قصص وعبر

من سلسلة (روايات مصرية للجيب) || لعبة كبار

“كفي يا ولد..”
رفع الصغير عينيه في حيرة، يتطلع إلى والده، الذي عقد حاجبيه في صرامة، مكررًا:
ـ قلت لك كفى.
لم يدرِ لماذا يمنعونه هو بالذات من العبث بتلك الأزرار، التي يعبثون بها طيلة الوقت، فتظهر على الشاشة الملاصقة لها صور متحركة طريفة، يحب هو مشاهدتها ومتابعتها في شغف..

وفي حذر، ألقى نظرة على والده، الذي انشغل بمطالعة صحيفته، ثم مد أصابعه المنمنمة نحو أزرار التلفاز، ولم يكد يلمسها حتى تعالى صوت أمه:
ـ لا تعبث في التلفاز.
تراجعت أصابعه، وهو يضرب الأرض بقدميه الصغيرة في غضب، ثم ابتعد عن الجهاز بخطوات حذرة، فهو لم يألف المشي على قدميه بعد ..

لقد كان منذ فترة قصيرة يحبو على أربع، مثل ذلك القط الخامل، الذي لا يفعل طيلة اليوم سوى أن يصرخ ويموء عندما يجذب هو ذيله المثير للفضول، وهو يتراقص في نعومة، حتى عندما يكون ذلك القط نصف نائم ..

ولم تحتمل قدماه الصغيرتان المشي طويلًا، فانحنى جسده لتلامس كفاه أرض الحجرة، ثم جلس في هدوء، وراح يبتسم لأمه، التي انشغلت في ترتيب وتنظيف المكان، فاكتفت بأن بادلته الابتسام، دون أن تحاول حمله أو مداعبته، فاكتفت بأن بادلته الابتسام، دون أن تحاول حمله أو مداعبته، فالتفت إلى والده، وراح يبتسم، ويحرك كفيه الصغيرتين على ذلك النحو، الذي يضحك له والده كثيرًا في ساعات الصفاء، ولكن والده كان منهمكًا في قراءة الصحيفة تمامًا، حتى أنه لم ينتبه إلى صغيره..

وفي ضجر، راح هو يحبو في المكان، حتى بلغ التلفاز مرة أخرى، فأمسك سطح مائدته بكفيه الصغيرتين، ورفع جسده إليه، ووقف مرة أخرى على قدمين، وراح يتطلع إلى الشاشة المظلمة في أمل ..
لماذا لا تعمل؟..

لماذا لا تجلب إليه تلك الصور المتحركة، والمشاهد الطريفة؟ ..
إنه يشعر بالملل دونها ..
وفي اهتمام، مد أصابعه الصغيرة، وضغط الزر ..
وأضاءت الشاشة ..
ولم يكد هو يتهلل مبتسمًا، حتى هتف والده في غضب:
ـ لا تعبث بالتلفاز .. لقد حذرتك من قبل.
وأسرعت أمه تغلق التلفاز، وهي تقول:
ـ لا يا صغيري .. كفاك عبثًا.

ثم حملته، ووضعته في منتصف الحجرة، بعيدًا عن التلفاز ..
وجلس هو صامتًا لحظات ..
لم يفهم قواعد اللعبة ..
لعبة الكبار ..
إنهم لا يريدون مداعبته، أو حتى تركه ليداعب نفسه ..
إنهم يضجرون في شدة ..
وفي هذه المرة لم يعد أمامه سوى حل واحد ..
أن ينفجر باكيًا ..
ولقد فعل ..

________
(د. نبيل فاروق ـ كوكتيل 2000 ـ العدد رقم 5 ـ لعنة البحر)

رائج :   الحلقات الستة كاملة من رفقاء الليل (ج4) || د : أحمد خالد توفيق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *