا, بعد العودة, واشترينا سيارة فى مصر, ثم ركزت فى الفترة الأخيرة على إنهاء رسالة الدكتوراه ..

وبدت لى ولزوجي الحياة بهيجة وسعيدة وواعدة بكل جميل, فزوجي هو أخي وحبيبي وصديقي وشريك أحلامي, وقد وافقته فى ارتداء الخمار بمجرد عملنا فى هذه الدولة العربية تجنبا للمشاكل رغم أنى كنت محجبة من سن عشر سنوات وأعلم جيدا أن الشرع لا يفرض الخمار وتغطيه الوجه,

فإذا بكل شئ ينهار فجأة وإذا بى أفقد زوجي الحبيب ووالد أطفالي الذين أصبحوا ثلاثة بسبب صبى طائش كان يقود سيارة والده وتمت الإجراءات الكئيبة ودفعت أسرة الجاني الطائش الدية, وإن كانت أموال الدنيا لا تعوضني عن خسارتي فى زوجي, ووجدت نفسي فجأة أرملة وأنا فى السادسة والثلاثين من عمري,

وقضيت أجازتي السنوية بعد الحادث المؤلم وأنا لا أكاد أعي ما حدث أو أستوعبه ثم تمالكت نفسي ونظرت إلى مستقبلي ومستقبل أطفالي وأعدت ترتيب أوراقي وقررت الاستمرار فى العمل بالدولة العربية لعام دراسي آخر أركز فيه على إنهاء رسالة الدكتوراه ويحصل خلاله إبنى على الابتدائية ثم أرجع لمصر, خاصة أن وضعي المالي ممتاز ولا أحتاج للاستمرار فى الغربة أكثر من ذلك.

    وبدأ العام الدراسي, وأقبلت على عملي ودراستي بهمة وصبر, فإذا بجهة عملي تطالبني بتحديد موقفي بعد رحيل زوجي عن الحياة فإما أن أجد لنفسي محرما بديلا وإما إنهاء عقدي وترحيلي, وقد جاء هذا التحرك المفاجئ بعد طول صبر على بناء على “فتنة” من زميلة بالكلية اكتشفت فيما بعد أن زوجها كان يداعبها ويقول لها أنه يتمنى أن يتزوجني ليكون محرما لى ويحل مشكلتي ومشكلته,

فتخوفت الزميلة هذه من أن تنقلب الدعابة جداّ وتنبهت الكلية إلى أنى مازلت بلا محرم, وتلقيت منها هذه المطالبة وتداولت الأمر مع طبيبة غير مصرية وزوجها وتناقشنا فيه طويلا, فانتهينا إلى انه لا حل هناك للموقف إلا البحث عن رجل شهم وكريم يقبل أن يعقد قرانه على لمجرد الحصول على وثيقة الزواج وتقديمها لجهة عملي دون علاقة زوجية فعلية, لكن أين أجد مثل هذا الرجل المضمون ..

ولم تطل حيرتي كثيرا, فقد سمع صديق لزوج زميلتي بقصتي وأبدى استعداده لتقديم هذه “الخدمة” لى على غير معرفة بى تأثرا بظروفي, وعلمت انه يشغل مركزا مرموقا فى مؤسسة كبرى ويعمل بمشروع يبعد عن المدينة التى أعمل بها ب 80 كيلو مترا ويقيم فى سكن خاص بالمشروع فى نفس الموقع,

ويعيش وحيدا طوال العام إلى أن يأتي الصيف فتجئ إليه زوجته وأولاده من مصر, وتحريت عنه فجاءتني المعلومات عنه مطمئنة للغاية, والتقينا فى بيت الزميلة غير المصرية دون أن أرفع الخمار عن وجهي وعلمت منه أنه مرتبط جدا بزوجته وحريص عليها خاصة أنها رفيقة دربه ومريضة بمرض لا يؤثر على علاقتها الخاصة به,

