تاريخقضايا وأراءوعي

هزيمة يونيو المستمرة || (٣) حرب المعلومات

في كتابه الجميل “ضباط يونيو يتكلمون” ينقل لنا عصام دراز شهادة مأساوية لأحد الطيارين يصف فيها مدى دقة المعلومات التي استطاعت إدارة المخابرات الحربية جمعها عن العدو والتي كان من المفترض أن ستساعد هذا الطيار وزملاءه على القيام بإحدى الغارات على مدينة إيلات الإسرائيلية.

ففي يوم ١٤ مايو استُدعي الطيار هشام مصطفى حسن من الاحتياط من منزل أحد أقاربه في الزمالك، وفي أقل من ثلاث ساعات كانت طائرة نقل أليوشن تهبط به في مطار العريش. وسرعان ما طلبه قائد السرب ليجتمع به فوراً. ويقول الطيار هشام حسن في شهادته لعصام دراز:

“قبل أن يبدأ الاجتماع بدقائق تصل طائرة حربية أُخرى عليها ضابط برتبة كبيرة يحمل مظروفاً مغلقاً ومختوماً بالشمع الأحمر، وينتحي جانباً بقائد السرب ويتبادلان حديثاً قصيراً والجدية على الوجوه، ويسلمه المظروف وينصرف في الطائرة حيث ترتفع بدون أن نعلم من أين أتى، أو إلى أين سيذهب.

حجرة الطوارئ وحول منضدة كبيرة يبدأ قائد السرب في ترتيب صور جوية فوتوغرافية غير واضحة المعالم تماماً ويظهر عليها القدم. الصور لمدينة إيلات الإسرائيلية، وقائد السرب يشير بإصبعه على هدف ويحدد التشكيل المطلوب منه تدمير هذا الهدف، وينتقل إلى هدف آخر ويحدد له تشكيلاً آخر، وهكذا حوالي ستة أو سبعة أهداف… وسأله أحد الزملاء الطيارين عن تاريخ التقاط تلك الصور الجوية، فبان نوع من الألم على وجه قائد السرب وهو يقول: سنة 1948. يا إله السموات!! أنذهب لضرب أهداف كانت موجودة منذ ذلك الحين؟!”

الطيار هشام حسن في شهادته لعصام دراز
الطيار هشام حسن في شهادته لعصام دراز

شهادة الطيار هشام مصطفى حسن ليست الوحيدة التي تشير إلى فشل هيكلي في أجهزة المخابرات وعدم قدرتها على جمع معلومات دقيقة عن قدرات العدو واستعداداته. فالمعلومات القليلة المتاحة لنا عن هزيمة ٦٧ — وأنا أزعم بأن ما هو متاح لنا من معلومات لا يرقى بأي حال من الأحوال لأهمية الحدث — هذه المعلومات القليلة توضح بجلاء أن جزءا كبيرا من مسؤولية الهزيمة يقع على عاتق المخابرات المصرية بأجهزتها المختلفة.

فالفريق صدقي محمود، قائد القوات الجوية والدفاع الجوي أثناء الحرب، له نوادر كثيرة تعبر عن فشله الذريع في قيادة هذه السلاح الهام، لكن من أطرفها نادرتان أدلى بهما للجنة توثيق ثورة ١٩٥٢ التي انعقدت عام ١٩٧٦ بقيادة حسني مبارك، الذي كان يشغل وقتها منصب نائب رئيس الجمهورية.

ففي شهادته التي نقلها سليمان مظهر في كتاب صدر عام ٢٠٠٠ بعنوان “اعترافات قادة حرب يونيو” يعترف صدقي محمود بأن أجهزة المخابرات فشلت في اكتشاف أن سلاح الجو الإسرائيلي قد طوّر طائراته بأن زودها بخزانات وقود إضافية ليتيح لها إطالة مدة التحليق ونطاقه لتتمكن من بلوغ العمق المصري (ص ١١٩)، ولو كانت قوات الدفاع الجوي قد وصلتها تلك المعلومة ربما كانت استفاقت من حالة الترهل التي كانت فيها، إذ كان بإمكانها أن تستوعب أن الطائرات الإسرائيلية تستطيع بالفعل الوصول للعمق المصري.

