قضايا وأراءكتابات د : أحمد خالد توفيقوعي

عش ولا تقل للموت لا مرتين غدا .. || من كتابات د : أحمد خالد توفيق

أعتذر عن ھذا العنوان الطویل السخیف، لكن ھذه قصة من قصص (جیمس بوند) كما تعرفون، فلابد من ھذه العناوین المتحذلقة المتظاھرة بالعمق والرومانسیة.. یقول مؤلفا آخر فیلم ل (جیمس بوند) إنھما صارا خبیرین بھذه العناوین وألفا الكثیر منھا.. مثلاً العنوان Always is not forever again ومعناه العمیق ھو (دائمًا لیست للأبد ثانیة).. وعنوان Ice never melts عنوان مناسب جدًا لھذه الأفلام ومعناه (الثلج لا یذوب أبدًا)..
ومن ضمن العناوین القویة التي فكرا فیھا عنوان الفیلم التالي:

Sadam Hussein’s robot alien monkey dinosaurs 
(قردة صدام حسین الدیناصورات الآلیة القادمة من الفضاء)…

طبعًا لن یفلت مشاھد واحد من فیلم كھذا…

القصة التي أقصھا علیكم من قصص (جيمس بوند)، ولھذا لابد من مشھد افتتاحي ضخم ربما یفوق الفیلم ذاته .

ها ھوذا بوند یركب سیارته الصاروخیة ویحاول الفرار من جیش كامل لدولة عربية .. في الماضي كان ھؤلاء الأشرار من السوفييت أو الكوبيين عملاء السوفييت، ثم تلاشى الاتحاد السوفييتي فجأة في التسعينات.. مسكین بوند.. لا يوجد أعداء الآن. لابد من إیجاد عدو بأیة طریقة..

ھنا ظھرت نظریات (ھنتنجتون) عن صراع الحضارة ونظریات (إسبوزیتو) عن الخطر الإسلامي .. كان ھذا مناسبًا جدًا لأنھ ألھم مؤلفي ھذه الأفلام بالعدو الجديد .. العرب .. العرب الأشرار القساة الذین ملئوا ھذه الأفلام حتى قبل أحداث سبتمبر ..

الآن بوند یندفع بسیارته بسرعة 500 كلم في الساعة، بینما تطارده جیوش تلك الدولة العربیة بنفاثاتھا الصاروخیة وصواریخھا ذات الرءوس النوویة، مع الكثیر من القنابل البیولوجیة والكیمیائیة .. ھناك بركان یوشك على الانفجار فیندفع بوند داخلاً في فوھته وسط الحمم .. السیارة طبعًا تقاوم ھذه الحرارة المرتفعة وكل الماجما التي بدأت تتحول إلى لافا .. یصیح أحد المطاردین العرب الملتحین ذوي النظرات الناریة:
“یبالا للح یبتج ضص ..!!”

معنى ھذا الكلام ؟.. طبعًا لا معنى له.. فقط یوحي بأنه كلام بالعربیة .. راجع مشھد اللیبیین الذین یطاردون البروفسور في فیلم (العودة للمستقبل) وسوف تجدھم یقولون شیئًا لا معنى له لكن المشاھد الغربي سیفترض أنھا كلمات عربیة ..

رائج :   علامات الخطر ! ..رسالة من بريد الجمعة

تندفع المقاتلات العربیة الحدیثة نحو البركان.. إن العرب في ھذه الأفلام یملكون التكنولوجیا والشراسة لكنھم لا یملكون براعة بوند.. في اللحظة التالیة ینفجر البركان وتتناثر الحمم مرتفعة لأعلى لتذیب المقاتلات.. وتتناثر الشرارات المشتعلة في كل مكان ..

وبوند ؟.. بوند یھبط إلى قاع البركان حیث ینتظره قطار أنیق مكیف .. في مقصورته الخاصة توجد شقراء رائعة وزجاجة شمبانیا وطبق من السلاطعین .. ما ھي السلاطعین؟.. الكابوریا طبعًا یا أخي لكن أغلب ھذه القصص یترجمھا شوام، حیث السلاطعین والبندورة ھما اسم اللعبة ..

تبدأ أغنیة بلوز جمیلة ویتوسط الشاشة اسم (كابي بروكولي).. لیس البروكولي الذي تطبخه السیدة (منى عامر) ولكنه منتج أفلام بوند.. الآن نرى بمرشح أزرق مونتاجًا لراقصة تقوم بأمور غریبة.. ترفع كفھا لیھبط فوقه اسم الفیلم (عش ولا تقل للموت لا مرتین غدًا).. ثم تتمطى كالحمار فیھبط اسم البطل على ظھرھا.. ثم تمد ساقھا كالخنزیر البري لیظھر اسم المصور.. لا بأس من حیل تروكاج تجعل الشاشة منقسمة وفي كل ركن جزء من الراقصة..

وبعد؟.. كل ھذا لا علاقة له بالقصة الأصلیة التي تبدأ ببوند یدخل مركز القیادة.. یغازل السكرتیرة التي لم تزل تتمنى أن تتزوجه منذ عام 1961..

یدخل إلى القائد الذي یھنئه بنجاح مھمة (شیخ الصحراء) ثم یكلفه بمھمة جدیدة ..
لقد عاد الجنرال (فیودوروف).. إنه جنرال سوفییتي عتیق من الحرس القدیم لكنه یحاول أن یبیع صاروخًا نوویًا إلى العرب.. تتساءل أنت في حیرة: ألم یكن العرب في بدایة القصة مدججین بالسلاح النووي فما أھمیة صاروخ واحد لھم؟.. لكن لا بأس .. المھم أن یكون ھناك McGuffin على رأي ھتشكوك.. الدافع السردي الذي یحرك القصة للأمام..

الجنرال (فیودوروف) له قاعدة في غابات الأمازون یخبئ فیھا ذلك الصاروخ.. على بوند أن یذھب لتدمیره.. یوافق بوند على المھمة .. یسافر إلى البرازیل مارًا من تحت أنف دستة من العملاء والمتلصصین الذین یبلغون كل حركة من حركاته إلى الجنرال ..
ثم تظھر العمیلة الحسناء (ماریا) وھي فتاة سمراء برازیلیة تتوقف بسیارتھا الریاضیة جوار بوند وھو خارج من المطار، وتقول له:
” السماء لم تعد تمطر في (بوینس إیرس)”
ھذه ھي كلمة السر.. ھكذا یركب معھا منطلقین إلى الفندق الفاخر الذي تقیم فیه.. جناح فاخر طبعًا .. وكما تقتل أنت بعض البعوض قبل أن تنام یقتل بوند ثلاثة من الخناقین الھنود المتوارین خلف ستار والحبال في أیدیھم، ثم یلقي بمصارع سومو یاباني من النافذة، ویھزم خبیر (كیك بوكس) كان یختبئ في الحمام، ویذبح قاتلاً مكسیكیًا یجید قذف الخناجر.. ھكذا صار الجناح نظیفًا صالحًا للنوم ..

رائج :   سر الكاميرا .. الخفية || من كتابات د : أحمد خالد توفيق

تأتي العمیلة الحسناء وتوشك على الكلام، لكن بوند یقاطعھا وھو یخرج مسدسًا صغیرًا من جیبه:
“لا تبحثي عن المسدس فقد نشلته منك ..”
تصاب بذعر وتتحول إلى نمر متوحش … فیواصل بوند الكلام في ثقة:
“قلت لي إن السماء لا تمطر في بوینس إیرس.. ھذا لأنك حمقاء.. نحن لسنا في الأرجنتین بل البرازیل.. معنى كلامك أنك لا تعرفین أي شيء عن أمریكا الجنوبیة.. أنت عمیلة مزدوجة”
في ھذه اللحظة ینبعث غاز من المسدس الذي یحمله (بوند).. فسسسسسس !
تقول العمیلة وھي ترفع حاجبًا مترًا عن مستوى الحاجب الآخر:
“ومعنى كلامك أنك لا تعرف أي شيء عن الجنرال (فیودوروف).. ھذا لیس مسدسًا بل قنبلة غاز، وكنت أعرف أنك ستسرقه !”