كما أنه يحب أولاده جدا ويحرص على مصلحتهم ولولا رغبته فى مساعدة مصرية من بلاده لما قبل الإقدام على هذه المخاطرة التى قد تسبب له مشاكل كثيرة إذا علمت بأمرها زوجته وطلب منى فى النهاية أن يظل هذا الأمر سريا بيننا وشكرته على ذلك وطلبت منه أن تنتهي هذه العلاقة الصورية بيننا بمجرد استعدادي للعودة النهائية لمصر, وأن تبقى علاقتنا طوال الشهور الباقية على الصيف فى حدود علاقة الخطيب بخطيبته, ولكن دون أعباء مالية عليه من هدايا ومجاملات وخلافه,

رائج :   قصة لوحة بعنوان : الصلاة الأخيرة لِلشُهداء المسيحيين

وتكرر اللقاء مرة أخرى فى بيت الزميلة الطبيبة وزوجها وشعرت بارتياح داخلي كبير لشخصية هذا الرجل الذى لم يطلب حتى ولو على سبيل التعارف مع من ستحمل اسمه أن أرفع الخمار السميك عن وجهي ليستطيع تمييزي إذا رآني صدفة فى مكان آخر, وأحسست أنه يريد مخلصا أن يساعدني دون أن يفرض نفسه على ووجدته رجلا وقورا هادئا دمث الأخلاق مهيبا يبدو أكبر من سنه,

وتم عقد القران فى القنصلية وتوثيق العقد وقدمت الوثيقة لجهة عملي ورفعت عن صدري حجرا ثقيلا, وانتظمت حياتي مرة أخرى وتفرغت لأطفالي ودراستي للدكتوراه, وشعرت بالأمان لاستظلالي بظل رجل حتى ولو كان فى زواج صوري, فإذا بشكوى أخرى إلى جهة عملي وللجوازات بأن زوجي لا يقيم معى فى عش الزوجية ولا يعيش فى نفس المدينة التى أقيم بها مما يخل بشرط المحرم وتناقشت مع زوجي “المؤقت” ومع زميلتي وزوجها فى ذلك,

فعرض الرجل مشكورا أن يؤجر شقة صغيرة بجوارنا فى نفس المدينة ليزورنا على فترات متقاربة وكان عرضا كريما منه ومكلفا له من الناحية المادية, لكن كيف أبرر زيارته لى أمام أطفالي وجيراني ومعارفي؟ لقد فكرنا فى الأمر طويلا وانتهينا إلى انه لا يصح فى النهاية إلا الصحيح وبالتالي فلابد من خطوة “شجاعة” هى إعلان زواجنا فى حفل صغير ..

فى بيتي لا يحضره أبنائي وأقدم فيه “زوجي” لزملائي وزميلاتي على أن أمهد الأمر لأولادي الذين رتب لهم زوج زميلتي رحلة خارج المدينة مع أولاده فأقدم لهم زوجي بعد عودتهم كقريب وصديق قديم لأبيهم وسوف يرعانا ويهتم بأمرنا إلى أن نعود لبلادنا فى الصيف,

وفى هذا الحفل الصغير رفعت الخمار عن وجهي لكي يراني زوجي لأول مرة فما إن رآني حتى اضطرب اضطرابا واضحا وراح يختلس النظرات الخفية لى ويدارى اضطرابه ويتحكم فى انفعاله بجمالي الذى لم يتوقعه, وشعرت بكل ما أحس به وبأنه قد تولدت لديه مشاعر جديدة تجاهي وارتحت لأثر جمالي عليه بل وسعدت بذلك وتوقعته وعند منتصف الليل انتهى الحفل وبدأ الحاضرون ينصرفون وهم زوجي بالانصراف معهم حسب الاتفاق السابق.

