تاريخ

الحرب العالمية الثانية .. الجزء الثالث || البداية

أواخر عام 1937 هتلر كان اتخذ قراره بالحرب .. نسب التضخم فى إزدياد و سياسة الإقتراض التى لجأ إليها خلال السنين السابقة ستتحول إلى قنبلة تنفجر فى وجهه و وجه حزبه و يجب عليه الآن التجهيز لحرب تبتلع ما تم اقتراضه من الشعب .. يجب الإسراع أكثر فى تجهيز الجيش .. و يجب قبلها تهيئة الأرض لتلك الحرب .. كل حرب لابد لها من سبب .. و لابد لها من حلفاء ..

هتلر بداية من عام 1935 بدأ فى خرق معاهدة فرساى بشكل شبه ممنهج فقام فى نفس العام بضم إقليم سار و فرض التجنيد الإلزامى بعد أن كان محظوراً طبقاً للمعاهدة و فى عام 1936 أعاد تسليح إقليم الراين بعد أن كان منزوع السلاح .. لم يكتفى بهذا فقط بل زاد من عدد أفراد الجيش من 100 ألف مقاتل عام 1933 إلى 2.758 مليون جندى نظامي و احتياطى فى منتصف عام 1939 و بالتالى زيادة عدد فرق الجيش إلى 52 فرقة فى حالة السلم .. فما بالك بحالة الحرب ..

لم تقف استفزازات هتلر عند ذلك الحد فقد قام بصياغة تحالفات مع دول صديقة مثل إيطاليا عندما شكل معها محور روما برلين و مع اليابان حين شكل معها حلف مناهضة الكومنترن والذي انضمت له إيطاليا لاحقاً .. ذلك الحلف الذي كان مقلق لدولة مثل الصين على الرغم من أن علاقات ألمانيا التجارية بالصين كانت ممتازة إلا أن هوس التجهيز للحرب كان وصل بهتلر إلى مداه .. حاول هتلر كثيراً أن يعقد حلف كامل مع بريطانيا و كان يراها حليفاً عسكرياً ممتازاً و لكن لم ينل منها سوى على إتفاقية بحرية أتاحت له زيادة نسبية فى الأسطول الألماني ..

رغم كل ما سبق إلا أنه لم تكن تظهر أي بوادر استعمارية لهتلر الذي دائماً ما تغنى بالسلام و أنه يحتاج فترة كبيرة لإعادة تنمية بلاده و دعم اقتصادها .. هتلر كان أذكى من كل أوروبا وقتها و كان يرسم خطة كاملة لحرب مستقبلية يجمع فيها أوروبا كلها تحت راية النازية .. هتلر دائماً كان يردد أن الشعب الألمانى بحاجة إلى مجال حيوى جديد أو بمصطلح أخر مساحة للعيش .. جعل تلك الجملة مبرراً لطموحاته التوسعية فغزو بولندا أو بلجيكا أو هولندا هو بالنسبة له مجرد مجال حيوى جديد حتى يستطيع الشعب الألمانى العيش كما يتمنى له الفوهرر .. تلك الرؤية التى قال عنها قائد قوات النخبة الألمانية الـ SS هاينريك هيملر أن الرايخ الثالث إما أن يكون إمبراطورية لم يرى لها الجنس البشرى مثيلاً و إما تنتهى للأبد .. قامت النازية على رؤية متطرفة جداً .. نكون أو لا نكون ..

رائج :   حكاية أمير برسوم و أبليكيشن فيزيتا

نتيجة لرؤيته عن المجال الحيوى فقد كان الامتداد الطبيعي له هو ضم الأراضى التى يتحدث قاطنوها اللغة الألمانية فكانت النمسا أول طلباته فدخل النمسا و ألقى خطاباً فى فيينا أعلن فيه ضم النمسا إلى الرايخ الألمانى وسط حفاوة كبيرة و فرحة طاغية من الشعب النمساوى فالنمسا التى فقدت أغلب أراضيها و انهارت إمبراطوريتها وجدت فى انضمامها لألمانيا فرصة لعودتها مرة أخرى لمصاف الدول المتقدمة .. كل ذلك كان ضد معاهدة فرساى و لكن رأت بريطانيا و وفرنسا أن الشعبين ألمان و أن الشعبين سعداء فلا داعى للصدام من أجل شيء لا يستحق ..

ظن هتلر أن بدخوله النمسا قد وصل لمبتغاه و هو إيجاد ذريعة للحرب و لكن الخسائر التى خسرتها كل الأطراف فى الحرب العالمية الأولى جعلت حتى المنتصرين فيها يعانوا إقتصادياً و أن أى إجراء حربى قادم لا يجب أن يكون إلا للضرورة القصوى .. كانوا يتعاملون مع ألمانيا أنها دولة تريد النأى بنفسها بعيداً عن المتاعب .. و لكن كيف تنأى بنفسها و على رأس قيادتها أكثر شخص فى العالم يبحث عن المتاعب ..

بسكوت بريطانيا و فرنسا عن تسليح إقليم الراين و قبله ضم إقليم سار و ضم النمسا اضطر هتلر إلى زيادة جرعة التحدى فطالب بالأراضى الحدودية لجمهورية تشيكوسلوفاكيا و التى يقطنها سكان من أصول ألمانية .. لم تجد بريطانيا بداً من الحوار مع هذا الرجل وبالفعل تم عقد لقاءين بين هتلر و بين رئيس الوزراء البريطانى نيفيل تشيمبرلين فقط لرغبة إنجلترا لنزع فتيل الحرب و لكن فى المرتين كان يطالب هتلر بالمزيد .. و بعد مفاوضات شاقة تم الإتفاق بين بريطانيا وألمانيا برعاية الزعيم الإيطالي بينيتو موسولينى و الوزير الألماني هيرمان جورينج بأن ألمانيا ستأخذ الأراضى الجنوبية بالنسبة لها من شمال تشيكوسلوفاكيا على أن تكون تلك الأراضى هى المطالب الإقليمية الأخيرة لهتلر ..

ما بال هؤلاء القوم ؟ لما لا يعلنون الحرب ضدنا ؟ ماذا ينتظرون ؟ كان هذا لسان حال هتلر وقتها حتى إنه أعلن صراحة للمحيطين به بعدها بفترة قصيرة أنه بهذا الإتفاق قد تم خداعه و أنه لم ينل حربه التى يريد .. إتفاق جعله يدعو رئيس تشيكوسلوفاكيا إميل هاخا إلى برلين لمحادثات ثنائية و فيها أبلغه صراحة بأن الجيش الألمانى سيغزو بلاده خلال ساعات من الآن ما جعل هاخا يوقع على وثيقة يضع بها الشعب التشيكى تحت تصرف هتلر و قواته دون قتال .. الآن هتلر تحول من مجرد زعيم ألمانى يرغب بضم الأراضى الألمانية تحت قيادته إلى قائد ذو توجهات استعمارية و قد حان وقت الرد عليه ..

رائج :   حرب الخليج الأولى … مباراة خسرها الخصمين معا

علمت فرنسا و بريطانيا أن المجال الحيوى القادم لهتلر هى بولندا فقام رئيس الوزراء البريطانى بتحذير هتلر علانية بأن المساس بالحدود البولندية يعتبر تعدى على بريطانيا نفسها خاصة و أن بينهم تحالف و حين سمع هتلر التهديد قال .. و إن يكن .. هتلر لم يهتم لسبب بعيد عن القوة العسكرية التى أعد لها العدة أيضاً و لكنه لم يهتم بالتهديد البريطانى بسبب أنه و ياللغرابة قام بتوقيع معاهدة عدم إعتداء مع روسيا مقابل أن يئول حوالى نصف أراضى بولندا إلى روسيا و أيضاً ترك فنلندا لها .. بهذه المعاهدة ضمن هتلر عدم خوض الحرب على جبهتين .. لقد تم تقسيم الغنائم مبكراً و أجبرت الظروف هتلر على التعاون مع الغريم الأزلي له .. روسيا .. و الإستعداد لحرب مع الطرف الذى كان يسعى يوماً إلى التحالف معه .. بريطانيا ..

فى 1 سبتمبر 1939 غزت ألمانيا بولندا .. بعدها بيومين أعلنت بريطانيا و فرنسا الحرب على ألمانيا .. هنا تحديداً بدأت الحرب العالمية الثانية .. كان يجب أن يكون التحرك الفرنسى سريعاً و لكن فرنسا لم تتحرك بسرعة و قد دفعت ثمن هذا التأخر غالياً لاحقاً .. ففى الوقت الذى كانت أغلب قوات ألمانيا تهاجم بولندا و تضمها إلى أراضيها كانت الجبهة الغربية تضم عدداً قليلاً من القوات حوالى 34 فرقة مقابل 86 فرقة فرنسية و كان هجوم فرنسا فى ذلك الوقت قد يقى أوروبا و العالم تلك النتائج الكارثية التى ستحدث لاحقاً ..

