قصص وعبر

من سلسلة (روايات مصرية للجيب) || رفقا بهم

“أنت تستحق القتل ..”
ارتجف الكهل النحيل، عندما انطلقت هذه العبارة كالرصاصة في أذنيه، من بين شفتي الأستاذ (عبد العال)، مدير جمعية الرفق بالحيوان، الذي انعقد حاجباه الكثان على نحو مخيف، واكتست ملامحه كلها بمزيج من الغضب والصرامة، وهو يستطرد في حدة:
ـ لو أن الأمر بيدي، لأعدمتك في ميدان عام.

ازدرد الكهل لعابه في صعوبة، وقلب كفيه في حيرة، مغمغمًا:
ـ لماذا يا سعادة البك؟ .. ما الذي فعلته لأستحق كل هذا؟
صرخ الأستاذ (عبد العال) في وجهه:
ـ ما الذي فعلته؟! .. يا للهول !! .. أتجرؤ على إلقاء مثل هذا السؤال أيها الوقح؟ .. ألا تدرك فداحة الجرم الذي ارتكبته؟

تمتم الكهل في مزيد من الحيرة:
ـ لا يا سيدي .. لست أدركه .. أخبرني أنت.
أطلق الأستاذ (عبد العال) زمجرة مخيفة، قبل أن يصرخ في وجهه:
ـ يا لك من تافه جاهل ! .. الم تضرب حمارك يا رجل؟ .. ألم تنهال على ظهره بعصاك، في وسط الطريق؟
خُيّل للكهل أنه لم يفهم، فقال وهو يضرب كفًا بكف:
ـ وماذا في هذا يا سعادة البك؟ .. إنه حمار .. مجرد حمار.

صرخ الأستاذ (عبد العال):
ـ بل هو كائن حي.
قال الكهل معترضًا:
ـ كائن حي غبي يا سيدي، والوسيلة الوحيدة للتفاهم معه هي الضرب .. لا توجد وسيلة أخرى.
ضرب الأستاذ (عبد العال) سطح مكتبه بقبضته في عنف، وهو يقول:
ـ هل جربت وسيلة أخرى؟ .. هل حاولت أن تتعامل معه بحب؟

اتسعت عينا الكهل، وهو يهتف:
ـ حب؟! .. أتعامل مع حماري بالحب؟! .. ما الذي تقوله يا سعادة البك؟ .. من ذا الذي يتعامل مع حيوان كهذا بالحب؟ .. إنه حيوان .. مجرد حيوان، مهمته هي أن يجعل حياتنا أيسر، وأن ..
قاطعه الأستاذ (عبد العال) هادرًا:
ـ وأن نحيل نحن حياته إلى جحيم .. أليس كذلك؟

ثم اختطف قلمه، وقد التقى شعر حاجبه الكث على نحو مخيف، مستطردًا:
ـ لا يا رجل .. إنك لست أمينًا على هذا الحمار؛ ولهذا سنأخذه منك.
صرخ الكهل في ذعر:
ـ تأخذونه؟ .. تأخذون الحمار؟! .. يا للنهار الأسود! .. كيف تأخذونه يا سعادة البك؟ .. إنه هو الذي يحملني إلى حقلي كل صباح، ويحمل متاعي وأثقالي و ..
قاطعه الأستاذ (عبد العال) في صرامة:
ـ ولماذا لم تحافظ على هذه العلاقة الطيبة؟
ضرب الكهل كفًا بكف مرة أخرى، وهو يصرخ:
ـ آية علاقة يا بك؟ .. إنه حمار .. حماااار.

ضغط (عبد العال) زر الجرس، الموضوع فوق مكتبه، وهو يقول في غضب:
ـ اخرج يا رجل .. اخرج.
لم يكد يتم عبارته، حتى دخل فرَّاش مكتبه، ورفع يده بالتحية، استجابة لنداء الجرس، فصاح به الأستاذ (عبد العال):
ـ القِ بهذا الرجل خارجًا.
راح الكهل يصرخ:
ـ والحمار يا سعادة البك؟! .. ماذا عن الحمار؟ .. أريد حماري.

تجاهله (عبد العال) تمامًا، وعدَّل من وضع رباط عنقه، وهو يقول في صرامة:
ـ قساة.
وبضمير مرتاح تمامًا، واصل عمله في الجمعية، حتى انتهت ساعات العمل، فاستقل سيارة الجمعية، وأوصله بها سائقها إلى منزله، فصعد إلى المنزل بملامحه الصارمة كالمعتاد، ولم تكد زوجته تستقبله بالباب، حتى عقد حاجبيه في شدة، وسألها وهو يتطلع في عينيها:
ـ ماذا حدث؟ .. هل كنتِ تبكين؟

ترددت لحظة، ثم خفضت عينيها، قائلة:
ـ نعم كنت أبكي.
سألها في قلق:
ـ لماذا؟ .. ماذا حدث؟
انحدرت الدموع من عينيها، وهي تجيب:
ـ لقد رسب ابننا (فتحي) مرة أخرى.
صرخ (عبد العال) في غضب:
ـ رسب؟!
ثم اندفع داخل الشقة، مستطردًا في شراسة:
ـ هذا الغبي التافه.

تعلقت زوجته بذراعه في ذعر، وهي تهتف:
ـ إنه محدود الذكاء، كما أخبرنا الطبيب .. صدقني .. إنه لا يملك أكثر من هذا.
دفعها جانبًا، وهو يختطف عصًا غليظة، من ركن الردهة:
ـ بل هو غبي ومستهتر، ويحتاج إلى درسٍ قاسٍ.
اندفع نحو حجرة ابنه/ واقتحمها في عنف، وسمعت زوجته ابنها يطلق شهقة رعب، ويصرخ:
ـ لن أرسب مرة أخرى يا أبي .. اقسم إنني لن أفعل.

حاولت أن تندفع لنجدة ابنها، إلا أن (عبد العال) أغلق باب الحجرة بالمفتاح في الداخل، وهو يقول في غلطة:
ـ أعلم أنك لن تفعل؛ بسبب ما سيحدث لك الآن.
ورفع العصا، وراح يهوي بها على جسد الفتى المسكين في قسوة، والصبي يطلق صراخًا عاليًا، انفطر له قلب أمه، وهي تذرف الدمع، وتصرخ:
ـ ارحمه يا (عبد العال) .. ارحمه .. حاول أن تتعامل معه بالحب.
ثم راحت تدق الباب بقبضتيها، وصراخ ابنها يمزق نياط قلبها، وهي تستطرد:
ـ رفقًا به يا (عبد العال) .. رفقًا به.

وما من مجيب..

________
(د. نبيل فاروق ـ كوكتيل 2000 ـ العدد رقم 11 ـ ثمن الصداقة)

رائج :   الحصالة .. (اللهم أعطي منفقا خلفا وأعطي ممسكا تلفا)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *