من هنا وهناك

النفط مقابل اليوان .. الصين توجه ضربة موجعة للولايات المتحدة

فى أكبر ضربة يمكن أن توجهها دولة إلى الولايات المتحدة الأمريكية قامت الصين بتغيير نظام عقد صفقات النفط الآجلة إلى اليوان الصينى بدلاً من الدولار الأمريكى مع إمكانية تبديل اليوان بالذهب ..

س : إيه معنى خطوة زى دى ؟

ج : فى احتمالين :

1 – إن الصين قررت تعلن الحرب إقتصادياً على الولايات المتحدة بشكل رسمى ..

2 – انها تبقى مجرد خطوة تثبت بيها الصين إنها أصبحت قوة عظمى جديدة خاصة بعد الإعتراف باليوان كعمله عالمية و دخوله سلة العملات من فترة قريبة ..

س : ليه أمريكا ممكن تقلق من الخطوة دى ؟

ج : لإن ده هيقلل من هيمنة الدولار الأمريكي على الاقتصاد العالمي ككل و على سوق النفط بشكل خاص ..

س : ايه هى التكلفة اللى هتتحملها الصين و هتخسرها أمريكا ؟

ج : الإجابة هنا لازم تُشرح رقمياً عشان تقدر تتخيل حجم الضغوط اللى هيتحملها البلدين الفترة الجاية ..

– بنهاية 2016 الصين إتحولت لأكبر مستورد للنفط الخام فى العالم ب 8.55 مليون برميل فى اليوم بزيادة قدرها 14 % عن إستهلاكها فى 2015 و متوقع لها زيادة معدلاتها الإستيرادية فى العشر سنين الجاية بمقدار الضعف تقريباً .. السجلات الرسمية الصينية بتقول إن فى 2018 الحالى متوقع يوصل إستهلاك النفط الصينى ل 11 مليون برميل يومياً ..

– سعر برميل النفط الخام دلوقت 65 دولار و ده معناه إن الصين كانت بتدفع فى المتوسط :

9 مليون برميل * 65 دولار = 585 مليون دولار يومياً

– يعنى لو الصين مكانتش غيرت نظام الدفع بالدولار كانت هتدفع السنة دى :

585 مليون دولار * 365 يوم = 213.52 مليار دولار سنوياً

– و لو حولنا المبلغ ده لذهب :

213.52 مليار دولار / 1325.5 دولار ( سعر أونصة الذهب ) = 161.09 مليون أونصة ذهب سنوياً

– الأرقام طبعاً تقريبية و بعض مراكز الأبحاث الإقتصادية قدروا إن أثر الخطوة دى فى أول سنة متوقع يوصل ل 600 مليار دولار و ده من شأنه تقليل الطلب على الدولار و ده تدريجياً هيأثر على سمعته كاختيار أول لتسوية المعاملات التجارية ..

س : يعنى هل معقول المبلغ ده يأثر فى الدولار ؟

ج : الفكرة مش فى المبلغ ده طبعاً لإن الدولار يستحوذ على 80 % من إجمالي الصفقات التجارية في العالم و بيمثل 63 % من الاحتياطات النقدية لدول العالم .. الدولار قوى فعلاً .. و لكن ..

– متنسوش إننا بنتكلم عن سلعة واحدة بس و بنتكلم عن دولة واحدة بس و متوقع إن دولة بحجم الصين متاخدش خطوة زى دى غير ما يكون ليها حلفاء يساعدوها على تحقيق أكبر إستفادة منها .. يعنى وارد جداً إننا نسمع الفترة الجاية عن دول تضامنت مع قرار الصين و شافت إن ده فى مصلحتها و بالفعل فى دول بتتعامل باليوان مع الصين فى تسوية عملياتها التجارية زى روسيا و إيران و نيجيريا و أنجولا و فنزويلا ..

رائج :   السفر والهجرة (سؤال وجواب)

– دول زى روسيا و إيران مثلاً هيلاقوا إن ده حل مناسب جداً للإلتفاف حول العقوبات الأمريكية عليهم و اللى أمريكا بتقدر تتحكم فيها بسبب إن العملة الوسيطة فى التعاملات النفطية هى الدولار .. غياب تأثير الدولار هنا هيضر جداً بمصالح أمريكا خاصة لو حطينا فى إعتبارنا إن روسيا و إيران بيحتلوا المراكز الثانى و السابع على التوالى فى قائمة أكبر الدول المصدرة للبترول فى العالم ..

– الدليل على إن الخطوة دى تم التجهيز ليها فعلياً من فترة هى الإتفاق النفطى اللى تم سنة 2014 بين الصين و روسيا و اللى بيقول أن الصين هتستورد النفط الروسي لمدة 30 سنة مع تسوية ثمن الصفقات باليوان الصينى و الروبل الروسي و ده اتفاق شبيه بالاتفاق اللى عملته الصين فى نفس الفترة مع مصر والسعودية لكن فى الحالة الروسية فالموضوع بيتمحور حول النفط بالأساس ..

