تاريخ

الحرب العالمية الثانية .. الجزء الأول || ما قبل الكارثة

نوفمبر 1918

جندى ألمانى يتحدث إلى زميله فى مكان خدمته على الجبهة الغربية .. لا تقلق يا فرانك سنفوز بتلك الحرب رغم حشد الحلفاء لقواتهم ضدنا .. كانت الولايات المتحدة قد وصلت بقواتها إلى الأراضي الفرنسية .. ربع مليون جندى كل أسبوع .. بريطانيا حشدت ما استطاعت أن تحشده .. فرنسا كذلك و بلجيكا و نيوزيلندا و أستراليا و كندا ..

يا إلهى .. لم نسمع يوماً عن أمة واحدة حاربت كل تلك الدول بمفردها و لكن على الرغم من كل ذلك سنفوز بتلك الحرب .. لن تطأ أقدامهم القذرة برلين أبداً ..

كانت المعنويات ما بين مرتفعة و متوسطة و لم تكن منخفضة أبداً .. ثقة الجنود فى أنفسهم و فى دولتهم كان أكبر من كل تحالفات الحلفاء .. كان هذا على الجبهة الخارجية على عكس الجبهة الداخلية التى نظرت إلى عملية مايكل أنها نهاية الحرب و أن عدم الإنتصار فيها يجب أن يتبعه تسوية ما .. الجبهة الداخلية بقيادة الشيوعيين و اليهود .. أرادوا عودة الهدوء .. أرادوا إنهاء حالة الفقر و عدم الإستقرار و هو ما وصل بالتأكيد إلى الجنود إلا أنه لم يؤثر عليهم بتلك الدرجة .. هم لم يستسلموا قط .. هم لم يعترفوا أبداً بالهزيمة ..

على قدر طموح و معنويات الجنود على الجبهة كانت قوة الصدمة حين علموا بتوقيع وثيقة الاستسلام و بضرورة انسحابهم من أراضي فرنسا و بلجيكا .. صار السؤال يتردد على ألسنة الجنود .. كيف ننسحب و نحن على أراضيهم ؟ كيف نتراجع فى وقت نستطيع فيه حمل السلاح ؟ شعروا بالخيانة بالتأكيد .. شعروا أن قيادتهم خذلتهم و لكن لم يستطيعوا الإفصاح عن تلك المشاعر .. عادوا محملين بالغضب و الغدر إلى مناطقهم حيث تحول ذلك الغضب إلى رغبة عارمة فى الإنتقام من الجبهة الداخلية أولاً لأنها السبب فى الضغط على القيادة السياسية و من الجبهة الخارجية و هم دول الحلفاء ..

صارت الأسئلة تراود الجنود بالأساس لأن الشعب كان سعيداً بانتهاء الحرب .. من أصاب أطفالنا بالأمراض ؟ من تسبب فى تشريدهم ؟ من تسبب فى إفقار الشعب الألمانى كله ؟ من تسبب فى تلك العقوبات المالية الخرافية على كاهل الاقتصاد الألمانى المنهك ؟ بالتأكيد الحلفاء و لا شك .. لم يكن عند الجنود الغاضبين أى شك فى أن الإنتقام آت لا محالة .. هم فقط يتحينون الفرصة .. هم فقط يعدون العدة لاقتناص السلطة و يكون فى يديهم القرار ..

الهزيمة مع معدلات الفقر العالية التى تسببت فيها الحرب جعلت كل الأطياف السياسية تتطرف و استقطبت معها فئة ليست قليلة من الشعب و معها فى مارس 1919 اندلعت أعمال شغب فى ميونيخ سيطر التيار الإشتراكى على إثرها على المدينة و أنشأوا ما يسمى بـالحكومة السوفيتية كانوا متأثرين بشدة بما حدث فى روسيا و نجاح الثورة البلشفية فيها .. كانوا يريدون الحكم بالتأكيد .. حتى أنهم أطلقوا على المدينة جمهورية ميونيخ السوفيتية .. و هو ما لم تسمح به الحكومة اليمينية وقتها بالطبع و أرسلت قوات لقمع التمرد يعاون تلك القوات حركة يمينية مستقلة مدعومة من الحكومة إسمها جبهة الحرية و هو ما أدى لسيطرتهم على مقاليد الأمور و القبض على قادة التيار الإشتراكي و على رأسه يوجين ليفينى قائد القوات الشيوعية المتمردة ..

رائج :   نشتغل B2B ولا B2C ؟

يوجين كان يهودى و أغلب المنضمين للحركة الشيوعية كانوا يهود ما عزز كراهية اليهود فى نفوس الألمان وقتها فحملوهم كل أوزار الحرب من إنهيار إقتصادي و أزمات نقص السلع .. فكلما رأوا شيئاً لا يعجبهم كان الطرف الأضعف فى المعادلة وقتها جاهز و بقوة .. اليهود .. هم لم يكونوا ملائكة بالطبع و لكن إنكسار الحرب و عدم إنتهاء الأزمة الإقتصادية على الرغم من الهدنة و إكتشاف الألمان أنهم وقعوا فى براثن الإستسلام و ما تبعها من معاهدة فرساى جعلهم يتطرفوا فى حكمهم و كبش الفداء لتلك الصدمة كانوا اليهود ..

أدولف هتلر

ضابط نحيل فى الثلاثين من عمره لا يوحى مظهره الخارجى بشيىء خارق .. عيناه ثاقبتين .. تشعر أنه غاضب بإستمرار .. خدم فى الجيش الألمانى فى الحرب العالمية الأولى و لم يكن له دور كبير فيها .. كان من هؤلاء الذين كرهوا إنسحاب ألمانيا و شعر بالإهانة من مجرد فكرة الهزيمة و إن كان لا يعترف بها أصلاً لكن مجرد شعوره بأن الحلفاء يظنون أنهم إنتصروا يجعله يرغب فى إقتلاع رؤوسهم .. لن يهين أحد ألمانيا .. لن تحنى ألمانيا رأسها لأحد .. تلك كانت رؤية هتلر التى شكلت طبيعته الثورية و تحديه لكل ما يمت للحلفاء بصلة ..

بدون عمل مستديم .. و بدون وجهه محددة .. هام هتلر على وجهه فى مقاهى و حانات ميونيخ ينظر فى وجوه الشعب فلا يجد غير الفقر و الانهزامية .. هنا فقط إكتشف موهبته الكبرى .. الخطابة .. كان هتلر خطيباً حماسياً و مقنعاً فى نفس الوقت .. استعاض عن ضعف بنيته بقوة صوته و نظراته الحادة المباشرة و حركة جسده العصبية و قبضة يده الثورية .. لعب على وتر الفقر و أن السبب فى ذلك معاهدة فرساى الظالمة و بالطبع اليهود و الشيوعيين فهم سبب الخذلان الذى لحق بالجبهة الداخلية .. هم سبب أزمات الديون و إختلال المركز المالى للإمبراطورية .. حول هتلر غضبه و كراهيته إلى طاقة كبيرة من خلال خطبه النارية و بذلك لفت الإنتباه إليه من المهتمين بآرائه ..

رائج :   هل أردوغان حاكم إسلامي ؟ .. اليك الاجابة بالتفصيل

تعرف هتلر على النقيب إرنست روهم أحد الضباط اليمينيين الداعمين لجبهة الحرية و تلاقت أفكارهم فى نظرية البقاء للأقوى و أن القوى فقط هو من يفرض إرادته .. الدولة لكى تدار لابد لها من بعض القوة و الحزم و لكى تأخذ ما سلب منك بالقوة لا بد لك من التحلى ببعضها أيضاً .. دخل الإثنان إلى مجال العمل السياسى عن طريق حزب العمال الألمانى الذى تحول إسمه لاحقاً إلى حزب العمال الألماني الاشتراكي الوطنى و الذى سمى إختصاراً بإسم NAZI ..

الحزب كان صغيراً و لغة خطابه لم تكن تستهوى الألمان و أيضاً لم يكن ينضم له الكثيرين و لكنه حمل لهتلر أكثر شيىء يهمه .. المساحة لعرض وجهة نظره و الطموح يوماً ما للوصول للسلطة .. هتلر كان طموح بشكل لا يصدقه أحد فعضويته فى الحزب كانت رقم 55 و الحزب لا يتعدى عدد أعضائه المئات و بالرغم من ذلك كان يفكر فى حكم ألمانيا .. طموح لاحظه قادة الحزب فقدموه عليهم و رأوا فيه أنه الشخص القادر على الوصول لقلوب الناس و عقولها .. طموح جعله يحاول القيام بمحاولة الإنقلاب على السلطة و تجييش الشعب للقيام بثورة فى عام 1923 و لكن باءت محاولته بالفشل و سجن على إثرها لمدة 9 أشهر و هى الفترة التى كتب فيها كتابه الشهير كفاحى ..

بدأ التخطيط للدعاية للحزب فتم تأسيس فرقة فرسان العاصفة و كانت مهمتها تقتصر على قرع الطبول فى أيام الأجازات للدعاية للحزب و حماية إجتماعاته و ترهيب أتباع الأحزاب الأخرى و الإحتكاك معهم إن لزم الأمر و لكن بالرغم من ذلك فقد فشل هتلر و حزبه فى إنتخابات 1928 و حصل على 2.6 % فقط من أصوات الناخبين بسبب أن غالبية الشعب كانت لا تزال تؤمن بالديموقراطية التى زرعتها دول الحلفاء في ألمانيا بعد الحرب ..

