الموضوع ده مش جديد.. كتبته ونشرته قبل كده ونزل كمان مطبوع فى كتابى تاريخ حى.. ولكن الشيء بالشيء يذكر بما اننا بنعيش ازهى عصور الكورونا.
الحكاية دى كانت في رمضان سنة 749 هجرية.. سنة 1348م. بالبلدي ومن غير أرقام تبقي وقت حكم السلطان الناصر بدر الدين أبو المعالى الحسن.. الناصر حسن بتاع المسجد الموجود في ميدان القلعة.
الناصر حسن لسه ماسك الحكم بقاله كام شهر.. عمره يا دوب 14 سنه.. كعادة ولاد الناصر محمد بن قلاوون.. سلطان عيل راكب على أنفاسه أمراء خانقين البلد.. الأمير منجك اليوسفي السلاح دار (المسئول عن السلاح) وأخوه بيبغا آرس الاستادار (والمسئول عن بيوت السلطان).
هنرجع محطتين بس لورا.. مع دخلة سنة 742ه. اخبار من الشرق عن طاعون بدأ من بلاد القان الكبير “الصين” وماشي نحو الغرب.. اخبار تانيه مش ولابد عن فناء 300 جنس في توريز “ايران” وارض الخطا والمغل “المغول” والاوزبك “اوزباكستان.
لو فكرنا ان كل قبيله بتمثل جنس.. زى التتار والقبجاق والمنايفه كمثال يعنى.. هنلاقي ان عمنا المقريزي كاتب الكلام ده:
“وأول ابتدائه من بلاد القان الكبير حيث الاقليم الأول وبعدها من توريز الى اخرها في ستة أشهر وهى بلاد الخطا والمغل وأهلها يعبدون النار والشمس والقمر وتزيد عدتهم على ثلاثمائة جنس هلكوا بأجمعهم من غير عله في مشاتيهم ومصايفهم وفى مراعيهم وعلى ظهور خيولهم وصاروا كلهم جيفا مرميه فوق الأرض”.
يا قوة الله.. 300 قبيلة.. في 6 شهور!!
اتقل.. احنا لسه مقلناش حتى بسم الله الرحمن الرحيم.
بيكمل المقريزي ويقول:
“ثم حملت الريح نتنهم الى البلاد فما مرت على بلد ساعة ويشمها انسان او حيوان الا ومات من ساعته.. فهلك من القان الكبير خلائق لا يحصى عددها الا الله ومات القان وأولاده السته ولم يبق بذلك الإقليم من يحكمه”
تحس ان المقريزي هنا شغال معدده.. عمال يعيد ويزيد ويقولك الطاعون خرج من بلاد الأوزبك الى إسطنبول وقيصرية وبعدين نزل على انطاكية ومنها الى الشام.. الموت بالالاف والناس مرعوبة.. هربوا من البلاد على الجبال.. ادركهم الطاعون هناك وماتوا..
رجعت خيولهم على المدن تاني.. الناس تتبعت أثر الخيل لحد ما وصلوا للموتى في الجبال.. سابوهم في العراء واخدوا فلوسهم ومصاغهم.. علشان الجثث تتحول الى وباء جديد يضاف الى الطاعون اللى شغال فعلا ويموت اللى هربوا على المدينة بعد ما نهبوا الفلوس.. المدن أصبحت مدن اشباح والفلوس اكوام متلتله مش لاقيه حد “حي” يصرفها.
الطاعون ماشى بيتحرك من فوق لتحت.. الاكراد فنوا.. التتر بيفنوا.. مبقاش في احياء في ارض الصين.. نزل المطر على ارض العراق وأجزاء من ايران وباكستان.. الناس استبشرت خير.. اتارى المطر كان سيول محدش شاف زيها قبل كده.. سيول رهيبة جرفت الجثث الملوثة بالطاعون ونقلتها من مكان لمكان علشان ينتشر الموت مع سريان السيل.. 16 ملك ماتوا في الصين لوحدها في اقل من 3 شهور.. عشرات الالاف بتموت كل يوم بمنتهى السرعة.. حتى ان الواحد من دول كان بيطلعله خراج في جسمه.. مسافة ما يمد ايده يحسس عليه.. يروح ميت علطول.