    لكننى وبكل “شجاعة” رفضت أن يغادر مسكني ودعوته بإصرار للبقاء وتمضية الليل معى لأني أصبحت من حقه أمام الله والناس ويجب أن يمارس حقوقه المشروعة على حتى يكون الزواج كاملا, واقتنع الرجل بعد قليل من الحرج وتمت الخلوة الشرعية بيننا وأمضى الليل فى بيتي خاصة فإذا بكل شئ ينقلب رأسا على عقب بعد هذه الليلة ونشأت مشكلتي الحالية التى أكتب لك عنها الآن,

فقد شعرت بإقترابي الصاروخي من هذا الرجل الذى بدأت علاقتي معه كمجرد وسيط فقط لحل مشكلة المحرم وبدأ هو يأتي إلينا عصر كل يوم أربعاء ويغادرنا صباح السبت إلى عمله فإذا بى أجد نفسي غارقة حتى أذنى فى الارتباط به ورافضة الاستغناء عنه أو اعتباره حتى مجرد حل مؤقت لمشكلتي فى العمل, كما كانت الفكرة فى البداية فلقد أحببته ..

نعم أحببته يا سيدي وأحبه أولادي أيضا الذين اجتذبهم إليه بسرعة كبيرة لما يتمتع به من حنان جارف وأستطاع الرجل خلال وقت قصير أن ينسينا مأساتنا بفقد زوجي ووالد أطفالي, وأصبحت الفترة التى يقضيها معنا كل أسبوع فترة سعيدة كلها “مودة وانشراح” لى ولأولادي فنخرج معا للنزهة والتسوق وشراء الهدايا ويرفض قبول ثمن ما يشتريه لنا رغم اتفاقنا السابق على ألا أكلفه أية أعباء مادية

وأعادني الرجل للحياة وأعاد الحياة إلى فرجعت صبية مراهقة تحب ابن الجيران وأنجزت خلال شهرين فقط ما تبقى لى من رسالة الدكتوراه وبدأت فى المراجعة وقد تعلق بى هو أيضا وأحبني ويريد أن يستمر فى ارتباطه بى مع احتفاظه بزوجته ويريد أن يجمع بيننا لأنه يراني كما يقول “جوهرة” لا يجوز التفريط فيها خاصة انه لن يتحمل بسببي أية أعباء مادية بل ربما شاركته فى أعماله إذا رجعنا لمصر عودة نهائية ذات يوم وهو يقول: إن الجمع بين زوجتين يحبهما أمر سهل عليه رغم أن الحب لا يتجزأ لأنه يعطى كل حبه للزوجة “الحاضرة” معه فى هذه اللحظة وبذلك لا يتجزأ الحب ولا تناقض مع حبه لكل منا!

هذا هو تفسير حب الأم أو الأب لكل الأبناء فى وقت واحد فى رأيه لكن المشكلة تتمثل فى صعوبة إقناع زوجته الطيبة المريضة بقبول هذا الوضع .. بل أنه لا يستطيع حتى مجرد إبلاغها به لأنه يعرفها جيدا ويعرف عصبيتها رغم طيبتها ويعرف أنها قد تدمر حياتها بلا مبالاة بأي شئ لأن عزة نفسها فوق كل اعتبار والآن فقد اقترب موعد عودتي لمصر فى الصيف, كما اقترب موعد حضور زوجته أيضا وأولاده قبل رجوعي.

    ولم نجد حلا بعد للمشكلة وأريد منك ومن كل صاحب رأى أن يبدى رأيه فى مشكلتى ويجيبني عن تساؤلي لماذا ترفض الزوجة المصرية رفضا قاطعا أية فكرة لزواج زوجها من زوجة أخرى, إذا كان الله قد أباح للرجل أن يتزوج بأكثر من واحدة لحكمة رآها.. وإذا كان ذلك قانونا إلهيا وليس من صنع البشر ولم يجئ عبثا؟ ولماذا يترك معظم الناس كل ذلك ويتمسكون فقط بقاعدة “ولن تعدلوا” ناسين أن فى الرجال كثيرين يخشون ربهم فى تصرفاتهم وهم رجال محترمون راشدون عادلون؟