و عليه رفضوا خطاب هتلر السلطوى الذى نادى بقومية ألمانيا و سحب الجنسية من اليهود و تحييد الشيوعيين .. رفضوا الخطاب الإقصائى وقتها أملاً فى غد أفضل خصوصاً و أن الإقتصاد الألمانى وقتها انتعش و بدأت آثار الحرب فى الإنسحاب تدريجياً بسبب الإقتراض من أمريكا لسداد أقساط ديون الحرب العالمية الأولى فانخدع الألمان بمظاهر الترف وقتها متناسيين أنها مجرد ديون جديدة لسداد ديون قديمة ..

بعد عام واحد حدث ما لم يكن فى الحسبان .. الكساد الكبير فى الولايات المتحدة عصف بالاقتصاد الأمريكي تماماً .. تأثرت أيضاً كل الإقتصادات المرتبطة بأمريكا و على رأسها ألمانيا .. أمريكا طلبت أموالها .. فإنهارت أكبر 5 بنوك ألمانية .. فأغلق أكثر من 20 ألف مشروع أبوابه .. فزادت البطالة بنسبة تاريخية بأكثر من 5.5 مليون عاطل .. انهارت أسعار المحاصيل الزراعية فإنهار الدخل الزراعى لألمانيا .. وقفت طوابير بالآلاف تنتظر معونة البطالة .. تسولت النساء و الأطفال و عمل الرجال مقابل وجبة طعام .. يبدو أن الحظ إبتسم أخيراً لهتلر و لحزبه ..

رائج :   بدايات غزو اليابان للصين أثناء الحرب العالمية الثانية ونشأة الصراع مع الولايات المتحدة

وجد هتلر ضالته فى الأزمة خاصة بعد أن خدمته الظروف .. بدأ الحديث فى كل جنبات ألمانيا عن وجوب وجود شخص قوى ينتشل البلاد من غمتها .. هنا عرض هتلر نفسه على أنه ذلك المنقذ .. نعم خسر إنتخابات الرئاسة أمام القائد العسكرى الأول فى الحرب العالمية الأولى باول فون هيندنبرج إلا أنه بتلك الإنتخابات صار قائداً سياسياً بصورة رسمية و نموذج سياسى مستقبلى يمكن الإعتماد عليه ..

لم يتغير شيئاً فى خطابه الإقصائي الشعبوى كل ما هنالك أن الأزمة أجبرت الألمان على القبول بتلك الأفكار .. كانوا على إستعداد للتعاون مع أى شخص يستطيع تغيير ذلك الحاضر البائس الذى يعيشونه .. ألقى اللوم على فرساى و اليهود و الشيوعيين .. طالب الشعب بنفض غبار الذل و التبعية للحلفاء .. لمس وتر العزة فى قلوب الألمان المنكسرين المنهزمين فأقبلوا عليه فى انتخابات 1932 و أعطوا الحزب النازى 37 % من إجمالى الأصوات فصار أكبر حزب فى البرلمان و لكن دون أغلبية تمكنه من الإنفراد بالوزارة ..

طلب هتلر أن يكون مستشاراً لألمانيا من رئيس ألمانيا هندنبرج لكنه رفض خوفاً من تكدس السلطة كاملة فى يد حزب واحد بالإضافة من خوفه من هتلر نفسه فكان يرى فيه التسرع و عدم الحكمة و العصبية الزائدة .. مع الوقت ضغط بعض رجال السياسة و رجال الأعمال اليمينيين على هيندنبرج ليقبل بهتلر مستشاراً مع تعيين نائباً محافظاً له هو المستشار السابق فون بابان مع تقليل عدد الوزراء النازيين و إعطاء المحافظين النسبة الأكبر و بالتالى يتم السيطرة عليه .. ما جعل الرئيس يوافق على تعيينه فى 30 يناير 1933 .. فكرة فى ظاهرها ذكى و قابلة للتنفيذ و لكن مع شخص أخر غير هتلر .. هم أساءوا تقدير ذكاء هذا الرجل بكل تأكيد ..

هتلر فى أحد خطاباته قبل أن يكون مستشاراً أعلن صراحة أنه ديكتاتورى قائلاً :

( مناوئينا يتهموننا بأننا متعصبين و لسنا متعاونيين مع الأحزاب السياسية الأخرى و أننا بهذا لسنا ألماناً و كأنه فرضاً علينا أن نتعامل مع ثلاثين حزب أخر ..

أنا أعترف بصدق تلك الإتهامات .. نحن متعصبين .. و أنا وضعت لنفسى هدفاً واحداً و لن أتراجع عن تنفيذه .. سوف أفعل ما بوسعى لإزالة أولئك الثلاثين حزباً خارج ألمانيا .. هم أخطأوا بحسابنا واحداً منهم )

هو لم يكذب عليهم أبداً ..

هو وعدهم علانية بإزالتهم ..

و هم لم يصدقوه ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *