قصص وعبر

من سلسلة (روايات مصرية للجيب) || زواج مستحيل

زواج مستحيل ..
زواج .. مستحيل!

رجل يقتحم حياتي في لحظة ، ويتحكم في .. يصدر لي أوامر .. لا .. لا يمكن .. ثم إن لي وجهة نظر في تلك المسألة سوف أطلعكم عليها .. 
بالطبع لك أن تتفق معي أو تختلف ، لكنها وجهة نظري الخاصة كما أخبرتك من قبل .. التي كونتها.. وسوف أقص عليك قصة تؤيد لك وجهة نظري الخاصة ، هذه القصة قد حدثت معي أنا أو بمعنى ربما أدق .. لي أنا .

لا أرجوك فانا لا اكذب أو ألفق الحكايات .. فما حدث قد حدث بالفعل لذا أنصت لأنني سوف أحكي ..
نبدأ منذ ..ممم .. منذ أن انتقلت مع يسري إلى شقة الزوجية بمصر الجديدة.. بجسر السويس تحديدا .. يسري من ؟ .. يسري زوجي .. نعم زوجي.. ” لا تقاطعني وسوف تفهم كل شيء في وقته ” ..

جميلة هي حقا وواسعة ، حتى ألوان الجدران تنم عن ذوق راق للغاية ، الأثاث نفسه قد جلس في نظام معلنا عن أن يداً لها في فن الديكورات هي من وضعته هنالك ، لكنها وهذا هو العيب الوحيد ..
إنها كانت في الطابق الأخير من العمارة… ..
صحيح أن العمارة بها مصعد ، لكني أمقت الطوابق العليا ..
الطابق به ثلاثة شقق فقط .. شقتي وشقة إلى جواري ، وأخرى أمامي مباشرة ..

سألت يسري بعد أن أشرت إلى هاتين الشقتين أن ماذا عنهما ؟ ، فابتسم وأضاف مطمئنا إياي :
• لا تقلقي .. فلا احد يقطن هنا تقريبا .. إن هذه خالية تماما.. ، وإن الأخرى التي أمامي مفروشة وخالية كذلك .. ومن حين إلى آخر يؤجرها صاحب العمارة إلى شخص ما لمدة معينة ، ثم تنتهي وبعده يرحل ، ليأتي غيره ، لكن هذا لا يحدث إلا نادرا ، ولا يحدث إلا لمستأجرين من الخليج عموما ، وهذا لارتفاع سعر الشقة ، بالطبع لأنها مفروشة وأيضا مساحتها أكبر بكثير من الشقة التي انتقلت إليها والشقة الأخرى الخالية .. لذا فهي تقريبا معظم الأوقات خالية بدورها.. لذا لا تقلقي .. فلن يزعجك احد ..

” الحقيقة أنني امقت الشقق الخالية ، فما بالكم بالخالية المغلقة .. فلك أن تتخيل وتطلق العنان لخيالك ، وترى ما يدور داخلها في غياب أصحابها !
لك أن تتخيل أنها تصير جهنم ذاتها ..
حتى شقة أمي ذاتها فانا لا أريد رؤيتها كيف تبدو ، ونحن خارجها !!
فربما تطايرت المقاعد في الهواء ، أو اقتحمها الأشباح أو حتى الشيطان اختارها كي تكون سقر .
فالشقق المغلقة عامة يغلفها غموض مرعب وموح..
وهكذا قدرت أنني لن أحيا حياة هانئة ما دمت أقطن إلى جوار تلك الشقة .
منذ متى بدأ كل شيء … منذ أن توقف المصعد !