س : هل الصين تمتلك احتياطي ذهبي يغطى استيرادها ؟

ج : هو مبدئياً الصين هتدفع مقابل إستيرادها باليوان مش بالذهب و لكن مع الإلتزام بدفع مقابل اليوان ذهب فى حالة طلب الدول المصدرة و الحقيقه صعب جداً إن كل الدول تطلب ثمن نفطها ذهب مرة واحدة ..

– المشكلة هنا هتقابل الصين لو كل الدول المصدرة قررت إنها تحول اليوان اللى معاها لذهب فى نفس الوقت – و ده إحتمال بعيد جداً – لإن إحتياطى الصين الذهبى يقدر بـ 1842 طن و بالنظر لإحتياجاتها النفطية السنوية و بتحويل الأونصات لكيلوجرامات هنلاقى إن الصين محتاجة حوالى 5010 طن ذهب و ده يساوى 2.72 ضعف إحتياطها الفعلى .. الصين هنا بتعمل نفس اللى بتعمله أمريكا .. أمريكا لا تملك من الذهب ما يغطى كمية الدولارات فى الأسواق العالمية و لو دول العالم قررت – فى نفس اللحظة – إنها تبدل دولاراتها بذهب أو سلع من أمريكا فأمريكا مش هتقدر تغطى الطلبات دى ..

– الصين هنا عايزة تتعامل بنفس المنطق و إن كان فى فرق جوهرى بين الدولتين .. الصين بتتعهد بتبديل عملتها بالذهب حتى و إن كان رصيدها ميغطيش .. أما أمريكا فمبتوعدش بأى حاجة .. و ده تحديداً بدأ من سنة 1971 لما لغى الرئيس نيكسون إتفاقية بريتون وودز ..

( معلومة كده عالهامش .. الصين و روسيا يعتبروا أكثر بلاد العالم حالياً فى شراء الذهب )

س : طب بالنسبة لأمريكا .. مفيش أى نقاط قوة فى إيديها ؟

ج : طبعاً فى .. و إذا شئنا الدقة فلازالت أغلب خيوط اللعبة فى إيديها ..

– أهم ورقة فى إيد أمريكا هى حلفاءها .. الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية و تثبيت أقدامها كأقوى دولة فى العالم عملت شبكة كبيرة من الحلفاء حول العالم و دول نوعين :

رائج :   بلدان قارة إفريقيا و أهم القابها

– حلفاءها المعتادين زى بريطانيا و فرنسا و كندا و استراليا بالإضافة للدول اللى انضمت للتحالف ده بعد انتهاء الحرب زى اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا ..

– حلفاء تم السيطرة عليهم عن طريق الإنقلاب على حكامها الشرعيين والإتيان بحكام صوريين تتفق سياساتهم مع سياسات الولايات المتحدة زى ما حصل فى أمريكا اللاتينية كلها تقريباً و خطة كوندور الشهيرة ..

– لما نيجى نبص على قائمة أكثر المصدرين للبترول فى العالم هتلاقى فيها أكثر من دولة حليفة و ليها علاقات دبلوماسية عميقة مع الولايات المتحدة زى السعودية و كندا و الإمارات و الكويت و النرويج و حتى العراق على الرغم من علاقاتها الموازية مع إيران .. الدول دى تقدر تخلى المعادلة لصالح أمريكا أو على الأقل تأخر تأثرها بيها عن طريق إستمرار ربط تصديرها للبترول بالدولار الأمريكى و عدم تغييره لأى عملة أخرى .. الحقيقة ده المتوقع على المدى القصير بالفعل و لكن أمريكا لازم تاخد بالها فى المستقبل و توسع قائمة حلفاءها و تختارهم بعناية أكتر لو كانت عاوزه تفضل قطب أوحد فى العالم ..

س : هل تضمن أمريكا حلفاءها ؟

ج : لحد دلوقت أيوه .. إنما فى المستقبل مفيش حاجة مضمونة .. الحرب دلوقت بقت علنية بعد ما كانت فى الخفاء و وتيرتها بطيئة نسبياً إنما بعد توقيع الصين لعقود تبادل تجارية مع السعودية ب 65 مليار دولار و بعد اتفاقات شبيهة قامت بيها الصين مع باقى حلفاءها و كلها بيتم تسوية المعاملات فيها باليوان و أخيراً الخطوة اللى بنتكلم عليها النهاردة فالحرب بقت علنية و الضغوط تدريجياً بتزيد على حلفاء أمريكا .. ليه ؟

– لو مسكنا السعودية كأوضح نموذج يتم القياس عليه فالسعودية سياسياً معتمدة على الولايات المتحدة فيما يخص أمنها خاصة بعد إتفاق عام 1974 المعروف عالمياً بالبترودولار ..

