أجمل رسائل بريد الجمعة

من فيض القلب ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)

انا الشاب الذى تحدث عنه كاتب رسالة ” النظرات اللائمة ” والذى كان ينبغى له ان يستجيب لدعوتك له للحضور لمقابلتك والاستماع الى نصائحك الغالية ، غير انه يؤلمنى ان اعجز عن الحضور فى الموعد الذى حددته لى فى ردك على الرسالة لارتباطات خارجة عن ارادتى واطمع فى قلبك الكبير ان تقدر الظروف وان تحدد لى موعدا اخر فى اى وقت تسمح به مشاغلك لأتى إليك واستمع لك شاكرا وممتنا ،

اما ردى على ماجاء بالرسالة ، فأود ان اقول لك اولا اننى شاب فى السادسة والعشرين من عمرى نشأت فى اسرة ريفية بسيطة وذهبت فى طفولتى الى الكتاب وحفظت ثلثى القرأن ثم انتقلت للمدينة وادخلنى ابى أرقى مدارسها ، وكان لى فى المدينة مسكن مستقل عشت فيه بمفردى وتعودت حياة الاستقلال والاعتماد على نفسى ،

اما ابى الذى نشأ كاتب الرسالة على الاعتقاد بأنه قد حرمه ووالدته من حقوقهما فى ميراث ابيه فهو رجل امين عرف منذ زمن بعيد بالجدية والاستقامة والعدل ويشارك فى جلسات المصالحة والتحكيم فى النزاعات بين الاهالى فى القرية منذ شبابه ويرتضيه اهلها دائما حكما عادلا فى منازعاتهم ، وحين توفى والد كاتب الرسالة اراد ابى ان تظل التركة على حالها وان يعيش كل الورثة من خيرها وهو وفير والحمد لله لكن والدة كاتب الرسالة طلبت التقسيم وجارت اسرتها بثقلها وقوتها على يتامى الزوجة الاخرى للاب الراحل ،

وهنا اصر ابى على التقسيم بالعدل وعلى الا تجور فئة على اخرى لان الجميع ابناء رجل واحد فكان ماكان من قطيعة بين والدة كاتب الرسالة وبين اسرة ابيه وبالذات مع ابى الذى اعتبرته والدته المسئول الاول عن ذلك .

رائج :   الموعد المرتقب ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

لكن كاتب الرسالة صدق ماانطوت عليه والدته من اعتقاد بأن ابى ظلمها وابنها عند تقسيم الميراث ، وظل يؤمن بذلك الى ان ظهرت انا كما يقول فجأة فى حياة ابنته الراحلة يرحمها الله خلال مرحلة الدراسة بالكلية . ورفضنى خاطبا لها حين تقدمت اليه وطاردنى بسطوته ونفوذه فى كل عمل التحقت به ، وكان من اصحاب هذه الاعمال من يملكون الشجاعة وواجهونى بالموقف وتركوا حرية الاختيار لى مع استعدادهم لتحمل تبعة ذلك ، لكنى كنت اؤثر الانسحاب رفعا للحرج عنهم ، حتى هاجرت من مصر كلها الى فرنسا ، مع مطلبى للزواج من ابنته كان عادلا وقد طرقت البيوت من ابوابها ..

ولم اقبل بالزواج السرى حفاظا على كرامة الطرف الاخر وكرامتى ولاننى لااطلب طلبا غير مشروع .. فكان ماكان وكان رفضى قاسيا ومهينا فإذا كنت قد بكيت بين يديه فى بيته بعد عودتنا لمصر مع جثمان ابنته يرحمها الله ، فلقد كان لبكائى بعد طول عصيان للدمع ثلاثة اسباب هى : النهاية المؤلمة لمن احببناهم وصدقناهم الوعد وصدقوا معنا ، ثم علمى بطلاقها المؤلم قبل وفاتها بأيام من الاخر الذى تعجل والدها زواجها منه ليبعدها عنى ، ثم الرسالة المغلقة التى كتبتها لى الراحلة الكريمة وسلمها لى والدها ذلك اليوم وكانت اخر كلماتها واصدقها يرحمها الله رحمة واسعة .