ثم يضيف نادرة أخرى (ص ١٥٠) عندما يقول إن سلاح الجو لم يقم بطلعات استطلاعية كافية على مواقع العدو، وأن الطائرات القليلة التي قامت بطلعات عادت بصور مشوشة لأن الكاميرات المثبتة على الطائرات لم يكن ممكناً تدويرها أو تثبيتها بزاوية منحنية، الأمر الذي يعني أنه كان على الطائرات أن تحلق عمودياً فوق أهدافها للحصول على صورة واضحة.

الفريق صدقي محمود (الأول من اليمين) في صحبة جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وآخرين لتفقد الصاروخ “الظافر”

الفريق صدقي محمود (الأول من اليمين) في صحبة جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وآخرين لتفقد الصاروخ “الظافر”أما اللواء طيار عبد الحميد الدغيدي، قائد الطيران في المنطقة الشرقية، أي في سيناء، فيقول في حديث أدلى به لصحيفة “الأهالي” في ٢٩ يونيو ١٩٨٣ إن قوة استطلاعية في العريش تبين لها ليلة ٤ يونيو ١٩٦٧ أن العدو بدأ بالفعل تحركاته، وأن قوات العدو تمكنت من احتلال الخط الواصل بين بيرين ورفح والشيخ زويد وأن العدو ينوي الهجوم في صباح اليوم التالي، ٥ يونيو.

وبالفعل أرسل الدغيدي إشارة بهذا المعنى الساعة العاشرة والنصف ليلا لقيادة الجبهة، ولكن القادة كلهم كانوا قد تركوا أماكنهم استعدادا لزيارة المشير عامر لمطار بير تمادة المقرر لها صباح ٥ يونيو، وبالتالي فلم يؤخذ بها.

(وسأتناول هذه الزيارة المثيرة في مقال قادم).

ويضيف الدغيدي في نفس الحديث كيف كانت قوة الاستطلاع التابعة له تتجسس عليه هو، لا على العدو، الأمر الذى حدا به أن يسرح كل طاقم الاستطلاع قبل المعركة بأيام قلائل وأن يعتمد على رجال جدد يثق فيهم .

ومن ناحيته يشير الفريق صلاح الدين الحديدي، قائد المنطق المركزية والذي سيرأس لاحقا المحكمة التي ستحاكم قادة الطيران، ذكر في كتابه “شاهد على حرب ١٩٦٧” حادثة أخرى توضح انهيار إدارات جمع المعلومات وتحليلها.

فيقول (ص ١٧٩-١٨٢) إن هجوما بريا وقع في صباح يوم ٥ يونيو قامت به طلائع القوات الإسرائيلية على المحور الأوسط في سيناء وتم فيه احتلالها لموقع متقدم داخل حدودنا كانت تدافع عنه سرية من المشاة في منطقة أم بسيس الأمامية .

هذا الهجوم تم في الساعة السابعة والنصف من يوم ٥ يونيو، أي قبل الهجوم الجوي الكاسح بساعتين. ولو كانت أخبار هذا الهجوم وصلت لقيادة الجيش في بير تمادة أو في القيادة العليا في القاهرة لكان من الممكن أن تقوم القوات المصرية — البرية والجوية — بعملية ردع فورية، إذ أن إسرائيل ستكون هي البادئة بالحرب، ومصر في تلك الحالة ستكون قد أوفت بتعهداتها للقوى الدولية بألا تبدأ هي الحرب.

ويضيف الحديدي أن عملية الردع تلك كانت ستؤثر ولا شك على التخطيط الذي وضعته إسرائيل لتدمير قواتنا الجوية في قواعدها.

ولو كان حادث مهاجمة أم بسيس الأمامية قد وصلت معلوماته إلى القيادات في الخلف بطريقة فورية كما يجب عند إدارة المعركة، وكانت هذه القيادات تقدر تقديرا سليماً أهمية الأخذ بالمبادأة وتسلم بأهمية الدفاع الإيجابي النشط حتى وإن كنا في وضع دفاعي بحت، لرمبا تغير الموقف كله أو على الأقل كان من الممكن أن يأخذ شكلاً آخر.

على أن الحديدي يؤكد أن المعلومات قد وصلت بالفعل، ولكن أحدا لم يعرها أي انتباه. فهو ينقل عن أحد شهود العيان أن نقطة المراقبة التابعة له أبلغته ليلة ٥/٤ يونيو أنها شاهدت نشاطاً وتحركات غير طبيعية للعدو في اتجاه العوجة، وأنه قام بإرسال هذه المعلومات إلى كل من قيادة الجبهة ورئاسته المباشرة في القاهرة، ولكنه علم فيما بعد أن هذه الرسالة عُرضت على قائد الجبهة في سيناء بعد ظهر يوم ٥ يونيو، أي بعد انتهاء الضربة الجوية التي قضت على سلاح الطيران المصري.

