أجمل رسائل بريد الجمعةقصص وعبرقضايا وأراء

الحزام المشدود ‏!‏! .. رسالة من بريد الجمعة

من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله) 

أكتب إليك رسالتي هذه لأقص عليك مأساتي التي أعيشها أنا وأبنائي مع زوجي الذي يعمل أستاذا جامعيا وله من عمله دخل ممتاز إلي جانب دخله من المشروعات المتعددة التي تعود عليه بالربح الوفير‏.‏ فلقد تخرجت في كلية مرموقة بتقدير جيد لكني لم أعمل‏..‏ ولعلي لو كنت قد عملت عقب تخرجي لربما كانت معاناتي مع المشكلة التي أكتب لك بشأنها أخف وطأة‏.‏
أما سبب لجوئي إليك فهو أن زوجي شديد الإعجاب بك وبردودك علي من يطلبون مشورتك للخروج بهم من الأزمات التي تواجههم‏,‏ ولأني علي ثقة من أنه سوف يسمعك ويعمل بنصيحتك ويرحمنا من العذاب الذي نعانيه‏.‏
فزوجي بالرغم من سعة رزقه يبخل علينا بماله ولا يعطينا منه شيئا علي الاطلاق ولكي تشعر بجدية مشكلتنا فسوف أحكي لك عن نظام حياتنا معه‏..‏ فنحن لدينا أبناء في مراحل التعليم المختلفة من الحضانة حتي المرحلة الاعدادية‏,‏ وزوجي يحرمهم جميعا من المصروف ولا يعطي أحدا منهم قرشا واحد كمصروف شخصي له بحجة أن إعطاءهم النقود سيؤثر سلبيا علي أخلاقهم ويعرضهم للإنحراف ومجاراة أصدقاء السوء‏!..‏ والنتيجة هي ان أبنائي يمدون أيديهم لزملائهم في المدرسة ليأخذوا منهم قطعة حلوي أو لبان أو شبسي لأنه لا وسيلة لهم لتذوق مثل هذه الأشياء التي يتطلع إليها الأطفال إلا بتسولها من زملائهم الذين يقولون لهم أنهم شحاذون‏..‏ ويرجع إلي أبنائي ليشكو لي من ذلك‏!‏

كما أن زوجي يحرمنا جميعا من شتي انواع الفاكهة بحجة أنها قد تم رشها بالكيماويات والمبيدات الخطيرة جدا علي صحة الإنسان‏,‏ ونظرا لأنه يخاف علينا من أضرارها فهو يحرمها علينا ولا يسمح بشرائها أو دخولها البيت مع أنني قد أكدت له مرارا وتكرارا أن نغسل الفاكهة جيدا بالماء النظيف يكفي لتجنب هذه الأضرار‏.‏
أما عن الطعام فنحن لا نعرف منه طوال أيام الاسبوع إلا الأنواع الشعبية الرخيصة كالفول والطعمية والكشري الأسكندراني وهي طعامنا كل أيام الأسبوع إلي أن يجيء يوم الجمعة‏..‏ وهو اليوم العالمي للتغذية في حياتنا فيقوم زوجي بشراء كيلو جرام من اللحم المجمد ويدخل به المطبخ ليطهوه بنفسه لكي ينفرد به ويظل يتسلي بالتهام معظمه خلال الطهي والابناء ينتظرون الغداء الشهي بفارغ الصبر‏,‏ وبعد ساعات من غياب زوجي بالمطبخ يخرج علينا وقد وضع لكل فرد منا قطعة صغيرة من اللحم علي طبق الأرز ويبدأ يوم الغداء العالمي في بيتنا‏.‏

أما أنواع الحلوي من الجاتوه والشيكولاته والبونبون فكلها بلا استثناء من المحرمات علينا لأنها تهدد أسنان الأبناء بالتسوس وهو يريد لأبنائه ولي بالطبع أسنانا سليمة ناصعة البياض‏!‏ وذلك بالرغم من أنه حين يشهد معنا حفل زفاف أو قران لأحد الأقارب يلتهم كل مايقع تحت يده من التورتة والجاتوه بلا رحمة‏,‏ ويحث أبناءنا علي أن يلتهموا منها بقدر مايستطيعون‏,‏ لكي تمدهم بالنشاط وتعينهم علي السهر حتي نهاية الفرح كما يقول لهم‏!‏
فضلا عن أنه يمسك بمصروف البيت في يده ولا يعطيني مليماواحدا منه بدعوي أن السيدات لا يصلحن لإدارة الشئون المالية للأسرة ولأنهن قد خلقن كما يقول لرعاية الزوج والسهر علي راحته وراحة الأبناء ولهذا فان الزوجة المثالية كما يؤكد لي مرارا وتكرارا هي خادمة وعشيقة فقط ولا تصلح لأي شيء آخر‏!‏

رائج :   ما نذهب إليه في مصر : انتخابات بلا مرشحين!

