قضايا وأراء

ملخص قضية سد النهضة الاثيوبي والكارثة الكبرى المنتظرة لمصر

المعروف في أغلب العالم إن الدول الأقرب لمنبع أي نهر، أو ما يسمى دول upstream هي اللي لها أكبر قوة وسيطرة على التحكم في مياه النهر، ولكن مصر من الحالات الإستثنائية إللي فيها الدول الأبعد عن النهر (دول الـdownstream) كانت طول عمرها تقريبًا لها اليد العليا في تقرير أي شيء يخص النهر، ومصر إستثناء أكتر في فكرة إن حفنة معدودة على الأصابع هي اللي معتمدة على مصدر واحد في تقريبًا %100 من وجودها التاريخي والحالي كإعتماد مصر على النيل، ولذلك مصر دايمًا بتحاول تعاظم أو تاخد أكبر نصيب ممكن من مياه النيل ودا يستتبع بالضرورة إنها تبقى في جميع الأوقات أقوى من ومسيطرة على دول الـupstream وبالأخص إثيوبيا لأن %85 من النيل بيجي من اثيوبيا (ما يسمى النيل الأزرق) و%15 منها بيجوا من وسط أفريقيا من بحيرة فيكتوريا عند أوغندا وتنزانيا (ما يسمى النيل الأبيض) والفرعين بيتجمعوا عند منطقة أسمها “المقرن” (الملتقى) في السودان.

الخديوي إسماعيل كان مدرك دا كويس جدًا وعرف إنه عشان يستكمل بناء الدولة الحديثة، من أهم الأشياء اللي لازم يعملها هي السيطرة على اثيوبيا، ولهذا الغرض فرض سيطرة مصر على أغلب السودان والمناطق المؤدية لاثيوبيا لتكون قاعدة لغزوها، ولكن مرتين حاول الجيش المصري غزو أثيوبيا (1874 و1876) وفي المرتين فشل، بشكل أساسي بسبب الأعداد الجرادية للجيش المقابل، وبعد فشل الخديوي اسماعيل وإنهاك الجيش المصري، قام ما يسمى الثورة المهدية في السودان لإلغاء الحكم المصري هناك، ولكن أيضـًا الدولة المهدية كانت بتهدد اثيوبيا ولذلك اثيوبيا رحبت بالقوى الإيطالية والبريطانية للسيطرة على الوضع. 

ما فشل فيه الخديوي اسماعيل، حققته بريطانيا وبسبب الوضع والموقع المميز لمصر، السلطات البريطانية صكت العديد من الإتفاقيات على مدار النصف الأول من القرن العشرين تؤكد على ان مصر لها نصيب الأسد من مياه النهر، يعني على سبيل المثال، في معاهدة عام 1929، مصر تم منحا 48 مليار متر مكعب من مياه النهر سنويًا، بينما السودان حصلت على 4 مليار متر مكعب فقط من أصل 84 مليار متر مكعب، والـ32 الباقين لباقي دول النهر مجتمعين، ودا بسبب إن دول رواندا وكينيا وأوغندا وغيرهم كتير من الدول الموجودة على مجرى النهر مكانتش موجود بشكلها الحالي وكانت خاضعة تمامًا للاحتلال البريطاني اللي كما سبق الذكر عمل وضع إستثنائي وتفضل مصر.

رائج :   مصنع ألمونيوم نجع حمادي .. حلول لإنقاذه قبل فوات الأوان

وبعد جلاء الإحتلال البريطاني لمصر واستقلال السودان، الدولتين جمعوا بعضهم عام 1959 وعملوا معاهدة بتعزز اتفاقية 1929 ولكن المرة دي بتقول إن مصر لها 55.5 مليار متر مكعب، بينما السودان لها 18.5 مليار، يعني بمجموع 74 مليار متر مكعب هم الأتنين (وحذفوا 10 مليار متر مكعب من التقدير السنوي السابق للتعويض عن المياه المفقودة بسبب التسريبات والتبخر) متجاهلين تمامًا نصيب باقي دول النهر بمن فيهم اثيوبيا اللي بيجي منها الغالبية العظمى من النهر.

وأيضــًا من الأشياء المهمة اللي بتمنحها اتفاقية 1929 لمصر هي القدرة على الفيتو (أو منع) اثيوبيا من أي مشاريع تعطل (ناهيك عن تحتجز) تدفق مياه النهر لمصر. طبعًا اثيوبيا من وقتها حتى الآن شايفة إن دي حاجة ظالمة جدًا لأنهم شبه أجبروا على الإتفاقيات دي، وكمان بيحاولوا يتحججوا بأن السودان مكانتش طرف فيها، وفكرة إن هم ملهمش أي رأي في أي مشاريع مصر تقيمها على النيل زي ما مصر ليها في مشاريعهم،

وطبعًا قبل أي حاجة فكرة النسبة اللي مصر بتاخدها من النيل ولذلك الضغائن و الاستياء البالغ في نفس اثيوبيا مستمر ومدفون على استحياء، منتظر اللحظة الصحيحة للإستيقاظ، واللحظة الصحيحة دي كانت إن الاحتلالات ترحل ومصر ترتخي قبضتها تدريجيًا وتفقد كل قوتها وسيطرتها على الأمور في المنطقة، ودا ما حدث بالفعل على مدار النصف التاني من القرن العشرين ودا كانت بيعكسه تطور الخط الزمني وطبيعة المفاوضات المصرية الإثيوبية إللي بعد كدا بدأت تدريجيًا بتزايد تاخد خط المقاربة والوصول لحلول وسطية بدلًا من كفة أرجح من أخرى بكتير في الميزان.

رائج :   لحظة العبور ! .. رسالة من بريد الجمعة

التدهور والتفسخ التدريجي للقوة المصرية أستمر تدريجيًا لحد ما جاءت اللحظة الذهبية لاثيوبيا أثناء ثورة يناير 2011 ومع الفوضى والإضطراب الشديد في الأوضاع والمستقبل غير الواضح في مصر، أنطلقت اثيوبيا في إنشاء السد اللي كانت بتحلم بيه واللي شايفة إنه هيبقى وقود لنهضتها الإقتصادية وكمان هيبقى حاجة ضرورية جدًا عشان يمدوا سكانهم بالكهرباء لأن نسبة كبيرة جدًا من السكان معندهاش كهرباء بالفعل أو عندهم بشكل متقطع وشحيح جدًا، دا غير إن تعدادهم بيزيد بسرعة صاروخية. في الحقيقة السد دا ممكن يوفر لهم كهربا أكتر من كل الكهربا اللي بينتجوها حاليًا بمرة ونص، يعني كمية الطاقة اللي هتخرج منه هي نفس الطاقة اللي بتستهلكها دولة نيجيريا ذات ال200 مليون مواطن!

الكارثة الكبرى بقى إن الدراسات بتوضح إن سد النهضة لو أمتلأ في 3 سنوات هيخلي مصر تفقد نصف أراضيها الزراعية كلها، ولو أمتلأ في 6 ممكن يؤدي لخسارة من 17 – 20% من الأراضي الزراعية (يعني حوالي 15 مليار متر مكعب من الماء) ودراسات أخرى بتوضح إن نظير كيلو مليار متر مكعب مصر هيقل من حصة مصر من الماء، هتفقد 200,000 فدان، وطبعًا لبلد أكتر من ربعها شغال في الزراعة ومعتمدة تقريبًا بشكل كلي على المورد دا، وفي الوضع القائم، وعلى الرغم من إن متوسط حصة المياه للمواطن أعلى من باقي الدول العربية ولكن مازالت قليلة بالمقاييس العالمية، بالكاد أساسًا قادرة تمسك نفسها وتمشي نفسها باللي معاها، والكارثة دي مش هيحصل لها أي حاجة غير إنها تزيد مع مرور السنوات بسبب الزيادة الحشرية في التعداد السكاني وإنضغاط المصريين أكتر وأكتر والتنافس على المورد أكتر واكتر.

رائج :   مصر || نصائح للحكومة والمواطنين من أجل مواجهة فيروس كورونا

حاليًا تقريبًا جميع المفاوضات بين البلاد التلاتة فشلت، وكل محاولات مصر لإستبعاد السودان من المفاوضات فشلت وحاليًا السودان مبسوطة من الوضع لأنها شايفة إن المياه اللي هيوفرها السد هتكون مفيد ليها، وطبعًا اثيوبيا مفهوم إنها في قمة سعادتها وبالنسبة لها كل ما الموضوع (امتلاء السد) كان أسرع كل ما كان أفضل بكتير لأنها هتقدر تجني الثمار بسرعة وكفاءة عالية.

حاليًا احنا قدام أمر واقع، ومش هنقدر نخليهم يوقفوا بناء السد دا تمامًا بأي طريقة سلمية، يعني السد بقى أمرًا كان مفعولا، ولذلك الطريقة الوحيدة حاليًا هي إننا نقدر نحصل منهم على حل وسط ومرضي لجميع الأطراف، إن السد يتملي على مدار 15 سنة أو أكتر عشان نقلص الخساير لأكبر قدر ممكن، وكمان احنا ننوع المصادر اللي بنعتمد عليها ونعمل محطات تحلية وتكرير لماء البحر على مستوى أوسع بكتير جدًا من الموجود حاليًا، ونضمن اثيوبيا عند البنك الدولي ودول الخليج وأي دولة تانية ممكن تقرضهم أو تستثمر عندهم عشان يقدروا ينشئوا مشاريع محطات طاقة شمسية تعوضهم عن الكهرباء اللي هيفقدوها بسبب تأخير مدة ملء السد، ولابد ان المفاوضات توصل لحل سريع قبل بدء السد في العمل في شهر أكتوبر القادم، وطبعًا اكتر من كل شيء محاولة الحد من والسيطرة على الكرب الأعظم للدولة المصرية، الزيادة السكانية.

مقالات ذات صلة