قضايا وأراءمن هنا وهناكوعي

ثورة أرمينيا .. ولنا في أرمينيا العبرة

للكاتب : أحمد كامل

فى 6 ديسمبر 2015 قدم الرئيس الأرميني سيرج ساركسيان مقترح بإصلاح سياسي للبرلمان الأرميني تتنقل بيه أغلب صلاحيات رئيس الجمهورية لرئيس الوزراء مع الإنتخابات القادمة .. بمعنى أخر إنتقال الدولة من النظام الرئاسى إلى النظام الوزارى و اللى بالفعل وافق عليه البرلمان وقتها .. طبعاً إنت أول ما تسمع كده هتقول على طول .. إيه الرئيس الغريب ده اللى بيتنازل عن كل سلطاته لرئيس الوزراء ..

الحقيقة اندهاشك هيختفى على طول بمجرد ما تعرف إن فترة ساركسيان الرئاسية اللى كان فيها تعتبر الثانية و الأخيرة ليه كرئيس للجمهورية و إنه لازم يخرج من السلطة بعد حوالى سنتين فكل الأوساط السياسية فى البلد فهمت على طول إن فى ترتيب خفى من الراجل عشان يستمر فى الإحتفاظ بالسلطة و لكن بما إن الأمر كان سابق لأوانه فمفيش حد اعترض ..

فى 9 إبريل 2018 وقف ساركيسيان قدام البرلمان و أعلن نيته ترشحه لمنصب رئيس الوزراء و طبعاً البرلمان اللى أغلبيته من الحزب الجمهوري ( حزب ساركسيان ) صقف و هلل و وافق على طول على الترشيح ده و بقى بس تحديد جلسه لحلف اليمين و تم بالفعل تحديدها فى يوم 17 إبريل ..

الوضع فى المعارضة كان مختلف تماماً لإن كده نوايا الراجل ظهرت لأول مرة رسمياً .. الباشا عدل الدستور و خلى أغلب الصلاحيات فى إيد رئيس الوزراء عشان يمسكها هو بعد كده .. ده إلتفاف على الديموقراطية واضح و صريح .. يسكتوا .. يفضلوا يتخانقوا مع بعض و كل حزب فيهم يرمي فشله على التانى و الديكتاتور سركسيان يبرطع براحته .. الصراحة الناس طلعت أرقى من كده و قدروا يتجاوزوا خلافاتهم و يوحدوا جهودهم و يبقى ليهم طلب وحيد هو إستقالة سركسيان من منصبه و ترشيح ممثل يكون من الشعب يحل محله و اختاروا واحد منهم عشان يكون زعيم لجبهة المعارضة الموحدة و مرشح محتمل للمنصب إسمه نيكول باشينيان

فى 13 إبريل دعت جبهة المعارضة الناس للنزول فى الشوارع و الإعتراض على الإلتفاف على الديموقراطية و أطلقوا على حراكهم لقب الثورة المخملية نسبة للاحتجاجات اللى حصلت فى تشيكسلوفاكيا عام 1989 و اللى أسقطت الحزب الشيوعى هناك .. و بالفعل الناس لما لقت الأحزاب توحدت على هدف واحد حست إن جهودهم مش هتروح هدر و لبوا النداء و نزلوا بكثافة و وصلت مسيراتهم لأغلب الأماكن الحيوية فى البلد و أهمها ساحة الجمهورية فى العاصمة يريفان ..

مظنش إنتوا محتاجين تعرفوا إيه اللى حصل بعدها و لكن لأمانة الطرح هضطر أقولكم .. الحزب الحاكم طلع قلل من الإحتجاجات .. بعد يومين من إستمرار المظاهرات طلع الحزب الحاكم و قال إنه يستحيل يرضخ لطلبات المحتجين و إن اللى بيعملوه ده لعب عيال مش هيأثر فيهم .. بعد يومين كمان راح سركسيان لمجلس الشعب و حلف اليمين و تم إعلانه رئيس وزراء رسمياً و ترافق ده مع زيادة الاحتجاجات في الشوارع .. لما الموضوع كبر طلع الحزب الحاكم و قال إن دول قلة مندسة عاوزة توقع البلد و إن الأحزاب المعارضة خدت تمويل من دول أجنبية و عاوزة تعمل سيناريو زى اللى حصل فى أوكرانيا فى 2014 .. لما كل ده مجبش نتيجة اضطر الديكتاتور إنه يعمل الحاجة الوحيدة اللى بيعرف يعملها .. إطلاق يد الجهات الأمنية للسيطرة على الأوضاع ..

