فكر و ثقافةقضايا وأراءوعي

قانون العمل الجديد.. نقاش موضوعي لقانون يمس حياتنا جميعا

أحد القوانين اللي بيناقشها مجلس النواب في مصر حاليا، قانون العمل الجديد، اللي الحكومة تقدمت بمقترح بيه، وبعدين مجلس الشيوخ أجرى على المقترح ده بعض التعديلات.

أهمية قانون العمل في حياتنا

– قانون العمل واحد من القوانين الأكثر مساسا بحياتنا جميعا بشكل يومي تقريبا، لأنه هو اللي بينظم علاقة العاملين مع المشغلين في مصر، فلو حتى مش بتشتغل في القطاع الخاص أو بتشتغل في عمل حر، فأكيد فيه أحد أفراد أسرتك أو الناس المقربين منك اللي بيشتغلوا في عمل من الطبيعة دي وبيمس القانون ده حياتهم ومستقبلهم هما وأسرهم.

– قوانين تنظيم العمل بدأت تصدر في مصر في الأربعينات بعد نضال طويل من النقابات العمالية والحركة الوطنية المصرية وقتها، وبعد ثورة يوليو ١٩٥٢، صدر أول قانون عمل موحد سنة ١٩٥٩، وتم اعتبار القانون وقتها واحد من إنجازات ثورة يوليو في حماية حقوق العاملين اللي هما الشريحة الأوسع والأساسية في المجتمع.

قد يهمك: البيتكوين (العملة المجنونة) .. تاريخه و حاضره و مستقبله

عيوب قانون العمل الحالي

– لكن قانون العمل المعمول به حاليا هو قانون ١٢ لسنة ٢٠٠٣ اللي صدر في عهد مبارك، والقانون ده كان فيه بعض العيوب أخطرها هو مشكلة تجديد عقود العمل المؤقتة.

– عقود العمل المؤقتة هي العقود اللي بيشتغل على أساسها أغلب العاملين في القطاع الخاص وأحيانا في القطاع الحكومي، وهي العقود اللي مدتها سنة مثلا، وجرت العادة إن صاحب العمل بيجدد العقد كل سنة طول ما هو شايف التجديد في صالحه، لكن لو حصل أي خلاف بينه وبين العامل، بيتوقف صاحب العمل عن تجديده بدون أي ضمانات للعامل، وبذلك ينهي عمل الموظف بدون أي التزامات حقيقية تجاه الموظف ده.

– بالتالي استخدام عقود العمل المؤقتة وتجديدها بشكل مفتوح كان أحد وسائل انتهاك حقوق العاملين الأساسية، وصدر القانون أيام مبارك علشان يسمح بده تحديدا، في تصور إن الانحياز ده لأصحاب الأعمال على حساب العاملين هيشجع الاستثمار.

قانون العمل الجديد

– القانون الجديد بيحاول يعالج بعض المشكلات دي، وفيه إيجابيات مهمة هنتكلم عنها، لكن برده فيه ملاحظات خطيرة لازم نقف عندها.

أولا، عقود العمل المؤقتة

– عقود العمل إما بتكون محددة المدة أو غير محددة المدة، يعني يا إما بتكون علاقة العمل دي مفترض فيها إنها مستمرة ومش هتنتهي إلا بتقاعد العامل، يا إما بيكون التعاقد مؤقت وده يعني المفروض يكون في حالة الأعمال المؤقتة اللي هي هينتهي فيها العمل نفسه، مش العامل هيتم تسريحه بدون سبب لإحلال عامل آخر مكانه.

رائج :   القصاصة مازالت في جيبي || د : أحمد خالد توفيق

– مع ذلك جرت العادة على استخدام العقود المؤقتة علشان صاحب العمل يتمتع بحرية أكثر في فصل العامل أو التخلص منه لأي سبب بدون أعباء، وفي نفس الوقت لو استمر العامل معاه فهيتم تجديد العقد لمدة محددة برده فيفضل العامل رهن إرادة صاحب العمل.

– الحالة دي بتكون حالة عقود عمل غير محددة المدة لكنها مبطنة، مش صريحة، وواخدة شكل عقد مؤقت.

