إذا كانت إفريقيا ليست كغيرها فى غرابة حكامها فإن آسيا أيضاً ليست كمثلها فى قسوة حكامها .. لا أحد يعلم السبب يقيناً فى كون طغاة آسيا يتمتعون بهذا القدر من اللامبالاه على مدار التاريخ .. فشعوبهم مجرد أرقام تزيد و تنقص و مهما قتل منهم فهم يبدون عدم إكتراث بما ألم بهم ..
حتى لا أطيل عليكم دعونا ندخل فى الموضوع مباشرة ..
- الديكتاتورية .. نماذج من الطغاه (الجزء 6)
- الديكتاتورية .. نماذج من الطغاه (الجزء 5)
- الديكتاتورية .. نماذج من الطغاه (الجزء 4)
- الديكتاتورية .. نماذج من الطغاه (الجزء 3)
ظاهرة تقديس الرؤساء تبدو أوضح فى آسيا على الرغم من تنوعها العرقى الكبير مقارنة بقارة مثل إفريقيا أو أوروبا مثلاً .. فآسيا بها أعراق رئيسية مثل الهنود و الصينيين و المالاى و الروس و العرب و الفرس و الترك بخلاف كثير من الأعراق الفرعية
من المفترض أن يخلق كثيراً من التنوع فى العلاقة بين الحاكم الديكتاتور و شعبه إلا أن الواقع يقول أن آسيا و على خلاف المنطق إتفقت أغلب شعوبها على الإنبطاح للحاكم الطاغية كخيار أول و وحيد مع رفعه لمنزلة التقديس أحياناً ..
ماو تسى تونج كما أسلفنا مثالاً ممتازاً على هذا .. ستالين مثال قريب أيضاً و لكن بصورة أقل حدة .. دعونا نكمل ما بدأناه عن آسيا فى الجزء السابق ..
الاله كيم في شمال كوريا
كوريا فى الأربعينات كانت مجتمع فقير لأقصى حد .. جاهل لأقصى حد .. عدد سكان كبير جداً .. بطالة و سرقة و مستعمر يابانى يستنفذ ثروات البلاد بإستمرار .. و إستكمالاً لبشاعة الصورة قامت الحرب الأهلية الكورية لتأكل الأخضر و اليابس فى الدولة و أدت فى النهاية إلى تقسيمها إلى كوريتين شمالية و جنوبية ..
أى شخص يملك الحد الأدنى من التمييز يتأكد له أن هذه دولة بلا مستقبل .. هذه أمة محكوم عليها بالفناء ..
فى كوريا الجنوبية وجدت الولايات المتحدة موطىء قدم لها فقدمت لحكومتها الدعم المالى اللازم مع توفير المناخ الإستثمارى المناسب لإقامة دولة ديموقراطية حديثة كالتى نراها اليوم أما فى كوريا الشمالية فاستطاع رجل كورى ناضل ضد المستعمر اليابانى أن يجد لنفسه مكاناً فى سدة الحكم .. كيم إيل سونج أو كيم أصبح الشمس بالعربية ..
كيم كان زعيماً لكوريا الشمالية و تسبب بالحرب الأهلية فى وفاة أكثر من مليون كورى شمالى مع تجريف كامل للبنية التحتية فى الدولة الوليدة .. لا يوجد شيىء تستطيع تقديمه وحدك إلى ذلك الشعب الفقير المعدم فكيف تقنعه أنك الخيار الأفضل له بعيداً عن التجربة الديموقراطية التى بدأت فى البروز فى القسم الجنوبى ؟
الإجابة كانت أبسط مما يتخيل أحد .. إذا كان الشعب فقيراً و معدماً فهو أيضاً شعب جاهل .. عليك بإستغلال جهله فى ترويج صورة خرافية عنك و استخدم فى ذلك جوقة ممن يطلق عليهم نخبة المجتمع .. ادعى أنك جئت من سلالة القادة العظام منذ عهد الملك سونجو ..
