من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)
أنا شاب في منتصف الثلاثينيات حاصل على مؤهل عال وأعمل بإحدى شركات قطاع الأعمال. ولقد نشأت في أسرة متوسطة. وبعد تخرجي وعملي بدأت أفكر في الزواج ورشحت لي شقيقتي صديقة لها, أثنت على خلقها وطباعها وجمالها, فرأيتها واعجبت بها وتركتها وصورتها لا تفارقني.. ثم التقيت بها مرة ثانية بصحبة شقيقتي وعاهدتها على ألا نفترق أبدا حتى آخر العمر.
وتقدمت لخطبتها.. وتزوجنا في سلام, وكانت اسعد لحظة هي اللحظة التي خطونا فيها إلى عش الزوجية الذي حلمنا به معا.. وبدأنا حياتنا المشتركة بصلاة شكر ودعاء إلى الله العلي القدير أن يكتب لنا السعادة الدائمة ويرزقنا الذرية الصالحة, ومضى على زواجنا عام شعرت كأنه يوم واحد. وفي كل يوم يزداد التفاهم بيننا ولا نسمح لأية مشكلة أن تعكر علينا صفو حياتنا,
وبعد عام من الزواج حملت زوجتي وسعدنا بحملها, ولكن الحمل لم يكتمل وأجهضت بعد شهرين فقط. ولم نحزن لذلك بل حمدنا الله على أننا قادران على الإنجاب وبعد شهور أخرى حملت زوجتي مرة ثانية.. وللأسف لم يكتمل حملها هذه المرة أيضا وأجهضت بعد ثلاثة أشهر لسببب لا نعرفه, كما حدث لها نزيف بعد الإجهاض وعولجت منه بعملية جراحية, وغادرنا عيادة الطبيب وزوجتي في حالة نفسية سيئة.. لكننا حمدنا الله على سلامتها ودعوناه أن يمن علينا بتثبيت الحمل إلى أن نرى طفلا لنا بين أيدينا.
وبعد عام آخر حملت زوجتي من جديد.. وذهبنا للطبيب لكي يتابع حالتها منذ بداية الحمل ومرت شهوره بسلام, وأبلغنا الطبيب بعد إجراء الأشعة أنه ولد وطرنا فرحا بذلك خاصة زوجتي التي أعدت ملابس المولود واختارت له اسمه من قبل أن يأتي من عالم الغيب.
وفاجأت زوجتي آلام الولادة, في منتصف الليل فهرولنا إلى الطبيب الذي يتابع حالتها ودخلت زوجتي غرفة الولادة ومضى الوقت ثقيلا علينا وأنا أسمع صراخ زوجتي يتعالى بلا توقف ونحن نتألم لها خارج الغرفة ونتلهف علي سماع صراخ المولود..
وكل فترة يخرج إلينا الطبيب طالبا شيئا ثم يرجع للغرفة مرتبكا.. وفي احدى هذه المرات قال لنا إن الطفل ليس طبيعيا ويعتبر ميتا وإنه مهتم الآن بإنقاذ حياة الأم, وطلب منا توفير4 أكياس من الدم من فصيلة زوجتي لأنها نزفت كثيرا, وهو مضطر لإخراج الجنين بعملية قيصرية على الفور, ووقع الخبر علي كالصاعقة وكدت أغيب عن الوعي.. فقد فقدت في لحظة واحدة الابن وأبحث الآن عن وسيلة لإنقاذ الزوجة. لأن فصيلة دم زوجتي نادرة..
فقد هرولت إلى أهلي وأهلها ودعوت الجميع للتبرع لها بالدم وتجمع العشرات في معمل الدم لإجراء التحاليل لمعرفة فصيلة الدم الصالحة.. وأخيرا عثرنا على الفصيلة المطلوبة, وحان وقت أذان الفجر, فرفع الجميع أيديهم بالدعاء إلى الله أن ينقذ الأم الشابة من الموت.. وتمت العملية وخرج إلينا الطبيب وطمأننا على سلامة الأم, ودخلت على زوجتي فوجدتها غائبة عن الوعي وفي سرير مجاور لها للطفل الغائب عن الحياة الذي أعدت له أمه ملابسه واختارت له اسمه من قبل. فنظرت إليه من خلال دموعي وقلت:
لله ما أعطي ولله ما أخذ وكل شيء عنده بمقدار.. وبكيت الحلم الجميل.. وتساءلت ماذا أقول لأمه حين تفيق وتسألني عنه. وعلى الفور طلبت من أبي أن يأخذ الطفل ويواريه الثرى قبل أن تتنبه زوجتي وتراه, وكان مشهدا مبكيا للحاضرين وأبى يحمله علي ذراعه ويمضي به إلى المصير المحتوم.