رائج :   تعرف على طاسة الخضة .. و سر شهرتها

الشرطة و الجيش كانوا بيأمنوا البلد طبعاً من أول ما الإحتجاجات بدأت لكن دلوقت أصبح معاهم صلاحية للتعامل بعنف مع المتظاهرين .. 9 اتصابوا و اتقبض على 277 متظاهر على رأسهم نيكول باشينيان زعيم المعارضة و طبعاً الهدف واضح .. الحفاظ على الدولة من الإنهيار .. و بما إن الورق ورقنا و الدفاتر دفاترنا فالنيابة العامة فى أرمينيا مكدبتش خبر و فى لحظة واحدة كان فى شوية تهم تودى ورا الشمس مستنية المقبوض عليهم خاصة الأخ باشينيان .. انتهاك قانون التظاهر .. تجمعات غير قانونية .. قطع الطرقات .. شل المؤسسات العامة .. القيام بأعمال تشكل خطراً على المجتمع .. إلى أخر سلسلة طويلة من التهم الجاهزة لتكميم أفواه المعارضين ..

بصراحة المتظاهرين طلعوا رجالة و لما لقوا إن باشينيان اتقبض عليه و تم إتهامه بإتهامات باطلة الأعداد زادت فى الشوارع دفاعاً عن حقهم أولاً و عن حق الراجل ثانياً .. جدير بالذكر إن باشينيان أساساً صحفى و تم إنتخابه فى مجلس النواب و كان إتسجن زمان فى 2008 فى إحتجاجات مماثلة ضد إنتخاب سيرج ساركسيان .. يعنى راجل مناضل من زمان و معروف للشعب .. فلما الجيش لقى إن الأعداد بتزيد و الناس مصممة على رأيها انشق منه بعض العسكريين و شاركوا بنفسهم فى المظاهرات و عندها بدأت الصورة تبقى أوضح و لازم يتاخد إجراء سريع يهدوا بيه الناس ..

يوم 22 إبريل تم الإفراج عن باشينيان وتم الإتفاق على عقد مؤتمر تفاوضي في أحد فنادق العاصمة و تم دعوة وسائل الإعلام عشان تحضره و ظن الحزب الحاكم إن باللى عمله فهو وصل رسالة لباشينيان خصوصاً و المعارضة عموماً إنى أقدر أحبسكم و إنى بتفاوض معاكم من منطلق قوة .. المهم راح ساركسيان و باشينيان الإجتماع و كان فى مخيلة الجميع إن المؤتمر هينتهى بشوية تصريحات وردية تؤكد على حرص الجميع على مصلحة البلد مع وعد بإعطاء المعارضة بعض الصلاحيات الإضافية و توتا توتا فرغت الحدوتة و كل واحد يروح لحال سبيله .. اللى حصل كان مختلف تماماً ..

الإتنين وصلوا المؤتمر و قعدوا و بدأ سركسيان الكلام :

( أنا سعيد لإستجابة منافسى السيد باشينيان لنداءاتى المتكررة للتفاوض )

قام مقاطعه باشينيان و قال :

( أعتقد أن هناك سوء فهم .. لقد جئت إلى هنا لمناقشة أمر استقالتك و شروط الانتقال السلس للسلطة )

سركسيان وشه جاب ألوان و راح سايب الإجتماع و مشى بس قبل ما يمشى قال :

( هذا ليس حوار .. إنه ابتزاز )

رائج :   المشروبات الغازية … الزجاجة فيها سم قاتل!