والنتيجة ياسيدي هي أنه لولا مساعدة أبي المادية لي لما استطعت اجتياز كثير من مصاعب الحياة التي واجهتها وأوجهها كل يوم‏..‏ لكني أشعر بالحرج الشديد من مساعدة أبي لأنه أحق بما يعطيه لي وقد أدي رسالته نحوي ونحو أخوتي علي أكمل وجه ولم يحرمنا من شيء‏..‏ فإذا بي أصبح عبئا عليه أنا وأبنائي وأنا أعيش في كنف رجل آخر كل همه هو الادخار والادخار فقط‏.‏

لقد تحدثت إلي زوجي مرارا وتكرارا ولجأت إلي أهلي وإلي أهله لكي ينصحوه بأن يرحمنا ويخفف عنا جفاف حياتنا‏..‏ فكان رده علي وعلي الجميع أن لديه مشروعات عديدة وطموحات كبيرة لابد له من أن يحققها أولا قبل أن يتخفف من هذا الجفاف‏.‏ حتي والده الرجل الطيب قال له‏:‏ إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء‏..‏ فأجابه بنفس الرد وطلب منه أن يدعه يحيا حياته كما يريدها مؤكدا له انه لا يحرمنا من شيء‏!‏

وبعد فشل جميع المحاولات من جانب والدي ووالده قررت أن أطلب منه الطلاق لأتخلص من هذه الحياة المهينة القاسية الجافة‏..‏ لكني بعد أن قرأت رسالة الطفلة التي نشرتها بعنوان البيت الجميل والتي تشكو من حرمانها هي وشقيقتها من أمها بعد طلاقها من أبيها‏,‏ شعرت بالحزن والأسي‏..‏ واستشعرت خطورة كلمة الطلاق وخشيت علي أبنائي من مصير هذه الطفلة‏,‏ وحاولت بشتي الطرق إصلاح زوجي وتذكيره بنعمة الله الجليلة علينا وهي الأبناء وكيف أن علينا أن نرعاهم ونوفر لهم الحياة الكريمة فلم يسمع لي مع أنه كاد يبكي وهو يقرأ رسالة هذه الطفلة في بريد الجمعة‏!‏

أنني لن أخفي عليك أنني قد اضطررت مع استمرار حرمانه لنا أن أخذ من ماله مبلغا بسيطا لأشتري ملابس لأولادي ولي‏,‏ ولكي أري الفرحة في عيونهم بعد طول حرمان من الملابس الجديدة يرتدونها أمام الأقارب والأصدقاء‏,‏ والنتيجة معروفة مقدما‏..‏ فقد ثار علي زوجي ثورة عارمة واتهمني بأنني نشالة ولصة وعديمة الأخلاق والتربية ووجه لي شتائم وألفاظا لا أستطيع أن أخطها لك‏.‏ وتحملت كل ذلك من أجل أبنائي كما تحملت الكثير من قبله‏.‏

أنني أرجوك أن توجه إليه كلمة تنصحه فيها بأن يرحمنا‏.‏ وتقول له أن الأبناء نعمة من الله يجب عليه رعايتها وان لهم عليه حقا ولزوجته كذلك هذا الحق فلقد قال الله سبحانه وتعالي المال والبنون زينة الحياة الدنيا وهو لا يعترف بزينة الأبناء ويعترف فقط بزينة المال‏.‏ سيدي أنك الآن الأمل الوحيد الباقي لنا للخروج مما نحن فيه من حرمان وشقاء‏..‏ فهل تستجيب لرجائي ؟

ولكاتبة هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :

وهل تظنين حقا ياسيدتي أن كلمة أوجهها إلي زوجك العزيز يمكن أن تعدل به حقا عن الخطة التي ارتضاها لحياته‏..‏ ورضي معها لنفسه وزوجته وأبنائه بهذه الحياة الجافة المحرومة‏..‏ حتي يتطلع أطفاله إلي مافي أيدي قرنائهم ويستجدوهم بعضها ؟