ايه الرعب ده!!
دى حاجه عامله زى عذاب الله عزوجل لأهل القرون الأولى في عصر معجزات الأنبياء.
مع دخلة سنة 743هــ. الوباء بدأ يتحرك ناحية حلب.. 500 ميت في اليوم.. وبعدها دمشق وبعدين غزه.. الجثث مرميه بخراريج ورا الودان او تحت الابط.. يقال ان المريض كان يطلعله الخراج وبعدها يكح دم.. وفى خلال 50 ساعه او اقل يكون مات.. ويحكى من غزه ان مزارع نزل ارضه ومعاه 25 نفر يفلحوا في الأرض.. عدى عليهم نسمة هواء ملوثه بالطاعون..
فصاحب الأرض شاف الناس وهى بتسقط ميته ورا بعض واحد ورا التاني في غمضة عين.. يكح النفر منهم دم ويقع ميت.. وهو بيقع يكون اللى بعده بيكح دم.. ويستمر السلسال.. واضح من الوصف ان الموت كان سريع جدا.. ده بيبذر بذر ومات.. ده بيحرث ومات.. وده ساحب بقرته ومات هو والبقرة.. وهكذا.
مات في الشام في الكام شهر دول ما يقرب من 20 ألف انسان حتى ان أسواقها أصبحت خرائب.. كسدت البضاعة والاسعار بقت في الأرض.. اكوام من الأموال والجواهر مكدسه.. لا في بيع ولا شراء.. كله خايف “او ميت” من الطاعون.
طيب الحال في أوروبا كان ايه؟
عدى الطاعون على قبرص وبدأ يحصد في المواشي والأطفال.. لما كتر الموت خرج القبارصة الاسرى المسلمين وقتلوهم كلهم خوفا من ان الوباء ده يحصد القبارصة وتفضل الجزيرة للمسلمين يحكموها.. في عز المعمعة قامت عليهم ريح شديده وزلزال رهيب خلاهم يشكوا ان القيامة قامت.. خرجوا هربانين على المراكب يرموا نفسهم في عرض البحر.. وصلت المراكب للبر التاني وهى شايله جثث.. مات الملوك على البر ومات الهربانين في البحر.. البضائع على المراكب ببلاش.. هجم عليها الطلاينة وهما مش عارفين البلوة المستخبيه..
نهبوا السفن وتفشى فيهم الوباء علشان يحصد عشرات الالاف.. ومنهم اتنقل للأندلس اللى مفلتش من المصيبة دى فيها الا مملكة غرناطة.. بلاد الفرنج أصبحت خاويه مفيهاش حد يحميها.. عرب افريقيا طمعوا فيها.. شدوا الرحال على أوروبا ياخدوا اللى يقدروا عليه.. اترعبوا من منظر الجثث وكمية الموت.. حملوا السفن والخيول على اد ما قدروا وحاولوا يرجعوا تانى على بلادهم وهما بيتسقطوا موتى واحد ورا التاني.. لحد ما وصلت المراكب لسواحل ليبيا وتونس فاضيه.. مفيهاش صريخ ابن يومين وكنوز ملهاش حصر.
ومن أوروبا الى افريقيا.. بيحكي المقريزي ان الموت عم افريقيا بجبالها وصحاريها ومدنها.. وجافت جثث العربان ومواشيهم.. الخرفان كانت تندبح فيلاقوا لحمتها سوداء منتنة من إثر الطاعون.. في اليوم الواحد كان بيموت 100 او 200.. واتحرك الطاعون من برقه الى الإسكندرية.. وتضاعف عدد الموتى حتى انهم في أحد صلوات الجنازة صلوا على 700 فرد دفعه واحده..
