نظرة تاريخية :
حسب الأساطير اليابانية فاليابان كإمبراطورية محددة المعالم نشأت تقريباً فى القرن السابع قبل الميلاد على يد الإمبراطور جينمو تينو و على إمتداد الزمن منذ القرن الأول الميلادى و حتى يومنا الحالى مرت اليابان بعدة مراحل سياسية و إقتصادية مختلفة شكلاً و مضموناً و لكن من بين كل تلك المراحل برزت مرحلتين مهمتين تم إعتبارهما كأهم الفترات التى ساهمت فى تشكيل اليابان الذى نراه اليوم سياسياً و عسكرياً و إقتصادياً .. فترة إيدو و فترة ميجى ..
الإمبراطور تاريخياً كان يعتبر أهم منصب فى الدولة و لكنه تدريجياً و بمرور الوقت تحول إلى منصب شرفى يتحول بمقتضاه الإمبراطور إلى رمز وطنى بينما تكون السلطة الفعلية فى يد القادة العسكريين أو كما عرفوا بإسم الشوجونات و بمرور الوقت و بسبب التنافس السياسى على السلطة دخلت البلاد فى مرحلة من الإنقسامات و المشاحنات وصلت إلى معارك دامية بين كل الأطراف تقريباً
أصبح كل حاكم يطمع فى توحيد البلاد تحت رايته حتى يقتنص منصب الشوجون الأعظم و عرفت تلك الفترة تاريخياً بإسم فترة المقاطعات المتحاربة أو سن جوكو جيداى و بسبب الأحداث الدامية التى تمت فى تلك الفترة تمت تهيئة الأرض لمرحلة أخرى إنتقالية حكم فيها ثلاث قادة كانوا هم الأقوى و الأبرز فى ذلك الوقت ..
1 – أودا نوبوجانا و انتهت حياته بالإنتحار بعد خيانة أحد أتباعه له
2 – تويوتومى هيده يوشى و انتهت حياته بسبب المرض
3 – توكوجاوا إيئه ياسو مؤسس فترة إيدو محور حديثنا التالى
ملامح فترة إيدو سياسياً و إقتصادياً
بعد وفاة هيده يوشى و بسبب صغر سن ابنه الوحيد إنخلع القادة من بيعته و بدأوا فى الإقتتال على السلطة إلا أن قائد واحد استطاع بدهائه أن يقتنص الحكم من الجميع بعد أن أبرم عدة تحالفات قضى بها على كل أعدائه ثم أقنع البلاط الإمبراطورى بإعطائه منصب الشوجون بعدما ادعى نسبه إلى ميناموتو مؤسس نظام الشوجونات الأول فاقتنع الإمبراطور بذلك و أعطاه المنصب و بذلك أصبح الحاكم الوحيد لليابان مؤسساً بذلك أحد أبرز فترات اليابان ..
نتحدث هنا عن توكوجاوا إيئه ياسو مؤسس فترة إيدو .. سميت تلك الفترة بذلك الإسم نسبة إلى مدينة إيدو التى إتخذها توكوجاوا عاصمة للبلاد و التى سيتحول اسمها لاحقاً إلى طوكيو ..
