أجمل رسائل بريد الجمعة

تحطيم الأغلال ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)

ترددت أكثر من مرة في الكتابة إليك, لأنني لست شابا صغير السن يبحث عن حل لمشكلته وإنما أنا للأسف رجل في قمة النضج وفي الثالثة والخمسين من عمري.. وقد تزوجت منذ 25 عاما, وأنجبت من زوجتي 5 أبناء أكبرهم في الثالثة والعشرين وأصغرهم عمره عامان, وكنت أتمني ألا أكون قد أنجبت من زوجتي هذه لأن أبنائي هم السبب الرئيسي فيما عانيته وتحملته منها..

ولكي أرسم لك صورة صادقة عن زوجتي, فإني أقول لك إن طبعها يختلف عن طباع كل الزوجات, وأنها لا تأخذ أية كلمة تقال لها بحسن نية أبدا, وإنما بحساسية شديدة دائما, وتتفنن في إختلاق المشكلات بغير أسباب حقيقية, ومن الأيام الأولي لزواجنا, وقبل أن ينتهي شهر العسل كنا نتناول طعام الإفطار في أمان فنهضت زوجتي عن المائدة فجأة, وبعد قليل شممت رائحة كيروسين قادمة من ناحية الحمام فاتجهت إليه لاستطلاع مصدرها فإذا بي أري زوجتي هذه وقد سكبت الكيروسين علي جسمها وملابسها وتبحث عن علبة الكبريت! وكانت أزمة كبري تدخل فيها الأهل والوسطاء, ومنذ ذلك اليوم خيم النكد علي حياتنا حتي أصبحت أغادر البيت والنكد يصاحبني, وأرجع إليه لأجده في انتظاري.

وجاء الأبناء واحدا بعد الآخر.. واستقرت طبيعة الحياة بيننا علي ماسارت عليه من البداية للأسف. ونجحت زوجتي في إعدام شخصيتي وإهدار كرامتي كأب أمام أبنائه.. فذات يوم دفعتني بقوة فسقطت علي الأرض, وتركتني أتوجع من شدة الألم أمام الأولاد.

كما طلبت مني نزع يدي من عملية تربية الأبناء منذ جاء أول مولود, وفرضت هي سيطرتها علي كل أفراد الأسرة, وأصبحت صاحبة الأمر والنهي في البيت والأسرة وشئون الأبناء وكل شيء.
إلي جانب مطالبها التي لا تنتهي ولا تتناسب مع دخلي الشهري, فإذا رفضت لها طلبا علا صوتها ليسمعه الجيران والمارة.

وإذا وجدت هي أحد اخوتها قد اشتري لنفسه أو لنفسها شيئا فلابد لها من أن تشتريه وترهقني بثمنه ولو لم نكن في حاجة إليه, لأنها مصابة بداء الغيرة الشديدة من الآخرين, كما أنها مغرمة بان تعيرني دائما بالآخرين, وتحدثني عما اشتري فلان, وعما جاء به فلان, ومنهم التاجر الذي لا يقاس دخلي بدخله, ورئيس مجلس الإدارة الذي يتقاضي أضعاف مرتبي كموظف عادي.

ولا أريد أن أطيل عليك بالتفاصيل المخجلة عن نمط حياتي معها وعلاقتها بي, ولكن يكفي أن أقول لك فقط إنها حين تريد إيقاظي من النوم فإنها لا تهزني برفق في كتفي كما تفعل الزوجة التي تعرف ربها.. ولا تقول لي: اصح ياحبيبي كما تفعل الزوجة المحبة.. وإنما تركلني بقدمها وتصيح في: قوم .. إياك ماتوعي تقوم!

رائج :   النظرية الأولى .. رسالة من بريد الجمعة

وإذا جاءنا ضيوف فإنها لا تدع لي الفرصة للجلوس معهم .. واذا فعلت, ولو بطريق الخطأ, فان الشجار والنكد سوف ينتظرانني بعد انصرافهم, كما أنها لا تسمح لي بالذهاب إلي عملي إلا بعد استئذانها, واذا تصادف أن تأخرت في العودة لأي سبب طاريء فتحت لي محضرا وهات يا سين وجيم ويزداد النكد أضعافا مضاعفة, فضلا عن أنها كثيرا ماتستفزني بأقوال من نوع : لو كنت رجلا اخرج ولا تعد مرة أخري, أو لو كنت رجلا .. تزوج! وهل تظن نفسك رجلا ؟ إلخ

حتي أنني أقوم بغسل الأطباق والحلل وتنظيف الشقة, وغير ذلك كثير وكثير, وقد اختتمته زوجتي أخيرا بهجرها لفراش الزوجية, مع اني قد تحملت 25 عاما لم اشعر خلالها بالراحة النفسية وراحة البال, وصبرت علي النكد وإهدار كرامتي وشخصيتي أمام الأبناء والأقارب والغرباء, ولقد كان من نتائج إبعاد زوجتي لي عن شئون أبنائي أن سار الابن الأكبر في طريق خاله.. وهو طريق معوج ووقع في مشكلة قضائية كان السبب الرئيسي فيها شقيق زوجتي.. ولا غرابة في ذلك فقد كنت أري الخطأ بعيني واسمع عنه من الآخرين ولا استطيع أن أفعل شيئا كما بدأ الابنان الثاني والثالث يسيران في الطريق نفسه وأنا عاجز عن فعل شيء لأن أمهم قد منعتني من تربية أبنائي وهم صغار.

