تاريخوعي

عثمان احمد عثمان: الخروج من المستنقع || ح1

لما تسمع اسم عائلة (عثمان احمد عثمان) اعرف ان اسماعيلية كانت هي محطة البداية للبيزنس الضخم اللي اتعمل بسبب كفاح العائلة الأصيلة دي.

ويمكن مفاجأة لكتير لما يعرفوا ان الأب (والد عثمان احمد عثمان) مكنش غني .. كان عنده يادوب محل بقالة وبيشتغل في تجارة الجملة في شارع صغير هناك في اسماعيلية عشان يصرف على أسرته اللي بتتكون من الأب والأم و 4 ولاد و 2 بنات.

فجأة بتتغير الدنيا والأب بيموت وتلاقي الأم نفسها وحيدة ومسؤول منها 6 أطفال منهم طفل رضيع!

إزاي خرج من حارة عبد العزيز في حي العرب في اسماعيلية من أسرة بالظروف الدرامية دي شاب يقود نهضة مصر وينفذ مهمة بناء السد العالي!

تعالوا نحكي حكاية (عثمان احمد عثمان) اللي تستحق تتكتب بحروف من نور .. مش بس في تاريخ كليات الهندسة المصرية لأ ده كمان في تاريخ مصر الحديث!

السيرة الذاتية

في بداية السيرة الذاتية اللي البشمهندس عثمان احمد عثمان _الله يرحمه_ كتب بنفسه أحداثها من إبريل 1917 . . بيحكي انه مكنش هيبقى حاجة في الدنيا دي من غير شخصين اتنين لولاهم كانت حياته اتغيرت 180 درجة ..

الشخصين دول هما أمه واخوه الكبير (محمد) اللي أخد قرار من بعد موت الأب انه يسيب المدرسة الابتدائي اللي هو فيها عشان خاطر يشتغل ويصرف على امه واخواته!

تضحية وعطاء

محمد في الوقت ده كان صغير اه .. واختباراته في الدنيا جت بدري أيوة .. لكنه حط قدامه قبل أي حاجة كرامة أمه وبقية اخواته وكأن ابوه موصيه عليهم من غير ما يسيب وصية .. ويمكن تلاقي نفسك بتعيط وانت بتقرا كلام البشمهندس عثمان عن اخوه محمد بعد ما حكى مواقف كتير بطولية عنه، كتب: “لا أظن أن أحدًا له فضل علينا بعد الله إلا أمي وأخي محمد”.

رائج :   ايه اللى بيحصل في السعودية || مذبحة الأمراء

محمد كان يقوم من الصبح يشتغل كل يوم في دكانة البقالة .. وكانت الأسرة ليها حتة أرض صغيرة أوي بيشارك إيجارها معاهم في مصاريف كل شهر .. فكان محمد بيشارك مع أمه في تنظيم مصاريف البيت عشان المصاريف تكفيهم كلهم لآخر الشهر.

صعوبات وتحديات

ولأن الأمهات في مصر شاطرين وواعين وتلاقيهم في قلب المحنة مدبرين ويحافظوا ع القرش زي عنيهم .. الأم بدأت تخبز العيش في البيت وتربي طيور وتشتغل على تسمين الطيور دي عشان توفر البيض والبروتين لأطفالها اللي عددهم مش قليل .. لأنها لو اعتمدت على الجاهز والشرا من السوبر ماركت مش هيكملوا لآخر الشهر!

طبق الفول المدمس والعيش السخن اللي طالع طازة من فرن البيت وشوية البيض اللي برضو طازة كانوا هما الفطار اليومي للأسرة اللي مكنش قدامها غير انهم يحبوا بعض ويعيشوا اليوم بيومه عشان يقدروا يلاقوا حلول لمشاكل كل يوم في الدكانة وفي التجارة اللي حبالها طويلة!

لكن الموجة كانت عالية عليهم .. ودكانة البقالة مبقيتش تجيب فلوس زي الأول والناس اللي بيتعاملوا معاهم نفوسهم اتغيرت من بعد وفاة الأب في بداية العشرينات ..

