من ثلاثة أسابيع ظل خالد زميلي في العمل يردد بجانبي “باظظ خالص.. خالص خالص” وحينما تساءلت عن مصدر الأغنية علمت أنه إعلان “مكسر الدنيا” لمنتج جديد لشركة “إيديتا”، قادني فضولي لمشاهدة الإعلان ثم تجريب المنتج وأخيرًا كتابة هذا البوست.
لم يأت فضولي من فراغ إذ أنني كنت أنتظر منذ عام وأربعة أشهر رد شركة “إيديتا” المؤسسة الأقدم والأعلى حصة (62.5% في أغسطس 2019) في سوق المخبوزات المغلفة المصري على اختراق شركة “دومتي” المتخصصة في الأجبان والعصائر له.
بالعودة إلى الوراء وبالتحديد في شهر أغسطس 2018 ومع قرب انطلاق موسم الدراسة في مصر أطلقت دومتي منتجات جديدة عبارة عن 6 سندوتشات تتنوع ما بين الجبن بأنواعها والشوكولاتة والمربى، ولكي تتمكن من النجاح في مهمتها خاصة مع وجود عدة شركات تتنافس في هذا السوق اتبعت استراتيجية ذكية وهي اللعب على نقاط ضعف المنافسين.
وقامت دومتي بضبط نسبة حشو السندوتشات الخاصة بها لأن مستهلكي المخبوزات المغلفة ومعظمهم من الموظفين والطلاب كانوا يعانون من ارتفاع نسبة العجين وضعف الحشو في جميع المنتجات المخبوزة سواء كانت سندوتش أو كرواسون أو باتيه، وبالفعل نجحت في تحقيق هدفها حتى أن السندوتشات الخاصة بها كانت تنفد من الأسواق قبل منافسيها رغم حداثتها في السوق وعدم تنظيمها لحملة إعلانية لمنتجاتها الجديدة.
وهكذا حركت دومتي المياه التي كانت أوشكت على الركود في السوق، وهنا بادرت شركة “برانش” الموجودة في السوق منذ ما يزيد عن عشر سنوات بالرد من خلال زيادة نسبة الحشو في منتجاتها وأيضًا عبر هشتاج “غرقان_حشو” على صفحاتها على وسائل التواصل الاجتماعي في محاولة منها للترويج لمنتجها “برانش ويتش” الذي كانت قد طرحته في الأسواق قبل دومتي بعام وبالتحديد في شهر أكتوبر 2017.
ومع انتظارنا جميعًا لرد شركة إيديتا الذي لم يأت استطاعت دومتي أن تستولي على حصة جيدة من السوق، إلا أن الجميع فوجئ في منتصف فبراير الماضي بالحملة الإعلانية الضخمة التي نظمتها إيديتا والتي تعلن فيها عن دخولها عالم منافستها دومتي من خلال طرحها لأربعة سندوتشات ثلاثة منهم بأطعمة متنوعة للجبن وواحد بالشوكولاتة واختارت له شعار “بيشبع تحت أي ظروف” في إشارة إلى كبر حجمه مقارنة بالمنتجات الأخرى الموجودة في السوق.
ولم تكتف إيديتا بذلك إذ قامت بطرح نسخة حديثة من منتجها الأساسي “مولتو” وأطلقت عليه “مولتو ماجنم” وهو عبارة عن كرواسون بحجم أكبر من تلك التي تنتجها الشركة ومتاح بنوعين هما الشوكولاتة والتشيز كيك بالفراولة واختارت له شعار “حشو باظظ.. باظظ خالص” في إشارة إلى تفوقها على الميزة التنافسية لغريمتها دومتي وكمحاولة منها للاستجابة لمطلب عملائها بعمل منتج جديد مليء بالحشو.
ولكي تضمن إيديتا وصولها لجمهورها من الشباب فإنها اختارت أغنية الراب “باظت خالص” التي انتشرت مؤخرًا بينهم ووضعت عليها كلمات الإعلان وشعار حملتها “باظظ خالص” كما أنها اختارت وجوه مقربة جدًا منهم وهم الفنانين (ماجد الكدواني، وأحمد مالك، وروبي)، وعليه حقق الإعلان نسب مشاهدة مرتفعة بلغت 13 مليون في أقل من أسبوعين كما تفاعل معه الجمهور بنسبة كبيرة جدًا.
