فن الادارة ..

كولونيا 555.. لماذا اختفت وكيف عادت وهل ستستمر؟

كنت لا أتجاوز الرابعة حينها ولكني أتذكر ذلك المشهد جيدًا، أبي يستعد لحلاقة ذقنه وأنا كالعادة أحاول أن أشاهده دون أن يراني حتى لا يقوم بغلق الباب، حيث أن مشاهدتي له وهو يقوم بحلاقة ذقنه قد توتره كما كان يخبرني،

وفي ظل محاولاتي بعدم إصدار أي أصوات تنبهه بوجودي، إلا أن لحظة ظهور تلك الزجاجة صفراء اللون نفاذة الرائحة كانت تقضي على كل تلك المحاولات، فأجد نفسي أقول له:” بابا سيبني أحط لك أنا يا بابا”.

ولمن لم يستطع منكم تخمين ماهية تلك الزجاجة الصفراء، فهي كانت “كولونيا الشبراويشي 555″، التي حسبما أتذكر كانت جزء لا يتجزأ من بيتنا بل ومن بيوت كثير من المصريين أيضا، ولكنها بمرور الوقت اختفت

لم تعد، إلى أن ظهر فيروس كورونا وظهرت معه الحاجة إلى الكحول الإيثيلي لمواجهة وقتل الفيروس، ومن هنا برز اسم كولونيا 555 مرة أخرى نظرًا لاحتوائها على كحول إيثيلي 70% يمكن استخدامها كمطهر قاتل للفيروس.

لكن بما أن كولونيا 555 قبل انتشار فيروس كورونا تناساها الكثير من الناس، بل وربما أصبح لا يعرفها الكثير أيضا، جعلني ذلك أتساءل؛ أين كانت ولماذا اختفت؟!

أولًا دعونا نسترجع البدايات مع المؤسس حمزة الشبراويشي الذي جاء من قرية شبروايش بالدقهلية إلى القاهرة وتحديدًا منطقة الحسين، فافتتح محلًا صغيرًا لبيع العطور التي كان يُحضرها بنفسه، فلاقى نجاحًا كبيرًا جعله يتوسع بعد ذلك لأكثر من فرع إلى أن اشترى قطعة أرض وبنى عليها مصنع لصناعة العطور بمنطقة دار السلام.

منتجات وعطور الشبراويشي ومن ضمنها كولونيا 555 في خمسينات القرن الماضي كانت تضع “بريستيج” خاص لكل من يقتنيها، فبالرغم من أنها رخيصة السعر إلا أن “أم كلثوم” كانت بطلة إعلاناتها في الصحف، ولعل أشهر إعلان قامت به ذاك الذي كان تحت شعار ” لكي تكوني ساحرة، استعملي رائحة صفية زغلول”، في إشارة لأحد منتجات الروائح من الشبراويشي.

لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فبعد أن استطاع الشبراويشي أن يتواجد وينتشر بنجاح في العديد من البلدان العربية، تم تأميم مصنع الشبراويشي عام 1965 وقامت شركة السكر والصناعات التكاملية بشراء المصنع بعد ذلك عام 1967 وهي شركة قطاع عام دمجت فيما بعد بين مصانع الشبراويشي وقسمة والقاهرة للخلاصات الغذائية في كيان واحد.

وعلى الرغم من أن شعبية كولونيا 555 استمرت في فترة الثمانينات والتسعينات، إلا أن تلك الشعبية تراجعت بين المستهلكين بشكل ضخم في السنوات الأخيرة لأسباب كثيرة منها:

• لسنوات عديدة تم الاعتماد على اسم كولونيا 555 دون أن يكون هناك إعلانات وحملات ترويجية للمنتج تشجع الأجيال الجديدة على استخدامها واقتنائها.

