دين و دنيامن هنا وهناك

سيرة أمير المؤمنين علي رضي الله عنه

أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ..(1)

أنا ابن ذي الحوضين عبد المطلب ..وَهَاشِمُ المُطْعِمُ فِي الْعَامِ السَغَبْ .. أَوْفِي بِمِيْعَادِي وَأَحْمِي عَنْ حَسَبْ

عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:

«لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحب الله وَرَسُوله ويُحِبهُ الله وَرَسُوله يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ»،

قَال َ: فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا،

فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَاهَا، فَقَال َ: «أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ».

فَقَالُوا: يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ،

قَالَ: «فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِ فَأْتُونِي بِهِ».

فَلَمَّا جَاءَ بَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ، فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ، فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ، …

فَقَالَ عَلِيٌّ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا؟

فَقَالَ: «انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِيهِ، فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا، خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ» …….(*1).

وقد بيّن الإمام ابن القيم رحمه الله حقيقة منزلة المحبة وفضلها فقال :

“ومن منازل (إياك نعبد وإياك نستعين) منزلة المحبة، وهي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون، وإليها شخص العاملون، وإلى علمها شمر السابقون، وعليها تفانى المحبون، وبروح نسيمها تروح العابدون،….

فهي قوت القلوب، وغذاء الأرواح، وقرة العيون، وهي الحياة التي من حرمها فهو من جملة الأموات، والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات، والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه جميع الأسقام، واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام، …

وهي روح الإيمان والأعمال والمقامات والأحوال؛ التي متى خلت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه، تحمل أثقال السائرين إلى بلاد لم يكونوا إلا بشق الأنفس بالغيها، وتوصلهم إلى منازل لم يكونوا بدونها أبدًا واصليها، وتبوئهم من مقاعد الصدق مقامات لم يكونوا لولاها داخليها”

إلى أن قال :

” تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة إذ لهم من معية محبوبهم أوفر نصيب،…

وقد قضى الله يوم قدَّر مقادير الخلائق بمشيئته وحكمته البالغة : أن المرء مع من أحب، فيا لها من نعمة على المحبين سابغة.

هذا حال أصحاب القلوب المحبة لله ولطاعة الله سبحانه وتعالى؛ حباً مقترناً بخشيته وإجلاله والحياء منه عز وجل، هؤلاء هم الذين يمشون الهوينى ويسبقون الساعين” (*2).

و في خيبر التقى الجمعان وأبدى المسلمون من ضروب الشجاعة والتضحية في سبيل الله ما أذهل اليهود، وجعلهم يستميتون في الدفاع عن أنفسهم وعن حصونهم.

قال عبد الله بن سلمة‏: وبارز عَمِّي (عامر بن الأكوع ) يؤمئذ مرحبًا اليهوديّ، فقال مرحب :

قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ

شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ

إِذَا الحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ

فقال عمي ّ:

قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنيِّ عَامِرُ

شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُغَامِـر

واختلفا ضربتين، فوقع سَيْف مرحب في تُرس عامر، ورجع سيفه على ساقه، فقطع أكْحَله، فكانت فيها نفسه،‏…

قال سلمة :‏ فلقيت ناسًا من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقالوا :‏ بطل عَمَل عامر، قتل نفسه،‏ ‏…

قال سلمة‏ :‏ فجئت إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يا رسول الله، بطل عَمَل عامر؟ فقال: ‏”‏مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏”؟‏، فقلت : ناس من أصحابك، …

فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم‏:

‏”‏لَقَدْ كَذَبَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ، بَلْ لَهُ أَجْرُه مَرَّتَيْنِ‏”‏‏،

قال سلمة‏:‏ ثم إنّ رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم أرسلني إلى عليّ بن أبي طالب، وقال‏:‏ ‏”‏لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ، وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ، وَرَسُولُهُ‏” ،

قال‏ :‏ فجئت به أقوده أرمد، فبصقَ النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم في عينيه، ثم أعطاه الرَّاية، فخرج مَرْحب يخطر بسيفه، فقال ‏:

قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ

شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ

إِذَا الحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلهَّبُ

فقال علي رضي الله عنه :

*أَنا الَّذي سَمَتني أُمي حَيدَرَه

ضِرغامُ آجامٍ وَلَيثُ قَسوَرَه

عَبل ُ الذِراعَينِ شَديدُ القِصَرَه

* كَلَيثِ غاباتٍ كَريهِ المَنظَرَه

عَلى الأَعادي مِثلَ رِيحٍ صَرصَرَه

* أَكيلُكُم بِالسَيفِ كَيلَ السَندَرَه

أَضرِبُكُم ضَرباً يَبينُ الفَقَرَه

أضرِبُ بِالسَيف ِ رِقابَ الكَفَرَه

ففلق رأس مَرْحب بالسَّيف، وكان الفتحُ على يديه ..(*3) رضي الله عنك يا علي ياحبيب الله ورسوله.

قد يهمك:

صلاح الدين و موقعة حطين: قصة البطولة والتحدي في التاريخ الإسلامي

هو على بن أبى طالب (عبد مناف) بن عبد المطلب،

رائج :   تعرف على قصة “الكاهن والشيطان” لفيودور دوستويفسكي

ويقال له شيبة الحمد بن هاشم بن عبد مناف بن قصى بن كلاب بن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ….(*4)

فهو ابن عم رسول الله ﷺ ويلتقي معه في جده الأول عبد المطلب بن هاشم، وولده أبو طالب شقيق عبد الله والد النبي ﷺ ،

وكان اسم علىٍّ عند مولوده أسد، سمته بذلك أمه رضي الله عنها باسم أبيها أسد بن هاشم، ويدل على ذلك ارتجازه يوم خيبر حيث يقول : أنا الذي سمتني أمي حيدرة

وكان أبو طالب غائبًا فلما عاد، لم يعجبه هذا الأسم وسماه عليًا …….. (*5).

كنيته : أبو الحسن، نسبه إلى أبنه الأكبر الحسن وهو من ولد فاطمة بنت رسول الله ﷺ،

ويكنى أيضًا بأبى تراب، كنية كناه بها النبي ﷺ ،

وكان يفرح إذا نودي بها،

وسبب ذلك أن الرسول ﷺ جاء بيت فاطمة رضي الله عنها فلم يجد عليًا في البيت، فقال : أين ابن عمك؟

قالت كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج فلم يقل (*6) عندي، ..

فقال ﷺ لإنسان : انظر أين هو؟ فجاء فقال: يا رسول الله هو في المسجد راقد، فجاء رسول الله ﷺ وهو مضطجع وقد سقط رداءه عن شقه وأصابه تراب، …

فجعل رسول الله ﷺ يمسحه عنه ويقول : قم أبا تراب(*7),

ومن رواية البخاري: والله ما سماه إلا النبي (*8), ومن كناه: أبو الحسن والحسين وأبو القاسم الهاشمى (*9), وأبو السبطين (*10).

لقبه: أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين (*11).

قد يهمك: شخصيات من التاريخ الاسلامي || ملف خاص

مولده رضي الله عنه

اختلفت الروايات وتعددت في تحديد سنة ولادته، فقد ذكر الحسن البصري أن ولادته قبل البعثة بخمس عشرة أو ست عشرة سنة (*12),

وذكر ابن إسحاق أن ولادته قبل البعثة بعشر سنين (*15),

ورجح ابن حجر قوله (*14),

وذكر الباقر محمد بن على قولين :

  • الأول: كالذي ذكره بن إسحاق، ورجحه ابن حجر، وهو أنه ولد قبل البعثة بعشر سنين (*16),
  • وأما الثاني: فيذكر أنه ولذ قبل البعثة بخمس سنين (*17), وقد ملت إلى قول ابن حجر وابن إسحاق فيكون مولده على التحقيق قبل البعثة بعشر سنين (*18).

وذكر الفاكهي (*19), أن عليًا أول من ولد من بنى هاشم في جوف الكعبة، وأما الحاكم فقال: إن الأخبار تواترت أن عليًا ولد في جوف الكعبة (*20).