على أن أفدح خطأ استخباراتي قد يكون ذلك الذي ينقله الفريق أول محمد فوزي، رئيس الأركان، في كتابه “حرب الثلاث سنوات” .

هذا الخطأ يتعلق بالإشارة التي أرسلها الفريق أول عبد المنعم رياض، قائد الجبهة الأردنية، من قاعدة عجلون الجوية في الأردن. ففي الساعة ٨:٤٥ صباح ٥ يونيو، رأى رياض على شاشات الرادار عشرات القاذفات والمقاتلات الإسرائيلية تتجه غرباً، فأرسل على الفور إشارة “عنب عنب عنب” المشفرة والمتفق عليها سلفاً.

تلقت القاهرة الإشارة، لكن بسبب قيام ضابط الاتصالات بتغيير مفتاح الشيفرة قبل ذلك بدقائق، لم يتمكن ضباط الاتصال من فك الشيفرة وفهم الإشارة، الأمر الذي كان في إمكانه تغيير تطورات الحرب برمّتها.

وكان هناك فرصة ثانية في أن يقوم ضباط الاتصال في مكتب وزير الحربية شمس بدران بفك شيفرة الإشارة. ولنترك فوزي يحكي لنا القصة المأسوية:

أمّا المحطة الفرعية [….] في مكتب شمس بدران [وزير الحربية] في كوبري القبة فقد استلمت الإشارة، وتحليلها واضح ولا يمكن أن يحدث فيه سوء فهم. إنه إنذار أكيد ببدء هجوم طيران العدو على أراضي مصر…، إلاّ إن الضابط المناوب في كوبري القبة لم يخطر الوزير لعدم وجوده في مكتبه، [….]

وبعد مرور حوالي ٤٠ أو ٤٥ دقيقة من استلام الضابط المناوب للإنذار، وبالصدفة خلال مكالمة تليفونية عابرة مع زميله بالمحطة الرئيسة… أراد أن يذكّره بنفس الإشارة، وما فيها من اسم كودي يدلل على طائرات العدو المغيرة. فقابله “الضابط المناوب على نفس المحطة الرئيسة بالتهكم قائلاً: “عنب إيه وبصل إيه؟! دول فوق دماغنا.

 

رائج :   أحداث أمريكا || محاولة للفهم و التعلم

الفريق أول محمد فوزي
الفريق أول محمد فوزي

رائج :   ماذا تفعل لو ظهرت أول حالة كورونا في شركتك؟!

وهناك مشهد يورده عبد اللطيف البغدادي، عضو مجلس قيادة الثورة القديم، في مذكراته يوضح الانهيار التام في شبكة المعلومات والاتصالات أثناء القتال.

فيقول إنه عندما ذهب إلى مكتب المشير في القيادة العامة في ٧ يونيو للاطمئنان على سير المعركة، تقابل مع عبد المنعم أمين الذي كان هو الآخر عضواً في مجلس قيادة الثورة، فأخبره أنه سمع من إذاعة “صوت أميركا” أن إسرائيل تدّعي استيلاءها على بلدة الرمانة التي تقع على الطريق الساحلي بين العريش والقنطرة، أي أن القوات الإسرائيلية توشك أن تهدد قناة السويس، وأن عبد الحكيم عامر لم يكن على علم بهذا الهجوم.

وهذا معناه أن القيادة العامة للجيش في أثناء العمليات كانت تستقي معلوماتها من الإذاعات الأجنبية.

 

عبد اللطيف البغدادي مع عبد الحكيم عامر، ١٩٥٤
عبد اللطيف البغدادي مع عبد الحكيم عامر، ١٩٥٤

أما إسرائيل فقد استطاعت أن تجمع معلومات دقيقة وصحيحة عن أدق تفاصيل قواتنا المسلحة، وأن تنشئ نظاما مكنها من البناء على هذه المعلومات الدقيقة وأن تضع خططها العسكرية بناء عليها.

