إذا ركزت جيدًا على يسار الصورة ستلاحظ خوذة طافية في الهواء (مشار لها بالسهم) تحتها ما يبدو أنه جسم شبح، على الرغم من أن الصورة طبيعية %100 ولا تحتوي على اي شيء غير مادي أو خارج الطبيعة، إلا أن قصة الصورة أشد إثارة (ورعبًا) بمليون مرة مما لو لها علاقة بأي أشباح أو ما فوق الطبيعة، وأشد كارثية من أي شيء شهدته أو سجلته البشرية على مدار تاريخها.
القصة بدأت في الصباح الباكر في السادس والعشرين من ابريل، عام 1986 في منطقة “تشيرنوبل” بالقرب من مدينة Pripyat في أوكرانيا حيث توجد محطة الطاقة النووية الشهيرة محطة تشيرنوبل،
وأثناء اختبار روتيني للمفاعل رقم 4 حدث اندفاع مفاجئ في الطاقة في القلوب النووية للمفاعل تسبب في إنفجار صغير وفي محاولة العمال والخبراء إحتواء الحرارة الناجمة عن هذا الإنفجار، نتج بدلًا إنفجار آخر قتل 2 من العمال فورا و 29 على مدار الـ4 أشهر اللاحقة (بسبب الجراح والإشعاع) وتسبب في إشعاع أكثر بـ400 ضعف الإشعاع الناتج عن قنبلة هيروشيما.
ما حدث في السابق في حد ذاته مرعب، ولكن الكارثة الحقيقية كانت بالكاد بدأت. فبسبب الحرارة الناتجة عن الانفجارين (وبضعة أخطاء في التصميم) بدأ الوقود النووي بداخل نواة المفاعل ينصهر و يتحول لما يشبه حمم بركانية معدنية نووية ويصهر الأرضية الموجودة أسفله يتسرب للطبقات السفلى من المفاعل وفي النهاية تكتل مزيج الوقود النووي والخرسانة والزجاج إلى هذا الشيء المحدد بالدائرة الحمراء في الصورة ويسمى “قـَـدَم الفيل” (محدد بالدائرة) سنعود له لاحقــًا.
لاحتواء هذه الكارثة وإخماد أو تخفيف انتشار الإشعاع القاتل المدمر في البيئة بقدر الإمكان، بدأت حكومة الإتحاد السوفييتي أكبر مشروع هندسة مدنية في التاريخ لدفن المفاعل عن طريق إحاطته بحصن خرساني شديد السُمْك تسمى “التابوت” Sarcophagus (صورة: https://goo.gl/2Cj6Fk )
بناه أكثر من نصف مليون عامل، ثم تم تغليف التابوت نفسه لاحقــًا ببناية أضخم منه للحد أكثر وأكثر من خطورة وشدة الإشعاع (صورة: https://goo.gl/yqn4CQ )
بداخل هذا المفاعل اليوم يوجد أكثر من 200 طن من عنصر الكوريوم المشع و 30 طن من الغبار شديد التلوث نوويًا وأكثر من 16 طن من عناصر اليورانيوم والبلوتونيوم شديد الإشعاع.
الوقوف على سطح مبنى التابوت يعرضك في 12 دقيقة لقدر من الإشعاع أكبر من مقدار سنة كاملة من الإشعاع الذي ستتعرض له في أي مكان آخر وبداخله البيئة مشعة لدرجة أنها تقتلك في خلال دقائق.
عودة لموضوع “قدم الفيل،” بعد الكارثة مباشرة تم إرسال علماء ومهندسين للداخل للبحث عن أي وقود نووي يمكن أن يتسبب في إنفجار آخر وبعد 6 أشهر من البحث وجدوا نفسهم وجهــًا لوجه مع هذا العذرائيل النووي المسمى “قدم الفيل”
فهو عبارة عن كتلة من الوقود النووي المنصهر عرضها 2 متر فقط ولكن وزنها أكثر من 100 طن! وفي فترة الحادث وبعدها بقليل كانت هذه الكتلة شديدة الإشعاع لدرجة أنها تعرضك لـ10,000 وحدة إشعاع سيني أو röntgens لكل ساعة الواحدة…
مما يعني أنها في خلال 30 ثانية ستسبب لك إغماء وإعياء شديد جدًا يستمر لمدة بضعة أسابيع (إذا كنت محظوظ و استطعت الهرب وهو شيء مستحيل،) وخلال دقيقتين تتسبب في نزيف داخلي لجميع خلاياك، وخلال 300 ثانية فقط ستجعل موتك محتومًا %100 خلال يومين على أقصى تقدير.