الأسرة وأثرها في الأعقاب

لقد دل علم التشريح، وهو دراسة التركيب الجسدي، وعلم النفس، وعلم الأخلاق، وعلم الاجتماع، على تأثير الدم والسلالات في أخلاق الأجيال وصلاحياتها ومواهبها، وطاقاتها، إلى حد معين، في أكثر الأحوال، وذلك عن ثلاث طرق:

(أ) القيم والمثل التي مازال آباء هذه الأسرة وأجدادها يؤمنون بها أشد الإيمان ويحافظون عليها،

(ب) حكايات الآباء وعظماء الأسرة في البطولة والفتوة والفروسية، والشهامة، والأنفة والإباء، والجود والسخاء، وحماية المظلومين والضعفاء، تتناقلها الأجيال فتؤثر في تكوين عقليتها ومشاعرها،

(ج) تأثير الدم الموروث في أعضاء الأسرة كابرًا عن كابر، في أسرة حافظت على أنسابها وأصالتها، وذلك ما أيده علم السلالات ..(*21),

وهذا ليس على إطلاقه، ولا قاعدة مطردة، …

وإلى ذلك أشار النبي ﷺ في قوله: «الناس معادن كمعادن الفضة والذهب، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا»(*22)،

وقوله ﷺ : «من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه» (*23),

ويحسن بنا أن نشير إلى وضع الأسرة والسلالة- اللتين ولد ونشأ فيهما أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضي الله عنه – العرقي والاجتماعي، وما كانتا تمتازان به من خصائص وأعراف، وتقاليد وتراث خلقي ونفسي، وكيف كان العرب ينظرون إليهما ويقرون لهما بالفضل، ونبدأ في ذلك بقريش، ثم ببنى هاشم (*24).

1- قبيلة قريش : أقر العرب كلهم بعلو نسب قريش، وسيادتها، وفصاحة لغتها، ونصاعة بيانها، وكرم أخلاقها وشجاعتها وفتوتها، وذهب ذلك مثلاً لا يقبل نقاشًا ولا جدالاً (*25),

وكانوا حلفاء متآلفين متمسكين بكثير من شريعة إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، ولم يكونوا كالأعراب الذين لا يوقرهم دين، ولا يزينهم أدب، ..

وكانوا يحبون أولادهم، ويحجون البيت، ويقيمون المناسك، ويكفنون موتاهم، ويغتسلون من الجنابة، ويتبرءون من الهرابذة (*26),ويتباعدون عن المناكح من البنت وبنت البنت والأخت وبنت الأخت، غيرة وبعدًا من المجوسية،

رائج :   الديكتاتورية .. نماذج من الطغاه (الجزء 5)

ونزل القرآن بتأكيد صنيعهم وحسن اختيارهم، وكانوا يتزوجون بالصداق والشهود ويطلقون ثلاثًا (*27)،

ومما زاد شرفهم أنهم كانوا يتزوجون من أي قبيلة شاءوا، ولا شرط عليهم في ذلك، ولا يزوجون أحدًا حتى يشترطوا عليه أن يكون متحمسًا (*28) على دينهم، يرون ذلك لا يحل لهم ولا يجوز لشرفهم، حتى يدان إليهم وينقاد(*29).

2- بنو هاشم :أما بنو هاشم فكانوا واسطة العقد في قريش، وإذا قرأنا ما حفظه التاريخ وكتب السيرة من أخبارهم وأقوالهم – استدللنا به على ما كان يمتاز به هؤلاء من مشاعر الإنسانية الكريمة، والاعتدال في كل شيء،…

ورجاحة العقل، وقوة الإيمان بما للبيت من مكانة عند الله، والبعد عن الظلم ومكابرة الحق، وعلو الهمة، والعطف على الضيف والمظلوم، والسخاء، والشجاعة، وما تشتمل عليه كلمة (الفروسية) عند العرب من معان كريمة وخلال حميدة،

والسيرة التي تليق بأجداد الرسول الكريم ﷺ ، تتفق ويتفق مع ما كان يفضله ويدعو إليه من مكارم الأخلاق، غير أنهم عاشوا في زمن الفترة، وسايروا أبناء قومهم في عقائد الجاهلية، وعباداتها (*30)

ولم يصل بنو هاشم إلى هذه المكانة في مجتمعهم إلا بالتضحية والعطاء والبذل وخدمة الناس.

3- عبد المطلب بن هاشم :جد الرسول ﷺ وعلىّ بن أبى طالب رضي الله عنه: ولي عبد المطلب بن هاشم السقاية والرفادة (*31), بعد عمه المطلب، فأقامهما للناس، وأقام لقومه ما كان آباؤه يقيمون قبله لقومهم من أمرهم، وشرف في قومه شرفًا لم يبلغه أحد من آبائه، وأحبه قومه وعظم خطره فيهم (*32).

ولم يكن عبد المطلب أغنى رجل في قريش، ولم يكن سيد مكة الوحيد المطاع، كما كان قُصى، إذا كان في مكة رجال كانوا أكثر منه مالا وسلطانًا، إنما كان وجيه قومه، لأنه كان يتولى السقاية والرفادة، وبئر زمزم، فهي وجاهة ذات صلة بالبيت (*33),

ويتجلى إيمان عبد المطلب بأن لهذا البيت مكانة عند الله، وأنه حاميه ومانعه، وتتجلى نفسية سيد قريش السامية، وشخصيته القوية الشامخة في حديث دار بينه وبين أبرهة ملك الحبشة، وقد غزا مكة وأراد أن يهين البيت ويقضى على مكانته،….

وقد أصاب لعبد المطلب مائتى بعير، فاستأذن له عليه، وقد أعظمه أبرهة ونزل له عن سريره فأجلسه معه، وسأله عن حاجته، فقال: حاجتي أن يرد علىّ الملك مائتى بعير أصابها لي.

فلما قال له ذلك زهد فيه الملك وتفادته عينه، وقال: أتكلمني في مائتى بعير أصبتها لك، وتترك بيتًا هو دينك ودين آبائك، قد جئت لهدمه، لا تكلمني فيه؟!

قال عبد المطلب : إني أنا رب الإبل، وإن للبيت ربًا سيمنعه، قال : ما كان يمتنع مني، قال: أنت وذاك (*34),

وقد كان ما قاله عبد المطلب، فحمى رب البيت بيته، وجعل كيد أبرهة وجيشه في تضليل،

قال تعالى : “وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ ○ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ ○ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ” [الفيل:3-5].

وكان عبد المطلب يأمر أولاده بترك الظلم والبغي، ويحثهم على مكارم الأخلاق وينهاهم عن دنيئات الأمور (*35)،

ومات عبد المطلب بعد أن جاوز الثمانين، وعمر الرسول ثماني سنين، ومعنى ذلك أنه توفى حوالي سنة 578للميلاد (*36),

وذكر أنه لم تقم بمكة سوق أيامًا كثيرة لوفاة عبد المطلب (*37).

قد يهمك: شيخ الاسلام ابن تيمية و أسباب السجنات السبعة

4 – أبو طالب والد على بن أبى طالب رضي الله عنه: أبو طالب لا مال له، كان يحب ابن أخيه حبًا شديدًا، فإذا خرج خرج معه، فقد كان أبو طالب هو الذي يلي أمر رسول الله ﷺ بعد جده، فكان إليه ومعه (*38),

وعندما أعلن رسول الله ﷺ الدعوة إلى الله وصدع بها وقف أبو طالب بجانب رسول الله ﷺ وصمم على مناصرته وعدم خذلانه، فاشتد ذلك على قريش غمًا وحسدًا ومكرًا، …

وإن المرء ليسمع عجبًا ويقف مذهولاً أمام مروءة أبى طالب مع رسول الله ﷺ ، فقد ربط أبو طالب مصيره بمصير ابن اخيه محمد ﷺ ،