تسلم توكوجاوا المنصب عام 1603 و بحكم كبر سنه فقد خشى أن تخسر عائلته المنصب بعد وفاته فاستخدم الخديعة ليجد حلاً لتلك المشكله حيث تنازل عن المنصب لصالح إبنه عام 1605 و ظل هو ممسكاً بكل خيوط السلطة و بذلك ضمن إستمرار المنصب فى يد إبنه من بعده .. فترة إيدو إستمرت لمدة 265 عام سارت فيها على المبادىء التى أرساها توكوجاوا و كانت أبرز ملامح تلك الفترة :
– الإستقرار التام فى نظام الحكم
– الطبقية الشديدة فى المجتمع حيث قسم توكوجاوا اليابان إلى فئات متعددة مثل طبقة المحاربين و طبقة الفلاحين و طبقة الحرفيين و طبقة النبلاء و طبقة الكهنة و رجال الدين و طبقة المنبوذين
– تم تطبيق إصلاحات إقتصادية رفعت مستوى الإنتاجية فى كل القطاعات الإقتصادية
– تم تطبيق إصلاحات تعليمية عن طريق تقسيم المدارس حسب نظام الطبقات مع إنشاء مدارس دينية و أخرى تشمل كافة العلوم مثل علوم اللغويات و الرياضيات و الفلك و علم الخرائط
– سيطرت أفكار كونفوشيوس على الحياة فى اليابان وقتها و ازدهرت أنشطة مثل الشعر و المسرح و الكتابة و التأليف
بالرغم مما سبق إلا أن أبرز ما ميز تلك الفترة هى الإنغلاق التام حيث رأى العسكريين أن إزدهار التجارة مع الأوروبيين و أيضاً إزدياد نشاط الدعاة المسيحيين قد يغير فى التركيبة الداخلية لليابان و هو ما يهدد وجودهم كحكام فقرروا قطع علاقة البلاد بالعالم الخارجى تماماً و بالرغم من محاولات الحكومات الأوروبية إثناؤهم عن هذا القرار إلا أنهم فشلوا تماماً ..
كان هذا نجاحاً لنظام الشوجون بالطبع إلا أن دوام الحال من المحال حيث بدأ مجموعة كبيرة من المحاربين فى الجنوب إبداء الإستياء من إستئثار شوجونات توكوجاوا بالقرار السياسى خاصة أن البلاد بدأت تمر بمرحلة كوارث طبيعية مثل الزلازل و البراكين و بدأ المردود الإقتصادى فى التدهور فدخلت البلاد فى حرب أهلية سميت #حرب_بوشين بهدف إعادة السلطة السياسية للإمبراطور مرة أخرى و بالفعل نجح المتمردين فى ذلك و استأصلوا نظام الشوجون بالكامل و تم تسليم السلطة إلى الإمبراطور موتسوهيتو بادئين بذلك فترة جديدة تعد هى حجر الأساس فى نهضة اليابان الحالية ..
نحن على موعد مع فترة ميجى أو فترة الحكومة المستنيرة ..
ملامح فترة ميجى سياسياً و إقتصادياً
إمتلك الإمبراطور موتسوهيتو السلطة السياسية رسمياً عام 1867 بعد سقوط نظام شوجونات توكوجاوا و بدأت مرحلة الإنفتاح فعلياً فى نفس العام بعد أن كانت بدأت نسبياً عام 1853 بعد قيام الأسطول الأمريكى بالدخول عنوة إلى خليج إيدو مقدماً طلباً رسمياً بفتح الموانىء للتجارة الخارجية و انتهى الأمر وقتها بتوقيع #إتفاقية_كاناجاوا عام 1854 و التى قضت بفتح جزئى لبعض الموانىء و بالرغم من تولى الإمبراطور لسلطاته إلا أن السلطة الفعلية كانت فى يد الحكومة حسب النظام السياسى الجديد .. حكومة طمحت فى تحويل اليابان لقوة إقتصادية و عسكرية و أن تكون نداً للقوى الغربية بعد سنوات طويلة من الإنغلاق ..
بدأت اليابان منذ تلك اللحظة إنشاء نظاماً إدارياً و سياسياً و إقتصادياً جديداً فألغى النظام الإقطاعى و ألغى معه منصب الشوجون و تم تسريح رجال الساموراى و تم نزع سلاحهم و تعيينهم فى وظائف أخرى بعيدة عن الوظائف العسكرية و لسد فجوة الجيش تم اعتماد نظام التجنيد الإجبارى مع دعم الجيش بأحدث الأسلحة الغربية المتاحة وقتها و فوق كل ما مضى فقد ألغى النظام الطبقى تماماً و صار العمل بأى وظيفة حقاً مكفولاً لأى فئة من الشعب مما أشعر اليابانيين أن المرحلة القادمة قائمة على أسس العدالة الإجتماعية ..