– لحل الأزمة دي القانون الجديد بينص في المادة ٧١ على تحويل العقد المؤقت لعقد غير محدد المدة في حالات بتشمل استمرار تنفيذ العقد بين الطرفين رغم انتهاء مدته، ما يعني إن الطرفين مرتضيين استمرار العقد ده بدون أجل محدد، وفي حالة تجديد التعاقد ده بين الطرفين.

– فيه خلاف حاليا حول موضوع التجديد ده، الحكومة بتقترح إن التجديد لا يحول العقد المؤقت لعقد دائم إلا بعد ست سنوات، مجلس الشيوخ عدل المقترح الحكومي واكتفى بأربع سنوات، دار الخدمات النقابية والعمالية اللي هي منظمة مجتمع مدني بارزة في مجال الدفاع عن حقوق العمال اقترحت إن أي تجديد للعقد المؤقت يحوله لعقد دائم لأن التجديد هنا معناه إن العمل ده بطبيعته مش مؤقت ولا حاجة.

– الجانب الإيجابي هنا إن القانون تجاوز مشكلة قانون ٢٠٠٣، لكن مهم هنا الوصول لنص قانوني دقيق وواضح يمنع التحايل واستمرار استخدام العقود المؤقتة في أعمال غير مؤقتة، وفي نفس الوقت يسمح بمرونة في التعاقدات والتجديدات.

ثانيا، مشكلة الفصل التعسفي

– يمكن أحد الأهداف الرئيسية لصدور قوانين العمل في العالم هو منع الفصل التعسفي للعامل، وتنظيم العملية دي لحماية العامل من تحكم صاحب العمل فيه.

– قانون العمل المصري سواء الحالي أو المقترح بينص في المادة ١٣٣ على إن من حق صاحب العمل إنهاء التعاقد حتى في العقود غير محددة المدة بشرط إخطار العامل قبلها بثلاثة أشهر، بدون ما تشترط المادة أي أسباب.

– رغم إن القانون بيرجع تاني في المادة ١٤٢ يقول إن صاحب العمل لو أنهى التعاقد بسبب غير مشروع، يحصل العامل على تعويض قيمته شهرين من كل سنة عمل.

رائج :   خدعوك فقالوا … الأهلي بيكسب بالحكام

– فدلوقتي إزاي القانون بيسمح بالفصل أصلا بدون إبداء أي أسباب، وبعدين يرجع يقول لو السبب غير مشروع فيكون فيه تعويض، طيب هو إيه السبب المشروع أصلا؟!

– بالتالي بما إننا بصدد إصدار قانون جديد، ضروري نحل الالتباس القانوني ده بما يمنع الفصل التعسفي، وفي نفس الوقت ينظم عملية إنهاء التعاقد ويقلل التقاضي فيها.

ثالثا، الحق في الإضراب

– واحدة من أهم الإنجازات العمالية في التاريخ الحديث، هو حصول العمال على الحق في الإضراب عن العمل، والاتفاق الدولي على إن هذا الحق تجب حمايته ولا يجوز المساس به، لأنه أداة العمال الأساسية في حماية مصالحهم والمساومة مع الإدارات اللي هي بالطبيعة بتملك أدوات قوة أكبر لأنها هي الي بتملك المال.

– فيه مشكلة كبيرة في المادة ٢٠٥ من القانون، اللي بتشترط إخطار العمال لصاحب العمل ومكتب العمل بالإضراب وموعده وأسبابه قبل ١٠ أيام من تاريخه، لكن كمان بتشترط الإبلاغ بموعد إنهاء الإضراب.

– النص ده مش بس عليه اعتراض، لكنه أصلا ضد المنطق، لأن الإضراب أداة احتجاج وضغط بهدف المساومة والتفاوض للوصول لحل، وبالتالي هو طبيعي مفتوح المدة لحين الوصول لحل، مش استعراض تليفزيوني أو رمزي من حق العمال يعملوه وبعدين يرجعوا للعمل في موعد محدد بدون الحصول على أي شيء!

– المادة ٢٠٧ كمان بتدي رئيس الوزراء الحق في تحديد المنشآت الاستراتيجية اللي يحظر فيها الإضراب.