طبعًا، للأسف، بسبب أن في ذلك الوقت لم يدرك الباحثين الخطورة البالغة جدًا للتعرض أو الوقوف بجانب هذا التكتل الشيطاني فإن الكثير من العمال والخبراء تعرض لها وأخذوا لها بعض الصور، من ضمنهم هذه الصور
وظهور العامل بهيئة شبحية هو نتيجة تفاعل الإشعاع الناتج عنها مع الفيلم الفوتوجرافي للكاميرا، وعلى الرغم من مرور أكثر من 30 عام على الحادث إلا أن هذه الكتلة “قدم الفيل” مازالت شديدة السخونة والإشعاع،
وأقل من ساعة واحدة وقوف بجانبها كفيلة بقتل الشخص ولكن ليس طبعًا قبل أن تصيبه بجميع أنواع النزيف والتلف والتفكك الجسدي من حدة الاشعاع، ولهذا نالت هذه الغرفة المتواجدة بها “قدم” الفيل لقب “أخطر غرفة في العالم.”
كل ما سبق بكارثيته برعبه يخبو ويتلاشى تمامًا مقارنة بهذه الجزئية القادمة. بعد الحادثة المبدئية وأثناء ما كان الوقود النووي المنصهر ينساب للطبقات السفلى كان هذا الوقود في طريقه لصناعة كارثة لم يشهد لها البشر أي مثيل ولا حتى عُشر مثيل،
هذه الكارثة كانت ستنتج بسبب أن قاع المفاعل كان يوجد به بحيرة مائية صغيرة ناتجة عن محاولات الإطفاء للإنفجارات السابقة وأيضـًا تلف مواسير التبريد، ولكن في الحقيقة أن الوقود النووي لو كان وصل لهذا الماء لنتج عن تفاعله مع الماء إنفجار نووي “بخاري”
هذا الانفجار توابعه كانت ستتسبب في مقتل عشرات الملايين من البشر (بلا أدنى مبالغة) ويدمر نصف أوروبا كلها ويحولها لأرض خراب غير صالحة للمعيشة أو أن تطأها قدم إنسان أو أي شكل آخر من الحياة لمدة أكثر من 500,000 سنة، ويغلف باقي أوروبا وجزء كبير جدًا من آسيا (وربما افريقيا أيضـًا) بالإشعاع والغبار النووي القاتل،
ويسمى بخاري أو steam explosion لأن بخار الماء الناتج عن الإنفجار كان سيحمل الإشعاع القاتل لمساحة عريضة جدًا من الغلاف الجوي وهو الذي كان سيتسبب في أغلب الخسائر سواء مادية أو في الأرواح (الإنفجار المبدئي وحده كان سينسف المنطقة بالكامل وحولها بـ400 كيلومتر.)
يعني كان سيتسبب ذلك الحادث خلال أيام في مقتل أضعاف ما قتلته الحرب العالمية الثانية في غضون 6 سنوات! ولذلك كان لابد من فتح المحابس الموجود بأسفل البحيرة لتسمح للماء بالإنسحاب للخارج والإبتعاد عن طريق الوقود النووي ولكنها كانت مهمة إنتحارية لأن الماء بالفعل كان قد تلوث بالإشعاع ونزولك فيه يعني موتك المحقق بعد فترة قصيرة من آثار الإشعاع.
هذه المهمة الإنتحارية أخذها على عاتقهم 3 رجال أبطال تتخطى بطولتهم وشهامتهم أي قصة سينيمائية أو ملحمة درامية في التاريخ أسمهم Valeri Bezpalov وAlexie Ananenko وBoris Baranov، لم يتوانوا لحظة بالقفز في فك الموت لإنقاذ مئات الملايين،
لبسوا البدل وقفزوا لأسفل البحيرة وبعد فترة من البحث عن المحابس أستطاعوا الوصول لها وفتحها مما فتح السدود وتصريف الماء للخارج، والمقابل كان حياة العامل والمهندسين الأبطال، Valeri توفى بعدها بأسبوعين في مستشفى موسكو متأثرًا بالإشعاع وبعدها بأيام لحق به Boris وAlexei.
الآن لهم (ولرجال المطافي البواسل الذين أيضـًا ساهموا في إنقاذ الموقف عن طريق شفط جزء من الماء) نصب تذكاري يُدعى “إلى هؤلاء الذين أنقذوا العالم” To Those Who Saved the World أسم على مسمى!