قام النظام الجديد بإستجلاب الخبرات الغربية و أرسلت البعثات العلمية إلى الخارج لدراسة تجارب النجاح الغربية و محاولة تطبيقها داخلياً و استمر هذا الوضع قرابة العشرين سنة حتى إكتفت اليابان بما جمعته من معلومات و بدأت فى تطبيق برنامجها القائم على شخصيتها المستقلة فأصبح التعليم إجبارياً على الجميع و تم إنشاء المدارس و بنيت وقتها أول جامعة و تم إنشاء أول خط سكك حديدية
ظهر التطور فى شتى أنحاء البلاد حيث بدأ إستعمال التلغراف و تم إضاءة الشوارع بالكهرباء و انتشر الهاتف تدريجياً و كل ما سبق سار بالتوازى مع الإصلاحات الإقتصادية فبعد تأميم شركات الشوجون و أتباعه من الزعماء القبليين تم توجيه كل الأموال المؤممة لإثراء النشاط الصناعى ثم تدريجياً بدأ النظام فى خصخصة تلك الشركات و إعطاء دور أكبر للقطاع الخاص مع اصدار تشريعات تساهم فى حرية التبادل التجارى و تم إنشاء أول بنك وطنى و أصدرت العملة الوطنية الين و بدأت حمى الخصخصة تأتى بأثارها الإيجابية حيث نمت ثروات أصحاب تلك الشركات و التى تم إستثمارها مرة أخرى فى السوق المحلية فتضخمت الإستثمارات و تولدت عنها إمبراطوريات إقتصادية مثل ميتسوبيشى و سوميتومو ..
الطفرة الصناعية و التجارية فى اليابان كان يلزمها موارد طبيعية بالطبع و بحكم فقر اليابان الدائم فى الموارد كان السبيل الأسهل أمامها هو السياسة الإستعمارية .. فمن قبل إندلاع الحرب العالمية الأولى بدأت تتشكل لدى اليابان قناعات إستعمارية حيث كان من غير المقبول لحكامها أن يكون الشعب اليابانى بتعداده الكبير محصور فى تلك البقعة الصغيرة من الأرض و التى لا تحتوى على أى موارد طبيعية تقريباً فى حين أن الصين و كوريا و روسيا جيرانها يملكون موارد طبيعية أكثر منهم ..
إستمرت تلك القناعة فى التنامى حتى بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى و إنهيار النظام الإستعمارى بشكل كبير حيث بدأت فى التوسع عبر غزو الصين ثم احتكت بغريمتها روسيا التى كان لها مطامع هى الأخرى بالصين ثم ضمت شبه الجزيرة الكورية إلى منطقة نفوذها و استمر الوضع كما هو حتى إندلعت الحرب العالمية الثانية و التى رأتها اليابان فرصة ثمينة لتوسيع نطاق نفوذها إلى جنوب شرق آسيا و السيطرة على موارده بالكامل و لكن مغامرتها إنتهت بالفشل بعد هزيمتها و إستسلامها فى نهاية الحرب مخلفة ورائها حقبة تاريخية ثرية للغاية شملت العديد من التقلبات السياسية و الإقتصادية ..
منذ تلك اللحظة ستبدأ اليابان فصلاً جديداً سيتم التركيز فيه على الإقتصاد أكثر من أى شيىء آخر ..
فى الجزء الثانى سأحاول توضيح بعض الخطوات التى سارت عليها اليابان لتحقيق نهضتها الإقتصادية مبتعداً عن العوامل الفطرية المتوارثة فى الشعب اليابانى مثل حب العمل و الإهتمام بالتعليم .. سأركز أكثر على الأسباب الأكثر جوهرية فى مسألة نهوضها محاولاً تطبيق تلك الأسباب على الحالة المصرية ..