رائج :   سقوط غرناطة و موقف ملوك وأمراء المسلمين

لحد ما الدكانة قفلت خالص .. الأم دخلت في صدمة كبيرة ألف رحمة ونور عليها وهي كانت مش بتعرف تقرا ولا تكتب والخيارات قدامها كانت محدودة والدنيا بتقفل عليها أكتر .. بعد تفكير طويل راحت تكلم قرايبها انهم يشوفوا شغل لمحمد (الأخ الكبير) وكان نفسها يلاقوله أي شغل في بنك التسليف الزراعي في اسماعيلية ..

وبعدها بكام أسبوع اتقبل محمد هناك واشتغل مقابل 3 جنيه في الشهر.

ال 3 جنيه دي كانت هي السبب في ان بيت عائلة (عثمان احمد عثمان) يفضل مفتوح!

البيت اللي هو كان عبارة عن دور واحد حندوق مبني بالطين والدبش .. وسقفه عبارة عن تعريشة خشب وعروق وجريد .. ده كان عبارة عن أوضتين بس: أوضة لخزين البيت .. وأوضة تانية عبارة عن حصير بينام عليه عثمان احمد عثمان واخواته وأمه .. لا فيه دولاب ولا سرير واحد حتى!

صبي ميكانيكي

لما وصل عثمان ل 10 سنين بدأ يفكر انه لازم يكون له دور في مصاريف البيت زي اخوه محمد!

راح عثمان عند ورشة جنب البيت واشتغل صبي ميكانيكي .. وكان أجره الأسبوعي 25 قرش ..

وبيحكي البشمهندس عثمان لما كبر ان سعادته بشغل صبي الميكانيكي ده لا توصف لأنه وفر بالشغل ده مصروفه اليومي ومخلاش أمه تشعر بإحراج من حكاية المصروف دي خالص!

رائج :   هزيمة يونيو المستمرة || (٧): سرديتان عن الهزيمة

بيحكي ان الأقدار دي غريبة .. وبتصنع لكل واحد فينا سكة مختلفة عن التاني .. وده بسبب مواقف كتيرة تبدو ساعات متناقضة منها على سبيل المثال ان أمه كان نفسها عثمان يطلع دكتور .. واخوه ابراهيم يطلع مهندس .. وحسين اخوهم يطلع محامي!

وطنية بلا حدود

متفتكرش ان الذكريات دي بالساهل .. ولا ان أحلام المستقبل مفروشة بالورود .. أمهم كان قدامها كل يوم مغريات انها تخلي ولادها يشتغلوا في معسكرات الجيش البريطاني اللي كانت في الوقت ده في اسماعيلية واللي كان القبض فيها بيوصل 30 جنيه كل شهر!

رفض الأم للشغل في معسكرات المستعمر البريطاني كان بيخلق في اولادها وطنية وإصرار على الصمود كل يوم لما تقابلهم أي مشكلة .. ده كان دافع ليهم انهم يهتموا أكتر بالتعليم!

وعلشان كدا لما وصل عثمان للثانوية سافر للقاهرة والتحق بالمدرسة السعيدية .. القاهرة بالنسبة له كانت بداية اكتشاف عالم تاني خالص!

عالم الجامعة والشغل والفرص والطبقات الاجتماعية والأضواء!

نقطة التحول كان لما مجموع عثمان العالي جدًا خلاه يختار أي كلية هو عاوز يدخلها .. ولأن مامته كانت عايزاه طبيب بدأ يقنعها ويجيب اخواته وأخواله يقنعوها يا ماما الهندسة أحسن.

وفين وفين بقى عقبال لما الحجة وافقت على هندسة .. عثمان بيحكي ان فرحته بموافقتها على دخوله كلية هندسة كان أكبر من فرحته بشهادة الثانوية نفسها.

أقرأ المزيد: عثمان احمد عثمان: طريق الملايين || ح2

مقالات ذات صلة