    إن المرأة المؤمنة الكيسة .. الفطنة يجب ألا يحزنها هذا الأمر على الإطلاق نعم.. قد تسألني هل تقبلين أن يتزوج زوجك الحالي من ثالثة إذا رأى انه غير مكتف بك وبزوجته الأولى.. وهل سترحبين بذلك وتقبلينه بنفس طيبة؟

رائج :   العتاب المر ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

وقبل أن أجيبك عن هذا السؤال أريد أولا أن أناشد الناس من حولنا أن يقلدوا الأوروبيين فى الإيجابى فقط من سلوكهم, ألا وهو الثقة فى بعضهم البعض وأعنى بذلك أن زوجى لو رأى انه يحتاج إلى امرأة أخرى وفى ظروف إنسانية ليتزوجها, فلابد أن ذلك مفيد لها مادام لم يقصد بذلك لذة أو شهوة عابرة ولم يقصد غير وجه الله مادام لم يؤذى زوجاته الأخريات فلن أمانع فالزوج “كما أمر الله” ليس حكرا على واحدة كما علمنا الأوروبيون والملحدون والأنانيون وضعفاء الإيمان منا, إننى أبحث عن قاض عادل ينصفنى فهل تكون أنت؟

ولكاتبة هذه الرسالة أقول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :

نحن لا نقلد الأوروبيين يا سيدتى فى نظرتهم لتعدد الزوجات المشروع وإنما نراه البديل الأخلاقي لتعدد الخليلات الشائع عندهم ونسلم بحكمته عند الضرورة الشرعية وبشرط عدم الغدر والخداع وعدم التخفي به عن الزوجة الأولى لكيلا يهدر أحد حقها فى قبول الأمر الواقع أو رفضه والحصول على الطلاق, على أننا لا نعتبره كذلك “أمرا إلهيا” كما تقولين أنت وإنما أمر مباح وليس مفضلا ولا مندوبا إليه إلا للضرورات المحددة فى الشرع فضلا عن أنه يتوقف على حاجة الرجل إليه وقدرته عليه, ومشروط بما هو أصعب من كل ذلك وهو العدل!

فإذا أردت أن تعرفى من الذى نقلده فى ذلك .. حقا.. فهو الرسول الكريم”صلى الله عليه وسلم” الذى تزوج السيدة خديجة واكتفى بها كزوجة منفردة وهو فى عنفوان شبابه ما يزيد على العشرين عاما رغم انتشار تعدد الزوجات بلا قيود ولا حدود فى عصره قبل أن ينظمه الإسلام ويقيده وهو الذى كره أيضا لابنته فاطمة أن يتزوج عليها على ابن أبى طالب من جويرية بنت عمرو بن هشام حين ذهبت إليه فاطمة الزهراء باكية تقول له:

“يقولون إنك لا تغضب لبناتك فأقبل على المسجد مغضبا وصعد على المنبر وقال للحاضرين: إن بنى هشام بن المغيرة قد أستأذنوه فى أن يزوجوا ابنتهم عليا ثم صاح “ألا وإنى لا آذن.. ثم لا آذن.. ثم لا آذن.. إنما فاطمة بضعة منى يريبنى ما رابها ويؤذينى ما آذاها وإنى أتخوف أن تفتن فى دينها” فإذا كان عليه السلام قد تزوج بعد وفاة السيدة خديجة, فقد تزوج سودة لترعى أبناءه وأختارها كبيرة فى السن ثم تزوج بعد ذلك توثيقا لروابطه مع قومه وعشيرته وترضيه لنفوس بعض أصحابه ولإبطال حكم التبنى ولخدمة أهداف الدعوة زيجات قد لا يقبل بعضها غيره ولا تدفع إليها شهوة.. ولا رغبة.

ولأنه بشر سوى فلم يخفق قلبه لأحد من نسائه بعد السيدة خديجة إلا للسيدة عائشة وحدها, فكان يعدل بين زوجاته فى العطاء والمبيت ويستغفر ربه فيما لا حيلة له فيه من عدم العدل فى مشاعره بينهن ويقول: “اللهم هذا جهدى فيما أملك, ولا طاقة لى فيما تملك ولا أملك” أى فى قلبه وعاطفته ومشاعره.

    هذا هو “الإنسان” العظيم الذى نقلده يا سيدتى والذى تتمثل فيه الطبيعة الإنسانية السوية من وحدانية المشاعر العاطفية وعدم قابليتها للتجزئة أو الشراكة, بل أن حجة الإسلام الإمام أبا حامد الغزالى قد فسر الآية الكريمة التى أشرت إليها “ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم” بأنها تعنى ولن تعدلوا فى شهوة القلب وميل النفس ويتبع ذلك بالضرورة التفاوت فى الواقع!

فإذا كان زوجك قد خرج علينا بنظرية جديدة فى قدرة الإنسان على أن يحب إمرأتين بنفس القدر فى وقت واحد لأنه يكون منصرفا بكل “حبه” إلى الزوجة “الحاضرة” معه فهذا فتح جديد فى أسرار النفس البشرية أدعوه إلى تسجيله فى الشهر العقاري بإسمه مع تغيير طفيف فى الكلمات بحيث يقول:

إن الرجل يستطيع أن ينصرف بكل “رغبته” إلى الزوجة الحاضرة معه وليس بكل حبه لأن غاية ما يستطيع الرجل فى هذه الحالة هو أن يحب امرأة.. “ولا يكره أخرى” ولأن الحب لا يعرف إلا الوحدانية إذ لم يخلق الله جل شأنه لأحد من قلبين فى جوفه كما علمنا القرآن الكريم على لسان الصادق مع نفسه ومع العالمين “صلى الله عليه وسلم”.

وعلى أية حال فلن أطيل الحديث فى هذا الأمر الذى ناقشته مرارا من قبل كما أنى لن أسألك السؤال الذى تتوقعينه منى لكنى سأسألك سؤالا آخر هو هل لو كان زوجك الراحل لا يزال على قيد الحياة وتعيشين معه فى وئام وسلام فى أسرة صغيرة متحابة ثم عرضت لإحدى زميلاتك مشكلة مشابهة لمشكلتك.. هل كنت تقبلين أن يقدم زوجك ووالد أطفالك هذه “المساعدة” الإنسانية التى قدمها لك زوجك الحالي؟ وهل كنت ترحبين بنفس راضية بأن يستمر زواجه للأخرى بعد أن أكتشف كل منهما حبه للآخر ورغبته فى الاستمرار معه إلى ما لا نهاية لأن زواجهما لم تدفع إليه “شهوة عابرة” وإنما ظروف إنسانية فيها “فائدة” للزوجة الأخرى؟
أريد جوابا صادقا منك.. فهل تقدرين عليه ؟!

إنك تعرفين الجواب الصادق يا سيدتى.. وتعرفين أيضا بما لك من ثقافة وعلم وهو أن مأساتنا كبشر هى أن مواقفنا من “العدل” و “الحق” قد تتغير أحيانا باختلاف مواقعنا منهما وباختلاف ما يصيبنا من ضرر أو نفع منهما فإذا كنا المتضررين بهما فهما “الظلم” و “الغدر” و “الأنانية”, لامراء فى ذلك. وإذا كنا المستفيدين بهما فهما الحق والعدل اللذان يتعامى عنهما “مقلدو الأوروبيين” و”الأنانيون” و “ضعاف الإيمان” ولا عجب فى ذلك فقديما قال الأديب الفرنسى أندريه موروا “كل ما يتفق مع ميولنا ورغباتنا يبدو فى نظرنا حكيما ومعقولا, أما ما يناقض رغباتنا وأهوائنا فهو مجاف للحكمة والعدل ويثير غضبنا”.

رائج :   أحد خطوط مايكروسوفت يتسبب في سجن رئيس وزراء وفضيحة ابنته!!

وخداع النفس آفة أخرى من آفات البشر, “ومن الناس, كما يقول الروائى اليابانى كنزابورو- من يقفز من خدعة إلى خدعة طوال العمر كما تفعل الضفدعة”.
ولو أنصفت لما خدعت نفسك ولما نعيت على المرأة “المصرية” رفضها القاطع لأية فكرة لأن يتزوج زوجها عليها كأنك لم تكوني لتفعلي نفس الشئ وربما بضراوة أشد لو كان زوجك الراحل قد تزوج عليك أو فكر فى ذلك.

أن تحديد الخطأ هو أول خطوة على طريق العلاج فإذا أردت حلا لمشكلتك فلابد أن تسلمى بأنك قد ورطت نفسك فى مشكلة عاطفية وعائلية واجتماعية معقدة لأنك لم تتصرفي التصرف الوحيد السليم, الذى كان منتظرا منك بعد رحيل زوجك عن الحياة مادامت نظم المجتمع الذى تعيشين فيه لا تسمح لك بالبقاء فيه دون زوج أو محرم وهو العودة إلى بلدك وبدء حياة جديدة فيه ثم الإرتباط إذا أردت بعد ذلك بمن لا زوجة له أو أبناء.

لقد كان هذا هو الاختيار الوحيد السليم فى مثل ظروفك هذه بدلا من التحايل على القانون للاستمرار حيث أنت والتورط فى هذه المشكلة.

وأرجو ألا تقولي أنك كنت “مرغمة” على البقاء من أجل رسالة الدكتوراه وحصول ابنك على الشهادة الإبتدائية, كأنما كان يتعذر عليك ذلك لو كنت قد سلمت بأقدارك واكتفيت بما حققت فى غربتك خلال السنوات الخمس الأخيرة وهو كثير ويضمن لك حياة كريمة فى بلدك, لكنك لم تفعلى ذلك للأسف وبسبب هذه “الاستماتة” فى البقاء فى الغربة بلا مبرر ولا دوافع ضرورية ملحة,

فلقد تورطت فى خطأ الزواج الصوري تحايلا على تقاليد المجتمع الذى تعيشين فيه, ثم تورطت فيما هو أشد وأنكى وهو تحول الزواج الشكلي إلى زواج حقيقي والوقوع فى حب رجل متزوج وله أسرة لا تقبل ولن تقبل شراكتك لها فيه,

وها أنت قد نسيت الآن حتى مبررات زواجك الصوري هذا وهما “الدكتوراه” و “الإبتدائية” ورحت تخططين للاستمرار فى الغربة إلى ما لا نهاية بعد أن حللت مشكلة المحلل, وللاستمرار فى زواجك الحالي بعد أن وقعت فى حب زوجك كما تقولين, ولا اعتراض لأحد على استمرارك فى الغربة كما تشائين فمن حق كل إنسان أن يعيش حيث تطيب له الحياة مادام ذلك متاح له ومشروعا..

لكن ما لا حق لأحد ولا لك فيه هو أن تعرضي أسرة هذا الرجل للاضطراب والقلاقل وزوجته الطيبة المريضة لما سوف يدفعها إلى حافة الجنون ويحكم على زواجها وأسرتها بالانهيار وتعرضي أبناءه للتمزق بين أبويهم والتعاسة والشقاء.

أنك تطلبين فى النهاية رأيا عادلا فى مشكلتك.. ورأيى الذى لن ينال رضاك هو أن ترجعي إلى نقطة البداية فى خطتك التى وضعتها للبقاء فى الغربة عاما آخر بعد رحيل زوجك وتلتزمي بها بأمانة وشرف وتنسحبي من حياة هذا الرجل الذى قدم لك خدمته “الجليلة” وأتاح لك هذا الاستمرار, وترجعي إلى بلدك مكرمة معززة “ومكتفية” بما حققت من “رحلة الغربة”.. وبما عشت من أيام سعيدة ودافئة مع هذا الرجل, ثم تبدئين حياة جديدة فى بلدك..