الراجل اللى قعد فى السلطة 10 سنين وعمره ما عمل أى إعتبار للمعارضة و عمره ما أخذ رأيهم فى حاجة جاى دلوقت يتكلم عن الحوار و بيشتكى من الإبتزاز .. المهم .. الأخ سركسيان خرج من هنا و الشوارع ولعت نار و ظهر جداً إنه مش هيقدر يسيطر فاضطر إنه يستقيل و نشر على موقعه الشخصى جملة :

( أغادر منصب قيادة البلاد .. نيكول باشينيان كان على حق وأنا كنت مخطئاً )

مجلس الوزراء بعد الاستقالة عين كارن كارابيتيان نائب ساركيسيان مكانه و ده طبعاً معجبش المعارضة فهددوا باستمرار المظاهرات لحين خروج الحزب الجمهورى من السلطة تماماً و طبعاً ده ضد رغبة روسيا اللى بتعتبر دول القوقاز كلها إمتداد طبيعى لها .. إتحولت المعركة هنا لمعركة وجود .. إحنا هنا بنتكلم عن إجتثاث كامل لنظام سابق له الأغلبية فى مجلس النواب و له حليف قوى فى الخارج بيدعمه .. هنا بقى تظهر عبقرية المعارضة فى التعامل مع الموقف ده و كيفية إدارة الأزمة و كسب الشارع فى صفهم .. بعد ما كان النظام هو اللى بيرمى المعارضة بالتهم أصبحت المعارضة هى اللى بتاخد زمام المبادرة و تحركهم للمكان اللى هما عاوزينه ..

– فى البداية رفضوا تعيين رئيس وزراء من الحزب الجمهورى

– هددوا بعدم المشاركة فى أى إنتخابات لرئاسة الوزراء يكون طرفها حد من الحزب الجمهورى

– بدأوا يطلعوا إشاعات عن إستقالة رئيس الوزراء المؤقت من منصبه و الإعلام مبيصدق

– ابتدوا يطلقوا لفظ ( مرشح الشعب ) على باشينيان فى إشارة إلى الرغبة الشعبية فى وجوده و رفض المرشح الأخر

– أعلنوا مراراً إن شرطهم الأساسى لأى مفاوضات هو ” إستسلام ” حزب الشعب الجمهورى دون أى شروط مسبقة

– أعلنوا عن نقل المظاهرات فى أكثر من مدينة بخلاف العاصمة و على رأسهما فندازور ثالث أكبر مدينة فى البلاد

– تحرك قادة المعارضة فى شتى أقاليم الدولة و اجتمعوا بالناس و تم استقبالهم إستقبال الفاتحين فكسبوا أرض جديدة من الحزب الحاكم

– ضربوا صف الحزب الحاكم لما ادعى باشينيان إن رئيس الوزراء المؤقت عاوز يقابله و لكن قادة الحزب الجمهورى بيمنعوه و وصل الأمر لحد تهديده عشان ميقابلهوش

بعد سلسلة التحركات السياسية المحترفة دى مبقاش قدام الحزب الحاكم غير إنه يتراجع ويعلن على الملأ :

( لم نمنع رئيس الوزراء المؤقت من لقاء السيد باشينيان و نحن منفتحون و مستعدون للحوار و المفاوضات بدون شروط مسبقة )

التصريح ده قالوه بعد يومين بالظبط من رفضهم القاطع لأى إجتماع تفاوضى مع زعيم المعارضة و ده يبينلنا قد إيه لما السياسى يكون بيفهم سياسة بيقدر يخرج بأكبر مكاسب ممكنة فى أقصر وقت ممكن ..