لقد تحدثت في رسالتك عن ضرورات الحياة كالطعام والكساء وإشباع رغبات الأطفال مما يتفكه به الصغار‏,‏ ولم تشتري الي ما لايعد من كماليات الحياة بالنسبة للقادرين كالنزهات والرحلات والأندية وغير ذلك مما تستروح به الأسرة وتخفف به عنها عناء الأيام‏,‏ ولقد فشلت مع زوجك كل جهودك وجهود أهلك وأهله في اثنائه عن هذه الخطة الشأنة وهو الأستاذ الجامعي وصاحب المشروعات والأعمال والطموحات‏,‏ فكيف تنجح اذن كلمة من ناصح مثلي فيما فشل فيه الأقربون‏..‏ وكيف تحرك في قلبه ومشاعره مالم تحركه نظرات الحرمان في عيون الأبناء ؟

رائج :   تعامل الحكومة المصرية مع تطورات كورونا || تقليد أعمى و مصير مجهول

ان البخل آفة لا علاج لها للأسف‏..‏ ولا أمل كبيرا في الشفاء منها إلا في أندر الأحوال‏,‏ وتحت تأثير قوي قهرية ضاغطة لا يملك معها صاحبه إلا أن يتنازل كارها عن بعض شحه وتقتيره وليس عن كله تجنبا لأضرار أكثر عليه خطرا من تفريطه المحدود في المال كخطر انفراط عقد الأسرة بالطلاق مثلا ان لم يستجب لمطالب الزوجة بالانفاق عليها وعلي الأبناء بما يليق بمستواه الاجتماعي والمادي أو ماشابه ذلك من الضغوط‏.‏ أما عدا ذلك من المناشدات والرجاءات فلا تحرك ساكنا لدي من يري في المال قيمة تعلو علي كل أهداف الحياة وفي مقدمتها سعادة الأبناء والزوجة واستقرار الحياة الزوجية وهناؤها‏.‏

لهذا فان أفضل السبل لمواجهة هذا الحرمان الذي تكابدينه هو ان يكرر والده ووالدك ضغطهما عليه بشدة لتحديد مبلغ عادل يتناسب مع مطالب الأسرة واحتياجات الحياة للانفاق عليها شهريا سواء تمسك هو بإدارة موازنة الأسرة أو تخلي عنها لك‏,‏ ولو تطلب الأمر أن يتعهد والده بضمان انفاقه لهذا المبلغ أو تقديمه لك كل شهر‏..,‏ مع التأكيد له بان ذلك لن يؤثر علي خططه للاثراء وتنفيذ الطموحات والمشروعات‏,‏ وان كنت مازلت أعجب ممن يحرم نفسه وأبناءه وزوجته من ضرورات اليوم لحساب رفاهية مؤجلة غير مضمونة في الغد‏..‏ وقد تجيء وقد لا تجيء وإذا جاءت فقد تجيء بعد ان تكون الصحة قد غابت وفقدت النفس قدرتها علي الاستمتاع بمباهج الحياة‏..‏ أو قد تجيء وقد تشبعت نفوس الأبناء بالمرارة تجاه الأب الذي حرمهم في طفولتهم وصباهم وربما شبابهم أيضا من بهجة الحياة‏,‏ فلما أصابوا الثراء في شيخوخته لم يحملهم ذلك علي تغيير نظرتهم إليه ولم يشفع له عندهم في اكتساب مودتهم ومشاعرهم التي أفسدتها مرارة الحرمان سنوات طوالا‏.‏

مع ان العقل يقول لنا ان الإنسان ليس مطالبا بان يحرم يومه مثل هذا الحرمان القاسي لحساب غده الذي قد يجيء وقد لا يجيء وأنه يستطيع مادام قادرا أن يحيا حياة كريمة معتدلة بغير أو يؤثر ذلك علي خططه للمستقبل اذا كان مقدرا له من الأصل أن يكون ذات يوم من أهل الثراء ولم يكن من الواهمين الحالمين والذين يجرون وراء سراب حلم الإثراء الواسع بغير قدرات ولا مؤهلات يرشحهم له‏.‏

والحق أنه تحيرني دائما قدرة الإنسان علي خداع النفس والغير وعلي استخدام المبررات النبيلة في تبرير الأفعال والتصرفات الشائنة وهي سمة ينفرد بها الإنسان دون بقية الكائنات التي لاتخفي رغباتها وغرائزها‏..‏ ولا تحاول تجميلها والباسها ثوب الفضائل والنبل فزوجك ياسيدتي يحرم أطفاله من المصروف ـ بخلا وشحا وتقتيرا عليهم ـ لكنه لا يعترف بذلك لنفسه ولا لك وإنما يبرره برغبة نبيلة وهدف تربوي سام وهو ان يحميهم من خطر الانحراف الأخلاقي‏!‏ ويغيب عنه في نفس الوقت ان من الوسائل التربوية أيضا التي تبني شخصية الطفل وتساعده علي استقلالية التفكير والتصرف أن يتعود منذ الصغر علي التعامل مع النقود وشراء احتياجاته بنفسه وحساب تكلفتها وموازنة دخله من المصروف مع انفاقه علي متطلباته الصغيرة‏!‏