وفضل الطاعون يتحرك من إسكندرية للبحيرة لدمياط.. لحد ما غطى وجه بحرى كله.. كسدت التجارة وبارت الأراضي نتيجة موت الفلاحين.. انتهت سنة 748ه والمدن في مصر عباره عن مدن اشباح مفيهاش الا جثث مرميه منتنة مش لاقيه اللى يدفنها.. حتى الحانوتية ماتوا.
طيب.. نسيب المقريزي شويه.. يبدو ان الراجل ده بيبالغ.. نشوف كده ابن تغرى قال ايه؟
“ومع هذا كان فيها أيضا من الوباء ما لم يقع مثله في سالف الأعصار.. فانه كان ابتدأ بأرض مصر اخر أيام التخضير.. فما اهل المحرم سنة تسع وأربعين حتى اشتهر واشتد بديار مصر في شعبان ورمضان وشوال وارتفع في ذي القعدة.. فكان يموت بالقاهرة ومصر ما بين عشرة الاف الى خمسة عشر ألف نفس في كل يوم”
سلم يارب.. ايه ده!!
حفرة واحده يدفنوا فيها 40 و50 واحد!!
عدة الحانوتية والتغسيل والاكفان كانت متسابه كده.. ببلاش من غير اجره!!
الحانوتي كان بيغسل في اليوم اكتر من 100 جثه.. ده قبل ما يموت هو كمان في اخر اليوم بعد ما يكح دم.. طبعا اخد العدوي.. الناس خافت واصابها رعب عظيم.. بقت تهرب من البلد ورا البلد مهتدين بحركة الطير.. اتارى الطير نزلت من فوق كلت رمم موتى بالطاعون وماتت هي كمان.. بقت الناس تهرب من بلد مصابه.. الى بلد مصابه.. موت هنا وموت هناك..
موت في البر وموت في البحر.. موت للبشر والبهائم والطيور وكل كائن حي بدون تفرقه.. الحكماء وقفوا عاجزين قصاد سرعة الموت.. ملحقوش حتى يجربوا اى شربة دواء ولا دهان ولا اعشاب.. المصاب كان يصحى الصبح سليم.. الظهر يظهرله خراج.. العصر يكح دم.. وشكرا.
الميراث كان بيعدي على 4 او 6 وارثين في يوم واحد.. القلعة فضيت من المماليك.. فرق الجند ماتت زى ما هي.. الشوارع أصبحت مسكن للذباب.. حاره زى حارة برجوان كان فيها 50 بيت.. مات منهم في يوم واحد 40 بيت كامل.. الخشبة كانت بتشيل في المره الواحده 5 افراد وزيادة.. دفن جماعي.. صلاة جنازة جماعية.. دعوات جماعية للأموات..
اصطفت توابيت الموتى في الشوارع لحد ما كله اتلخبط على كله ومبقاش معروف مين تبع مين.. فيوم جمعه في مسجد الحاكم بأمر الله رصصوا التوابيت جمب بعض اتنين اتنين بمساحة الصحن كله لحد خارج المسجد.. الساحة الكبيرة اللى عيالنا بتروح تلعب فيها في مسجد الحاكم دى.. كلها كانت توابيت وجثث.
مبقاش في اغانى ولا افراح.. لا صلاه ولا قراءة قران الا على الأموات.. الناس كلها تحولت الى مغسلين وحانوتيه ومقرئين.. حتى الأمراء الكبار زى شيخون العمرى مثلا “صاحب المسجد الكبير الموجود في شارع الصليبه حاليا”.. كله قلع هدوم الابهة وشال الخشبة.. الاف من القصص المرعبة عن سرعة الموت وخراب الأراضي انتقلت بين الناس علشان تزود الرعب.. قالوا ان ست كانت بتغسل ست.. بالغلط كده لمست خراج في جسمها.. مفيش دقائق الا وكانت ميته جمبها وفى ايدها اثر الخراج.
