ليس سهلا على أحد كانت حياته تسير بشكل طبيعي، يستيقظ صباحا ويذهب لعمله، ثم يقابل أصدقاؤه، أو يعود لمنزله ويقضي الوقت مع عائلته وأطفاله، ثم في الإجازة الأسبوعية يسافرون معا لمكان ما، أو يتنزهوا في أحد الحدائق القريبة، ثم فجأة تنقلب هذه الحياة رأسًا على عقب، بعد ظهور وباء يجتاح العالم في بضع أيام تعد على الأصابع.
يجد هذا الشخص نفسه جالسا في بيته طوال اليوم، وكل يوم، حيث يجب عليه وعلى كل أبناء شعبه تطبيق إجراءات العزل الصحي والحظر في جهود جماعية لاحتواء الوباء ومنع تفشيه في البلاد.
هل رأيتم كم هذا الوضع صعبا ومأساويا، ويحتاج لإرادة من حديد حتى يقوى الفرد على المقاومة والصبر؟
دعونا نضيف لكل ما سبق أن هذا الشخص “سيدة” ولديها أطفال وعمل، وجدت نفسها مضطرة لأن تستأنف عملها من بيتها وفي وجود أطفالها معها بعد أن أغلقت كل المدارس والحضانات أبوابها، وبعد أن مُنعت كل أماكن التجمعات كالنوادي والحدائق والشواطئ، وأيضا كل أماكن الأنشطة الجماعية كدورات تدريبية في الرسم أو اللغات أو أي مهارات أخرى كانت ترغب في تعليمها لأولادها!!
دعوني أقص عليكم تجربتي العملية في هذا الشأن، وكيف كان الوضع مأساويا في البداية، إلى أن قررت تغيير الوضع والتمتع بإيجابيات العزل والحظر .
كان أصعب وقت هي الأيام الأولى من العمل من البيت، وجدت أنه يجب علّى التركيز في عملي وأداؤه بنفس الجودة والكفاءة التي كنت أقوم بها بعملي من الشركة، وفي الوقت نفسه حولي أطفالي الذي لاتنتهي طلباتهم وندائهم علّي طوال الوقت.
كما يجب علّي أيضا أن أجهز لهم الطعام، فهم جالسون معي في البيت طوال اليوم، وفي حاجة للأكل.
وفي سياق سرد صعوبات الوضع دعوني أضيف أهم نقطة، وهي أنهم كأطفال كانوا بحاجة للتغير والترفيه، حيث كنا من قبل بشكل شبه يومي نمارس نشاط ما، رياضة ودورات تدريبية في الرسم والموسيقى، وكورسات أخرى لزيادة التركيز مثل “UCMAS”، نزهات لأماكن ترفيهية… إلخ.
كان الوضع أشبه بقنبلة موقوتة ننتظر انفجارها أي لحظة، فقد كنت عاجزة عن التركيز في العمل، والمهمة التي كانت تستغرق مني عادة ساعة واحدة، أصبحت تستهلك من وقتي خمس أو ست ساعات على الأقل، يحيط بي طول الوقت صراخ أطفالي وخلافاتهم معا وتذمرهم من حالة الملل التي يعيشونها.
ومع تفاقم الوضع، وبداية إصابتي بانهيار عصبي بعد بضعة أيام فقط من العمل من المنزل، ومع اقتراب لحظة الانفجار، كانت الوقفة التي اتخذت فيها القرار، الذي غيرت به الوضع تماما، ونجحت في إنجاز عملي بنسبة كبيرة والاستمتاع أيضا بالعزل الصحي مع أولادي.
إليكم مجموعة من النصائح والأفكار التي نفذتها بنفسي، لتختاري منها ما يناسب ظروف عملك وطبيعة أولادك:
1- ورقة وقلم، واكتبي كل ماترغبين في إنجازه في عملك كل يوم، وما تريدين أن تعلميه لأولادك أو تجعليهم عن طريقه يقضون وقتا مفيدا، لنقل مثلا: العمل 8 ساعات يوميا، تعليم الأولاد لغة، ممارسة الرياضة لكي ولأولادك، القراءة، حفظ القرآن…إلخ.
2- ابدأي بوضع جدول يومي، مثل جدول المدرسة كالتالي: بالنسبة لعملك طالما يمكنك أداءه من المنزل، ابدأي مبكرا قدر الإمكان لتنجزي أكبر جزء من هدفك اليومي قبل استيقاظ أولادك.
3- يمكنك أخذ ساعة الراحة التي كنت تتناولين فيها طعامك في الشركة لتناول الإفطار مع أولادك.
4- ما تبقى من ساعات عملك اليومي اعتبريها ساعات التعليم الخاصة بأولادك، وهنا بالطبع ستعتمدين على التعليم الأون لاين، وسيساعدك في ذلك أن أغلب المدارس أو أماكن تعليم اللغات وتحفيظ القرآن لجأوا الآن للأون لاين طوال فترة العزل الصحي في البيوت، قّسمي ماترغبين في تعليمه لأولادك على خمس أيام من الأسبوع، يوم قران ولغة، يوم كورس مهارات مثل الرسم أو دورة تعليم UCMAS… إلخ، بحيث يدرسوا ما عليهم كل يوم وأنت تكملين عملك.
5- ولنفترض أن عملك يتنهي الساعة الرابعة، هنا يبدأ الوقت الخاص لكي مع أطفالك أو بمفردك، ولتبدأي هذا الوقت بممارسة الرياضة اليومية الخاصة بك، مع تهيئة الظروف والأدوات المطلوبة لوقت يقضيه أطفالك في نشاط ممتع كالقراءة أو مسابقة تقيميها بينهم.
6- الآن قد مر جزء كبير من اليوم أنجزتي فيه مهام وظيفتك، وتعلم أطفالك مهارات ولغات لتجعل عقولهم نشيطة ومثقفة، جاء الآن وقت الاسترخاء، اجلسوا معا لمشاهدة فيلم ما، أو لعب “كوتشينة”، أو الحديث والضحك معا.
7- اجعلي العطلة الأسبوعية يومي الجمعة والسبت مختلفين عن باقي الأسبوع بالنسبة لك ولأولادك، ليمنحكم هذا التغيير بعض الطاقة التي يمكنكم بها بدء أسبوع جديد من العمل والتعليم، فكري في أمور مختلفة ومبهجة تقومين بها مع أولادك، ليكن إفطاركم في شرفة المنزل مثلا، وتجهزيها بشكل يحاكي المطاعم لتشعروا أنكم خرجتم خارج المنزل لتفطروا معا.
من الممكن أيضا أن تقوموا معا في العطلة بخبز كيكة أو حلوى، أو إجراء مسابقات بينهم وبينك أنت وزوجك، أو تقوموا معا بتغيير طلاء الحائط بالمنزل، أو إصلاح بعض الأشياء بالبيت….. أفكار كثيرة يمكنك بها أن تجعلي العطلة مختلفة عن باقي أيام الأسبوع.
في النهاية يجب ن تعرفي جيدا أن هذه فترة ليست بالهينة، وتجاوزها ليس سهلا على الجميع، وبالذات عليكي أنت كسيدة عاملة، ترغب في استكمال نجاحها المهني، دون التقصير في حق أسرتها وأطفالها، لذلك عليكي التحلي بالقوة والصبر، وإطلاق العنان لإبداعك كي تتمكني من إنجاز عملك وتجاوز هذه الأزمة مع أسرتك.