تاريخ

الحرب العالمية الثانية .. الجزء السادس || التراجع شرقا

بعد فشل ألمانيا فى إقتحام موسكو و تراجعهم إلى الخلف مؤقتاً لم ييأس هتلر و ظل على إصراره على احتلال الإتحاد السوفييتي فقام بإلقاء خيرة قواته فى نار الجحيم الروسى .. ما يقارب الـ 12 مليون جندى من قوات المركز دخلت المعترك الروسي لحماية الأرض التى اكتسبوها و أيضاً لهدف استراتيجي جديد بخلاف احتلال موسكو ..

كانت أعينهم مصوبة نحو الجنوب الروسي .. نحو ستالينجراد .. مدينة ستالين .. أكبر مدينة صناعية فى روسيا و فى العالم الشيوعى بالكامل .. كانت المدينة فخر روسيا و سقوطها يعنى الكثير لهتلر و لستالين أيضاً .. خطة هتلر الجديدة اعتمدت على إحتلال ستالينجراد و بالتالى قطع خطوط إمداد الجيش الروسى عن طريق قطع نهر فولجا و أيضاً الإلتفاف حول الجيش الروسى المتمركز على حدود موسكو ..

خطة واعدة أخرى من هتلر لو كان تلافى خطأ موسكو السابق .. هتلر لم يكن يريد ستالينجراد فقط و لكن أيضاً حقول البترول فى أقصى الجنوب الروسى .. فى القوقاز .. فقرر إنطلاق الحملتين معاً فى نفس الوقت ما أضعف الحملتين .. لو أن هتلر إهتم بستالينجراد فقط لكان أنجزها و لو كان اختار حقول النفط فقط لكانت فى يده و أيضاً يستطيع الهجوم على ستالينجراد من الجنوب و لكنه كان مشوش خاصة مع ضعف حليفه فى الغرب إيطاليا و عدم ضمان ولاء الأسطول الفرنسى فكان يريد تحقيق أكبر قدر من المكاسب قبل أن يكون مطالب بالدفاع عن جبهتين ..

تم تقسيم 4 جيوش على مجموعتين المجموعة الأولى إتجهت إلى منطقة باكو النفطية وكان من نصيب ستالينجراد الجيش السادس بقيادة #فريدريك_باولوس يساعده الجيش الرابع بانزر .. بعد محاولات مستميتة من الجيش الروسى لوقف تقدم الجيوش الألمانية إلا أنها لم تستطع منعها و بالفعل وصل الجيش السادس إلى ضواحى ستالينجراد و تكفلت طائرات ستوكا بتدمير المدينة بشكل شبه تام و أوقعوا آلاف المدنيين .. سيطر الألمان على المدينة بالكامل و بحلول 15 أكتوبر 1942 كان الألمان وصلوا إلى نهر فولجا .. يبدو أن هتلر لازال يتقدم رغم هزيمته فى موسكو ..

ستالين كان قد عين قائده العسكرى نيكيتا خروتشوف فى قيادة الجيش المدافع عن ستالينجراد .. نعم لم يستطع الحفاظ على المدينة و لكنه و معه المارشال جورجى جوكوف تحولوا إلى خطة جديدة توقعوا أن تضمن لهم التفوق على الجيش الألمانى .. ألمانيا كانت فى غرب نهر فولجا و لم تكن المدينة كلها قد سقطت و بقى مجموعات سوفيتية تقاوم وجود الألمان ما اضطر الجيش السادس للتمركز داخل المدينة للقضاء عليها ..

رائج :   يأجوح ومأجوج .. من هم و كيف ستكون نهايتهم .. و سد ذي القرنين

على الجانب الشرقي من نهر فولجا كان السوفييت يحشدون لمعركتهم الفاصلة .. جيش جديد تماماً يعد بشكل سرى بعيداً عن أعين الألمان .. قام ستالين بتحويل أغلب قواته إن لم تكن كلها إلى ذلك المكان مع متطوعون جدد و كانت التعزيزات لا تزال تصل عبر نهر الفولجا .. بالطبع كانت طائرات اللوفتوافا تحصد ما استطاعت أن تحصده و لكن أغلب القوات وصلت لتكوين الجيش الجديد .. الجيش رقم 62 ..