بطلت 50 صنعه واتقفلت المحلات.. اتنقل الطاعون من وجه بحرى للقاهرة.. ومن القاهرة للصعيد.. خربت قرى الصعيد واراضيها لحد ما الثمر كان بيقع من على الشجر والزرع دبل في الأرض علشان مفيش فلاحين تحصده.. الأسعار هبطت هبوط فظيع وأبو 100 بقى بخمسه لان مفيش حد لا يشترى ولا يبيع.. خلت 40 قريه من سكانها وفقدت مصر 60% من أهلها.. حسب ما قال ابن اياس في البدائع:
“وقد ضبط في شهر شعبان ورمضان من مات في هذا الطاعون.. فكان نحوا من تسعمائة الف انسان من رجال ونساء وكبار وصغار وجوار وعبيد وجنود وامراء.. لم يسمع بمثل هذا الطاعون فيما تقدم من الطواعين المشهورة في صدر الأسلام”
هو ابن اياس يقصد ايه بالطواعين المشهورة دى؟
في كتاب “الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام” نقل الشيخ شمس الدين الذهبي عن أبو الحسن المدائني الكلام ده عن 5 طواعين رهيبة اصابت ديار الإسلام من أيام الرسول عليه الصلاة والسلام وما بعدها
- – طاعون شيرويه “كان في أيام الرسول وبدأ في ايران”
- – طاعون عمواس “كان في أيام الخليفة عمر.. بدأ في الشام ومات فيه صحابه كتير زى أبو عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنه”
- – طاعون الكوفة “مات فيه مليون وستمائة وخمسين الف.. سموه طاعون الاشراف نسبة الى كم كبير من الاشراف ماتوا فيه”
- – طاعون البصرة “سموه الطاعون الجارف لان السيول كانت بتجرف جثث الموتى.. قعد 3 أيام مات فيهم ربع مليون انسان”
- – طاعون الفتيات “وده حصل في البصرة سنة 87ه. مات فيه بنات كتير”
- – طاعون طاعون السلطان حسن اهو طاعون السلطان حسن كان اشد من كل دول.. حتى انه – لأول مره – يدخل الطاعون الى مكة.. السلطان حسن من كتر الرعب اللى عاش فيه ساب البلد كلها وهرب على سرياقوس “شرقية”.
عانى الناس معاناه شديدة اوى من ضرائب الأمير منجك واخوه.. كعادة اهل مصر اجتمع عليهم بلاء الطاعون وبلاء الجباية علشان نكتشف ان اللى مات فعلا ارتاح.
محدش عارف الوباء ده ايه سببه ولا خلص ازاى.. ابن اياس بيقول انه قعد في مصر 7 سنين وابن تغرى بيقول انه قعد في العالم 15 سنه.. تطابقت الروايات بين المؤرخين الثلاثة الكبار عن كم المصايب والخراب اللى حصل للناس بسبب الطاعون ده..
يمكن الطاعون ده يوضح ازاى السلطان حسن قدر يبنى مسجد ومدرسة بالفخامة الرهيبة دى كلها والبلد أساسا مكانتش حالتها كويسة ولا فترة حكمه كانت مستقرة.. الفلوس كانت كتير والصنايعية العطلانه اكتر.. علشان كده لمهم كلهم يشتغلوا في الصرح العظيم بتاعه.. يمكن كانت محاوله لإلهاء الناس عن التركيز في الموت وسيرته؟ الله أعلم.
شايف حضرتك كل اللى كتبته عن الطاعون ده؟
ده مثلا 1 على 500 من الموجود في بدائع الزهور “ابن اياس” والسلوك “المقريزي” والنجوم الزاهرة “ابن تغرى”.
وتقولى كورونا.. كورونا مين يا راجل وحد الله فقلبك.. كورونا لو جه مصر هو اللى هيتعدى من المصريين.. فسيخة واحده بس من الأصلى قادرة تخلى كورونا يضرب نفسه بالشبشب انه جه مصر.. دماغنا هى اللى هتأثر على الحادثة مش العكس.
لطفك يارب.. مش هيبقى الطاعون واللى انت عارفه فى ايام واحده.