أجمل رسائل بريد الجمعة

رجل البيت ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)

أكتب إليك بعد فشلي في اتخاذ قرار مناسب في مشكلتي .. فأنا شاب في الثامنة والثلاثين من عمري, نشأت في أسرة طبيعية من أم وأب فاضلين وثلاث شقيقات أنا أكبرهن ..

ومنذ طفولتي البعيدة حرص أبي الذي كان مربياً فاضلاً ووكيلاً لإحدى المدارس الثانوية على أن يغرس في الإحساس بالمسئولية , وبأنني رجل البيت من بعده لأن شقيقاتي “بنات ” ويحتجن لمن يحميهن, وأنا هذا ” الرجل ” الذي سيتحمل مسئوليتهن من بعده وكان هذا الحديث يرن في سمعي كثيراً ويشعرني بذاتي وربما دفعني في سن الجهل إلى تجاوز الحدود أحياناً في علاقتي بشقيقاتي وإصدار الأوامر لهن بلا سبب مقنع بزعم حمايتهن من الأخطار أو سوء نية أطفال الشارع , وكنت أفاجأ باستجابتهن لأوامري بلا مناقشة حتى وإن تضجرن من بعضها ,

أما أمي فقد كانت دائماً راضية عن تصرفاتي وتؤكد دائماً بأن وراء مظهري الجاف هذا قلباً يفيض حباً لشقيقاتي وأمي وأبي , ومضت حياتنا في هدوء , ولم تشهد مشاكل كبيرة , وفي سن المراهقة رددت نفسي بصعوبة عن ارتكاب أي تصرف لا يشرفني أن يعرفه أبي وأمي عني , أو لا أوافق على أن يرتكبه أحد مع شقيقاتي , وقبل أن أتم السابعة عشرة من عمري , عاد أبي من عمله ظهر يوم حار واضح الإجهاد , ورفض أن يتناول الغداء معنا وطلب تركه وحده لينام وبعد قليل فاجأته أزمة قلبية لم تمهله طويلاً وصعدت روحه إلى بارئها وهو يركز نظره على عيني ولا ينطق سوى هذه العبارة الأليمة : ” إخواتك البنات ” …

ورحل عنا أبي الطيب رحمه الله .. وعرفت بعد رحيله لماذا كان يلح على هذه الفكرة منذ طفولتي , لقد كان مريضاً بالقلب طوال عمره ويحس دائماً بأن العمر لن يطول به لكي يطمئن على بناته , فأرادني أن أكون امتداداً له في حمل المسئولية .

وواجهت أسرتي الحياة بمعاش أبي البسيط وبإيراد ضئيل لا يتجاوز بضعة جنيهات كل سنة من إيجار فدان تملكه أمي وعرفت في هذه السن معنى المسئولية عن أسرة من أم وثلاث فتيات أكبرهن في الخامسة عشرة وأصغرهن في العاشرة , وجعلت هدف الأسرة هو نجاحنا جميعاً في دراستنا بلا تخلف , أما نجاحي الأكبر الذي حلمت به فقد كان ستر شقيقاتي وحمايتهن إلى أن يتزوجن وتصبح كل واحدة منهن في مسئولية رجل آخر غيري ..

وساعدتني أمي وشقيقاتي في تحقيق الهدف بروح الحب والشعور بالمسئولية السائد بيننا , وتقدمت أنا في دراستي حتى التحقت بالجامعة , وخلال دراستي الجامعية تقدم لكبرى شقيقاتي وهي في عامها الجامعي
الأول شاب من أقاربنا يعمل بالتجارة ووجدت منها ميلاً إليه وخوفاً من أن أرفضه لأنه لم يكمل دراسته بعد الثانوية العامة , وكنت أعرفه بالطبع وأستريح لأخلاقه وشهامته فباركت خطبتهما وسعدت به شقيقتي والأسرة .