إدعى أنك قمت ببطولات فذه ضد المستعمر اليابانى و ضد العدو الجنوبى .. بطولات لم يقم بها أعتى القادة العسكريين عبر التاريخ .. ادعى أنك مفكر عظيم .. مقاتل فذ .. لا يصعب عليك حل أى مشكلة سياسية كانت أو إقتصادية أو إجتماعية أو حتى فنية فأنت زعيم خارق لم يأتى مثلك من قبل ..
و مع كل إدعاء منك دع الفرصة للنخبة التى اخترتها بعناية من منعدمى الضمير لتصفق لك و تؤيد كل ما تقول دون تفكير ..
كان لما سبق مفعول السحر و انبهر الناس بقائدهم الذى سيحل لهم مشاكلهم الأزلية و سينجحون بالتأكيد مثلما بدأ شعب الجنوب فى النجاح .. إذا كانت لديهم أمريكا فنحن لدينا القائد كيم .. و عليه صار كيم مرجعية لا تقبل الشك أبداً ..
قام بكتابة لوائح المؤسسات و قوانين العمل .. كتب الدستور .. حتى الكتب التعليمية قام الزعيم الملهم بتأليفها .. صارت تعليمات كيم خبر أول فى الصحف و المجلات بإستمرار .. صارت أقل ميزة ينالها الشعب الكورى منحة و هبة من القائد حتى لو كانت حق أصيل لهم ..
وضعت صور الزعيم فى كل مكان .. فى المؤسسات .. فى البيوت .. فى دور العبادة .. كان لكيم أكثر من 35 ألف تمثال موزعين فى أنحاء البلاد .. إختار لنفسه ألقاباً من نوعية القائد الرحيم أو الرجل السماوى أو شمس الأمة المعصوم
إلا أنه و بعد أن حكم دولته لمدة 44 عام تركهم و هم فى نفس مستنقع الفقر و الجهل و الإنعزال عن العالم فاقدين لحريتهم و لا يستطيع فرد واحد فى الدولة أن يرفع رأسه إلا بأمر منه .. مات شمس الأمة المعصوم عام 1994 متأثراً بأزمة قلبية و تم تحنيط جثمانه و وضع فى قصر كومسوسان لتظل برهاناً على ديكتاتورية الرجل الذى تسبب فى قتل و إفقار و تجهيل شعبه على مدار أكثر من أربعة عقود ..
عداء الاسلام الممنهج في أوزباكستان
فى أوزباكستان إنتخب إسلام كريموف رئيساً للجمهورية عام 1989 و بعد سنتين فقط أعلن الإستقلال عن الإتحاد السوفييتى بعد سقوطه و أصبح أول رئيس للجمهورية و بحكم أنها دولة وليدة منفصلة عن أم الدول الشيوعية فى العالم فكان من الطبيعى أن يستمر مسلسل الزعيم القائد فيها
تم تمديد ولاية كريموف عام 1995 ثم 2000 و 2007 و 2015 على الرغم من أن الدستور ينص على فترتين فقط لكل رئيس .. ما الذى فعله كريموف حتى يجبر شعبه على عدم الإعتراض على كسره للدستور بهذا الشكل ؟ أى رعب عاشه الأوزبك ؟
استخدم كريموف سياسة التعذيب و القتل خارج إطار القانون كوسيلة لإجبار شعبه على الخضوع له .. اتهم الجماعات الإسلامية بالتشدد و الإرهاب و بناءاً عليه صار دمهم مستباحاً ..
منع المظاهر الإسلامية كلها .. لبس الخمار .. إطلاق اللحى .. لبس الطاقية .. منع موظفى الدولة من الصلاة .. منع الأطفال من دخول المساجد .. منع الإفطار الجماعى فى رمضان ..
