قصص وعبرمتفرقاتمن هنا وهناك

قصة “سره الباتع” من عالم الأديب العبقري يوسف إدريس.

يوسف إدريس كاتب ثقيل للغاية، يمكن اكثر الكتاب ثقلا في عالم القصة القصيرة على الاطلاق في جيله وعصره..

محدش عرف يوصل لمهارته وثقله عدا واحد أديب صعيدي، فر للقاهرة حيث عالم الفرص، وتوجه لادريس مباشرة في مقهى وبار “ريش” في سهرته المعتادة، وعرض عليه عمله الأديب يحيي طاهر.

أقرأ المزيد: كلب عجوز و حيلة جديدة || من كتابات د : أحمد خالد توفيق

ضحايا يوسف إدريس

إدريس انبهر بيحيي، وقدمه بشكل جيد.. وبعدين لم يلبث ان هاجمه بغتة، وقفل في وجهه اية فرصة.

البعض بيقول انه بدافع الغيرة، على كل، يحيي مات عن عمر ٤٣ سنة، وهنا، رثاه إدريس وحاول يساعد زوجته وبنته.

الغريب انه مفاتش إدريس وهو بيرثيه انه يقول ان موهبته كانت محدودة، بس له خط خاص ولون جديد، وانه هو – يوسف ادريس – أفضل كاتب في العالم.

إنه يوسف إدريس، اللي له عشرات الضحايا في الأدب والفن، والحب.

في كتاب لشعبان يوسف بالمناسبة اسمه “ضحايا يوسف إدريس”.. متاح للتحميل مجانا.

كابوس يوسف ادريس الحقيقي، طيلة عمره، كان يوسف السباعي.. وكان بيغير منه في شدة، وحاول يقفز من عالم القصة القصيرة لعالم الرواية عشان يهزمه، لكن قلم السباعي فتك به، فرجع لعالم القصة القصيرة، اللي مبيهزموش فيه حد.

كبرياء وتحدي

إدريس كان وسيم ومتعدد العلاقات، غير مكترث وبيشرب والسيجارة بتتدلى من ركن فمه طوال الوقت.. كان نموذج للباد بوي.. الألفا.. اللي بينال قلوب الفتيات، فأعجبت به فنانة شهيرة، مش حنذكر اسمها.

رائج :   زينات صدقي ،، رحلة حياة و فن … وبعض من الألم

عهدة ما ذكر عن ادريس على عاتق شعبان يوسف، ولقاءاته، وخاصة كتابه “آخر ظرفاء ذلك الزمان”.. عن كامل الشناوي… والكتاب اللي ذكرناه “ضحايا يوسف ادريس”.. عن إدريس نفسه.

كامل كان خفيف الظل جدا، لكنه بعيد عن الوسامة بالمعنى المفهوم، ممتليء للغاية، ضخم البطن، بطيء الحركة، لاهث معتل الصحة، اقرب لرجل عجوز.. وهو في شبابه.. وكان بيحب نفس الفنانة الشهيرة.

الفنانة كانت بتميل لادريس، وبتتجاهل الشناوي تماما.. لكن كانت بتحب في الشناوي دعابته الحاضرة. كامل الشناوي كان بيرمي نكتة في مقهي، فتبقى على كل لسان في مصر في غضون أيام.

المهم مرة، فالفنانة دي صارحت ادريس برغبتها في الزواج.. هو كان بالنسبة لها قصة حب حقيقية وعايزة تتجوزه، بينما بالنسبة له.. كانت مجرد نزوة عابرة، قصة طياري، وصارحها بدا ببروده المعهود.

في اللحظة دي سبته وثارت عليه، وقالتله انه “مجرد فلاح”.. المدينة محولتهوش لمتحضر قط. وانه مايفرقش عن “حامد”.. وحامد دا قيل إنه كان بواب منزلها الريفي.

رغم ان يوسف ادريس في قصصه كلها تقريبا، سلخ مفهوم القرية والفكر الريفي ومزقهم إربا وسخر منهم طوال الوقت، لكن بسبب كبريائه المنتفخ الهش، كلام الفنانة أثار حنقه.