إنني أعرف أنك ربما تلومني أنا في البداية لأنني قد اعطيتها الفرصة لكل مافعلته طوال25 عاما من الزواج.. لكن الأوان قد حان الآن لأن أتحرر مما أنا فيه.م وأشعر بنفسي كرجل مثل غيره من الرجال له شخصيته القوية وكرامته, وحقوقه المشروعة كزوج, فلقد ضاق صدري وفرغ صبري علي هذه الزوجة التي كثيرا مافكرت في التخلص منها لولا خوفي علي أطفالي الصغار منها, وأقسم لك في النهاية أن كل كلمة ذكرتها لك عنها صحيحة ولا مبالغة فيها فماذا أفعل ؟

ولكاتب هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :

ليتك لم تشم رائحة الكيروسين قبل أن تعثر زوجتك علي علبة الكبريت في ذلك اليوم المشئوم من شهر عسلك معها!
وأغلب الظن أنه لو كان قد حدث ذلك لما انتحرت أيضا ولا أعفت الحياة من وجودها فيها, وإنما كانت قد فقدت فقط فاعلية إحدي وسائلها المبكرة للسيطرة عليك وقهر إرادتك وإرغامك علي قبول ما لا تحب لنفسك علي نحو مافعلت معك علي مدي25 عاما!

ولا عجب في ذلك لأن من تقدم علي الانتحار حرقا لا تبدأ بسكب الكيروسين علي جسمها ثم تبدأ بعد ذلك في البحث عن الكبريت, لكي تصل رائحة الكيروسين الفواحة إلي من يهمه الأمر فيهب لإنقاذها, وتحقق هي الهدف من المحاولة, ويتكرس الخوف في نفسه من مخالفة رغباتها فيما بعد لكيلا تكرر واقعة الانتحار وتكون كارثة جديدة.. ناهيك عن استخدامها فيما بعد للأساليب الأخري في الترهيب والترغيب لقهر إرادة الزوج وإذلاله!
فما هذا الذي ترويه عن نفسك وزوجتك وأبنائك يارجل, وبأي أعذار سوغت لنفسك الصبر علي كل هذا الهوان.. حتي اختتمته زوجتك بهجرها لفراش الزوجية.. فإذا بالصبر قد نفد, والصدر قد ضاق بما فيه, وشعرت بأنه قد آن الأوان لأن تحطم قيودك وتتحرر مما أنت فيه!

رائج :   الخيال الجميل .. رسالة من بريد الجمعة

أغلب ظني ان هجره المتأخر لفراش الزوجية كان الشرارة التي أشعلت النار فيما بقي من صبرك عليك وقضي عليه, أما حكاية الحرص علي مصلحة الأبناء كمبرر للصبر وقبول الإهانة وإهدار الكرامة علي هذا النحو المؤسف فإنها لا تبدو لي في قصتك مبررا مقنعا.. ذلك أن الكتاب يقرأ من عنوانه, ولقد اتيحت لك الفرص العديدة لقراءته في شهر العسل والشهور الأولي من الزواج وخلال مايقرب من العامين اللذين سبقا إنجابك لأول أطفالك ولم تنتهز الفرصة وتنج بكرامتك وحياتك من هذا الشقاء.. كما كان بمقدورك أيضا, وقد خبرت شخصية زوجتك, أن تقلل من روابطك بها حتي بعد إنجاب الطفل الأول أو الثاني. أما أن تواصل الإنجاب منها حتي عمر أصغر الأبناء عن عامين, فلا معني له إلا أنك لم تصبر علي مالقيته منها من أجل هؤلاء الأبناء.. وإنما لأسباب أخري.