فضربة الطيران الساحقة التي وجهتها لقواتنا الجوية في صباح يوم ٥ يونيو كانت نتاج سنوات طويلة من التدريب المضني، ولكنها أيضا كانت نتاج معلومات دقيقة عن قواتنا الجوية. فإسرائيل كان لديها خرائط توضح مواقع جميع المطارات المصرية، وأنواع الطائرات الرابضة في كل مطار.

كما درست عن قرب عادات الطيارين والضباط المصريين ومواعيد نوباتهم اليومية، واكتشفت أن سلاح الطيران قاد زاد من استعداداته بعد تفجر الأزمة يوم ١٤ مايو، وأن الطيران المصري يقوم بدوريتين استطلاعيتين للحراسة، واحدة في الخامسة صباحا، والثانية بعدها بساعتين، وأن من عادة الطيارين أن يذهبوا لتناول وجبة الإفطار في أعقاب تلك الدورية الثانية.

عندها تكون المطارات المصرية في أضعف حالاتها، فالطائرات رابضة على المممرات تتزود بالوقود استعداد للجولة التالية، والطيارين في الميسات يتناولون فطورهم، والقادة ما زالوا في الطريق إلى مكاتبهم لم يصلوها بعد. ومن هنا قررت إسرائيل أن أنسب وقت لتوجيه ضربتها هو التاسعة إلا ربع صباحا.

وفي مذكراته ” حربي مع إسرائيل” (ص ٦٦) يقول الملك حسين، ملك الأردن، وهو طيار ذو خبرة طويلة:

“كان الطيارون الإسرائيليون يعرفون تحديدا ما يتوقعون. فكان لديهم بيان بأدق التفاصيل المتعلقة بالاثنين وعشرين مطارا عربيا، وبالأهداف التي عليهم قصفها، متى وأين وكيف. أما نحن فلم يكن لدينا أي شيء مماثل.”

حربي مع إسرائيل
حربي مع إسرائيل

وقبل اندلاع الحرب بوقت طويل كانت إسرائيل قد تمكنت من فك شفرة الجيش المصري، وبالتالي فقد علمت يوم ٦ يونيو بأمر الانسحاب الذي أصدره المشير عامر، واستطاعت أن تستمع لمحادثات عامر مع قادته على الجبهة ( Dupuy, Elusive Victory, p. 267) وبالتالي بدأت في الحال التحضير للجولة التالية من حربها، أي الاعتداء على الأردن وسوريا.

بل أن إسرائيل قد تمكنت من التقاط المكالمة التليفونية التي جرت بين عبد الناصر والملك حسين صباح يوم ٦ يونيو. ففي هذا اليوم اتصل الملك حسين بعبد الناصر ليطمئن على سير المعركة.

ولم يصارح عبد الناصر الملك حسين، الذي كان قد وقّع معه اتفاقية دفاع مشتترك منذ أيام قليلة خلت، لم يصارحه بأن طيرانه قد ضُرب أغلبه، بل ركز على فكرة أن الولايات المتحدة وبريطانيا هما من قاما بالهجوم على المطارات المصرية في اليوم السابق، واتفق الزعيمان سويا في هذه المكالمة على أن يعلنا للعالم هذه “الحقيقة”.

وعندما علم رئيس المخابرات الحربية الإسرائيلية، أهارون ياريف، أن أجهزته تمكنت من تسجيل هذه المكالمة فضل عدم إذاعتها حتى لا يعرف الزعماء العرب أن إسرائيل تتجسس على مكالماتهم، ولكن رئيس الوزراء إشكول ووزير الحرب ، موشى ديان، قررا أن الفائدة التي ستجنيها إسرائيل من إذاعة التسجيل أكبر من الضرر الذى سيعود عليها إذا عمل العرب على تطوير وسائل اتصالاتهم.

ويمكن الاستماع إلى هذا التسجيل الذي يظهر بوضوح مقدار كذب عبد الناصر على الملك حسين وعلى الرأي العام المصري والعربي والعالمي:

رائج :   كورونا || الإرشادات يجب على الشخص الخاضع للعزل المنزلي اتباعها


الهوة الشاسعة التي فصلت بين أداء جهاز المخابرات الحربية الإسرائيلي المعروف باسم “أمان”، ونظيره المصري لم يكن ناتجاً من تفوق الإسرائيليين قدر من كان ناتجاً من انحراف إدارة المخابرات الحربية المصرية عن غرضها الأساسي.

فبدلا من جمع المعلومات عن العدو أصبح “موضوع الأمن هو الموضوع الأول الذي يشغل بال المشير عامر والوزير شمس بدران، وزير الحربية.