وبدأت أعمل إلى جانب دراستي لأواجه متطلبات الزواج القريب .. وعملت في كل أنواع العمل التي تتخيلها ولا تتخيلها لأدخر بعض المال لشقيقتي , وعملت في عملين في اليوم الواحد وخمس عشرة ساعة كل يوم في أحيان أخرى , إلى أن اقترب الزواج وحان موعد شراء الأثاث فذهبت إلى مستأجر فدان الأرض الوحيد وهو من أقاربنا البعيدين أيضاً وطلبت منه شراء ثلثه بثمن عادل لأجهز به شقيقتي , وأبلغته بأني سأطالبه عند زواج كل أخت من أخواتي بشراء ثلث الفدان لأسترها بثمنه وإلا فإني لا أعرف ماذا سيكون من أمري , وكان الرجل طيباً فلم يبخسني حقي وأقسم أن يساعدني على حمل هذه المسئولية .

وتزوجت شقيقتي وهي طالبة بالسنة الثالثة بكليتها بطريقة مرضية وسعدنا سعادة لا توصف وكسبت أسرتنا رجلاً ثانياً , وتخرجت وواصلت العمل في كل أنواع العمل إلى أن وُفقّت في العمل بشهادتي في إحدى الشركات العامة , وعملت عملاً إضافياً بعد الظهر , وتقدم لشقيقتي الثانية شاب يعمل في وظيفة لها مظهرها البراق ومرتبها المحدود فرجعت إليها فوجدت منها قبولاً له .. وتحريت عنه فأكدت لي التحريات أمانته ورجولته فتوكلت على الله وخطبتها إليه ,

وكانت الأسعار قد ارتفعت كثيراً عن مرحلة زواج شقيقتي الأولى فلم يسعفني العمل الإضافي بمرتبه الضئيل فتركته وركبت سيارة أجرة بعد الظهر لأوفر أكبر قدر من النقود , وبعد عام من العمل عليها ذهبت بها إلى قريبي مستأجر الأرض وذكرته باتفاقنا فلم يتردد وأعطاني المبلغ المقسوم , وتزوجت الشقيقة الثانية , وبعد زواجها تركت سيارة الأجرة لأستريح بعض الوقت قبل أن استأنف الكفاح مع الشقيقة الثالثة .

وخلال ذلك كله كانت شقيقاتي يلححن علي بالارتباط بفتاة مناسبة قبل أن يتأخر بي العمر ويعرضن علي صديقاتهن , فلا أجد في نفسي ميلاً لأي منهن , كما أني لم التق بمن لفتت نظري إليها ربما لاقتناعي الداخلي بأني لست أهلاً للزواج الآن , أما أمي فلم تكف عن تذكيري بألا أنسى نفسي حتى لا يسرقني العمر .

رائج :   ابتسامة الرضا ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

وواصلت حياتي ثم تقدم لشقيقتي الصغرى معيد بالكلية التي تدرس بها وابن لأستاذ جامعي والتقيت به فاستشعرت أنه مختلف عن صهريّ الآخرين وأنه يضع حاجزاً زجاجياً بينه وبين الناس , ومع ذلك لم أشأ أن أحكم عليه بمشاعري الأولى , ووازنت بين كل الظروف فوجدتها لصالحه , ووجدت أختي راغبة فيه , فأعلنت موافقتي واحتفظت لنفسي بتحفظاتي , وتمت الخطبة , ولاحظت من البداية أن الخطيب الجديد يهتم كثيراً بالرسميات والشكليات فلفت نظره إلى أننا ناس بسطاء نقيِّم الناس بأخلاقهم وشرفهم ولا نريد إلا أن نحيا في سلام ,

لكن المطالب توالت , ولاحظت لأول مرة منذ توليت مسئولية شقيقاتي أن شقيقتي الصغرى تخذلني في بعض المواقف وترى الحق في جانب خطيبها , وبعد مناقشة حول هذا الموضوع فوجئت بأمي تصفعها وتنفجر فيها وهي تتهمها بالجحود ففزعت وأسرعت بالحيلولة بينهما وسحبت أمي إلى خارج الحجرة وأنا أهدئها وأطالبها بأن تتفهم عذر شقيقتي وصغر سنها , وعرفت في هذه اللحظة أني مطالب بمضاعفة الجهد لكي أتم رسالتي

