قصص وعبركتابات د : أحمد خالد توفيقمن هنا وهناك

قطعة الشيكولاتة الأخيرة || من كتابات د : أحمد خالد توفيق

(ورقة الكرم الأخيرة) قصة قصيرة شهيرة ومؤثرة جدا للأديب الأميركي (أو. هنري)، وتحكي عن فنانة مصدورة مريضة ربطت موتها بسقوط آخر ورقة كرم من على غصن الشجرة خارج النافذة.. الحكاية أن الورقة لم تسقط قط .. فيما بعد استردتْ عافيتها، فعرفتْ أن فنانا مغمورا يحبها رسم ورقة زائفة ليوهمها بأن الورقة موجودة وأن في حياتها بقية. ما أتكلم عنه اليوم أقل سموا ورقيا لكنه مؤلم بالقدر ذاته. منذ طفولتي يشتري أبي الفاكهة أو يهدينا أحدهم صندوقا من الشيكولاته، وكنا نقوم باللازم ونجهز على الفاكهة أو الشيكولاته بالكامل.

فقط تبقى قطعة شيكولاته أو تفاحة أخيرة .. المهم يبقى شيء ما غير قابل للتوزيع علينا. هذا الشيء الأخير يظل في الثلاجة بانتظار أن يظهر له زملاء قابلون للتقسيم. وفي صباح تعس يختفي من عالمنا نهائيا.. أين ذهب؟ لا أحد يعرف. وكبرت وصرت أبا لكن السؤال السرمدي ما زال يحيرني: أين يذهب الشيء الأخير؟ هناك من يأخذه لكن من؟ لست أنا بالتأكيد. ولماذا لا أكون أنا ذلك المحظوظ ؟

رائج :   قصه حب || د : أحمد خالد توفيق

جاء الاختبار الأعظم في صورة صديق لي عاد من سويسرا، وجلب لي صندوقا من الشيكولاته الفاخرة التي يذهب مذاقها بعقلك. أسرتي تتكون من أربعة أفراد.. لهذا منذ البداية عرفت أن عدد قطع الشيكولاته لن يكون من مضاعفات الأربعة أبدا ..الحياة ليست بهذه البساطة.. ربما هي تسع قطع.. ربما ثلاث عشرة.. المهم أن تلك القطعة الأخيرة اللعينة سوف تظل موجودة في الثلاجة بانتظار مصيرها.. وهو ما حدث بالفعل.

زوجتي وأنا وابني المراهق وابنتي الطفلة مثل المتهمين في قصص أجاثا كريستي.. نتبادل النظرات الإجرامية ونحن نعرف أن أحدنا سوف يفعلها. من هو؟ يمكن أن اطلب منهم الانتظار لكن إلى متى؟ ومتى يعود صديق ثان لي من سويسرا بصندوق شيكولاته؟

هكذا وضعنا القطعة في رف الثلاجة، وأقسمت لنفسي أنها ستكون لي. كنت أُخدع وأنا طفل أحمق لأنني كنت طفلاً أحمق، فأي مبرر أقوله لنفسي اليوم ؟ بالنسبة لابنتي أنا مطمئن لأن رف الثلاجة أعلى من متناول يدها، لكني قلق من أم العيال ومن الوغد المراهق الصغير.
في البداية لاحظت أن زوجتي تحوم حول الثلاجة أكثر من اللازم.. قلت لها بلا مناسبة واضحة إننا سننتظر حتى نبتاع بعض الشيكولاته ليصير عدد القطع قابلاً للقسمة على أربعة. بدا عليها الحرج وقالت بسرعة إنها لا تحب الشيكولاته أصلاً.

رائج :   من سلسلة (روايات مصرية للجيب) || رفقا بهم

وجدت الولد يفتح الثلاجة ويقف أمامها وقتا أطول من اللازم. سألته عن مشكلته فقال لي:
ـ”أريد شيئا آكله.. أنا في مرحلة نمو كما تعلم”.

كان رأيي أنه نما بما يكفي، ولو نما أكثر من هذا لتحول إلى ثور. ثم ناولته قطعة من الخبز ومثلثا من الجبن، ووقفت أحرس الثلاجة حتى تأكدت من أنه رحل. مشكلة تواجدهم الزائد حول الثلاجة – حتى لو لم يسرقوا قطعة الشيكولاته – هي أنهم لا يتيحون لي فرصة أن أسرقها أنا.

ظللت قلقا طيلة الليل أتقلب في فراشي.. من حين لآخر أتأكد من أن زوجتي نائمة.. أريد أن أنهض لكن شعورا بالخجل يمنعني. الأمر ليس بهذا التعقيد ولا يمكن أن تبلغ بي (الدناوة) هذه الدرجة . أنا رجل ناضج في العقد الخامس من العمر، وعندي مشاكل كبرى ولدي مهنتي.. من المستحيل أن أظل ساهرا لأتسلل إلى المطبخ لأسرق قطعة شيكولاته.. في الماضي كان الزوج يتسلل إلى المطبخ لأن الخادمة الحسناء نائمة هناك، فيا لانحدار اهتمامات أزواج اليوم!

رائج :   مش سعيد || من كتابات د : أحمد خالد توفيق

في النهاية انتصرت شهوة الشيكولاته علي، وقررت أن أفعلها مرة في حياتي .. قطعة الشيكولاته الأخيرة ستكون لي أنا لأول مرة في حياتي. خرجت إلى المطبخ في ظلام الصالة وقلبي يتواثب في الضلوع. اتجهت للمطبخ وفتحت الثلاجة.. مددت يدي إلى الرف.. أنت لي .. لقد قالت الأقدار يوما ما إنك لي !… وأمسكت بقطعة الشيكولاته. هنا فوجئت بأنها مجرد ورقة مفضضة ملفوفة على لا شيء! هناك وغد ما قد أكلها ولفها بإحكام لتبدو كأنها لم تُمسّ! من فعلها؟لماذا تنام زوجتي بهذا العمق؟ لماذا لم يصح ابني طيلة الليل؟

إن قصة (ورقة الكرم الأخيرة) تتكرر … لكن صبراً، سـوف أعرف الفاعـــل غــداً صباحاً عندما أعـرف من في البيت يحب كتابات (أو . هنري)!!

مقالات ذات صلة