– بجانب الإرتباط السياسى ده كان فى ارتباط اقتصادي لا يقل عنه قوة لأن الولايات المتحدة وعلى مدار سنين طويلة كانت المستورد الأول عالمياً للبترول و تحديداً كانت المستورد الأول للنفط السعودى ولكن بعد إكتشاف النفط الصخري فى أمريكا فده ساهم بقوة فى تقليل حصة الاستيراد من السعودية و فى نفس الوقت اللى أمريكا كانت بتقلل حصتها الإستيرادية من السعودية كان فى عملاق تانى فى الشرق بيكبر و يزدهر و احتياجاته النفطية تزيد باستمرار .. اللى حصل فعلياً إن حصة الإستيراد الأمريكى قلت ل 800 ألف برميل يومياً فى حين زادت حصة الإستيراد الصينى لـ 1.3 مليون برميل يومياً و دى من أهم أوراق الصين اللى بتضغط بيها على السعودية بعد ما قررت تخفض حصة شركة أرامكو السعودية مقابل زيادة حصة شركة روزنفت الروسية ..

رائج :   بعض الحقائق الشيقة عن الحب والإرتباط

– بخلاف حصة الإستيراد اليومية فالصين بقى ليها علاقات تجارية متشعبة فى منطقة الوطن العربى ككل و ليها حلفاء ليهم وجود قوى على الأرض فى بعض البلاد العربية زى روسيا اللى بتضغط بكل قوة لتغيير رأى السعودية عشان تقبل باليوان كعملة وسيطة بديلة للدولار .. على حسب دراسات أكثر من مركز أبحاث فقرار السعودية تحديداً فى النقطة دى هيعتبر حاسم فى مسألة هيمنة اليوان بدلاً من الدولار و إنتهاء مرحلة سيطرة الدولار على الإقتصاد العالمى لإن اللى هيسرى على البترول ممكن يسرى وقتها على كل شيء و قرار السعودية – بحكم ثقلها الإقليمى – يعتبر مؤشر لباقى دول الخليج و هيشجعهم كلهم على إتخاذ قرار مشابه ..

– للأمانة السعودية رافضة فكرة اعتماد اليوان أو حتى الذهب كعملة للتبادل و ده راجع لاعتبارات سياسية تخص أمنها الشخصي زي ما قلنا و لا يمكن حد يتوقع إن السعودية ممكن تتراجع خطوة واحدة للوراء من غير ما يبقى فى ايديها ضمانات – صينية وروسية بالأساس – لأمنها وسلامة أراضيها .. ده اللى السنين الجاية هتكشفه .. هل الصين هتقدر تقدم البديل اللى يغرى حلفاء أمريكا على التخلي عنها وفي القلب منهم دول الخليج العربى و لا أمريكا هتفضل مسيطرة و ماسكة كل أو أغلب خيوط اللعبة فى ايديها كما هو الحال دلوقت ..

أخيراً :

– لحد لحظة كتابة السطور دى محدش يقدر يقول إن أمريكا فقدت صدارتها أو إن الصين هيمنت رسمياً على الإقتصاد العالمى و لكنها فى النهاية تعتبر خطوة .. و خطوة مهمة جداً فى الطريق ده ..

– تاريخياً مفيش قوة عظمى بتنهار مرة واحدة و على غفلة كده .. كل الإمبراطوريات والدول قبل ما تنهار بيبقى فى خطوات كتير ممكن فى ظاهرها تبان صغيرة لكن مع تراكمها جسد الإمبراطورية دى لازم يتأثر بيها سلباً ..

– ظاهرة إرتفاع الديون السيادية الأمريكية و اعتمادها بشكل شبه كامل عليها .. تراجع إنتاجية السوق الأمريكى مقابل سوق زى السوق الصيني .. خسارة حلفاء – اقتصاديين بالأساس – لصالح الصين .. الخلافات اللى ظهرت على السطح مؤخراً بين أمريكا و الإتحاد الأوروبى بسبب سياسة ترامب التجارية .. عداء الولايات المتحدة لدول تعتبر – تاريخياً على الأقل – كبيرة زى روسيا و إيران .. كل دى عوامل ليها أثر فى اهتزاز موقف أمريكا كقوة عظمى وحيدة ..

– قواعد اللعبة بتتغير .. و الواضح إن العالم بيتحول لعالم متعدد الأقطاب بعد ما كان عالم وحيد القطب لعشرات السنين و يبقى التساؤل اللى محدش يقدر يجاوب عليه بصراحة :

( هل الولايات المتحدة هتقبل بالأمر الواقع الجديد و هترضخ ليه و لا هتكون مضطرة للدخول فى حرب للحفاظ على مصالحها ؟ )


  • المقال للكاتب : احمد كامل

مقالات ذات صلة