بل واستفاد من كونه زعيم بني هاشم أن ضم بنى هاشم، وبنى المطلب إليه في حلف واحد على الحياة والموت، دفاعًا لرسول الله ﷺ، مسلمهم ومشركهم على السواء (*39),

وأجار ابن أخيه محمدًا ﷺ إجارة مفتوحة لا تقبل التردد والإحجام، …

ولما رأى أبو طالب من قومه ما سره من جهدهم معه، وحدبهم عليه، جعل يمدحهم ويذكر قديمهم، وفضل رسول الله فيهم، ومكانه منهم ليشد لهم رأيهم وليحبوا معه على أمره (*40) فقال :

رائج :   قصة حياة جيفارا || الجزء الثاني

إذا اجتمعت يومًا قريش لمفخر

فعبد مناف سرها وصميمها

وإن حصلت أشراف عبد منافها

ففي هاشم أشرافها وقديمها

وإن فخرت يومًا فإن محمدًا

هو المصطفى من سرها وكريمها

تداعت قريش غثها وسمينها

علينا فلم تظفر وطاشت حلومها

وكنا قديمًا لا نقر ظلامة

إذا ما ثنوا صُعْر الخدود نقيمها

ولما خشى أبو طالب دهماء العرب أن يركبوه مع قومه، قال قصيدته التي تعوذ فيها بحرمة مكة، وبمكانة منها، وتودد فيها أشراف قومه، وهو على ذلك يخبرهم في ذلك من شعره، أنه غير مسلم رسول الله ، ولا تاركه لشيء أبدًا حتى يهلك دونه فقال :

ولما رأيت القوم لا ود فيهم

وقد قطعوا كل العرى والوسائل

وقد صارحونا بالعداوة والأذى

وقد طاوعوا أمر العدو المزايل

وقد حالفوا قوما علينا أظنة

يعضون غيظًا خلفنا بالأنامل

صبرت لهم نفسي بسمراء سمحة

وأبيض عضب من تراث المقاول

وأحضرت عند البيت رهطى وإخوتي

وأمسكت من أثوابه بالوصائل

وتعوذ بالبيت وبك المقدسات التي فيه، وأقسم بالبيت بأنه لن يسلم محمدًا ولو سالت الدماء أنهارًا، واشتدت المعارك مع بطون قريش :

كذبتم وبيت الله نُبْزى محمدًا

ولما نطاعن دونه ونناضل

ونُسلمه حتى نصرع حوله

ونذهل عن أبنائنا والحلائل

وينهض قوم في الحديد إليكم

نهوض الروايا تحت ذات الصلاصل(*41)

واستمر أبو طالب في مناصرة ابن أخيه واستطاع أن يغزو المجتمع القرشي بقصائده الضخمة التي هزت كيانه هزًا،

ولما تغلغل الإسلام في قلوب أبناء بعض القبائل، اجتمعت قريش فائتمروا بينهم أن يكتبوا كتابًا يتعاقدون فيه على بنى هاشم وبنى المطلب، على ألا ينكحوا إليهم ولا ينكحوهم، ولا يبيعوهم شيئًا ولا يبتاعوا منهم، وكتبوا صحيفة وعلقوها في جوف الكعبة، وتواثقوا على ذلك،

وانحازت بنو هاشم وبنو المطلب إلى أبى طالب فدخلوا معه في شعبه (*42), وذلك في محرم سنة سبع من النبوة…

ومكث بنو هاشم على ذلك نحو ثلاث سنوات لا يصل إليهم شيء إلا سرًا، ثم كان ما كان من أكل الأرضة للصحيفة، وإخبار النبي ﷺ أبا طالب بذلك، وتمزيق الصحيفة، وبطلان ما فيها (*43),

ومات أبو طالب في النصف من شوال في السنة العاشرة من النبوة، وهو ابن بضع وثمانين سنة، ولم يسلم أبو طالب (*44),

وهو العام الذي ماتت في خديجة زوج النبي ، وتتابعت على رسول الله ﷺ المصائب، وسمى هذا العام بعام الحزن (*45).

