فكر و ثقافةقصص وعبركتابات د : أحمد خالد توفيق

هل أجد عندك ؟ || د : أحمد خالد توفيق

نُــشر في: السبت 28 يونيو 2014

هُناك علم كامل ينتظر من يدونه ويصنفه هو علم (الوقوف مع الحرفيين). ولا أجد الوقت الكافي لكتابة هذا المصنف ولا أملك العقلية العلمية القادرة على كتابته، لكن أؤكد لك أنه بالغ الأهمية.

عندك الكهربائي الذي يأتي للبيت لبعض التركيبات وتعليق مصباح جديد. أقف معه وأتظاهر بأنني خبير في الكهرباء، وأنني ولدت في مولد ديزل، أقدم له لفائف التبغ ليرضى عني وأصدر تعليمات حاسمة لمن في الدار لجلب الشاي. بعد أن يشرب الكهربائي الشاي وينفث سحابة كثيفة في وجهي، يقول لي:

– «هل لديك باتير هنا؟»

فأسأل أولاً عما هو الباتير وهو ينظر لي مذهولاً .. رجل متعلم كهذا لا يعرف الباتير؟.. أقنعه أنني جاهل فعلاً لكني أتعلم بسرعة. يشرح لي ما هو الباتير فتكون الإجابة إنه ليس عندي.

ينتهي الموقف بأن نرسل من يشتري لنا (باتير) أو يستغني الكهربائي عنه في كرم وإريحية، ثم ينظر للسقف ويقول:

– «هل عندك سلم ؟»

لحسن الحظ أنه عندي. أرتجف ذعراً من فكرة لو لم يكن عندي واضطررت لاستئجار واحد. ثم أنه يتسلق السلم ليقف قرب السقف، ويسألني إن كان عندي (مفك صليبة). أكتم أفكاري الخاصة وأهرع لخزانة الأدوات لأجلب له مفكًا وأنا أتساءل عما يحمله هو إذن، ما دام عليّ توفير كل شيء؟

يعمل لبعض الوقت ثم يسألني إن كنت أملك مثقابًا (شنيور) هالتي 900 وات؟ (الهالتي) مثقاب قوي يثقب الخرسانة كأنها قطعة جبن. أقول له في سخرية:

– «لو كان لدي هذا المثقاب لفعلت كل شيء بنفسي ..».

هكذا يتوقف العمل وتبدأ مشكلة لعينة، هي البحث عن شخص يقرضنا مثقاب (هالتي)، وهو عمل مستحيل. يجري عدة مكالمات مع الحاج (أبو اليزيد) والحاج (عدنان) والحاج (صميدة) وكلهم يعتذرون لأن المثقاب (في شغل) .. ينظر لي الكهربائي في قرف لأنني تسببت في تعطيل العمل كله بميوعتي ورفاهيتي .. لو كنت رجلاً حقيقياً لكان عندي مثقاب (هالتي)..

كل هذا معقول ولا يُقارن بما يفعله السباك عندما يحضر..

أولاً يطلب أنبوبًا من الإيبوكسي .. الإيبوكسي مادة لاصقة قوية، ولأنها غير موجودة لابد أن يذهب أحد، أو أرسل ابني ليبتاع واحدة من محل الحدايد في أول الشارع، فقط ليكتشف أن المحل مغلق لأن اليوم هو الأحد أو لأن صاحبه قد مات. فلو كان المحل مفتوحاً، فقد تم وقف استيراد الإيبوكسي بأمر من الوزير لأنه يدمر الاقتصاد القومي.

المهم أننا نجد الإيبوكسي بمعجزة ما. يبدي السباك اشمئزازه لأن هذا نوع رديء وليس الإيطالي (بتاع بره). ويقبل على مضض أن يعمل به. ثم يسأل إن كان عندي (بي دي إف). ما هذا الـ (بي دي إف)؟.. أشك أن الرجل يتعامل مع نظام ميكروسوفت وملفات الأكروبات. أعرف في النهاية أن هذا نوع من السجائر الصينية التي يدخنها .. هناك 150 نوعاً من السجائر السامة في السوق، كما تعلم وكلها قاتلة.

يسألني إن كانت عندي (وِرَد).. ورد بكسر الواو وفتح الراء طبعاً.. دعك من معناها فهذا يطول، لكنها ليست عندي.

كل هذا معقول جداً.. إلى أن تأتي اللحظة التي يطلب فيها قطعة خشب مقاسها 67 في 18 سم. ويندهش جدًا لأنني لا أعرف من أين آتي بها. أما عن عامل الدهان فهو يطلب مني (منجفرة).. عليَّ أن آخذ كورساً في الأشغال الحرفية لأعرف كنه هذه (المنجفرة).. وكأنه يجب أن يكون في كل بيت سجادة صلاة ومنجفرة..

هكذا تعلمت الكثير جداً عن الحرفيين الذين لا يحضرون معهم شيئًا على الإطلاق ويطالبونك بتوفير كل شيء، كأن هذه ورشة وليست بيتاً. الأمر نوع من الاستسهال وعدم الاحتراف .. لكن من الصعب أن تجد نجاراً معه مطرقة ومنشار، أو كهربائياً معه وصلة كهرباء إضافية، أو سباكاً معه جلدة للصنبور. صار هذا مستحيلاً…

عندما تتزوج يجب أن تذهب لمتجر يبيع كل شيء لتتزود بكل المعدات التي تخطر أو لا تخطر ببالك .. لا تنس المنجفرة والباتير من فضلك. ولا تنس كميات هائلة من السجائر، وهكذا توفر على نفسك ما مر بي من معاناة.

رائج :   المصنع الكبير .. رسالة من بريد الجمعة

مقالات ذات صلة