– تفويض رئيس الوزراء في القوانين بتنظيمها بشكل ينفي أصلا الحقوق اللي بتضمنها القوانين دي مشكلة كبيرة، لأن الحكومة وقتها بيكون لديها الصلاحية لإيقاف أي إضراب أو إجهاضه بدون أي ضمانات للعمال بقرار من رئيس الوزراء إن المنشأة اللي حاصل فيها الإضراب دي منشأة استراتيجية حتى لو كانت أي مصنع لإنتاج أي سلعة تكميلية أو أي مؤسسة خدمية عادية، ودي مشكلة تمس بالحق القانوني نفسه.

– النقاط دي كانت بين تحفظات منظمة العمل الدولية عن مصر بشكل متكرر، ومع ذلك للأسف مشفناش تحرك لإصلاحها في قانون العمل الحالي.

– بل إن حتى هنا في مصر، قسم التشريع في مجلس الدولة أوصى بإن القانون نفسه يحدد المنشآت دي ولا يتركها لرئيس الوزراء لأن التحديد ده بيمس بأصل الحق، وبالتالي لازم القانون نفسه ينظمه مش الحكومة (واتكلمنا عن نفس المشكلة دي قبل كده في مادة صندوق العمالة غير المنتظمة).

رائج :   الديكتاتورية .. نماذج من الطغاه (الجزء 2)

رابعا، استثناء العمالة المنزلية

– للأسف، القانون بيبدأ في المادة الرابعة منه بالنص على استثناء موظفي الحكومة من القانون، وده مفهوم لأن لهم قانون خاص لتنظيم علاقتهم بالحكومة اللي هي المشغل في حالتهم، وهو قانون الخدمة المدنية، لكن كمان القانون بيستثني العمالة المنزلية.

– الاستثناء ده خطير جدا لأنه بيمس قاعدة المساواة الأساسية بين المواطنين والناس عموما، وبيرجعنا لعهود ظلامية كان بيتم التعامل فيها مع العمالة المنزلية كأنهم رقيق، وللأسف القانون ده بيرسخ العلاقة دي كأنها مش علاقة عمل عادية.

– اللي بيأكد ده إن مفيش أصلا قانون تاني مثلا ينظم علاقة العمل دي على افتراض إن علاقة العمل دي علاقة لها خصائص مختلفة لأي أسباب تستدعي تشريع مستقل، والطبيعي أصلا إن قانون العمل يشمل كل أشكال العمالة، ويتم استثناء العمالة المنزلية لو ضروري من بعض المواد لو المواد دي مثلا ممكن تسبب مشكلات، زي مشكلة تفتيش العمل.

– بنتمنى مراجعة المادة دي بالذات في أسرع وقت وحذف الاستثناء الخطير وغير الدستوري ده.

قد يهمك:

22 قانون للتسويق … لكل رائد أعمال

ملاحظات

– فيه نقاط تانية في قانون العمل تستحق المراجعة زي تحديد الأجور والتدرج فيها والعلاوة الدورية، لكن إحنا هنا بنحاول نبرز النقاط اللي نقدر كلنا نفهمها وتهمنا ونترك الباقي للمختصين القانونيين والنقابيين.

– عايزين بس الناس تفهم كويس إن القانون ده شيء بيمس حياتهم ولازم يهتموا بفهمه وبكيفية صدوره وبإبداء آرائهم حوله.

– في المقابل، لازم برده الحكومة تتعلم الدرس، إن حماية حقوق العمال ووجود بنية تشريعية متطورة من القوانين شرط لتشجيع الاستثمار، مش إننا نحرم العمال والموظفين من حقوقهم ونعرضهم للتعسف.

– وجود علاقة عمل منظمة وواضحة بيحمي مصالح صاحب العمل والعامل في نفس الوقت، وبيقلل الحاجة إلى المنازعات القضائية.

– هو ده المعنى الحقيقي للدولة والديمقراطية، وجود قانون يسود على الجميع، وأولهم الحكومة، ويحمي الحقوق وينظمها، ويصدر بإرادة الناس وبعد مشاورتهم ومشاركتهم في نقاش حوله.

– نتمنى دايما نشوف بلدنا بتتعامل مع القانون بالمنطق ده.

 

مقالات ذات صلة