رائج :   قصة فتاة تأخرت بالزواج .. عندما يعطيك ربك فترضى

وزوجك يحرم نفسه وزوجته وأطفاله من كل أنواع الفاكهة والحلوي فلا يعترف لكم بأنه إنما يفعل ذلك ــ شحا وتقتيرا ـ لكي تزداد مدخراته علي حساب حرمان أطفاله مما تهفو إليه نفوسهم‏,‏ وإنما يبرره بالحرص علي صحة أفراد أسرته وسلامة أسنانهم‏!‏

وهكذا يتواصل خداع النفس والغير إلي ما لا نهاية‏,‏ واذا كنت قد افتقدت في رسالتك تبريره النبيل لحرمان أسرته وهو الرجل القادر من أطايب الطعام طوال أيام الاسبوع إلي أن يجيء يوم الغذاء العالمي كل جمعة‏,‏ فلن يكون غريبا أن يبرر لكم ذلك أيضا بحرصه علي رشاقة أجسام أفراد الأسرة وحمايتها من أضرار السمنة‏!‏

والكارثة ليست فقط في أن يرضي هذا الأستاذ الجامعي وصاحب المشروعات والطموحات لأسرته بمثل هذا الحرمان الشائن من ضرورات الحياة‏,‏ لكنها أيضا في هذه الحمي التي تنتاب البعض للاثراء والرغبة في التحول بقدرة قادر إلي أصحاب ملايين ولو اضاعوا في سبيل ذلك اسرهم وأبناءهم وأهانوهم بالحياة الجافة المحرومة واهانوا أنفسهم في أعين أبنائهم وشركاء حياتهم والأهل الأقربين ولكل إنسان أن يضع نفسه حيث يراها جديرة بأن تكون‏.‏ وعطاء المرء القادر لأسرته وأبنائه وزوجته إنما يكون علي قدر اعتزازه بنفسه وإحساسه بجدارته وليس فقط علي قدر إعزازه لهم‏.‏

ولقد قيل قديما لرجل‏:‏ لنا عندك حويجة أي حاجة صغيرة فأجابهم الرجل من فوره‏:‏ إذن فأسألوا لها رجيلا تصغير رجل لأنه يري نفسه أحق بأن تطلب منه الحاجات الكبيرة وليس سفاسف الأمور الصغيرة‏!‏

ولن أقول بدوري لزوجك الأستاذ الجامعي أن لنا لديه حويجة هي أن يعطي أبناءه الصغار مصروفا معتدلا ويخصص لزوجته أو لأسرته مبلغا عادلا يلبي به مطالب حياتها بطريقة كريمة تشعر الزوجة والأبناء باعتزازه بهم ورعايته لهم وحدبه عليهم وإنما سأقول له إن لنا لديك حاجة لا تطلب إلا من الرجال وهي أن ترعي أسرتك وأبناءك وزوجتك بما يليق بك وبمركزك العلمي ووضعك الاجتماعي والمادي لأن مال الدينا كله لن يعوضك عن تحول مشاعر زوجتك وأبنائك عنك خاصة بعد ان يشبوا عن الطوق ويتفهموا حقائق الحياة ويتمردوا علي الأب الذي يحرمهم مما يتمتع به غيرهم في نفس ظروفهم الاجتماعية‏,‏ وفي هذه الحالة فلسوف تنفق المال الذي تضن به عليهم الآن كارها أو راغما لكنك ستنفقه تحت ضغط الأبناء بغير أن يكون لعطائك لهم مردود عطاء الأب للأبناء الذي يتألف قلوبهم‏..‏ ويجمعهم حوله ويزيدهم حباله‏.‏

فأختر لنفسك ماتشاء ياسيدي فلك ـ قبل كل أفراد أسرتك ـ ماسوف تختاره لنفسك من حب الزوجة والأبناء‏..‏ وعليك ماسوف تطلبه لها من تنكرهم لك في المستقبل المنظور وشكرا‏.‏

مقالات ذات صلة