واما عن ندمه وطلبه منى ان اسامحه فانى ادعوه لان يتوجه بهذا الطلب الى من يملك ان يجيبه عليه ، وهو من يغفر الذنوب جميعا سبحانه وتعالى .واما طلبه منى ان ازوره ، فلقد قلت له من قبل اننى لا اريد البعد عنه ، ولااريد ايضا الاقتراب منه ، وارجو ان نستعيد قدرتنا على نسيان الاساءة والمرارات .

رائج :   الليالي القاسية .. رسالة من بريد الجمعة

كما ارجو الا يعتبر كلامى هذا جفاء له فلقد احترمت فيك ياسيدى عهدك لنفسك ألا توجه للاب المكلوم اى لوم على ماكان من سابق امره معى ، لان من اللام الحياة كما قلت مايعفى من يكابدها من كل لوم ،ولقد حاولت ان اقتدى بذلك فى رسالتى ، واختم رسالتى لك بشكرك على ماابديت من فهم وعطف على الطرفين معا وبشكر اصدقائى فى باريس وفى مصر الذين ساهموا معى فى رحلة العودة الحزينة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ولكاتب هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :

انه من فيض القلب .. يتكلم الفم ! كما جاء فى الكتاب المقدس . وقلبك ياصديقى لم يخل بعد من مرارته تجاه هذا الاب المكلوم لسابق موقفه منك عند تقدمك لطلب يد ابنته الراحلة ، وسابق ملاحقته لك بالأذى فى عملك حتى اضطررت للسفر الى فرنسا ، ثم جمعت بينكما الاقدار الاليمة بعد ذلك ..

وشهدت رحيل فتاتك عن الحياة ورجعت مع جثمانها الى موطن الاحزان ، ولأن الامر كذلك فلقد جاءت رسالتك هذه اقل تسامحا مما توقعته منك تجاه هذا الاب المكلوم ، واقل استجابة لما رجاه هو منك ورجوته انا فيك !

فياصديقى الشاب الامين الذى نال احترام كل من قرأ رسالة الاب المفجوع عنه وعن رجولته وتضحيته وشهامته ووقوفه الى جواره فى محنته الدامية بالرغم من كل ماناله من اذى سابق منه ، اقول لك ان ” المصائب يجمعن المصابينا ” وان هذا الاب الثاكل يلتمس لديك بعض السلوى وبعض العزاء ، يتخفف بهما مما يكابده من احزان والام ، فلا تضن بذلك عليه ولاتستسلم للمرارات القديمة ..

رائج :   الأشواق الحبيسة ! .. رسالة من بريد الجمعة

فلقد أسدل الرحيل الدامى ستارا كثيفا على كل الخلافات والمرارات ، وارجو ان تسرع الايام اليك بالقدرة على نسيان الاساءات فتتلاقى مع هذا الاب ويعين كل منكما صاحبه على امره .

ولن اطيل الحديث اليك فى هذا الشأن لعلمى انك تعرف كل مااريد قوله لك لكنى فقط سأروى لك ماقاله رجل من العرب للخليفة المنصور حين استشار من حوله فى أمر اهل الشام الذين ناصروا ابن عمه عبدالله بن على عليه .. وتغلب عليه المنصور وتساءل الناس ماذا سيفعل بمن ناصروا خصمه فقال له هذا الرجل :

” الانتقام عدل ، والتجاوز فضل ، والمتفضل قد جاوز حد المنصف ونحن نعيذ امير المؤمنين بالله ان يرضى لنفسه بأوكس النصيبين دون ان يبلغ ارفع الدرجتين ! “.

فكان ان ابى المنصور على نفسه ” اوكس النصيبين ” واختار ان يبلغ ارفع الدرجتين ويعفو عن اهل الشام .. وانى لعلى ثقة من ان الايام سوف تمسح كل المرارات والاساءات قريبا وانك ستختار ارفع الدرجتين فى اقرب وقت باذن الله .. اما عن اللقاء بيننا فتفضل بالحضور فى مساء اى يوم من ايام الاثنين طوال شهر يونيو الحالى وشكرا لك ..

Related Articles