فعدت لسيارة الأجرة وواصلت الليل بالنهار في العمل , ففوجئت بعد عدة أسابيع بخطيب أختي يبدي ” ملاحظة ” استفزازية حول عملي على السيارة وتأثيره على مكانته , ومكانة أسرته , وفكرت للحظات أن أذكره بحريتي في أن أعمل أي عمل شريف اختاره .. وحريته هو في أن يصاهر من يشاء من الناس لكني تذكرت شقيقتي ومبلغ حرصها على خطيبها فبلعت الإهانة .. وأنا أحس بمرارة شديدة

ووعدته بأن أفكر في الأمر وعلمت أمي وشقيقاتي المتزوجتان فغضبن وانهلن لوماً وتقريعاً على شقيقتي الصغرى ..وطالبنني بفسخ الخطبة ..فأبيت ذلك واحترت ماذا أفعل خاصة وأن الخطيب المعتز بنفسه وأسرته لم يعرض بديلاً عما طلبه ولو بالتخفيف من مطالبه هو , وزاد الأمر سوءاً أن قريبي مستأجر ثلث الفدان الأخير قد انتقل إلى رحمة الله ورفض ورثته شراءه لأنهم في غنى عن دفع مبلغ من المال مقابل قطعة أرض هي في حوزتهم بلا شراء , وضاقت الدنيا في وجهي وبحثت عن عمل في الخارج بكل الطرق , وسافرت في إجازتي السنوية إلى إحدى الدول العربية وعملت بها سائقاً وعدت ببضعة جنيهات .

وفي هذه الأثناء واجهت خياراً هاماً في حياتي حيث عرضت علي فرصة بنفس الشركة التي أعمل بها موظفاً , للعمل كسائق لأحد أتوبيسات الشركة السياحية التي تقوم برحلات طويلة إلى المواقع المختلفة , وكان الاختيار صعباً لأني إذا قبلت هذا العمل خرجت من سلك الوظيفة الإدارية والترقيات والتقدم , لكني من ناحية أخرى سأحصل على أكثر من ضعف مرتبي كموظف , وإذا رفضته عجزت عن تدبير احتياجات الأسرة والزواج ,

فكان عليّ أن أختار بين الدخل الكبير وبين المظهر الاجتماعي أو الوظيفة والمكتب وفرصة الترقي ذات يوم إلى منصب المدير , وفكرت طويلاً ثم اتخذت قراري وقبلت بل وسعيت إلى وظيفة سائق الأتوبيس السياحي وشفعت لي ظروفي العائلية المعروفة لدى رؤسائي لفوزي بهذا العمل ,

وبدأت عملي الجديد غير نادم , وكررت المحاولة مع ورثة المستأجر متشفعاً لديهم بكل الأقارب حتى قبلوا دفع نصف الثمن المستحق بعد عناء شديد واقترضت من الشركة كل ما أستطيع اقتراضه , وعجزت رغم ذلك عن ملاحقة طلبات شقيقتي الصغرى وخطيبها حتى كدت أفقد صبري أكثر من مرة وأعلن عجزي واستسلامي ..

ولم يخف حالي على أحد فبكت أمي وشقيقتاي طويلاً حين علمن بحكاية خروجي من كادر الوظيفة , وعرض عليّ زوج شقيقتي الأولى إقراضي مبلغاً مناسباً فاعتذرت في البداية ثم انهزمت أمام ظروفي وقبلت شاكراً وواعداً بتقسيطه , وأخيراً تم الزواج بمعجزة إلهية وتنفست الصعداء وأحسست أني قد أديت رسالتي وآن لي أن أستريح , وفي حفل الزواج كان حديث الأسرة هو زواجي وترشيح من تستحقني لي .. ورغم تعبي الشديد وإرهاقي المادي والنفسي , فلقد كنت أحس بالرضا عن نفسي لأني قد أديت الرسالة .. وبأني موضع حب شقيقاتي وأسرتي واحترامهم .

وبعد الزواج الأخير ظللت ثلاث أعوام أسدد أقساط الديون ولم يزعجني شيء سوى إحساسي بأن زوج صغرى الشقيقات مازال منعزلاً عنا ويعاملنا ببعض الترفع ! ولم أتوقف كثيراً عند ذلك فلكل إنسان طريقته في الحياة ومادامت أختي سعيدة معه فلا مجال للاعتراض والتزمت دائماً بحسن العلاقات معهم جميعاً حرصاً على صالح شقيقاتي .