عدم هجوم فرنسا بكامل قواتها و إكتفائها بمعركة سار فقط و التى خسرتها أيضاً جعل هتلر يغزو بولندا و يقسمها بينه و بين الإتحاد السوفيتى و أيضاً أدخل الحرب فى مرحلة من السكون و عدم المواجهة عرفت تاريخياً بفترة الحرب الزائفة إمتدت تقريباً لسبعة شهور حتى قررت ألمانيا غزو فرنسا .. فرنسا و معها بريطانيا لم تكونا ترغبان بالمواجهة و لم يكن عندهم الدافع لحرب جديدة رغم كل انتهاكات هتلر السابقة ..

ألمانيا قد يكون لديها ذلك الحافز لتلك الحرب بسبب ما حدث فى فرساى و هم استغلوا هذا الحافز فى تعظيم قواتهم المسلحة الفيرماخت أما فرنسا التى ظنت أنها فى مرحلة سلم فلم تكن أعدت العدة مثل ألمانيا .. بكل تأكيد عدم المواجهة كان أنسب لها ذلك الوقت على الأقل لفترة لحين تنظيم أمورها مع بريطانيا ..

سبعة أشهر كانت كافية لهتلر لإحتلال بولندا ثم التجهيز للمرحلة التوسعية القادمة فبعد الإنتهاء من بولندا أراد هتلر تأمين المعادن اللازمة لألمانيا و على رأسها الحديد و جزء كبير من حديد أوروبا يتم شحنه من ميناء نارفيك فى النرويج و لكى تصل إلى النرويج يجب عليك المرور أولاً من الدانمرك .. أراد هتلر تصحيح أخطاء الحرب العالمية الأولى .. بالسيطرة على ميناء نارفيك فهو أولاً أمن جزء كبير من إحتياجات ألمانيا من الحديد و أيضاً وضع يده على منصة إطلاق ممتازة لغواصاته المعروفة بـ U و أيضاً لأسطوله البحرى و ضمان عدم تعطيله أو حصاره كما حدث سابقاً .. هتلر بأمانة كان داهية حرب ..

رائج :   الحاج مصطفى البشتيلي والحملة الفرنسية ..

فى 9 إبريل 1940 بدأ هتلر عملية غزو الدانمرك و النرويج سميت بإسم عملية فيزروبونج أعلنت معها الدانمرك استسلامها و لكن النرويج أعلنت الحرب و رفعت لواء المقاومة .. هذا لم يمنع ألمانيا من احتلالها فعلى الرغم من انتصار قوات النرويج و القوات البريطانية المبدئى فى معركة نارفيك إلا أن فى يوم 10 يونيو كانت ألمانيا قد اجتاحت النرويج و وضعت يدها على الميناء الإستراتيجي ..

فى نفس الفترة كان هتلر و مستشاريه قد خططوا لمعركة أكبر حتى من الدانمرك و النرويج .. كانوا قد وضعوا خطتهم لغزو فرنسا .. فرنسا كانت قد حمت حدودها مع ألمانيا بخط دفاعى خرسانى مع تدعيمه بنقاط مدفعية يستطيع تعطيل تقدم القوات الألمانية فى حالة إقدامها على الهجوم من ناحيتها .. سمى هذا الخط بخط ماجينو نسبة إلى وزير الحربية الفرنسى أندريه ماجينو صاحب الفكرة ..

الخط بدأ جنوباً من حدود فرنسا الشرقية مع ألمانيا و امتد شمالاً حتى الوصول إلى بلجيكا و نظراً لضخامة الإعتمادات المالية التى تم إنفاقها على الخط لم يمتد الخط أكثر لتغطية كافة الحدود الشرقية لفرنسا و أيضاً لأن الجانب الشمالى الشرقى به بلجيكا الدولة الحليفة فكان لا داعى لإنفاق المزيد من المال فيما لا يفيد .. خطأ أخر من فرنسا و فى ظروف مثل تلك تكرار الخطأ يعنى كارثة ..

قام هتلر بالقيام بخدعة كبيرة .. أربكت صفوف الحلفاء و استفاد منها بأقصى استفادة ممكنة .. حقيقة هتلر أبهر العالم بتكتيكه العسكرى وقتها .. و لو كان فقط يتحلى ببعض العدالة والإنسانية لكان حكم العالم كله و لكن بسبب سياسته العدائية و الحاجة دائماً للتوسع و للمجال الحيوى الجديد فقد جلب على نفسه و على بلاده أعداءاً كثر .. ألمانيا كانت دولة قوية بالفعل و ستنجح فى خططها لفترة بالتأكيد .. فماذا كانت خطة هتلر التى ضمنت النجاح لألمانيا حينها ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *