قصص وعبر

من سلسلة (روايات مصرية للجيب) || الوداع

جففت (هدى) دموعها ، وهى ترقد في فراشها ، وتحتضن صورة خطيبها (عادل) ، الذي ودعته منذ ساعات ، وهو يستقل الطائرة ، في طريقه إلى الولايات المتحدة الأمريكية …
لم تكن تحتمل فكرة فراقهما طيلة شهور ثلاثة ، هي المدة التي سيقضيها (عادل) في عمله هناك ..
كانت تحبه ..
تحبه بصدق ..

منذ عرفته وهى تذوب حباً له، على الرغم من أنه لم يبح لها بحبه على نحو صريح قط .
طوال عام كامل من خطبتهما ، لم ينطق بكلمة حب واحدة ..
كانت ترى هذا الحب في عينيه ..
في كلماته ..
في لمساته ..
كانت تشعر به في كل تعاملاته معها ..
ولكنها لم تسمع منه كلمة حب أبداً
هكذا هي طبيعته ..

هادئ ، رصين ، خجول ..
ولهذه الصفات تحبه ..
راحت تسترجع لحظات وداعهما ، عندما احتوى كفها بين راحتيه ، واحتضنه بهما في حنان ، ثم تطلع إلى عينيها طويلاً ، دون أن تنبس ببنت شفة .
ثم ذهب إلى حيث تقبع طائرته ..
وانطلق ..
حتى في لحظه الوداع لم ينطقها ..
لم ينطق كلمة حب تشتاق لسماعها من شفتيه ..
وأسبلت جفنيها ، وهى تحتضن صورته في حب ..
ونامت ..

لم تدر كم نامت ، ولكنها شعرت فجأة بضرورة أن تستيقظ ..
وعندما فتحت عينيها ، رأته أمامها ..
(عادل) بنفسه ..
بوجهه الوسيم ونظراته الحانية ..
كان ينحني نحوها ، وعيناه تحملان نظرة حب وحنان كعادته ..
وكان مبتلاً ..
هكذا خيل إليها ..
كانت خصلات شعره ملتصقة بجبينه ، كما لو أنه قد انتهى من الاستحمام على التو ..
وحاولت أن تبتسم ..
أن تهتف بدهشة لعودته ..
ولكن لسانها كان ثقيلاً ..
وجسدها كان أثقل ..

بدت كما لو أن طناً من الفولاذ يجثم على أنفاسها ..
ولم تملك سوى التطلع إليه ..
وفتح هو شفتيه ، وقال بصوت عميق :
– أحبك يا (هدى) ..
اختلج قلبها في قوة ..
لقد نطقها ..

نطقها أخيراً ..
نطق كلمة الحب ..
اغرورقت عيناها بدموع السعادة ، وهى تطلع إليه ، فاستطرد في حب وحنان ..
– لا تبكى يا (هدى) .. لا تبكى أبداً .. دموعك تؤلمني .. لا تبكى ..
وفجأة ارتفع رنين الهاتف المجاور لفراشها ..
واختفى (عادل)..
حدقت في دهشة ، وأيقنت من أنها كانت تعيش حلما جميلا ، وهى تلتقط سماعة الهاتف ، وتقول في صوت متناوم :
– من؟

أتاها صوت يقول في حزن :
– (هدى) .. لقد سقطت طائرة (عادل) في المحيط .. سقطت وغرق كل ركابها يا (هدى) ..
خيل إليها أن قلبها قد توقف عن النبض ، واتسعت عيناها في ذعر وذهول ، وتجمعت فيهما دمعة هائلة ، اختنقت بين جفنيها ، كما اختنقت تل الصرخة في حلقها ..
سقطت الطائرة ؟! ..
غرق كل ركابها ؟! ..
وفجأة وقع بصرها على بقعة المياه ، التي تبلل أرضية الحجرة ، إلى جوار فراشها تماماً ..
بالتحديد عند النقطة التي كان يقف فيها (عادل) منذ لحظات ، بخصلات شعره الملتصقة بجبينه ..
وفى بطء ، أعادت (هدى) سماعة الهاتف ..
وبسرعة جففت تلك الدمعة في عينيها ..
إن دموعها تؤلمه ..

هو نفسه أخبرها ذلك ، مع كلمات حبه ..
في لحظة الوداع ..

—————-
(د. نبيل فاروق ـ كوكتيل 2000 ـ البديل)

رائج :   عاهدني على أنك لاتكذب … قصة قصيرة

Related Articles