وفي إحدى رحلاتي السياحية بالأتوبيس تعرفت بسيدة كانت مسافرة مع أمها وقدمت لهما بعض الخدمات ووجدت نفسي ربما للمرة الأولى منذ سنوات طويلة مهتماً بسيدة فكانت هذه الرحلة هي بداية تعرفي بمن أحببتها ووجدت نفسي راغباً بصدق في الاقتران بها .. وبعد شهور فاتحت أمي برغبتي وعرضت عليها ظروف تلك السيدة كاملة وهي أنها مطلقة ولديها بنت في الإعدادية ورحبت أمي بكل ما يسعدني بغير مناقشة وكذلك فعلت شقيقتاي وزوجاهما ..

رائج :   الإحساس القديم ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

أما زوج الصغرى فقد اعترض بشدة وكأنه ولي أمري ولم يكتف بالاعتراض بل واجتذب زوجته إلى صفه , وتطوع بتجريح السيدة التي سأتزوجها بحجة أنه يعرف بالمصادفة أسرتها .. وطاف ببيوت أقاربي يشوه سمعة السيدة التي اخترتها وأمها .. وكان مما قاله عنها أنها مزواجة وليست فوق مستوى الشبهات ! وأن أمها – سامحه الله – قد بدأت حياتها بتجارة المخدرات ثم تابت إلى الله واكتفت بتجارة الشنطة والمهربات !

وعاتبته وأنا في شدة الألم وسألته لماذا يفعل ذلك وقد كان في مقدروه حتى لو كانت لديه تحفظات أن ينبهني إلى ما يريد بغير هذه الشوشرة .. ففوجئت به يجيبني بأنه فعل ذلك عامداً حتى يمنعني من الزواج منها ولكي أحس بالحرج إزاء شقيقاتي وأهلي !

أما لماذا يريد أن يمنعني بهذه الطريقة القاسية ؟ فلأن زواجي منها سوف يسيء إلى مركزه الاجتماعي والعائلي حين تصبح هذه السيدة هي زوجة صهره ! وأحسست بثورة هائلة تجتاحني .. وانفجرت فيه لأول مرة منذ عرفته مؤكداً له أنه لو كان قد أراد أن يمنعني من هذا الزواج حرصاً على مصلحتي لربما قدرت له حسن نيته ..

أما وهو لا يفكر إلا في نفسه حتى في أخص خصوصياتي .. فلا وألف لا وغادرته هائجاً .. وعدت إلى البيت وأنا أفكر فيما أفعل ..وجمعت شقيقاتي وأمي ورويت لهنّ ما حدث فباركت أمي وشقيقتاي الزواج ولم أفاجأ كثيرا بموقف الصغرى ولم أقتنع بما قالته من حرصها على مصلحتي وذكرتها بأني وافقت على زوجها رغم تحفظاتي عليه لأني وجدت سعادتها في هذا الزواج بغض النظر عن مشاعري الشخصية , وسألتها لماذا لا تعامليني بالمثل وأنا شقيقك الأكبر وليس الأصغر ففوجئت بها تقول لي إن زوجها سيحرم عليها دخول بيتي إذا تزوجت هذه السيدة وإنها ستضطر لطاعته حرصاً على طفلها ! ولم أنس مرارة هذه اللحظة حتى الآن .

وانتهى الموقف عند هذا الحد وقررت أن أصرف النظر عن الارتباط بهذه السيدة بالرغم من رغبتي الشديدة فيها وحرجي أمام أسرتها , لكن زوج شقيقتي الأولى جاءني بعد أيام بما غير موقفي فأكد لي أن كل ما قاله صهري المعتز بنفسه عنها غير صحيح وأنها تزوجت في العشرين من عمرها من والد طفلتها وعاشت معه ست سنوات انتهت بطلاقها وهجرة زوجها للخارج تاركاً لها الطفلة ..

وبعد أربعة أعوام من طلاقها تزوجت مرة ثانية ولم تُوفق مع زوجها الثاني لضيقه بطفلتها وبسبب بعض المشاكل العائلية وطلقت منه بعد عامين بغير إنجاب ..أما أمها فهي أرملة تاجر مات فتولت تصفية تجارته حتى انتهت ثم عاشت على إيراد بعض أملاكه المحدودة أما لماذا حارب زوج شقيقتي هذا الزواج بضراوة .. فلأن زوجها الثاني كان للمفاجأة هو شقيقه الأكبر المتزوج الذي تعرف عليها وطاردها حتى تزوجها وتسبب زواجه منها في مشاكل عائلية كبيرة إلى أن انتهى بالطلاق !

وكان بطل هذه المشاكل هو زوج شقيقتي الذي اشتبك معها اشتباكات حادة ونال منها ما ساءه ووصلت الأمور إلى حد أن شكته للشرطة من أنه يتعرض لها بالإيذاء ووقفت مذهولاً أسمع هذه المعلومات العجيبة .. وتعجبت لهذه المصادفة التي جعلت قلبيلا يخفق لأحد طوال هذه السنين إلا لهذه السيدة , وتذكرت أن هذا هو نفسه ما روته لي ما عدا اسمي زوجيها اللذين لم أتوقف عندهما لأنهما لا يعنيان لي شيئاً .

وحزمت أمري وقررت ألا أحرم نفسي من نصيبي من الحياة بل ومن حق البحث عن السعادة مع أول إنسانة أحس برغبتي فيها وسعدت أمي وشقيقتاي وأهلي جميعاً بقراري ..فهل تعرف ماذا فعل زوج شقيقتي رداً على ذلك ؟ لقد أعلن على رؤوس الأشهاد أنه سيطلق أختي إذا تزوجت هذه السيدة ! … واستشرت أهل الرأي فنصحوني بعدم الالتفات إلى كلامه ..وحددنا موعد قراءة الفاتحة فإذا به يأبى علي أن أحس بأول لمحة سعادة شخصية في حياتي ..ويأتي إلى البيت صباح اليوم المحدد وبدلاً من أن يحضر معه تورتة أو زجاجة شربات أحضر معه زوجته و طفله البالغ من العمر أربع سنوات وطفلته التي لم تكمل عامين ويعلن أنه سيترك
الجميع عندي إلى أن أفيق من غيبوبتي وأرجع عن هذا الزواج .

أما في اليوم الذي سأعقد فيه قراني على هذه السيدة ..فسيرسل لأختي ورقة طلاقها ليتخلص من هذا “العار ” ..ولتدفع هي ثمن عنادي ! وقرأت الفاتحة على خطيبتي وفي نفسي غصة مما فعل زوج شقيقتي , ولقد استاء الجميع من تصرفاته ..وباحت لي أختي بمعاناتها معه وبأنها فعلت كل ما تستطيع لكي تعيش معه في سلام لكنه لا يريد أن يحيا في سلام مع أحد ..

رائج :   الجائزة الكبرى .. رسالة من بريد الجمعة

وحثني الجميع على أن امضي في طريقي إلى ما أريد لكن منظر الطفلين البريئين وهما يلعبان في بيتي يمزق قلبي كل يوم وكل يوم يمر يُضعف من مقاومتي وأكاد أحس في نظرات أختي أنها تنتظر مني أن أضحي هذه المرة أيضاً لإنقاذ أسرتها ..نعم إنني لن أموت إذا لم أتزوج هذه السيدة ..لكن أليس من حقي يا سيدي أن أختار حياتي وقد شارفت الأربعين ..وهل توافق على هذه الطريقة التي اتبعها معي زوج شقيقتي لمنعي من الزواج ..وهل ترى أن اختار سعادتي كما ينصحني كثيرون ولو أدى ذلك إلى طلاق شقيقتي خاصة وأنت تنصح دائماً بالتضحية من اجل الأطفال !

ولكاتب هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :

أعرف يا سيدي أن الحياة لن تتوقف عند هذه السيدة بالذات أو غيرها من النساء لكني أعرف أيضاً أنه ليس من حق أحد أن يختار لآخر حياته بلوي الذراع .. وبالضغط على الجرح النازف في يده لكي يؤلمه وليس ليمنع النزيف .. نعم إنني أطلب عادة بالتضحية من اجل سعادة الأطفال .. وسأطالب بها هذه المرة أيضاً ..ولكن ممن ينبغي أن نطلب هذه التضحية إن كان ثمة ضرورة لها ؟ …

من الأب الذي ينبغي ألا يرهن سعادة أطفاله وأسرته ومستقبلها بأية ظروف أو أسباب لا علاقة لهم بها ..أم من الصهر الذي لم يظلم أحداً باختياره لسعادته والذي قام بدور الأب لشقيقاته خير قيام وكانت حياته سلسلة متصلة من الرجولة والالتزام بالواجب العائلي والكفاح ؟

لا يا صديقي إن لكل شيء حدوداً ينبغي عدم تجاوزها , وحدود الأقارب في مثل هذه الأمور هو إبداء الرأي المجرد من الهوى والنصيحة والمشورة طلباً لصالح الأسرة , ولكل إنسان بعد ذلك أن يختار لنفسه ما يراه مناسباً لها ..ومن حق الآخرين أن يقبلوا هذا الاختيار ..أو يرفضوه , فإذا رفضوه لم يكن لهم إزاءه إلا الاحتجاج السلبي عليه بعدم المشاركة فيه ..أو بالانعزال عنه أما ما عدا ذلك فهو رغبة في التسلط وقهر الإرادة الخاصة لصالح اعتبارات لا تخص صاحب الشأن غالباً .

إنني لا أناقش هنا ملائمة هذا الاختيار لظروفك أو عدم ملائمته , فهذا أمر لا يحسمه سواك , وأنت رجل ناضج ولست فتى غريراً أو قليل الخبرة بالحياة , لكني أناقش فقط هذا الأسلوب العجيب في التدخل في حياة الآخرين ومحاولة إجبارهم على ما لا يريدون بهذه الطريقة غير الإنسانية , ومن الواضح أن صهرك هذا من نماذج هؤلاء الأشخاص الذين لا تخلو منهم حياة والذين يتصورون أن ما يريدونه هم وفقاً لاعتباراتهم الخاصة ينبغي أن يكون هدفاً قومياً لكل المحيطين بهم بغض النظر عن رغباتهم وأهدافهم الخاصة ,

وهؤلاء في العادة لا يؤثر فيهم ما يراعيه الآخرون من اعتبارات عائلية في التعامل معهم وإنما يُسيئون للأسف فهم هذا الحرص العائلي على صالح الابنة المتزوجة أو الشقيقة المتزوجة ..ويعطون لأنفسهم الحق في إملاء الرغبات مطمئنين إلى أن حرص الآخرين على سعادة ” أعزائهم الرهائن ” لديهم سوف يدفعهم للاستجابة لهم ..ولست في الحقيقة من أنصار المبالغة في التنازل عن الحقوق طلباً لسلام الأعزاء مع الأزواج أو الزوجات لأن هؤلاء ينبغي أن يكونوا حريصين على شركاء حياتهم بغير الاستعانة ” برشاوي ” عاطفية أو إنسانية من الأهل لهم ..كما إني بكل تأكيد من أنصار أن يكون الحرص متبادلاً بين كل الأطراف وأنصار الاحتكام إلى العدل وحده في كل المطالب .

لهذا فإنني أنصحك بعدم الاستجابة لهذا الضغط الحقير وهذا الحجْر غير الكريم على حرية رجل ناضج وفاضل مثلك .

فاختر لنفسك يا صديقي ما تراه محققاً لسعادتك غير ملوم لكن لا تصعَّد الخلافات مع هذا الصهر لأكثر من هذا الحد فإن أفاق من غيه ..واستبان له عدم إنصافه , واسترد زوجته وطفليه فما فعل في هذه الحالة سوى أن أنصف نفسه وأسرته وطفليه وأنقذهما من التمزق , أما إذا أمعن في عناده وتجبره فما ظلم في النهاية سوى نفسه وأسرته وما أظنه سيعرف طعم السعادة ذات يوم بعيداً عنهم بل وما أظن أن حياتهم كانت ستمضي معه في سلام حتى النهاية إذا كان هذا حقاً هو منطقه وتفكيره ونظرته للحياة والبشر ! .. والسلام .


لطفا .. قم بمشاركة الموضوع لعله يكن سببا في حل أزمة أو درء فتنة …

Related Articles