وعلي أية حال فإني لست في حاجة إلي تأكيد موقفي وإيماني الثابت بأن من واجب الآباء والأمهات أن يصبروا علي شركاء الحياة حرصا علي سعادة الأبناء واستقرارهم, لكن الإمام الشافعي ـ رضي الله عنه ـ يقول لنا علي الناحية الأخري أنه مامن عام إلا و خصص, حتي هذه القاعدة نفسها! وهو المعني نفسه الذي ردده المحدثون فيما بعد, حين قالوا إن لكل قاعدة استثناء..,

وأنت ياسيدي هذا الاستثناء من القاعدة التي أؤمن بها, يدعوني ذلك لأن أقول لك: إن الزوجة التي تمتهن كرامة زوجها وتتلذذ بفرض سيطرتها عليه وإذلاله وإهانته أمام أبنائه والأقارب والغرباء, ولا توقظه من نومه إلا ركلا بالأقدام, وتحرم عليه مجاملة ضيوفها كأنه عار شخصي لا يصح إطلاعهم عليه, وتكف يده عن شئون أبنائه لكي تنفرد دونه بتنشئتهم علي قيمها الفاسدة حتي ليقع أحدهم في مشكلة قضائية بسبب سيره مع خاله في الطريق المعوج ..

مثل هذه الزوجة لا رادع لها ولا علاج سوي الانفصال عنها ولو كان زوجها قد أنجب منها عشرين طفلا, ولا عذر لمن يتحمل الهوان معها بدعوي مصلحة الأبناء, لأن مصلحة الأبناء مسئولية مشتركة بين الأبوين وليست مسئولية أحدهما دون الآخر, ولا يجوز لأحدهما أن يتمادي في الضغط علي الآخر علي هذا النحو المذل اعتمادا علي استشعاره لواجبه الأخلاقي تجاه أبنائه, وإلا تحول الأبناء الي سيف بتار في يد أقل الطرفين حرصا علي مصلحتهم ورعاية لحقهم عليه.

رائج :   الحيرة القاتلة ! .. رسالة من بريد الجمعة

كما أنه ليس من مصلحة مثل هؤلاء الأبناء في النهاية أن ينشأوا في كنف أب مقهور الإرادة ومهدر الكرامة مع أمهم, فتهتز قيمهم الأخلاقية ومثلهم العليا, ويخرجوا الي الحياة بمفاهيم فاسدة, وحال ابنك الأكبر واخويه خير دليل علي ذلك.. فبأي مبرر إذن يمكن الاستمرار في تجرع مثل هذا الهوان ؟

لقد فهمت من رسالتك أن زوجتك تعيش في بيت يقيم به أهلها.. وعلي هذا الأساس فلن تكون مأساة تربوية عظمي في أن تتحرر أنت بالفعل من أغلالك معها وتسترد إحساسك بنفسك كرجل.

وإذا كان الأوان قد فات لا تفعل مع زوجتك ماقام به الشاب قوي الشكيمة بتروشيو في مسرحية ترويض الشرسة لشكسبير حين استفزته شراسة الابنة المدللة كاترين فتزوجها عامدا لكي يروضها ويهذب جموحها ويرغمها علي احترام الزوج ونجح في ذلك بالحيلة والذكاء وقوة الشخصية, حتي أصبح في النهاية يشير إلي الرجل العجوز ويقول له محييا: يوم سعيد أيتها الآنسة الجميلة الرقيقة! ويطلب من زوجته أن تحييها فتسترجع ذكريات زمجرته في وجهها عند مخالفتها لإرادته وتسرع علي الفور بتحية الآنسة وإطراء جمالها!

إذا كان الأوان قد فات علي ذلك ولا هو المطلوب بالفعل في العلاقة المثالية بين الزوج والزوجة, فإن الأوان لا يفوت ابدا لكي يتوقف الإنسان في أية مرحلة من العمر ويقرر ألا يقبل علي كرامته مالا يرضاه الحر لنفسه مهما تكن الضغوط والإغراءات. فاستجمع إرادتك وحاول محاولتك الأخيرة اليائسة لفرض شخصيتك علي زوجتك كزوج كامل الحقوق والأهلية لها, وكأب للأبناء ورب للأسرة وربان لسفينتها,

فإن لم تستجب لك, وماأظنها ستفعل, فأقبل تحديها لرجولتك.. وانفصل عنها.. وتحمل مسئوليتك الأبوية والتربوية عن ابنائك الصغار وهم في حضانة أمهم الي أن يبلغوا سن انتهاء حضانتها لهم, ثم استقل أنت بتربيتهم وتنشئتهم وتطهير عقولهم وشخصياتهم من المؤثرات الفاسدة التي تسللت إليهم من قبل, ومن يدري فلقد تكتشف في نفسك اذا اقدمت علي ذلك بالفعل من القوة مالم تكن تظنه فيها, ولقد تكتشف زوجتك في نفسها حينذاك من الضعف والحاجة الفعلية إليك مالم تكن هي تبديه أو تعترف به مكرا ودهاء وإمعانا في قهرك والسيطرة عليك. وشكرا!


لطفا .. قم بمشاركة الموضوع لعله يكن سببا في حل أزمة أو درء فتنة …

مقالات ذات صلة