ینتشر الغاز ویسقط بوند فاقدًا وعیه .. أما ھي فتفتح النافذة ليدخل الھواء ثم تنزع مرشح الغاز المثبت في أنفھا وتشير لسبعة عشر رجلاً كي يدخلوا الجناح ويحملوا بوند ..

نحن الآن في قاعدة الجنرال فیودوروف وسط الأحراش ..
یفتح بوند عینیه لیجد أنھ مقید بالسلاسل وحوالي مائة حسناء يلعبن دور الحرس الخاص للجنرال .. ھناك ممرات واسعة جدًا من الفینیل وھناك مصاعد وابواب أوتوماتیكیة وأجھزة حاسب آلي وقطار كامل والسقف عبارة عن (كاموفلاج) للأدغال لابد أنه يخدع أية طائرة استطلاع..

رائج :   قراءة باردة .. || من كتابات د : أحمد خالد توفيق

باختصار تشیید هذا المكان اقتضى جھدًا ومالاً یفوق ما اقتضاه بناء مطار (ھیثرو) في لندن.. ھنا یأتي السؤال المھم: ماذا یریده الجنرال إذن؟.. بالتأكيد ھو ملياردیر بالفعل كي یشید ھذا كله فماذا يمكن أن يضاف له ؟.. ولماذا لا یتقاعد ؟

قال الجنرال:
“بوند دائمًا في طریقي .. لكنك وقعت في الشرك ھذه المرة..”
قال بوند في ثقة:
“كلھم یقول ھذا یا جنرال ..”
قال الجنرال ذو الید الحدیدیة التي تعمل بكلابات، وھو یمضغ سیجارًا غلیظًا:
“ھل تعرف السبب في فشلھم معك؟.. السبب ھو طریقتھم الاستعراضية السخيفة في القتل.. يربطونك إلى حبل معلق فوق بركان.. ھذا الحبل يقرضه فأر مسعور.. والفأر موصل بسلك كھربي إلى دائرة زمنية، والدائرة الزمنية موصلة بزجاجة حمض يتفاعل مع النحاس..

والحمض موضوع في قنینة مائلة بسلك زنبركي موصول بفأر آخر.. وعلى الفأر الأخیر أن یموت من الشيخوخة كي يسقط الحمض على السلك، من ثم تغلق الدائرة فتسري الكھرباء في جسد الفأر الأول فیجن.. من ثم یقرض الحبل وتسقط في البركان.. یراقب ھذا كله حارس متخلف عقلیًا.. ھكذا لا تمر دقيقة إلا وتكون قد قھرت الحارس وقطعت الحبل وفررت.. أما أنا فأذكى من كل ھؤلاء ..”

قالھا وھو یخرج مسدسًا ویصوبه نحو بوند:
“وداعًا یا مستر بوند !!”
صاح (بوند) في ذعر:
“لكن ھذه طریقة بدائیة خالیة من الفن، ثم أن القصة ستنتھي بھذه الطریقة ونحن لم ننه الفصل الأول !”
قال الجنرال في ثقة:
“لأنني قوي الشخصیة وعملي جدًا.. لیس ما أرید ھو الفن.. ما أریده ھو الخلاص منك..”
فتح بوند فمه لیتكلم لكن أخرسته الطلقة الأولى.. فالثانیة.. فالثالثة..

وسرعان ما تدلى رأسه على صدره بعد أن فارق الحیاة، وبرغم ھذا فضل الجنرال أن یذیبه في الحمض على سبیل التأكید..
آسف جدًا لھذه النھایة السریعة.. من سوء حظكم أن بوند وقع للمرة الأولى في ید خصم یفكر بشكل منطقي عقلاني، وبھذا انتھت القصة قبل أن تبدأ !

مقالات ذات صلة