ومن هنا تحول مجهود إدارة المخابرات الحربية – كأسبقية أولى – لموضوعات الأمن، ولم تعط الأهمية الواجبة للحصول على المعلومات عن العدو ومتابعة حجم وأساليب قتاله وتقدير نواياه،” حسب ما قاله المشير محمد عبد الغني الجمسي في مذكراته (ص. ٧٥)

ووصل الأمر لأن شكل عبد الحكيم عامر تنظيما داخل الجيش، اسمه الكودي التنظيم (س)، بغرض مراقبة ضباط القوات المسلحة في الوحدات والتشكيلات، والتعرف إلى آرائهم ونياتهم ونشاطهم من خلال تجنيد عدد من الضباط الموثوق بولائهم لضمان أمن القوات المسلحة، أي للحيلولة دون قيام الظباط بانقلاب على نظام الحكم، وهو كان الهاجس الأساسي الذي من أجله عهد عبد الناصر لعبد الحكيم عامر قيادة الجيش عام ١٩٥٤.

وتمر السنين وإذ بعامر ينشئ تنظيما داخل الجيش يتحكم به في أدق مجريات الجيش ويمنع به عبد الناصر من النفاذ داخل المؤسسة العسكرية.

في حديثه مع عبد الله إمام، يشير سامي شرف، مدير مكتب جمال عبد الناصر، لهذا التنظيم.

فعندما سأله عبد الله إمام “هل كان لشمس بدران تنظيم داخل القوات المسلحة؟” رد سامي شرف بالقول “نعم كان له تنظيم خاص “.

وعندما تساءل عبد الله إمام إذا “كان معروفا لديكم في رئاسة الجمهورية أن شمس بدران له تنظيم خاص في القوات المسلحة؟” كان الرد ” كان معروفا، ليس نتيجة اختراق، ولكن بالملاحظة ونتيجة تصرفات معينة فإن أسماء بعينها من دفعة بالذات لها صلات معينة هي التي تُختار للمواقع القيادية.

أبسط قواعد الأمن يمكن أن تقود إلي معرفة مثل هذه الأمور.” (ص ٣٦٠-٣٦١)

سامي شرف
سامي شرف

وليس معروفا إذا كان سامي شرف يجهل طبيعة تنظيم شمس بدران، أم يتجاهل.

فنحن نعرف اليوم أن هذا التنظيم لم يقتصر على توجيه مواقع قيادية بعينها لأشخاص بعينهم، بل كان جهاز تجسس متكامل بدأ عمله في أكتوبر ١٩٦٤ باختيار ضابط أو أكثر وتجنيده من كل سلاح لكي يبلّغ عن كل ما يدور فيه بالتفصيل.

وكانت تقارير هذا التنظيم تعرض على المشير عامر فقط، ولم يكن لعبد الناصر دراية بها، بل لم يعلم بها سوى شمس بدران الذي استعان به عبد الحكيم عامر ليحكم قبضته على الجيش.

هذه المعلومات وردت في واحد من أهم الكتب التي تتناول تلك الفترة.

الكتاب بعنوان “مصر من الثورة إلى النكسة: مقدمات حرب حزيران / يونيو ١٩٦٧” وهو من تأليف ممدوح أنيس فتحي الذي كان المستشار السياسي والإعلامي لوزير الدفاع المصري السابق محمد حسين طنطاوي، والذي حصل منه على تصريح بالاطلاع على الوثائق المحفوظة بدار المحفوظات المركزية للقوات المسلحة.

مصر من الثورة إلى النكسة
مصر من الثورة إلى النكسة

وكان من بين مئات الوثائق الذي يحفل بها هذا الكتاب الهام وثائق تتعلق بالتنظيم (س) وهي عبارة عن تقارير صادرة من مكتب نائب القائد الأعلي للشؤون العامة للعرض على المشير شخصيا.

مصر من الثورة إلى النكسة
مصر من الثورة إلى النكسة

هذه التقارير توضح بجلاء كيف أصبح “الأمن”، وهي الكلمة المفتاح التي تعني العمل على الحيلولة دون وقوع انقلاب من ضباط الجيش، الهاجس الأساسي لإدارة المخابرات الحربية، وكيف تاه العدو الإسرائيلي عن أعين حراس البلد وحُماته في خضم انشغالهم بصراعاتهم الداخلية.

 

مقالات ذات صلة