فن الادارة ..من هنا وهناك

التجربة الآيسلندية || من إدمان المخدرات للوصول لكاس العالم

– كتير من متابعي كرة القدم مبهورين بظاهرة عاملها منتخب واعد حقق أداء جيد رغم انه أول مرة يتأهل للمونديال في تاريخه، وهو منتخب دولة “ايسلندا”، اللي اتعادل مع الأرجنتين بنجومهم في المباراة الأولى، وخسر بصعوبة في التانية من نيجريا، والنهاردة هتكون مباراته التالتة مع كرواتيا.

– شيء عجيب تاني في الفريق ده ان عندهم 5 لاعبين دكاترة، وحارس المرمى مخرج، والمدرب دكتور أسنان!

– ايسلندا بلد صغيرة جدا تعدادها 320 ألف نسمة، عايشين على جزيرة مساحتها 100 ألف كيلو في المحيط الأطلسي شمال أوروبا، تاريخها في الكورة ضعيف جداً، معندهاش الا مشاركة في يورو 2016 الأخيرة في فرنسا والمشاركة الحالية في كاس العالم،

لكن فيه قصة كفاح وإعداد طويلة ورا ظهور المنتخب ده تستحق اننا نعرفها ونتعلم منها.

الحكاية بدأت منين؟

– في اواخر التسعينات كانت آيسلندا من أكتر الدول غير الآمنة في العالم، شوارعها صعب تمشي فيها بالليل من كتر المراهقين اللي بيتعاطوا مخدرات وبيشربوا كحوليات، اتعملت احصاءات على المراهقين والقصر من سن 14-16 سنة كانت نتايجها انه حوالي 40% منهم بيشربو كحوليات، و 17% بيتعاطوا مخدرات، وانه 1 من كل 4 من الشباب مدخن.

– بعد خطوة رصد حجم المشكلة، بدأت خطوة تحليل أسباب المشكلة .. المركز الايسلندي للبحث والتحليل الاجتماعي بدأ برنامج “آيسلندا بدون مخدرات”، وبعدين تم تسميته “شباب ايسلندا” .. في البداية عملوا دراسات واستبيانات بتسأل الشباب أسئلة من نوعية: امتى اخر مرة شربت كحوليات؟ هل جربت السجاير؟ هل لديك أنشطة تمارسها؟ كم تقضي من الوقت بصحبة والديك؟ وبناء على تحليل النتايج قررت الحكومة وضع خطة طويلة الامد لعلاج المشكلة.

– الخطة شملت التعامل مع المراهقين دول بطريقة تربوية أكثر منها بوليسية، مكانش الحل ننزل الشرطة تقبض على أكبر عدد، لكن اللي حصل انه تم إصدار قرار بحظر التجول للشباب من سن 13 – 16 سنة بعد الساعة 10 مساء، وطلبوا من الأهالي هما اللي يتولوا مسؤولية ده. صدر قرار بتشديد منع بيع الخمور لمن هم أقل من 20 سنة، وده عبر منعها إلا في المخازن والجهات الحكومية، ورفع سعرها بفرض ضرائب وصلت ل 80%، بالاضافة لمنع عرض السجاير في المحلات أو الدعاية والإعلان عنها.

– خطة “شباب ايسلندا” شملت كمان فرق عمل في كل المدارس عشان يعرفوا ميول كل طفل في الدولة أقرب للرياضة ولا الموسيقى، وبعد ما اتعمل المسح ده بقى يومياً بعد انتهاء وقت المدارس الباصات بتاخد الأطفال من المدارس مباشرة للملاعب أو مراكز تدريب الموسيقى، لمدة 4 ساعات لمدة 4 ساعات بيمارسوا نشاط رياضي وطلبوا الأهالي يبقوا موجودين يتابعوهم ويحفزوهم، وبشكل مستمر بيحصل جلسات متابعة من فرق عمل البرنامج مع أولياء الأمور.
– الدولة قررت صرف منحة 300 يورو شهرياً لكل أسرة عندها طفل/ة بيمارس نشاط رياضي سواء كرة قدم أو جري أو ألعاب قوى من سنة 6 سنين لسن 16 سنة، وبالتالي معدلات النشاط الرياضي ارتفعت بكثافة.

– بالتزامن مع البرنامج المكثف ده كان لازم يكون في بنية تحتية من ملاعب تستوعب الأعداد الكبيرة دي، في بلد بنتيها كانت ضعيفة جدا لدرجة مكانش فيه ملاعب عشبية لحد سنة 1957 .. اتحاد الكرة سنة 2000 قرر التوسع في شراء الأراضي حوالين المدارس وتحويلها لملاعب كرة قدم مغلقة، وسنة 2003 بالتعاون مع الاتحاد الاوروبي تم تبني مشروع “هاتريك” لتحويل الأراضي العشبية لملاعب كرة مفتوحة. ومش الغرض عمل تصميمات خرافية وستادات ضخمة لكن المهم يبقى في ملعب كورة كويس يستخدمه الأطفال والشباب والفرق الكبيرة في التدريب أو مشاهدة المباريات.

– نتيجة للعمل ده من سنة 1998 لحد 2017 كانت النتايج انه انخفضت نسبة شرب الكحول تحت السن من 40% إلى 5% فقط، في مقابل ارتفاع كبير في النشاط الرياضي على مستوى ايسلندا كلها، وبالتالي اتحولت ايسلندا من مكان غير آمن للمشي بليل لما تم تسميته ب”جنة كرة القدم”، نظراً لكثرة عدد الملاعب في كل الأحياء والمدن.

رائج :   معركة مجدو : اسطورة الصحراء التي لا تنسى

طيب على مستوى النتايج والبطولات إيه سبب التطور اللي حصل؟

– مع المشاريع الحكومية بقى فيه ممارسين كتير جداً للرياضة في بداية الألفينات، لكن كان عدد المدربين محدود جداً، فبدأ برنامج من اتحاد الكرة بمساعدة بعض المستثمرين لتطوير المدربين المحليين.

– سافر معظم المدربين المحليين لانجلترا عشان ياخدوا دورات تدريبية معتمدة من الاتحاد الاوروبي، فبقت آيسلندا واحدة من أكثر الدول اللي عندها مدربين معتمدين على مستوى عالي. أكثر من 560 مدرب بيمتلك الرخصة B وأكثر من 165 مدرب بيمتلك الرخصة A اللي بتمنح المدرب حق تدريب فرق الشباب أو الفرق الأولى على المستوى الأوروبي، وده مستوى متقدم جداً من الخبرة والتدريب.

– طبعاً كل دول مبيدربوش أندية لأنها بلد زي ما قلنا صغيرة ونواديها قليلة، لكن بقى في كل قرية وكل مدرسة مدرب معتمد من الاتحاد الاوروبي، يعني خبرات بجد بتدرب الفرق من الأطفال والبراعم لحد المنتخب الأول والفرق الرئيسية، مفيش مجال للهواة والتجربة زي مبيحصل في دول كتير معندهاش نص الأرقام ده من المدربين المعتمدين. في ايسلندا مدرب معتمد لكل 825 نسمة وفي انجلترا في مدرب معتمد لكل 11 ألف نسمة !

– هيمير مدرب منتخب ايسلندا بيقول انه في التسعينات كان ممكن تخرج موهبة أو اثنين سنوياً انما حالياً بيخرج أكثر من 100 موهبة سنوياً من فرق الناشئين والبراعم للفرق الكبيرة.

– اللعيبة الآيسلنديين بقوا بينتقلوا بسهولة للفرق الأوروبية نتيجة انهم متعودين على التدريب الدؤوب والمنظم اللي بيشتغلوا عليه من صغرهم، المنتخب الحالي فيه 6 محترفين في انجلترا و 2 في ألمانيا، والمنتخب ككل فيه 25 لاعب محترف خارج ايسلندا.

– بالاضافة لان في لاعيبة مش بيمتهنوا كرة القدم بس، ده بعضهم بيشتغل دكتور ومهندس وعازف ورسام، حتى مدرب المنتخب بيشتغل طبيب أسنان زي ما قلنا، وحارس المرمى اللي صد ضربة الجزاء من ميسي كان مخرج لحد ما احترف الكورة من 5 سنين بس. وده بيدل على نجاح المنظومة اللي اتخططلها من 20 سنة انه الشعب يبقى ممارس للرياضة ومتمكن منها عشان تحصل الطفرة دي.

– في 2016 منتخب ايسلندا الأول وصل لبطولة أوروبا، وصعد من الدور الأول وكسب منتخب انجلترا العريق في كرة القدم، وخرج من ربع النهائي، وحتى الان في كاس العالم محقق أداء كويس جدا، وفي كل ماتش بتلاقي 30 ألف مشجع ايسلندي ودول تقريبا 10% من الشعب الايسلندي موجودين مع منتخب بلادهم ومرتبطين بيه جداً لانه مش مجرد منتخب، لكن عشان ده مشروع قومي شافوه قدامهم لمدة 20 سنة.

– القصة دي بتورينا نموذج عملي إزاي النجاح في عالم النهاردة مش فردي ولا صدفة، مينفعش تقول كل واحد يبدأ بنفسه وخلاص، أو نستنى مواهب فردية لوحدها، وأدينا شفنا الفرق بين صلاح في ليفربول وصلاح في المنتخب.

– النجاح بيكون نتيجة عمل جماعي منظم بقرار سياسي وشراكة شعبية، خلال السنوات دي أيسلندا اتغيرت فيها الحكومات والوزراء كتير جداً لكن المشروع نفسه استمر لأنه بقى منظومة أكبر من أي شخص، وبقى حلم الشعب واثق فيه . دي وصفة النجاح اللي محتاجينها بكل مجالاتنا في الرياضة وغير الرياضة.

مقالات ذات صلة