من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)
هل تتذكرني؟.. إنني الأرملة التي كتبت لك منذ نحو سنة أو أكثر تقول لك إنها تزوجت عن طريق المعارف من مهندس شاب يعمل بالخليج, وكانت تعود معه في الاجازات لمدينتها لتزور أهلها أو للولادة وكان هو يذهب للعاصمة ليكمل إعداد شقة الزوجية.. ثم شاء القدر أن يموت فجأة فتعود وتدخل شقتها للمرة الأولي أرملة مع ثلاثة أطفال أكبرهم لا يزيد عمره علي ثماني سنوات وصغراهم لم تزل رضيعة
ولم يمض وقت طويل علي اقامتي أنا وأمي في القاهرة التي كانت بلدة غريبة بالنسبة لي شأنها كشأن البلد الذي عشت فيه مع زوجي الراحل حتي فاتحني صهري في زواجي من ابنه الطبيب وتناقشت أنا وأمي في ذلك ووافقت وتم الزواج وكتبت لك أن زوجي قد تجنبني تماما كزوجة, ولكنه نعم الأب لأولادي فلم يعوضهم فقط عن أبيهم الراحل وإنما غمرهم أيضا بالحنان لطيبته الشديدة ومرحه علي عكس شدة أبيهم وطباعه المتحفظة,
ولم يمض وقت آخر حتي فوجئت بزيارة عاصفة من صهري يعايرني فيها بقبول ابنه بي وهو الذي لم يسبق له الزواج وامتناعي أنا عنه ويهددني بأنه سوف يزوجه من أخري اذا استمر هذا الوضع وكتبت لك أشكو ما حدث وقلت لك انني قد ثرت علي زوجي للمرة الأولي وبكيت بحرقة لأنه فضح ما ستره الله علي مع اني لم أقصر في حقه ويعلم الله ذلك ولم يزد رد فعله علي ثورتي عن أن اعتذر لي ثم لم يعد حتي يتحدث معي.. ولم أكن قد قرأت بعد ردك علي رسالتي صبيحة يوم الجمعة الذي نشرت به حتي وجدت زوجي الذي كان لم يزل علي خصامه لي يناديني في غرفة نومي ليعرض علي الجريدة ويقول لي هل أنت صاحبة هذه الرسالة..
وجرت عيناي علي السطور وشعرت بخجل شديد وأطرقت رأسي فإذا به يصارحني بأنه لم يقصد أن يفعل والده ما فعل وأنه كان يتصارح معه فقط, محاولا إخباره ان هناك حاجزا نفسيا يقوم بيننا ويحول دون تعامله معي كزوجة غير ان أباه لم يعطه الفرصة ليكمل حواره معه وفعل ما فعل وأنه لم يستطع الحديث معي لأنه لم يعتدني حتي تلك اللحظة,
وطلب مني ان نخرج معا للحديث بعيدا عن الأولاد وصارحني ان اباه قد ضغط عليه بشدة ليتزوجني وأنه قد وافق علي ذلك من منطلق حرصه علي أولاد أخيه الذين هم الآن قرة عينه وأنه لمس في خلال ذلك حسن الطباع وحلاوة الاحساس بالأسرة والعقل السديد ويشعر بتأنيب الضمير لي.. وأن حدسي قد صدق بشأنه لأنه بالفعل مرتبط بزميلة له ولا يستطيع التخلي عنها وهي تعرف كل شيء منذ بداية القصة بوفاة أخيه ووافقت علي ان يتزوجني لأنها نشأت يتيمة وتزوجت أمها بغير أبيها
ولذلك فهي تشعر بواجبه الانساني تجاه أولاد أخيه وكان شرطها الوحيد هو ان يكون الزواج صوريا وأنه رأي أن ذلك من أبسط حقوقها, وقال لي أيضا إن أباه لا يعلم أي شيء عن ارتباطه بزميلته وأنهي حديثه بأن اعتذر لي ثانية بأني امرأة استحق أن يحبني أعظم رجل وأنه لا يجاملني في ذلك, ولكنها الظروف التي لم يخترها أي منا لنفسه..
ولم أنطق بكلمة يومها يا سيدي وطلبت منه الانصراف وعدت للمنزل لأبكي طوال الليل ولا أعرف إن كنت أبكي علي نفسي أم علي الأيام القادمة.. وصارحت أمي بما حدث فطلبت مني أن أسأل نفسي ماذا أضاف زواجي منه إلي وماذا سيغير انفصالي عنه لو أردت.. من وضعي؟ وطلبت مني أن أضع في اعتباري أن صهري سيرفض هذا الانفصال بكل الصور وأن السبب الأكبر لذلك هو الثروة التي تركها زوجي لأولاده قبل ان تكون مصلحتهم الشخصية..
وسألت نفسي هذا السؤال فوجدت أن زواجي منه لم يزدني إلا السعادة الغامرة لأولادي التي لا أستطيع أن أنكرها بل إني لا أنكر أنهم أسعد حالا من أيام أبيهم ولا أقول بالطبع انهم قد نسوه, ولكنهم في منتهي السعادة وتكفي ضحكاتهم مع عمهم كل مساء لتثبت ذلك وأنهم هم الذين طلبوا أن يقولوا له يا بابا ولم يطلب هو منهم ذلك, أما انفصالي فلن يغير في الامر سوي تعاسة أولادي أولا, ثم أبواب جهنم التي سيفتحها جدهم علي وأنا لا حول لي أنا وأمي ولا قوة وليس لنا بعد الله أحد..
وسألت أنا نفسي كيف أحسن هذا الوضع فوجدت أن الحرج الذي كان يقوم بيني وبين عم أولادي قد زال بمعرفتي أن هذا الزواج صوري, وأن أحسن تغيير لحياتي هو أن أحول هذا الزواج الي أخ حقيقي وبدأت في ذلك يا سيدي,
أما هو فكأن جبلا قد انزاح عن صدره وبدأ يتعامل معي بلا تحفظ وأنا الاخري كذلك وبدأ الحوار بيننا حول الاولاد وشئون المنزل والاوراق التي لا تنتهي أبدا في المجلس الحسبي الذي هو نقمة علي كل الأرامل, وبدأ هذا الحوار يدور داخل غرفتنا التي عاد لها بعد حواره معي وكانت هذه الغرفة لا تشهد كلمة واحدة بيني وبينه, كما بدأ يحكي لي عن عمله وعن حبيبته وأحكي له أنا عن حياتي قبل الزواج وأبي الراحل والتشابه في الطباع بينهما وبدأت أحثه علي مفاتحة أبيه في زواجه وأعرض عليه أن يأخذ من نصيبي في الميراث ليستعين به علي زواجه ثم يرده فيما بعد وبدأت العلاقة بيننا تأخذ شكلا جميلا أعانني علي تقبل الواقع والتعايش معه, وانتهت زوابع جد أولادي تجاه زواج ابنه حتي تزوج واتفقنا ألا يعلم الاولاد وأن يعتقدوا
أنه يبيت في المستشفي نصف الاسبوع, وكان يبيت عندي أكثر أيام امتحانات الولدين حتي كنت أخشي ان تغضب زوجته ولكنه طمأنني أنها تتفهم الموقف وأن قلبه هو الذي لا يأبي تركهم أيام امتحاناتهم وكانوا يتصلون به علي المحمول دائما لتحيته تحية المساء أيام مبيته خارج المنزل وبالرغم من انني كنت أحاول منعهم..
وحمدت ربي علي ذلك ولكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن فقد بدأت ألاحظ بوادر أزمة عندما لاحظت بعد عدة أشهر عصبية زوجي الشديدة وأحسست أن الموضوع خطير بالرغم من محاولته اقناعي أنها مشاكل خاصة بالعمل, وصبيحة أحد الأيام سألته مباشرة إن كانت زوجته قد تضايقت من هذا الوضع وقلت له إني أتلمس لها العذر إن كان الامر كذلك لكنه نفي ذلك بشدة وقال لي ان الموضوع مختلف تماما وشكا لي من تدخل ابيه مما قد يفسد حياته..
وبإحساس الانثي توقعت مع بداية تكرار زيارات صهري لي ووجوده مع الاولاد وبضع كلمات متناثرة أنه يلمح الي ان زوجة ابنه لم تحمل حتي هذا الوقت وعجبت لهذا الرجل وتدخله في حياة الجميع بهذا الشكل خاصة ان الزواج لم يكن قد مضي عليه سوي عدة أشهر فقط, ومع تطور الاحداث التي كنت ألاحظها فقط ولا أعرف عنها شيئا وجدت زوجي ينطوي علي نفسه مرة أخري ويتباعد عني وعن الحديث معي وحاولت أن أخرجه من صمته فكان يطلب مني ألا أحاول الحديث معه حول هذا الموضوع تماما,
وامتثلت لذلك واحترمت إصراره علي سرية مشاكل بيته وأكدت له أنني أسأله كأخت له, خاصة أنني كثيرا ما تدخلت لاقناعه في مواقف سابقة بينه وبينها في مشاكل الحياة العابرة ويعلم الله أنني كنت دائما أمينة في الحديث معه بمنطق الاخت له بل كنت في بعض الاحيان أصر علي ألا ينام إلا بعد مصالحتها ولكن هذه المرة لم يسمح لي حتي بمعرفة ما يحدث,
ولا أطيل عليك أني وجدته ذات يوم يرجع بحقيبة ملابسه قائلا إنه طلقها وكان ذلك عقب أربعة أيام قضاها عندها وعاد لي أشعث الشعر وطويل الذقن وعصبيا بشكل غريب حتي كاد يضرب أحد أولادي فتدخلت بلطف وحزم ومنعته من ذلك وأجبرت الصغير علي الاعتذار له برغم أنه لم يكن مخطئا وبعد هدوء الامور نسبيا حاولت اقناع زوجي ان يرد زوجته الي عصمته فلم يقتنع وعرفت انها قد عرفت باستحالة حملها وأصرت علي الطلاق وظلت تطلبه بشدة وجمعت أهلها ووالده لإجباره علي طلاقها وأنه قد أصر ألا يفعل حتي ذهبت الي المستشفي وشتمته أمام الناس فلم يتحملها وطلقها, هذا ما قاله لي… وعبثا حاولت إقناعه بأنها فعلت ذلك لأن نقصها قد جرحها
وأن حبها له هو الذي جعلها تصر علي الطلاق من أجل سعادته وأنها بذلك لا تستحق منه ألا ان يتحمل من أجلها وطلبت منه أن يردها ويترك لها حرية أن تظل بعيدة عنه فترة حتي تهييء نفسها فأخبرني أن تصرفات ابيه معها ومع أهلها لن تسمح له بذلك ومضت فترة وطالبته مرة أخري بأن يحاول فقال لي إنه قد حاول بالفعل لكن أمها قد أخبرته بأنها ستتزوج فأصررت علي أنها كذبة وطلبت منه المحاولة مرة أخري وبعد فترة أخبرني أنه قد حاول ولم يفلح وكان طبيعيا بعد تطور علاقتي به طوال الفترة الماضية ان يتحول زواجي منه الي زواج كامل..
ولم تمض فترة بسيطة حتي كانت بوادر الحمل قد بدأت تظهر علي بوضوح ولا أستطيع أن أصف لك سعادة زوجي وأبيه بذلك, أما زوجي فقد شعرت أنه يطير ولا يمشي علي الأرض وكنت أضحك من قلبي علي خوفه علي مع انها المرة الرابعة بالنسبة لي ولا أشعر بأي شيء غريب أصلا, أما هو فلا يفارقني ويتشاجر بشدة لو تحركت حركة عادية وأضحك أنا فيزيد غيظه وقد كانت كثرة ضحكي بداية للذي أكتب لك من أجله وكأنه مكتوب علي ألا يهدأ بالي سواء بعدم الزواج أو بالزواج الحقيقي..
ففي أحد أيام حياتي السوداء استيقظت علي صوت أمي تستنجد بي ونهضت جريا فوجدتها تشير الي قلبها ولم تكن أبدا مريضة من قبل فانزعجت خاصة من شكل وجهها وجريت الي التليفون لأتصل بزوجي ووجدت تليفونه مغلقا واتصلت بالمستشفي وأنا أبكي بفزع فردت علي إحداهن لتقول لي إنه في غرفة العمليات ولا تستطيع استدعاءه للتليفون, ومن شدة بكائي قالت لتطمئني إن علي ان أترك رقم التليفون ليتصل بي فور انتهاء العملية وأنها ستخبره بذلك,
وكنت لا أستطيع السيطرة علي كلماتي مع ارتفاع آهات أمي فقالت لي اهدئي يا مدام سأبلغه بكل تأكيد.. أنا زوجته الدكتور فلانة! وتوقفت للحظة عن البكاء فسألتني عن اسمي فقلت لها إنني زوجته فشهقت وأغلقت أنا السماعة واتصلت بالاسعاف وخلال وجود طبيبها حضر زوجي وتكلما باللغة الانجليزية وكان تعبير وجه طبيب الاسعاف يقول انها النهاية وطلب زوجي من أمي أن تنهض للذهاب للمستشفي فرفضت بشدة وقالت له إن أمها ماتت بأزمة شبيهة في فراشها وستكون هي مثلها وحاولت إقناعها فرفضت وجلست مستندة إلي ذراع زوجي وطلبت منه ان يقسم علي القرآن أن يرعاني وقالت له كلاما لم تقله لي أنا شخصيا قبل ذلك.. قالت له إنني لم أكن سعيدة مع أخيه وأنها كانت تشعر بذلك من خطاباتي ومن وجهي خلال اجازاتي لكنها كانت تسكت لأنه نصيبي وقالت له انها شعرت أنني أحبه
هو منذ تعاطفي معه في قصة زواجه وبعد فشلها وتطور الاحداث وقالت له هل يعرف ما معني ان تحب امرأة مرة واحدة في حياتها من رجل تعرف أنه ليس لها ثم يتحقق فجأة زواجها منه ونظر لي زوجي ولكنني كنت لا أعرف هل أبكي علي سندي في الدنيا التي تفارقني في أحلك لحظات حياتي أم علي حظي؟!..
ورحلت أمي عن الحياة وأصابتني حالة من القيء اللا إرادي حتي أصبحت لا أقوي علي الوقوف نهائيا وبعد فترة وجدت زوجي يقول لي إنني لم أنظر في وجهه من يوم وفاة أمي وأنه يعرف أن لدي كل الحق في ذلك وأن عودته لزوجته لم يكن قد مر عليها حين علمت بها أكثر من أسبوع بتدخل من أصدقاء مشتركين وأنه كان سيخبرني بالطبع… ولم أرد عليه ان الخيانة ليست في رجوعه لها لأنه من حقها هي في الاصل وأنا الدخيلة عليها ولكن انظر كيف تعاملوا معي منذ البداية؟
لقد زوجوني من رجل لا يريدني ليكون فقط قيدا في يدي يمنعني من الزواج من آخر أنا التي لم أتعد الثلاثين من عمري وأرملة وغنية وجميلة برغم أني لم أكن لأفعلها مطلقا من أجل أولادي, وإذا قلت إن له ولأبيه العذر لأنهم لم يكونا يعرفانني فما هو العذر لرجل قال لي إنه لا يريدني برغم ذلك تعاملت معه بمنتهي الامانة وكرامة النفس وقد عرفني جيدا وساعدته في زواجه وفي وقوفه أمام أبيه حتي يتزوج ممن يريد وتطلعت لسعادته حتي مع أخري,
وحاولت أكثر من مرة أن أجعله يردها وكان يتعلل بأنها ترفض. انني أشك أن الامر برمته كان تمثيلية لأحمل أنا هذا الطفل لتكتمل سعادة من تزوجني رغما عنه ليجبرني علي ان أظل وفية لأخيه ثم تعامل معي وكأنني جزء من تركة أخيه له عندما احتاجني لأكون أما لطفله بتمثيلية ساذجة لا أدري الآن كيف صدقتها؟! وإذا كانت حقيقية فكيف لم أدرك أنه سيعود اليها في يوم من الأيام وإذا كان ما حدث كما رواه لي حقيقة فلماذا أخفي عني عودته لها.. لماذا الخيانة.. وأنا التي ناصرته من البداية..
إنني يا سيدي لا أستطيع النظر في وجهه بالفعل ولا التحدث معه ولا أن أسامحه وقد طلبت منه أن يسرحني بإحسان وأن يظل المنزل منزله ولأولاد أولاده في كل وقت وأن يأتي وقت ما يشاء ويبيت في غرفة أمي رحمها الله فقال لي صراحة إني أستطيع أن أطلب منه ما أشاء حتي ترتاح اعصابي أما تحقيقه فلن يكون مدي حياتي تحت أي ظرف من أجل أولاد أخيه وابنه القادم وأنه حتي بدون ابنه فلم يكن ليطلقني أبدا وأحسست أني أمام زوجي الراحل بجبروته وإحساسه بالامتلاك لمن حوله وإني كنت مخطئة عندما تصورته مختلفا عنه.
أنها نفس العائلة التي تتحكم في مصيري منذ قرابة السنوات العشر مرة بالزواج والآن بالإرث( وليس بالزواج) فإحساسي أنه قد ورثني لم يتزوجني… والمصيبة أنني أحتقر نفسي وأتساءل ليل نهار: لماذا فعلت ذلك بنفسي لقد كان موقفي كريما كأم لأولاد أخيه أما الآن فأنا مجرد( ضرة) فأي مهانة وأي احتقار ان زوجي يقول لي إنني سأقتل نفسي وجنيني بكثرة بكائي وأن ضغط دمي لا يستجيب للعلاج برغم المهدئات وأنني المسئولة عن ذلك ويحذرني من أن أحاول الإضرار بابني والوضع بيني وبينه في منتهي السوء لأني لا أطيقه ومجرد وجوده يشعرني بالتوتر,
أما هو فيشعر بالذنب من ناحية ويخاف لدرجة الموت علي ابنه ويحملني المسئولية وأخشي أن يضار الجنين وأنا متوترة ولا أستطيع السيطرة علي نفسي وليس لي في الدنيا الآن من أتحدث معه فرأيت أن أفضفض عن نفسي بالكتابة لك.. فماذا تقول لي؟
ولكاتبة هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :
بعض أسباب معاناة الإنسان وعجزه عن تحقيق سعادته أنه قد يلجأ أحيانا إلي إنكار أفكاره الحقيقية خجلا منها أو رفضا للاعتراف بها, ويستعير لنفسه أفكارا أخري تبدو أكثر عدلا ونبلا واحتراما وأقل مدعاة للشعور بالخجل تجاهها, ثم يزعم لنفسه أنها أفكاره الحقيقية ويتعامل مع الآخرين أو يطالبهم بالتعامل معه علي أساسها.
ولأن الانسان إذا صدق مع نفسه صدق مع الناس جميعا, كما نبهنا إلي ذلك شاعر الإنجليزية الأعظم شكسبير منذ عدة قرون, كان الصدق مع النفس ييسر علي المرء التعامل مع الغير وييسر عليهم التعامل معه.. ووضوح الأهداف القائم علي اعتراف المرء لنفسه برغباته وأفكاره الحقيقية.. يحدد له الطريق الذي يسلكه لبلوغها.. ويوفر عليه عناء الدوران حول الهدف والتخبط في الطرق المتشابكة التي لا تبلغ به الغاية.
ولعل الأديب الجزائري مالك بن حداد كان يعني شيئا من ذلك حين قال في أحد أعماله الأدبية, إن المرء يفتح شباكه لينظر إلي الخارج, ويفتح عينيه لينظر داخل نفسه, ويتعرف عليها جيدا وعلي رغائبها وسماتها! ويخيل إلي ياسيدتي أنك تحتاجين إلي النظر الثاقب في مرآتك الداخلية لكي تتعرفي علي أفكارك الحقيقية ورغباتك الأصيلة وتعترفي بها لنفسك بلا خجل, ومن ثم للآخرين بلا مواربة.