سوف أقص عليك ما حدث تفصيلا ..
اجلس على الفراش ، إلى جواري يسري .. يغط في سبات عميق ، قلقة .. 
أنا قلقة .. هذا ما أنا عليه الآن .. لقد تسلل إليّ الأرق .. الأدرينالين على ما يبدو أنه قد تدفق في جسدي بغزارة ، وعليّ أن استجيب .. إذا لن أنام .
انهض من على الفراش ، واقطع الغرفة ذهابا وإيابا .. أقف أمام المرآة .. انظر إلى وجهي ، وأتحسسه ثم اترك الغرفة ، واذهب إلى المطبخ ، امسك بالكوب ، وأملأه ثم أجرع منه القليل ، وأتركه ، وأخرج .. لن أنام .. أعتقد أنهم كانوا يقولون إن الذي لا ينام اثنان الجائع والخائف ..
هذا صحيح جدا ..
ترك .. ترك !!

رائج :   من سلسلة (روايات مصرية للجيب) || حلم

هكذا تناهى إلى مسامعي ذلك الصوت .. بالطبع خمنت ما مصدره .. انه صوت يعلن عن توقف المصعد في ذات الطابق الذي تقبع فيه شقتنا!!
لماذا ؟!!!
لا أحد يقطن في ذلك الطابق سوانا !! .. 
إذا ليس القلق وحده هو جليسي .. نظرت إلى ساعة الحائط ، لأجدها الثالثة صباحا .. 
بكل تأكيد لن يكون ضيفا !!
تقدمت إلى باب الشقة ونظرت عبر الفرجة ..
إنه المصعد .. لقد توقف !!
هكذا انطلقت في طريقي إلى غرفة النوم ومن ثم إلى يسري ..
أتعثر مائه مره في أشياء كثيرة لا ادري من أين جاءت أو من وضعها هنا ، حتى أصل في صعوبة .. ثم أحاول في رفق أن أجعله ينهض ..

• ماذا ؟
هكذا قالها بعين ناعسة ..
• لا شيء .. فقط .. المصعد ..
• ماذا به ؟
• قد توقف !
• وماذا بعد ؟
• المصعد قد توقف ونحن جالسون ها هنا ..
• نعم ؟!
انه لم يفهم ما اقصده بعد .. أعتدل في جلستي وأشرح له الأمر .. فيسحب الملاءة ويدثر بها أكثر ، ثم يسترخ مره أخرى وهو يضيف :
• لابد انه عطل ما .. أو أي شيء من ذلك القبيل .. ربما هناك مستأجر جديد ..
• في ذلك التوقيت ؟!

• لم لا .. نامي الآن وسوف نعرف غدا .. ثم إن هذا لا يعنينا .
• أنت لا تفهم ما اقصده .. إن المصعد فارغ .. ليس به احد على الإطلاق ..فمن الذي استدعاه ؟!!
• حبيبتي لا تشغلي بالك .. ربما ضغط احدهم رقم الطابق بالخطأ .. نامي الآن .. نامي .. خخخخخخخ .. خخخخ ….
هذا ما كنت أخشاه .. لم يعر كلامي اهتماما .. لكن ربما كنت خاطئة ، وأن هنالك احد ما بالفعل قد ضغط على رقم الطابق بالخطأ .. ربما !

نهضت خارجه إلى الصالة ، ثم إلى باب الشقة ، ومن ثم نظرت عبر الفرجة ، فوجدت ما كنت أخشاه .. الشقة المقابلة مضاءة ، لكن كيف ؟! 
تسارعت ضربات قلبي حتى كاد يتوقف تماما ، ماذا هنالك ؟
لا تقل لي من فضلك إن هناك من أجرها في ذلك التوقيت أو إن مالك العمارة جاء ليطمئن على أملاكه في ذلك الوقت !! ثم إنني لم أر أحدا يغادر المصعد كما أخبرتك من قبل ، ولم أسمع بابها يفتح !
قلبي يتواثب كضفدع ملسوع في مؤخرته ..
بالطبع لن أعود إلى يسري ، وأخبره بهذا لأنه سيعتبرني مخبولة ، وسيرفع سماعة الهاتف ليطلب السرايا الصفراء لا محالة ..
لذا آثرت الصمت ، وقررت أن أتصرف بمفردي ..
نظرت مرة أخرى عبر الفرجة لأجد عينا أخرى تنظر لي من الخارج عبر تلك الفرجة !
كدت أفقد الوعي ، لكنني لم افعل .. فقط تراجعت إلى الوراء ، بعد أن شهقت .. ثم تعثرت وسقطت على الأرض بعد أن حطمت شيئا ما ..

رائج :   عندما أصيبت العروس بالعمى في ليلة الزفاف …

• ميرفت .. ماذا حدث ؟
بالطبع هذه الأخيرة قالها يسري ، بعد أن سمع صوت تحطيم ذلك الشيء ، وخرج من الغرفة ليلتقطني بين أحضانه ، ويطوقني بذراعيه .. متسائلا في عدم فهم :
• ماذا حدث ؟
لم أستطع التحدث ، وكأني صوتي احتبس في حلقي .. فقط أشرت إلى الفرجة التي في الباب 
لم يفهم ما الذي أرنو إليه ، لكنه نهض ، لينظر عبرها ، ثم أعاد نظره إليّ وهو يمط شفتيه إلى أسفل ، غير فاهما ..

نهضت أنا بمساعدته .. وبدأت في محاولة بائسة في استعادة ولملمة أعصابي ، وأضفت :
• إن .. لقد .. هناك احد رأيته ينظر لي من الخارج !
قلتها ، وأضفت ، وقد انهمرت الدموع من عينيّ :
• اقسم لك أن هذا حدث ..
ربت على كتفي في حنان ، وأضاف :
• حاولي أن تنامي الآن .. وغدا لهو يوم أخر .. 
قالها ، فلم أجد سوى أن أجيبه بكلمة حاضر سأحاول ، وإلا اعتبرني امرأة مخبولة لا محالة .. وطلقني الآن .
لذا دلفت معه إلى الفراش ، وحاولت أن أتظاهر بالنوم .. 
***
دقائق ، ودق جرس الباب !
نهضت .. أو استفقت ، بعد أن كنت في مرحلة النوم وعدم النوم ، على صوت جرس باب شقتي ، ثم تبعته بعض الطرقات ..

كدت أوقظ يسري ، لكنني لم افعل .. فربما كنت أهذي ..
أخذت بعضي وذهبت ناحية الباب ، وتوقفت أمامه .. منتظرة ..
مرة أخرى دق جرس الباب !
اتجهت إلى الفرجة مرة أخرى ، ونظرت عبرها ، لأجد حشدا لا بأس به يقف بالخارج ، لم أتبين عددهم .. يا الهي من هؤلاء ؟ .. 
ربما كانوا من قاطني البناية ؟!.. 
نظرت إلى ساعة الحائط فوجدتها الرابعة صباحا !
طرقات هؤلاء القوم تتزايد على باب الشقة !
ترددت ما بين أن استجيب لتلك الطرقات ، أو أن اذهب إلى يسري .. 

سمعت احدهم يصيح من الخارج قائلا :
• يجب أن نحطم ذلك الباب .. يجب أن ندخل الشقة ..
ما إن قالها حتى تحولت الطرقات إلى ضربات انهالت على الباب في محاولة لاقتحام الشقة !
تااااااااااااك .. تاااااااااااااااااااك ..
تصلبت في مكاني ، ولم ادر ما الذي افعله ، ناديت على يسري بأعلى ما عندي من صوت ، لكن تخلله تلك الضوضاء الصادرة من الخارج فتاه وسطها وتبدد .. 
مرة أخرى ناديـ…

لكن الباب لم ينتظر أكثر من ذلك .. ولم يصمد أكثر من ذلك ، وانفتح على مصراعيه ، ليتفتق الحشد منسابا إلى داخل شقتي ..
حاولت أن اركض إلى الداخل ، لكنني تعثرت ، وسقط أرضا حينما رأيت شقتي من الداخل ، وقد تحولت إلى .. لا ادري بما أصفها لك ، لكن اقرب وصف هو فرن البوتجاز المستعمل كثيرا ..
رماد اسود في كل مكان ! .. المكان بالكامل له رائحة الحريق الذي تم إخماده !

رائج :   من سلسلة (روايات مصرية للجيب) || ذلك الكوكب

التفت إلى حيث هؤلاء القوم ، لأجدني وقد التف حولي الكثير من رجال والنساء .. وبعض الأطفال ، الذين اخذوا يرمقونني في شغف وفضول ..
تقدم بعض الرجال ، وحملوني ، وأخرجوني من شقتي .. وسط ذهول البعض ، ونظرات الشفقة التي أحاطت بي من كل صوب ..
أجلسوني على أحدى المقاعد .. وأخذت أنا ارتعد ، وانتفض .. لا اعلم إن كان من شدة البرد أم من فرط ما أنا فيه ..

احضروا لي كوبا من الماء المثلج ، الذي أخذت منه القليل في مرارة ، لشدة جفاف حلقي .. ثم وبصوت مبحوح ، أضفت :
• زوجي .. يسري؟
فقاطعني احدهم متسائلا .. وسط كلمات على غرار ( لا حول ولا قوة إلا بالله ) صدرت من بعض النسوة :
• هل أطلق هذه المرة على نفسه اسم الحاج يسري ؟
قاطع كلمات ذلك الرجل آخر وقور ، دنا مني في تؤدة ، قائلا :
• يا بنيتي .. لا يوجد احد في تلك البناية يحمل ذلك الاسم ، إلا أنا ، وهذه الشقة قد احترقت منذ شهرين تقريبا ، واحترق بداخلها شخص يدعى منير .. مهندس ديكور .. أعد الشقة ليتزوج فيها ، لكنه مات قبل أن يتزوج .. 

أخذت أنظر له غير فهمة ، وأخذ هو يسترسل كلامه قائلا :
• ومنذ ذلك الحين لم يفتر عن جلب الفتيات إلى تلك الشقة ، منتحلا اسما من أسماءنا ، لا اعلم لما ؟ 
• بذات الصوت المبحوح ، أضفت ، ولا زلت ارتعد :
• هل أتى بغيري إلى هنا ؟
• نعم .. اثنتان .. إحداهما قالت إنها خطيبته وقد أتت لتشاهد الشقة معه .. والأخرى لا نعلم من أين جاءت أو حتى أين ذهبت .. الله وحده يعلم ، كل ما حدث هو أن صالح البواب رآها وهي تصعد إلى البناية ثم اختفت في ذلك الطابق إلى الأبد !
• وكيف علمتم أنني ..

قاطعني قائلا :
• سيدة زوجتي .. لقد سمعت صوتا بداخل تلك الشقة ، و .. وأخذت تصغ السمع وتنظر عبر الفرجة ، حتى تتأكد ، ثم أخبرتني .. فأحضرت الرجال وأتينا كي نحاول إخراجك .. وعلى كل .. حمدا لله على سلامتك .. هل تريدين أن تدخلي شقتي حتى الصباح ؟

قاطعته قائلة :
• شكرا لك .. فقط أريد هاتفا محمولا ..
قلتها فناولني أحدهم هاتفه .. التقطه من يده ، وطلبت رقم يسري ” أقصد من كان يسري ” ، فوجدت أن ذلك الهاتف مرفوع من الخدمة .. أغلقت الهاتف ، وناولته إياه شاكرة ..
ونهضت مغادرة تلك البناية إلى الأبد .. متجهة إلى منزل والدتي ، التي لن أفارقها مرة أخرى أبدا .. لكن ما الذي سوف أقوله لها ؟! .. هل اخبرها أنني تزوجت عفريتا ؟.. لا اعلم .. حقيقة لا اعلم ..

مقالات ذات صلة