• تغير أذواق المستهلكين الشباب واتجاههم لشراء منتجات العطور المستوردة وتفضيلها عن كولونيا 555 التي أصبحت “موضة قديمة”، إلى جانب الإعلانات الضخمة والمستمرة لشركات منتجات العناية الشخصية واستعانتها بالمشاهير المحببين لفئة الشباب للإعلان مثلا عن كريمات ما بعد الحلاقة وغيرها من المنتجات المنافسة.

• تغير أذواق العملاء صاحبه أيضا تغير في سلوكهم الشرائي، فحاليا يشتري معظم الناس منتجات العناية بالبشرة ومستحضرات التجميل الخاصة بهم من محلات السوبر ماركت والصيدليات الكبيرة والمراكز التجارية، وهي أماكن من النادر أن تجد فيها كولونيا 555 معروضة بشكل واضح للعملاء، هذا إن وجدت، بالإضافة إلى أن منافذ الشركة قليلة ومحدودة يصل عددها إلى 14 منفذ بخمس محافظات فقط.

• التعبئة، كولونيا 555 ظلت لسنوات عديدة يتم تعبئتها في عبوات زجاجية مما يجعل من الصعب حملها والتنقل بها، حتى أنها عندما أصبحت تُعبئ في عبوات بلاستيكية مؤخرًا لم يتم تطوير شكلها لتكون عصرية أكثر بحيث تجذب أنظار جمهور الشباب.

• السعر كذلك ربما يكون من العوامل التي أدت إلى اختفاء كولونيا 555، ففي حين أن سعرها رخيص مقارنة بغيرها من المنتجات المماثلة، إلا أن هذا السعر المنخفض قد يُعطي مؤشر لمن لم يستخدم الكولونيا من قبل بأن جودتها متدنية.

• أخيرا، بالرغم من الانتشار الضخم للإنترنت واستخدام التسويق الرقمي كواحد من الأدوات التسويقية المهمة للعلامات التجارية حاليا، سنجد أن تواجد كولونيا 555 على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي يكاد يكون معدوم تقريبا قبل اقترانها بفيروس كورونا،

على حسب موقع “مدى مصر” فالصفحة الموجودة على موقع الفيس بوك أسسها عام 2013 بعض العاملين بالمصنع للتسويق للمنتج كجهد تسويقي ذاتي منهم.

أما عن الوضع الحالي، فقد عادت كولونيا 555 وبقوة إلى الأسواق خاصة بعد أن نصح الأطباء بشرائها نظرًا لاحتوائها على نسبة 70% من الكحول الإيثيلي المقاوم لفيروس كورونا وذلك في ظل عدم توافر وغلاء الكحول المطهر في الصيدليات، لدرجة أن منافذ الشركة شهدت زحامًا غير مسبوق للحصول عليها قبل نفادها،

وهو ما دفع الشركة لاستدعاء المزيد من المنتجات من المخازن ورفع قوة العمل بها لثلاث ورديات من أجل زيادة الإنتاج، بالإضافة إلى إعلان وزارة التموين عن طرح أكثر من 10 آلاف زجاجة للبيع بالمجمعات الاستهلاكية وصرفها على البطاقات التموينية.

وبهذا فقد وضع فيروس كورونا الفرصة لكولونيا 555 على طبق من ذهب، عاد بها إلى أذهان الناس وساهم في الترويج المجاني لها وسط شرائح استهلاكية ربما لم تكن تعرفها من قبل، كما أنه أضاف لها ميزة كبرى فهي لم تعد كولونيا ذات عطر جذاب فقط ولكن أصبحت مُنتج طبي مُعقم ومُطهر أيضا.

لذا يبقى السؤال المهم، هل سيتم استغلال تلك الفرصة الذهبية وتفادي كل الأخطاء التي كانت سببا في اختفاء كولونيا 555 من قبل؟ أم أنها ستكون مثل الكحول المصنعة منه، شديد المفعول لكنه مادة طيارة لا يبقى على حاله ويختفي في النهاية؟

رائج :   5 خطوات لتطبيق الذكاء العاطفي

مقالات ذات صلة