ذلك أنه من قبيل تلك الأفكار المستعارة التي قد ينتحلها الانسان لنفسه هو قولك أن سبب غضبك الضاري من زوجك وضيقك الشديد به ورفضك لقبول الأمر ليس مبدأ إعادته لزوجته الثانية وإلي عصمته في حد ذاته, وإنما لأنه قد فعل ذلك سرا وتخفي به عنك وذلك برغم أنك أنت التي شجعته من الأصل علي الزواج منها واعانته عليه ماديا ونفسيا وعائليا, وشعرت بالحزن حين انفصل عنها من قبل وكانت تحثه علي ردها لعصمته, وبالتالي فإنه وفقا لهذه الفكرة المستعارة فإن سبب غضبك منه هو الخيانة بمعني خيانة الثقة والصداقة القائمة بينكما علي المصارحة والمشاركة في كل أمور حياتيكما, وليس بمعني خيانة عهد الوفاء للزوجة.. والإخلاص لها دون غيرها من النساء.
والمؤكد هو أن زوجك قد أخطأ في حقك برده لزوجته الثانية الي عصمته دون استئذانك في ذلك وقبولك به, وموافقتك علي الاستمرار معه علي هذا الحال, لكن المؤكد أيضا هو أن بركان غضبك لم ينفحر لخيانة الصداقة وإنما لخيانة العهد بالمعني الطبيعي لها لدي أي امرأة تفضل دائما أن تستأثر بزوجها وتكره أن تشاركها فيه أخري مهما تكن المبررات.
فلقد تغير حالك مع زوجك عما كان عليه حين كنت تشجعينه علي الزواج من زميلته… وتتحدثان معا في هذا الأمر حديث الصديقين وليس حديث الزوجين, فلقد كنت زوجة صورية له جمعت بينكما الأهداف المشتركة في رعاية الأطفال تحت مظلة واحدة, وقبل كل منكما بالآخر راغما أو محرجا.
أما حين اكتشفت عودته إلي زوجته الثانية فلقد كنت حينذاك زوجة حقيقية له وتضطرب أحشاؤك بجنين منه, وقد اتخذت العلاقة بينكما شكلها الطبيعي وتعمقت الألفة والمودة بينكما. فإذا قلت الآن إنك غاضبة بشدة لأن ظهور هذه الزوجة في حياته مرة أخري قد هدد حلمك المشروع في حياة طبيعية مع زوج يخلص لك وحدك وتخلصين له.. ويستأثر كل منكما بصاحبه دون العالمين, لما لامك أحد في ذلك.. ولاتضح الطريق أمامك, وعرف زوجك علي الأقل ماذا تريدين..
وماهو المطلوب منه أن يقدمه إليك لكي تعود المياه إلي مجاريها بينكما, ذلك أنه إذا كان الأمر يتعلق حقا بخيانة الثقة والصداقة باعادة الزوجة الثانية دون علمك فإنه لايتطلب أكثر من الاعتذار لك عن هذا الخطأ والتكفير عنه بترضية معقولة ويحق له أن يلومك إذا لم تقبلي الاعتذار واتجاوزي عن الخطأ.
أما إذا لم يكن الأمر كذلك فإن إصلاح الخطأ وترضية النفس لايتحققان في هذه الحالة بالاعتذار وحده.. وإنما بانفصاله عن زوجته الثانية.. وتفرغه لك ومعاهدته لك ألا يجمع بينك وبين أخري في المستقبل..
فهل أنت قادرة علي الجهر بأفكارك ورغباتك الحقيقية والدفاع عنها للنهاية؟ أم أنك تفضلين الدوران حول الهدف, والتعمية علي الرغائب الأصلية بالوقوف أمام الشكليات بمثل هذه الأفكار المستعارة.
إن الأمر بيدك فقرري لنفسك علي ضوء الممكن والمستحيل في مثل هذه الأوضاع.. ولا تنسي وضع سعادة الأطفال ومستقبل الوليد القادم من عالم الغيب في الاعتبار, كما أن صهرك الذي يحرص علي استمرار هذا الزواج بغض النظر عن حقيقة أهدافه من ذلك, يستطع أن يؤدي دورا في الحفاظ عليه.. وإزالة العقبات من طريقه إذا كنت راغبة في ذلك.. وشكرا..