ولن يطول بك الوقت إلا وستجدين من “يعيد إليك الحياة ويعيدك للحياة” بلا اعتداء على حق أحد فيه, ولا مشاكل مع زوجته وأبنائه, تماما كما وجدت زوجك الحالى الذى “أعادك للحياة” بعد شهور قليلة من وفاة زوجك الأول, هذا هو رأيى الذى لن تسعدي به لكنه الرأى الوحيد الذى أراه لك للأسف إذا كنت راغبة حقا فى أن تكافئي هذا الرجل على عطائه لك..

فلقد قدم ما كنت فى أشد الحاجة إليه.. وأحسن عشرتك وأسعد أيامك عاما دراسيا كاملا وليس من العدل أن تكافئيه على ذلك بتهديد استقرار حياته, مع زوجته وأبنائه الذين لن يتخلى عنهم أبدا ولا بتعريضه لهذه المحنة التى ستؤثر سلبيا على حياته ومستقبله وأوضاعه العائلية والاجتماعية.

    والحب الحقيقي عطاء وتضحية لمن نحب يا سيدتى وليس أخذا فقط وأنانية, وأنت تعيبين على الأخريات “أنانيتهن” فأحرى بك أنت أيضا ألا تكوني واحدة منهن, وألا تنظري للأمور من ثقب الابرة الضيق الذى لا ترين منه إلا رغباتك وأهواءك.. ولن أقول “ومصلحتك” أيضا فى الإستمرار فى الغربة ومواصلة جنى الثمار بلا حاجة ماسة ولا ضرورة ملحة.

لقد كنت على وشك أن أنصح زوجك بأن يواجه زوجته بالأمر الواقع ويتحمل تبعات ذلك فإما أن تقبل به وتستمر معه.. وإما أن تنفصل عنه.. ويتمزق الأبناء بينهما لكنى راجعت نفسى فى ذلك وسألتها ولمصلحة من تنهدم هذه الأسرة المستقرة ويشقى أبناؤها.. وتتعرض هذه الزوجة الطيبة المريضة لجزاء سنمار وطعنة الغدر,

ولا شئ يربط بينه وبينك فى النهاية سوى وثيقة زواج صوري بدأ سريا ويمكن أن تنفصم عراه فى أية لحظة وبلا خسائر كبيرة على الجانبين, بل وحتى لو كانت الخسائر كبيرة فهى خسائر شخصية فى النهاية ولا تنسحب إلا عليك وعليه وحدكما, ولا تمتد إلى أبناء أبرياء أو زوجة لا ذنب لها فى أقدارك كما هو الحال لو تمزقت أسرة هذا الرجل..

إذن فكلاكما قادر على التضحية بإعتباراته الشخصية حرصا على إستمرار هذه الأسرة المهددة وكلاكما قادر على النسيان أيضا بلا عناء كبير بدليل “عودتك للحياة” سريعا بعد رحيل زوجك الأول بشهور قليلة بدليل نظرية زوجك العجيبة عن “الزوجة الحاضرة” و “الحب الذى لا يتجزأ”..

والحب الحقيقى يا سيدتى إنما يمتحن بالتضحيات.. فهل تحبين هذا الرجل حقا؟ وهل أنت قادرة على أن تقدمى له هذه التضحية العادلة بالإنسحاب من حياته دون أن تكبديه وتكبدى زوجته وأبناءه الآلام والمعاناة؟
أم أننا لا نحب الحديث عن التضحية إلا إذا كانت مطلوبة فقط من غيرنا؟

نشرت عام 2001
من أرشيف جريدة الأهرام

مقالات ذات صلة