أما عن باقى فصائل الشعب فلم تكن فى منأى عنه فقام بتصفية المعارضين له جسدياً و منع التعددية الحزبية فى الدولة و زور الإنتخابات و لاحق المعارضين بالأحكام القضائية المسيسة ثم قام بتعذيبهم فى السجون
اختتم جرائمه بمذبحة انديجان أحد أشهر جرائمه و التى أمر فيها بفتح النيران على آلاف المعتصمين فى ميدان بابور فى انديجان ما تسبب فى مقتل 1500 شخص و على الرغم من فداحة الجرم إلا أن كريموف أعلن أن جملة من قتلوا كانوا 187 فقط و كانوا من المنتمين لحزب التحرير الإسلامى و الذى يهدف لزعزعة إستقرار البلاد حسب إدعائه ..
رئيس بدرجة زعيم عصابة في الفلبين
فى الفلبين وصل الديكتاتور فرديناند ماركوس إلى السلطة عام 1965 و بسبب سياساته الخاطئة أدخل الدولة فى فخ الديون حيث تضاعف الدين الخارجى فى فترة حكمه 13 مرة ما أدخل شعبه فى دائرة الفقر و البؤس و هو ما أجبر عدد كبير منهم للإنضمام لحزب الشعب اليسارى المتمرد فى الشمال أو الحركات الإسلامية المتمردة فى الجنوب
و دخلت معها البلاد فى دائرة من العنف و العنف المضاد و مع تصاعد الأحداث تحول ماركوس إلى زعيم عصابة يطلق رجال شرطته لتصفيه حساباته مع خصومه السياسيين تحت غطاء محاربة الإرهاب و أطلق حملة ضخمة أسماها التطهير السياسى .. أغلق كل الصحف المعارضة .. نقل السلطات فى أيدى العسكريين ..
عذب و أعدم المعارضين دون محاكمة ثم توج جرائمه بإغتيال ألد أعدائه بنينو أكينو على يد ذراعه اليمنى و رئيس أركانه فابيان فير أما عن الجرائم السياسية فخلال فترة حكمة التى وصلت إلى 20 عاماً زور فيها كل الإنتخابات و الإستفتاءات التى جرت ليخدم عن طريقها مصالحه و يثبت نفسه فى منصب الرئيس بعد تعطيله للدستور ..
استمر ماركوس فى غطرسته حتى استفاق ضده الشعب فى ثورة شعبية عام 1985 أجبرته على الهرب مع زوجته إلى الولايات المتحدة مصطحبين معهم ما سرقوه من أقوات الشعب الفلبينى ..
لم يهنأ ماركوس بما سرقه كثيراً حيث أصيب بالفشل الكلوى و قضى 4 سنوات فى منفاه مريضاً مجبراً على تركيب كليه صناعية كل شهرين مع قصور فى الكبد و أصيب بالضعف العام و الهزال مع إنتفاخ فى الوجه حتى توفى عام 1989 و تم تحنيط جثته لسنوات حتى سمح لعائلته بدفنه فى مقبرة الأبطال فى نهاية عام 2016 ..
نصف مليون قتيل في اندونيسيا
فى اندونيسيا عام 1965 زعم نظام الرئيس أحمد سوكارنو أنه استطاع و عن طريق الجنرال حاجى محمد سوهارتو إفشال محاولة إنقلابية قام بها الشيوعيون .. لا أحد يعلم يقيناً تفاصيل المحاولة الإنقلابية لأن كل طرف ينفى رواية الآخر حيث يتهم الشيوعيون النظام الحاكم بتلفيق التهمة إليهم للتخلص من معارضتهم السياسية ..
أفرط سوكارنو و ذراعه اليمنى سوهارتو فى قتل الشيوعيين و أنصارهم .. أكثر من نصف مليون قتيل و أكثر من 100 ألف معتقل دون محاكمة و دون تهم حقيقية .. بعد عامين و بسبب الحالة الصحية للرئيس سوكارنو أصدر قراراً بتعيين سوهارتو رئيساً بالإنابة ثم انتخب رسمياً عام 1968 مدشناً فترة حكم ستصل إلى 31 عاماً من التضييق السياسى و السجن و التعذيب و القتل لكل من تسول له نفسه فى معارضته ..