الفضل الأكبر لتكوين ذلك الجيش و دعمه بالآليات و المعدات اللازمة كان لستالين نفسه حين أمر بنقل أغلب المصانع خلف جبال الأورال و بالتالى ضمن أن إنتاجه من المعدات الثقيلة لن يتوقف و أيضاً للنساء الروسيات التى بمعجزة ما حين أخذت مكان الرجال فى المصانع ضاعفت إنتاج الأسلحة 10 مرات عن ذى قبل .. جيش جديد بمعنويات عالية لتوافر عامل السرية و بالتالى عنصر المفاجأة سيكون فى صفهم .. جوكوف أحسن التخطيط بالتأكيد و عقاب ألمانيا صار أقرب مما يتخيل هو شخصياً ..

اعتمدت خطة الروس على نفس إستراتيجية الألمان فى غزو فرنسا فالقوات الألمانية كانت فى منتصف المدينة و على الطرف الشمالى كانت القوات المجرية و الرومانية و فى الطرف الجنوبى كانت القوات الإيطالية .. من أكبر أخطاء قوات المحور هى عدم التعاون فيما بينهم .. بل وصل الأمر إلى عدم المشاركة فى الآليات العسكرية .. القوات الإيطالية تشارك فى الحرب بقواتها و آلياتها و المجرية و الرومانية كذلك والتي كانت آلياتهم ضعيفة و غير قادرة على صد أى هجوم روسى قوى من ناحيتهم .. بالطبع ألمانيا كانت أقواهم و بالتالى كانت آلياتها أحدث و جنودها مدربين أكثر .. كان يجب توزيع القوات بالتساوى لحماية أكبر لخط دفاع قوات المحور على الأقل فى الآليات .. ألمانيا لم تفعل ذلك و دفعت ثمن ذلك غالياً ..

علم الروس بنقطة الضعف تلك .. أكثر من مليون جندى روسى إندفعوا شمالاً و جنوباً تسبقهم قذائف مدفعهم المتطور كاتيوشا تدك القوات الإيطالية و الرومانية و المجرية .. لم يستطيعوا إيقافهم بكل تأكيد .. تخطوهم بسهولة و تقابلوا على أطراف ستالينجراد .. حوصر الجيش السادس الألمانى داخل المدينة .. المارشال باولوس كان يستطيع الانسحاب بقواته إلا أن هتلر أمره بالقتال حتى أخر جندى لأن خسارة المدينة قد يكون سبباً رئيسياً فى خسارة الحرب ..

أخبره بوصول إمدادات قريباً إلا أنها لم تصل .. اضطر معها باولوس بالاستسلام .. كان أول قائد يعصى أمراً لهتلر فى الحرب فهو أمره بالقتال للنهاية و الموت إن لزم الأمر لكن باولوس رأى سخافة مبالغاً بها فى أوامره .. هتلر كان فى مأزق حقيقى .. الآن بدأ التراجع .. الآن بدأت أولى خطوات خسارة الحرب ..

رائج :   نابليون في المصيدة: اكتشف من هم لصوص البط

علم هتلر بصعوبة الوضع .. يجب تحقيق نصر كبير الآن .. يحب ألا نتراجع أكثر من ذلك .. إن تراجعنا خطوة واحدة أخرى أمام الروس فهذا معناه إنهيار معنويات الجيش و خسارة كل المساحة التى إكتسبها الألمان على الجبهة الشرقية .. كان لديه نقص فى الجنود فجند مليون أسير من الأسرى السوفييت و اختار من كان ضد سياسات ستالين قبل الحرب و سلحهم بأخر إختراعات الفيرماخت وقتها .. الدبابة تايجر و تم تهيئة الجنود إلى أكبر معركة بالدبابات فى التاريخ .. العملية سيتاديل فى كورسك .. 2700 دبابة ألمانية مقابل 3600 دبابة سوفيتية ..

خطة هتلر فى معركة كورسك كانت جيدة بالفعل و تطبيقها كان ممكناً لولا أن المخابرات البريطانية استطاعت فك رموز آلة إنيجما التى استخدمها الألمان فى رسائلهم العسكرية و أرسلتها إلى موسولينى .. فك شفرة تلك الآلة كان له أبلغ الأثر فى خسارة ألمانيا للحرب و يقال أنها ساهمت فى تقصير فترة الحرب بما لا يقل عن عامان على الأقل .. فك شفرة الآلة جعل خطط هتلر كاملة فى يد موسولينى .. تكبدت ألمانيا خسائر فادحة و أيضاً السوفييت و لكن ألمانيا كانت تفتقر إلى الإحتياطى الجيد وكان عدد الدبابات السوفيتية أكثر .. تراجع هتلر و لم يرسل أى تعزيزات لإستكمال المعركة ..

الجيش الألمانى لم يتدرب على الدفاع جيداً .. كان أغلب إن لم تكن كل تدريباته هجومية لذا فحين يهاجمك جيش مثل الجيش السوفييتي هزمك فى أخر معركتين كبيرتين مع استسلام واحداً من أهم قادتك و مع عدم تدريبك الدفاعى تكون النتائج كارثية .. تم تحرير كييف و لينينجراد و سمولنسك و كورسك بالطبع .. مقاومة ألمانية شديدة و لكن قلة التدريبات الدفاعية أجبرتهم على التراجع بإستمرار .. معنويات الجيش الأحمر كانت تزداد يوماً عن يوم و أسطورة الجندى النازى الذى لا يقهر أصبحت فى مهب الريح الآن .. استمر التقدم و سقطت فنلندا و إستونيا و لاتفيا و ليتوانيا بالإضافة إلى بيلاروسيا .. دول البلطيق كلها صارت فى يد الجيش الأحمر ..

خسارة الأرض تعنى خسارة مواد خام مهمة فى الإنتاج الصناعى وبالتالى قل الإنتاج و أصبحت المعارك الدفاعية التى يخوضها الألمان أصعب بسبب قلة أعداد الجنود و الآليات و فى الوقت الذى كان يتقلص فيه الإنتاج الألمانى كان الإنتاج السوفييتي يشهد إنتعاشاً أسطورياً .. إستمر الحال على ما هو عليه و استمر التراجع الألمانى فسقطت رومانيا و بلغاريا ثم المجر وسلوفاكيا و بولندا .. الجيش الألمانى ظل يتراجع لحوالى عام ونصف من خريف 1943 حتى ربيع 1945 حين وصلت القوات الروسية إلى شرق بروسيا .. خسر الألمان الجبهة الشرقية بالكامل و بقى الآن القضاء على أى مقاومة ممكنة و الأهم .. إقتحام برلين ..

رائج :   الحرب العالمية الثانية .. الجزء السابع || التراجع جنوبا

أثناء تلك الفترة الطويلة من التراجع لم تكن باقي الجبهات على خير ما يرام فهتلر الذى كان فى موقف قوة و بسبب خطأه الكبير فى محاولة احتلال روسيا قبل الآوان فتح على نفسه عدة جبهات فأصبح يدافع شرقاً و غرباً و أيضاً جنوباً فى إفريقيا .. كانت خطة هتلر الهجومية قبل التراجع هى التقدم جنوب روسيا عبر كييف ثم دول القوقاز حتى مدينة باكو الغنية بالنفط ثم السيطرة جنوباً على النفط الإيرانى فى الوقت الذى يتقدم فيه فيلق إفريقيا بقيادة إيروين روميل من إيطاليا عبر مصر ثم فلسطين ثم الشام و مقابلته فى إيران ..

لو تمت تلك الخطة كما أراد لكان استطاع إمتلاك منطقة غنية جداً بالموارد و أيضاً حينها ستكون متاحة أمامه المنطقة العربية بالكامل بمواردها النفطية .. لأجل هذا نصحه مستشاريه بتكثيف الهجوم فى مكان واحد .. إما ستالينجراد بمصانعها الحيوية .. أو الجنوب و إستكمال الطريق حتى الوصول للنفط الآسيوى .. و لكن هتلر كان عنيداً لا يسمع كلام أحد ..

فى إفريقيا كان هناك قائد ألمانى إسمه روميل أرسله هتلر لمساعدة الإيطاليين المتعثرين فى ليبيا فكانت الرغبة هى عبور مصر إلا أن الجيش الإيطالى لم يكن حليفاً قوياً على كل حال .. حاول روميل زيادة أعداد قواته فى إفريقيا إلا أن هتلر كان رمى بثقله الكبير فى المعترك السوفييتي و رأى أن الجيش الإيطالى يعد سنداً كافياً لفيلق إفريقيا .. لابد من المخاطرة إذاً .. لابد من ربح معارك شمال إفريقيا .. لو خسر الرايخ تلك الأرض لصارت منصة إنطلاق لقوات الحلفاء على أوروبا .. يجب منعهم بأى ثمن ..

خطط هتلر كانت جيدة بالفعل و قابلة بشدة للتنفيذ لو أنه فقط استمع لنصائح المقربين منه .. فى الوقت الذى تعاون فيه الحلفاء بشدة و ساعدوا بعضهم البعض على جبهات عدة سواء بالمعدات أو بالجنود أو بالمساعدات الاستخباراتية كانت قوات المركز مفككة و كل واحد فيهم لديه مخططه الخاص بعيداً عن خطط حليفه ناهيكم عن وجود قائد لا يستمع لأحد اسمه هتلر ..

مقالات ذات صلة