أقرأ المزيد: برعم الوردة || من كتابات د : أحمد خالد توفيق

رائج :   من سلسلة (روايات مصرية للجيب) || الكنز

حكاية سره الباتع

كلامها كان صفعة على وجهه.. فمش من الصعب اننا نتخيله ليلتها وهو بيجلس لمكتبه عشان يكتب رواية قصيرة، تحمل اسم “سره الباتع” عشان يمجد فيها في الريف ويصنع بطل ريفي، ربما للمرة الاولى عبر ما كتب.. ومش حتكون الأخيرة.. حيكتب بعدها بضعة قصص شبيهة. حسب قراءاتي، تلاتة.

وللمصادفة، ففي قرية إدريس، بيروم، في فاقوس بمحافظة الشرقية، في مقام مجهول بالفعل، لشخص مجهول كذلك اسمه السلطان حامد.

قيل انه ولي من اولياء الله اسمه “سلطان بن حامد” بالفعل.. سلطان اسمه مش لقبه.. وقيل انه رجل صالح.. الناس منحته لقب سلطان، ودا كان شائع وقتها زي ما شرحنا من منشور سابق عن بطل المقاومة “سلطان العميان”.. وقيل انه مقام رمزي، للسلطان الناصر ابن السلطان محمد بن قلاوون، الملقب بالحامد، ناصر الدنيا والدين.

محدش عارف، لكن اللي نعرفه يقينا ان شرارة خيال يوسف ادريس الرهيب اندلعت في ليلته السوداء، وامسكت النيران في تلافيف مخه، لتنتقل الى قلمه.

القصة عن بطل ريفي واجه الحملة الفرنسية وقاومها. ومات والناس عملوا له مقام.

نبش الفرنسيين قبره ومزقوا جسده إربا، ورموا قطعة في كل اقليم – لاحظ هنا تأثره بأسطورة أوزوريس ودمجها في القصة – مع ان دا مش منطقي. كان ممكن الفرنسيين يحرقوا جثته وخلاص.. لكن في القصة، إدريس سبغ عليه وصف اسطوري.. الناس دفنت كل جزء في كل بلد وصله.. وعملوا عليه مقام. فبقت مصر كلها مقامات للبطل الريفي “الفلاح”.. اللي مش عاجب الإكس.. السلطان حامد.

رائج :   من أدب الصيد ( العجوز و البحر) .. نظرة على كتابات ارنست هيمنجواي

قصة الفلاحين و الانتقام

حتلاحظ الخط الانتقامي لادريس من حبيبته السابقة، في انه جايب ان كل المقاومة فلاحين بس. مفيش من الشمال ولا الصعيد.. الفتيات كلهن بما فيهن بنات المدن يعشقن حامد من سيرته، وهو لا يكترث،

حتى في خطاب “روجيه دي كليمان” اللي هو نهاية الرواية وعقدتها والذروة، كتب وصف رائع عن الشخصية المصرية، لكنه اسبغه على الريفي فقط.

القصة كعادة ادريس من برا عالمه. رواية قصيرة.. نوفيللا novella.. فلو زادت صفحتين كنت حتتوه منه لضعفه في ذلك الضرب من ضروب الادب. لكن الخاتمة القوية بتنسيك كل اللي فات.

ففي رأيي إن المسلسل أهدر كتير على قصة وهمية، بينما في عشرات الابطال المنسيين الحقيقيين في تاريخنا.. واجهوا العثمانيين والفرنسيين والانجليز، ممكن املالك ببطولاتهم مجلدات.

لكن العمل في رأيي محاولة من مخرجه لترميم تاريخه، بعدما حصل كام حدث مش كويسين كده. هات دي.. اعملها تهيئة.. شقلب واقلب.. وانا بطل ومؤلف ومخرج وانقذت المتحف لوحدي.

على كل، محاولة جيدة لأننا نرجع للنوع دا من الأعمال، بخلاف اعمال البطل اللي بيدخل السجن/ يخرج منه/ ينتقم/ يرجعه تاني.. اللي بتتحفنا بيها الشاشة بقالها سنوات.

أقرأ المزيد: عش ولا تقل للموت لا مرتين غدا .. || من كتابات د : أحمد خالد توفيق

مقالات ذات صلة