كمبوديا : يقمع أصحاب النظارات لانهم “مثقفون”
فى عام 1976 وصل بول بوت إلى رئاسة وزراء كمبوديا ليستمر فيها لمدة ثلاث سنوات فقط قبل أن يسقط على يد القوات الفيتنامية التى اجتاحت العاصمة الكمبودية .. ثلاث سنوات ستكفى الرجل ليقتل ربع شعبه ..
حوالى 2.5 مليون قتيل من إجمالى شعب كمبوديا البالغ 8.5 مليون نسمه .. لم يقتل هذا العدد فى الحرب مع فيتنام و لكنه قتل نتيجة الفكر الشيوعى الذى آمن به بوت ..
أعجب بتجربة ستالين و ماو تسى تونج فى تغيير مسار الدول و رأى أنه مشروع عملاق يستحق تكاتف الشعب من أجله مهما كانت التضحيات إلا أنه إختلف قليلاً معهم فى رغبته بتحويل كمبوديا إلى دولة زراعية بدلاً من صناعية ..
أمر بتهجير سكان المدن إلى الريف و أعلن عداؤه لطبقة الأغنياء و المثقفين حتى إنه صرح انه سيقوم بتطهير المدن ممن يرتدون النظارات لكونها علامة على الثقافة .. أنشأ معسكرات العمل و حصل على دعم ماو المادى و المعنوى ..
استغنى عن الأدوية لأنها تكلف الدولة الكثير و أيضاً لكون المستفيد منها هى الدول البرجوازية فمات ملايين من الشعب بسبب سوء أحوال العمل و الجوع و إنتشار الأمراض بالإضافة لنقص الأدوية .. انتهت معاناة الكمبوديين بسرعة بعد إجتياح الفيتناميين لكمبوديا و لكن بعد دفعهم ثمناً باهظاً لأحلام و مشاريع الجنرال بوت الوهمية ..
رئيس شهر يناير في تركمانستان
فى تركمانستان كان هناك نوعاً أخر من المعاناة حيث أبتلى الشعب التركمانى برئيس يشعر بالنقص دوماً و لذلك قام بأفعال غريبة تجعله دائماً محور حديث الناس داخلياً و خارجياً .. نتحدث هنا عن سابرمورات نيازوف أو صابر مراد نيازوف بالعربية ..
على سبيل المثال أمر ببناء العديد من التماثيل له و أمر بطلاؤها بالذهب و أن يتم نصبها لتكون فى مواجهة الشمس .. أمر ببناء قصراً من الجليد فى العاصمة عشق اباد .. أمر بإنشاء بحيرة فى الصحراء .. أطلق إسمه على عدة مدن فى البلاد .. أطلق إسمه على ارض المعارض .. أطلق إسمه على فوهة فى القمر .. حتى إنه أطلق إسمه على نيزك ..
لقب نفسه بـتركمانباشى أو أبو التركمان و أجبر الشعب على تغيير إسم شهر يناير إلى تركمانباشى تيمناً بلقبه .. لم ينسى والدته أيضاً فأطلق إسمها جوبانور سلطان على شهر إبريل ..
لم يكتفى بهذا فهو قد ألف كتاباً مثله فى ذلك مثل ماو تسى تونج و معمر القذافى و أسماه روكهاناما ثم أطلق إسم كتابه على شهر سبتمبر ..
نحن نتحدث هنا عن رجل ليس ديكتاتوراً فحسب بل رجل إقترب كثيراً من مرحلة الجنون و على العموم فقد عاد كل شيىء إلى طبيعته بعد وفاته فى ديسمبر 2006 ..