الخطوة الأخيرة كانت التهديد المباشر بإستمرار المظاهرات و إمهال الحكومة لحد يوم 1 مايو لإنتخاب نيكول باشينيان كرئيس للوزراء أمام البرلمان و إنه لو متمش إنتخابه كرئيس للوزراء فهما مش هيعترفوا بأى حد فى المنصب ده و هتفضل أرمينيا بدون رئيس وزراء و طلع وسط المتظاهرين بيبشرهم بانتصار الثورة و إن يوم 1 مايو هيكون يوم تتويج مجهوداتهم رسمياً .. اللى بيعمله باشينيان ده إسمه تحفيز وكمان ضغط على الحزب الحاكم من ناحية تانية .. بيرفع سقف توقعات الجماهير لأقصى درجة فيضطر الحزب الحاكم إنه يرضخ لطلباتهم لإن لو الجموع اللى فى الشارع شافت إن طلباتها متحققتش فرد فعلها فى الوقت ده هيكون أقوى وأقسى من إن الحكومة تتحمله .. يمكن الحزب الحاكم ساعتها يتشال من الوجود أساساً .. الصراحة إدارة محترفة جداً من المعارضة هناك ..

رائج :   فرانكوآراب || من كتابات د : أحمد خالد توفيق

بعد اللى حصل ده كله بدأ الجميع يحس إن الأزمة مش هتعدى بالساهل فأعلن حزب أرمينيا المزدهرة ثانى أكبر الأحزاب تمثيلاً فى البرلمان إنه هيصوت لصالح باشينيان .. تبعه على طول حزب الفيدرالية الثورية ( الموالى للحزب الحاكم ) إنه هيصوت هو كمان لصالح باشينيان ..  حزب طريق الخروج اللى هو حزب باشينيان هيصوتله طبعاً و بكده يبقى فاضل له بالظبط 6 أصوات عشان يبقى رئيس وزراء رسمى ..

المشكلة إن الـ 6 أصوات دول لازم ياخدهم من الحزب الجمهوري الحاكم نفسه و بعد الحرب النفسية الممنهجة اللى عملتها المعارضة بالإضافة لإستمرار التظاهرات فى الشارع طلعت تصريحات من محللين سياسيين بتقول إنه مش صعب أبداً إن يبقى فى 6 نواب يدوا صوتهم لباشينيان و وصفتهم حسب قولها بالفئران التى تقفز من السفينة .. وصف خلى الحزب الحاكم ثقته تهتز فى نفسه تماماً و طلع المتحدث الرسمى بتاعه إمبارح يصرح و يقول :

( اذا دعمت ثلاث قوى سياسية برلمانية مرشحاً واحداً فى انتخاب رئيس الوزراء فان الحزب الجمهورى لن يعارض الامر )

إعتراف صريح بالهزيمة و لكن بشكل شيك و فى صورة اللى خايف على الدولة من التفكك و كده .. بكرة التصويت و أعتقد من خلال المعطيات اللى فاتت إن المعارضة هتكسب و هيتم إعلان باشينيان رئيس وزراء جديد لأرمينيا و الله أعلى و أعلم ..

الخلاصة :

ممكن تعمل نفسك ناصح و تفتكر إنك ماسك كل خيوط اللعبة فى إيدك و إن البلد فى جيبك و المعارضة ميتة و بالتالى غرورك يقودك لتعديل الدستور عشان تستمر فى السلطة .. لكن قبل ده كله إنت محسبتش حساب لقدرة ربنا سبحانه و تعالى وتدبيره .. إنه يجمع المعارضة الأرمينية على كلمة واحدة بعد ما كانوا بيرموا الاتهامات على بعض ده كان أبعد من الخيال .. إن الشعب الأرمني يرجع يؤمن بحقه فى بلده وإنه يقدر يقف قصاد الطاغية سركسيان فده كان أبعد من الخيال .. يحيى العظام وهى رميم .. ربنا لما بيريد كل حاجة بتحصل يمكن حتى بدون تدخل من البشر ..

فى الصورة : ــــــــــــــــــــ زعيم المعارضة في ارمينيا نيكول باشينيان ( يمين ) و رئيس الوزراء المستقيل سيرج ساركيسيان ( يسار ) فى المؤتمر الصحفى الذى انتهى بإنسحاب ساركيسيان ..
فى الصورة :
ــــــــــــــــــــ
زعيم المعارضة في ارمينيا نيكول باشينيان ( يمين ) و رئيس الوزراء المستقيل سيرج ساركيسيان ( يسار ) فى المؤتمر الصحفى الذى انتهى بإنسحاب ساركيسيان ..

مقالات ذات صلة