وأفاقت زوجتي بعد قليل وتساءلت ماذا حدث.. وأين ابني؟ فقلت لها إن الله سبحانه وتعالى قد أراد أن يبتلينا بما حدث وعلينا أن نصبر على بلائه ولسوف يسقينا ابننا هذا من ماء الجنة إن شاء الله حين يجمعنا الله به في مستقر رحمته, وخرجنا بعد اسبوعين من العيادة عائدين إلى البيت ودموع زوجتي لا تتوقف وأنا أنظر إلى وجهها الحزين وأتساءل: هل تعود إليها ابتسامتها الجميلة ذات يوم وتسعد بحياتها وتسعد من حولها كما كان الحال في الأيام الخوالي؟
ومرت الأيام وأنا أحاول أن أنسيها ما حدث..
ومضى عامان بغير أن يحدث حمل جديد.. وتشككنا في أن يكون قد حدث شيء خلال العملية الأخيرة أثر على استعدادها للحمل والإنجاب, وذهبنا للطبيب فطلب فحصها بالأشعة التليفزيونية. وأجرينا الأشعة فكانت المفاجأة أنها حامل في شهرين, وتابع الطبيب الجنين بالأشعة خلال فترة الحمل, وأكد لنا أنه طبيعي ولا داعي للخوف من تكرار ما حدث من قبل وحدد لنا يوم الولادة.. وفي الموعد المحدد ذهبنا إلى عيادته, وقد تعمدت زوجتي هذه المرة ألا تأخذ معها أية ملابس للمولود وألا تختار له اسما من قبل مولده.. وتمت الولادة القيصرية بسلام ورزقنا الله بطفلة جميلة سميناها آية.
وكانت عودتنا إلى البيت هذه المرة عودة سعيدة وزوجتي تحمل طفلتها وتبتسم لها طوال الطريق.
ومضت ثلاثة أعوام هانئة وسعيدة ملأت خلالها آية حياتنا بالبهجة والسعادة والهناء, ومنذ أيام قليلة وضعت زوجتي مولودها الثاني وكان ولدا عوضنا به الله سبحانه وتعالى عمن فقدنا.. وأسعد قلوبنا.
ولقد أردت أن أكتب لك قصتي لكي أقول للصابرين المنتظرين ألا ييأسوا من رحمة الله.. وألا يفقدوا الأمل في الحمل والإنجاب إذا تعرضوا في بداية حياتهم لمثل ما تعرضنا له.. فالله سبحانه وتعالى قادر علي أن يعيد البهجة والسعادة والابتسامة إلي حياتهم كما أعادها إلينا.. والحمد لله علي كل شيء.. ودعاؤنا إليه أن يحفظ علينا سعادتنا وابتهاجنا بطفلينا آية وأحمد, وأن يرزق كل المنتظرين رزقهم الموعود ويعيد الابتسامة إلي وجوههم.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ولكاتب هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :
أمر المؤمن خير كله.. كما جاء في الحديث الشريف إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له, وإن اصابته مصيبة صبر فكان خيرا له.
ولقد صبرت يا صديقي على ما أصابك أنت وزوجتك في بداية حياتكما الزوجية.. ولم تفقدا الأمل في رحمة الله.. وقلت كما قال خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز في دعائه المأثور اللهم رضني بقضائك وبارك لي في قدرك حتى لا أحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت..
فكان أن عجل الله لك الرزق بالأبناء بعد تأخير قصير أو بعد صبر محمود على الابتلاء, مما يذكرنا بقول أحد الصالحين حين سئل أيهما يفضل: التمكين أي أن يحقق له الله سبحانه وتعالي ما يرغبه ويأمل فيه أم الابتلاء مع ما يعنيه ذلك من أجر عظيم للصابرين عليه فتساءل الرجل الصالح مبتسما, وهل يكون تمكين بغير ابتلاء؟
ولقد مكنك الله مما رجوته لنفسك وزوجتك وحياتك العائلية بعد ابتلاء محدود والحمد لله.. فاحفظ أيها الشاب ما أنعم الله سبحانه وتعالي عليك به من نعمة الإنجاب ونعمة الوفاق الزوجي والسعادة العائلية بالشكر والذكر آناء الليل وأطراف النهار, ذلك أن الشكر هو الحافظ للنعم.
وإن الله ليمتع بالنعمة ما يشاء فإن لم يشكر عليها كما جاء في مضمون الحديث الشريف ـ قلبها عذابا.
فالحمد لله أن كنت من الشاكرين الذين يحفظ عليهم ربهم ما أنعم به عليهم وهنيئا لك سعادتك العائلية وذريتك الصالحة بإذن الله, وشكرا لك علي اهتمامك بأن تروي قصتك لمن ينتظرون أن يحقق الله سبحانه وتعالي لهم آمالهم في الإنجاب وسعادة القلب وراحة البال, وعلي حرصك علي أن تحثهم علي الأمل دائما في رحمة الله.. وانتظار جوائزه للصابرين المتطلعين إلي نصيبهم العادل في السعادة.. والسلام.