رضي الله عن علي بن أبي طالب

وصلى الله على محمد و آله وصحبه وسلم

المصادر:

(*1) رواه البخاري، رقم (2942)

(*2) ابن القيم، مدارج السالكين (3/8). 1 07,844

(*3) ديوان على بن أبي طالب موقع أدب.وانظر صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 4196 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] وانظر فتح الباري باب غزوة خيبر. وانظر : الراوي : سلمة بن الأكوع | المحدث : ابن حبان | المصدر : صحيح ابن حبان الصفحة أو الرقم: 6935 |

————-

(*4) أبو طالب اسمه عبد مناف.

(*5) عبد المطلب اسمه شيبة الحمد، الاستيعاب (3/1089).

(*6) الطبقات الكبرى (3/19)، صفة الصفوة (1/308)، البداية والنهاية (7/333)، الإصابة (1/507), الاستيعاب (10891), المنتظم (5/66), المعجم الكبير للطبراني (1/50).

(*7) حيدرة: من أسماء الأسد.

(*8) الرياض النضرة في مناقب العشرة، ص (617).

(*9) غريب الحديث للخطابي (2/170)، خلافة علىّ بن أبى طالب، عبد الحميد بن على ناصر فقيهي ص (18).

(*10) من قال يقيل فالقيلولة: الظهيرة، وتكون بمعنى النوم في الظهيرة، اللسان (11/577).

(*11) مسلم في صحيحه رقم (2409).

(*12) البخاري في صحيحه رقم (441، 3703، 3280).

(*13) البداية والنهاية (7/223).

(*14) أسد الغابة (4/16)، والسبطان: الحسن والحسين.

(*15) تاريخ الإسلام للذهبي: ص (376)، البداية والنهاية (7/223)، خلاصة تهذيب الكمال (25012).

(*16) المعجم الكبير للطبراني (1/54) رقم 163بسند مرسل.

(*17) السيرة النبوية (1/262)دون إسناد.

(*18) الإصابة (2/501)ترجمة على.

(*19) المعجم الكبير اللطبراني (1/53) رقم 165إسناده حسن.

(*20) المصدر السابق (1/53) رقم 166إسناده حسن إلى محمد الباقر حيث أرسلها.

(*21) فتح الباري (7/174)، والإصابة (2/507).

(*22) صاحب أخبار مكة، حقق الكتاب عبد الملك بن دهيش.

(*23) المستدرك على الصحيحين (3/483) دون إسناد.

(*24) المرتضى سيرة أمير المؤمنين على بن أبى طالب، لأبى الحسن مد (2/539) إسناده صحيح.

(*25) مسلم. ك الذكر والدعاء والتوبة.

(*26) المرتضى للندوى: ص(20).

(*27) فيما يتعلق بخصائص ومزايا العرب ينظر إلى السيرة النبوية للندوى.

(*27) السيرة النبوية للندوي: ص(74).

(*29) الهرابذة: قوام بيت النار، فارسى معرب وقيل: عظماء الهند أو علماؤهم.

(*30) بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب (1/243) للألوسى.

(*31) متحمسًا: التحمس: التشدد في الدين.

(*32) المرتضى للندوي: ص(22)، بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب (1/243).

(*34) بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب للألوسى (1/243).

(*35) الرفادة: إطعام الحجاج في أيام الموسم حتى يتفرقوا.

(*36) السيرة النبوية لابن هشام (1/142).

(*37) المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، جواد على (4/58)، المرتضى: ص(22).

(*38) سيرة ابن هشام (1/49) المرتضي: ص (23).

(*39) بلوغ الأرب في معرفة احوال العرب (1/324).

(*40) المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام (4/78).

(*41) أنساب الأشراف للبلاذرى (1/78).

(*42) المرتضى ص (24)،السيرة النبوية لابن هشام (1/179).

(*43) فقه السيرة النبوية للغضبان ص(184).

(*45) السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث للصلابي (1/15

☆ سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب للصلابي ص١٢-

قد يهمك: بداية نهوض دوله السلاجقة …. لمحة من التاريخ الاسلامي

مقالات ذات صلة