لكن هذا النجاح الجماهيري للحملة الإعلانية صاحبه انقسام كبير حول المنتج إذ أن اختيار شعار “باظظ خالص” لها كان سلاح ذو حدين لأنه في الوقت الذي نجح فيه في أن يعلق بذهن الجمهور وبالتالي تحفيزهم على شراء المنتج وتجريبه إلا أنه رفع سقف توقعاتهم بشأن كمية الحشو الموجودة في المنتج، ولأنها لم تكن موحدة في جميع القطع كان من الصعب على الشركة الحصول على رضا العملاء الذين لم يجدوا فيه اختلافًا كبيرًا عن المولتو الأصلي، وهو أمر ظهر بوضوح في تعليقاتهم الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي.
أيضًا أظهرت تعليقات العملاء على السوشيال ميديا دهشتهم من عدم توافر المنتج في جميع الأسواق، وقلة الحشو على عكس ما تم الترويج له، وعدم تناسب أسعار المنتجات الجديدة مع سعرها ولا مع تغليفها الضخم الذي يخفي منتج صغير الحجم.
وفيما يتعلق بسعر “مولتو ماجنم” وهو 5 جنيهات وجد البعض أن السعر غالي وأنهم يمكنهم شراء وحدة مولتو صغيرة (2 جنيهًا) ووحدة مولتو متوسطة (3 جنيهات) بنفس السعر والحصول على مستوى أعلى من الإشباع، وهو ما يعني أن المنتج الجديد لم يحقق الهدف المرجو منه.
وعلى صعيد السندويتشات المغلفة، فوفقًا لتجربتنا الشخصية ولقنوات “عصاميات” و”سيف الرحمن” و”أكل اسكندراني” و”Twins and Brother” التي تجري مراجعات للمنتجات على اليوتيوب سنجد أن “مولتو سندوتش” تعتبر عجينته هي الأفضل وإن كانت أقرب لعجين الكرواسون، أما “دومتي سندوتش” فيتصدرهم في جزئية توازن نسبة الحشو مع نسبة العجينة وتوزيعها الجيد فيها كما أن المستهلك يشعر بالشبع بعد تناوله.
فيما يعتبر “برنش ويتش” الأفضل من ناحية السعر ففي الوقت الذي يتساوى في الحجم مع “دومتي سندوتش” ويقترب من جودته إلا أن سعره أقل وهو (3 جنيهات) في مقابل (4 جنيهات) لـ”مولتو سندوتش” و”دومتي سندوتش”، أيضًا يعد الأفضل من حيث التغليف إذ أن تصميمه مناسب من ناحية حجم المنتج وجذاب من حيث الشكل.
وفي النهاية، يمكن أن نقول إن مع تأخر شركة “إيديتا” في الرد على دخول “دومتي” إلى سوق المخبوزات المغلفة كان متوقع أن يأتي الرد قويًا بحجم الشركة التي أثبتت نفسها في السوق المصري على مدار أكثر من 20 سنة لتميز منتجاتها، لكن هذا الأمر لم يتحقق لأنها لم تدرس نقاط الضعف في المنتجات الموجودة في السوق وتحلها بشكل حقيقي كما أن الميزة التنافسية التي حاولت تقديمها في السندوتشات تحايلت عليها فكان المنتج صغير الحجم وتغليفه ضخم.
أيضًا شعارات الحملة الإعلانية لم تكن موفقة أبدًا لأنها لم تكن متحققة بالقدر الكافي في السلع، وهو ما علق عليه العملاء فالسندوتشات لم تكن بـ”تشبع تحت أي ظروف”، وكذلك الحال بالنسبة لمولتو ماجنم التي جاء حشوها أزيد من أحجام مولتو الأخرى ولكنه حشوه لم يكن قياسي أو “باظظ خالص”، وعليه كان الأفضل أن تركز الحملات على الميزة التنافسية الأبرز لمخبوزاتها وهي المذاق المميز للعجينة والتي تجعل المستهلك يختارها هي بالتحديد في ظل وجود منافسين أقوياء في السوق.
لو عايز تتعلم التسويق من البداية الاحتراف.. أكاديمية إعمل بيزنس هتساعدك من خلال أكتر من 25 كورس أونلاين في كل مجالات التسويق