فكر و ثقافة

تولستوي ..

ولد تولستوي عام 1828 – متوفي عام 1910 – عنده 3 كتب في أعظم 100 رواية في التاريخ (بالتساوي مع شكسبير وفرانز كافكا وهذه الكتب هي “الحرب والسلام” و”آنا كارينينا” و”موت إيفان إيليتش“) ولا يتخاطهم سوى مواطنه فيودور دوستيوفسكي بـ4 روايات. 

مولود في عائلة غنية جدًا وذو جذور ضاربة في الأرستقراطية والشهرة ولم يحتك بأي شخص من العامة تقريبًا إلا في خمسيناته، وصادف أن تلك الفترة كانت فترة مضطربة جدًا جدًا من حياته، أكثر فترة تملكت فيها السودوية والتشاؤم منه وتحول للعبثية وكان تقريبًا على وشك الإنتحار، ولكن إحتكاكه ببعض الفقراء غير حياته للأبد.

لاحظ أن على الرغم من أن الفلاحين والفقراء لا يملكوا %1 مما يملكه هو من أموال وجاه وسلطة، إلخ ولكنهم سعداء وراضين بحياتهم وعندها أكتشف أنهم يملكوا شيء واحد فقط لا يملكه هو، وهذا الشيء هو الإيمان.

في الفترة السابقة كان تولستوي أتجه للعلم وجميع الفلسفات للتغلب على عبثية حياته ولكنه لم يجد أي ملجأ أو ملاذ سوى ما توصل له الفقراء، وفورا تحول من الإلحاد للإيمان بالمسيحية

لكنه عمل نسخة غريبة جدًا جدًا من المسيحية آمن بها، وهي نسخة من المسيحية الأناركية (يعني الفوضوية أو المعادية للسُلطة بجميع أشكالها) بتقول إن الكنيسة مثلها كمثل الدولة، كليهما كيانات مافيوية مصممين لغرض واحد وهو التحكم والسيطرة على الناس ويجب إلغاؤهم،تولستوي

رائج :   مش سعيد || من كتابات د : أحمد خالد توفيق

حتى انه لم يكن يؤمن بأي خوارق أو معجزات ولا غيب ولا غيره، يعني ممكن تقول أنه جرد المسيحية تمامًا من أغلب محتواها وتفاصيلها الدقيقة وحولها لفلسفة حياة ورأى “العظة على الجبل” ليسوع هي جوهر المسيحية

بمعنى أن جوهر المسيحية هو أنك ليس فقط تحب أعداءك، بل إنك حتى لا تحاول أن تقاوم الشخص الشرير أو تصده عن شره (يعني كأن مثلًا دلوقتي رئيس البلد بيطلع يقول لك لو داعش جم فجروا البلد متحاولش إنك تقاومهم وسلمهم بيتك يفجروه !!!!!!!!!)

وهذه الفكرة عن التطرف في اللاعنف والمسالمة أثرت مباشرة على غاندي (وفي الحقيقة غاندي كان بيتواصل معاه مباشرة وأخر خطاب أرسله تولستوي كان لغاندي) وبعدها أثرت على مارتن لوثر كينج رائد حقوق السود في أمريكا ولكن طبعًا بنسخ مختلفة.

تولستوي تخلى تمامًا عن أملاكه الدنيوية وأستخدم ثروته في مساعدة الفقراء وقضى بينهم أغلب أوقاته وبسبب مشاداته الدائمة مع الكنيسة وشيطنته لها وفكرة أنها والدولة بطبيعتهم مؤسسات عنيفة ويجب إلغائها، الكنيسة أصدرت قرار بشنحه أو عملت له excommunication (أقرب ما يكون للتكفير في المسيحية – التكفير مع اللعن هو الanathema -)

رائج :   7 استراتيجيات تسويقية مبدعة لتعزيز البراند

ولكن الرغم من هجومه الضاري على الكنيسة، الفلاحين المتدينين جدًا ظلوا يحبوه ويقدروه بشدة ورفضوا دعوة الكنيسة بعدم حضور دفنه.

أيضــًا تولستوي كان عنده رأي عجيب جدًا في شكسبير، قال أن شكسبير ليس فقط كاتب فاشل وإنما لا يمت للأدب ولا للكتابة بصلة، يعني كاتب من أردأ ما يكون، وكل مكانته هي مجرد بروباجندا لاحقة من البروفيسورات الألمان!!!

بعد بحوالي قرن الكاتب العظيم جيورج أوريل حلل نقد وهجوم تولستوي على شكسبير وأستطاع أن يستشف أن أغلب هجوم تولستوي على شكسبير كان هو إنه بيري إنعكاس لنفسه وما يراه كخطاياه ونواقصه وكل ما كان يكرهه في نفسه في روايات شكسبير (وخاصة King Lear التي حفظ لها نصيب الأسد من النقد)

وكان بيتعذب ويتشوه نفسيًا كلما يرى التوازي بين حياته وبين الرواية بنفس الطريقة اللي بتكره بيها نفسك عند سماع صوتك في التسجيل مثلًا. ومن الغرائب أيضــًا أنه بعدها بدأ يهجم على رواياته هو شخصيًا وقال أنه بيكره بشدة أكثر روايتين خلدوه في الوسط الأدبي (الحرب والسلام وآنا كارينينا!) 

رائج :   الديكتاتورية .. نماذج من الطغاه (الجزء 2)

في أواخر حياته لحق الوسط التكنولوجي الجديد (الفيلم والتسجيل) وفي عيد ميلاده الثمانين عمل تسجيل على فونوجراف (أو جراموفون) مرسل له من أحد كبار معجبينه، توماس إديسون بنفسه، التسجيل أسمه “قوة الطفولة”

 وعمل مجموعة من التسجيلات التعليمية لأهل بلده بلغته الأم الروسية، ولكن في أحد التسجيلات كان يقرأ مقتطفات من أخر كتبه “أفكار حكيمة لكل يوم” بـ4 لغات (الإنجليزي والألماني والروسي والفرنساوي

 

 ورفضل إديسون تقاضي أي مقابل مادي منه وكتب على الفونوجراف إهداء A Gift to Count Tolstoy from Thomas Alva Edison وطلب منه يصنع بعض التسجيلات لتعليم الناس حول العالم بلغات مختلفة عصارة الحكمة التي أكتسبها في حياته وهو ما فعله تولستوي ولكن مصير التسجيلات غير معروف.

الصورة .. هي أول صورة فوتوغرافية ملونة ألتقطت في روسيا، صورة للكاتب الروسي الأسطوري ليو تولستوي (أو ليڤ تولستوي بالروسي) في عيد ميلاده الثمانين (عام 1908.)

مقالات ذات صلة