فكر و ثقافةقصص وعبر

الديكتاتورية .. نماذج من الطغاه (الجزء 4)

وماذلنا في سيرة طغاة التاريخ وجبابرتهم وكيف كانوا ولماذا كانوا واليوم نستمر في سرد تلك النماذج خاصة التي حفل بها التاريخ العربي والعالمي ..

عام 1530 ولد ولى عهد مملكة موسكوفيا .. بعد ثلاث سنوات فقط من هذا التاريخ سيتوج ذلك الطفل أميراً على تلك المملكة .. و بعد ثلاثة عشر عاماً أخرى سيتوج كأول قياصرة روسيا ..

طفلاً فى السادسة عشر من عمره سيتحكم فى إمبراطورية سيقوم بتوسيع حدودها على مدار فتره حكمه و ستتحول معه موسكوفيا أو موسكو من مملكة صغيرة إلى عاصمة للإمبراطورية الروسية العظيمة .. نحن نتحدث هنا عن إيفان الرابع أو كما لقب تاريخياً بـ إيفان الرهيب ..

على مدار 37 عاماً هى فترة حكم إيفان الرابع قام بإحتلال أغلب الأراضى المحيطة بمملكته .. تاتارستان .. سيبيريا .. أستراخان .. أرض الباشكير .. و أغلب الممالك الواقعة بين بحر البلطيق و بحر قزوين .. تحولت روسيا على يديه من مملكة تخص العرق الروسى فقط إلى إمبراطورية متعددة الأعراق و الأجناس ..

و لإنجاح ذلك التوسع فقد انتهج إيفان سياسة شديدة القسوة و العنف تجاه الدول التى سيحتلها أو تلك التى ستبدى معارضة لحكمه .. عام 1552 مثلاً حاصر كازان و نكل بأهلها و ارتكب فيها مجازر مرعبة و حاول تنصير أهلها عنوة و كان معظم سكانها من المسلمين و على الرغم من توسعه فى الشق الآسيوى من روسيا إلا أنه فشل فى حروبه ضد الممالك الأوروبية خاصة ليتوانيا ..

داخلياً كان إيفان شخصاً دموياً بإقتدار حيث كان يقتل أعداؤه بأبشع الطرق الممكنة و لم يسلم منه أحد حتى أقرب أقربائه .. بالأساس كان يكره الإقطاعيين و يرى أنهم خطراً على مملكته حتى و إن لم يبدوا ذلك صراحة .. كان يقتل الرجال عبر تهشيم أرجلهم و تركهم يزحفون إليه طالبين الصفح و المغفرة .. كان يقيم حفلات إغتصاب للنساء الأرستقراطيات أمام أزواجهم ثم يقوم بعدها بقتل العائلة بالكامل .. كان حتى بيدت أحياءاً كاملة أبدت تذمراً من قسوته ..

أصيب إيفان الرهيب بجنون الإرتياب و صار كل من حوله أعداءاً محتملين .. صار يشك فى أقرب الناس إليه .. بسبب ذلك المرض كانت تتملكه نوبات غضب غير مفهومة أو مبررة .. فى إحدى تلك النوبات وبعد حديث حاد مع ابنه لم يتمالك نفسه و لم يهدأ إلا بعد أن هشم رأسه ثم جلس بجواره يبكى و يقول .. لقد قتلت ابنى .. غفرانك ربى ..

إيفان كان أول من إخترع التعذيب بقطرات المياه حيث كان يتم ربط الضحية بأحد الأعمدة ثم يتم إسقاط المياه عليه من إرتفاع عال قطرة تلو أخرى و مع الوقت يزداد تأثير قطرات المياه ليكون له وقع الرصاص حتى يموت الضحية بعد عدة أيام ..

الغريب فى الأمر أن إيفان كانت صاحب شخصية مزدوجة تصل إلى حد المرض حيث كان يقتل و يعذب شعبه نهاراً ثم يقضى ليله فى الصلاة و طلب الغفران حتى إنه أجبر كاهن الكنيسة على السماح له بأفعاله و مسامحته عليها .. فى نهاية عمره إنعزل إيفان عن المحيطين به حتى توفى عام 1584 ميلادية بعد إصابته بمرض تسبب فى تورم جسمه بالكامل ..

رائج :   كارتة طريق السويس .. مثال لسوء التخطيط والاستغلال

واحد من أشد حكام العرب وحشية .. يملك كاريزما و قوة شخصية لا تخطئها عين .. يظهر فتياً بين رجاله و هو يحمل السلاح للتدليل على قوته و سيطرته .. حديثنا الآن عن صدام حسين ..

صدام و على الرغم من الصورة الكاريزماتية التى كان يتم تصديرها له عربياً و دولياً كان طاغية مستبد يحكم العراق بالحديد و النار مثله مثل باقى طغاة العالم فصدام لم يأتى بالجديد غير أنه زاد عنهم أنه يقتل بالشبهة و مع أقل تهديد يذكر و أنه اضهد الجميع بلا تمييز .. الشيعة و الأكراد و التركمان و حتى المعارضون له من حزبه .. لا أحد ينجو من قبضة صدام حسين أبداً ..

صدام الرئيس الذى تحول إلى طاغية مع بداية حكمه عام 1979 حين قام بأكبر عملية إجتثاث و إعدام لقادة حزبه المعارضين له و المعروفة بإسم مجزرة قاعة الخلد أو  محاكمة الرفاق .. عشرات القتلى رمياً بالرصاص صعد صدام على جثثهم ليصل إلى كرسى الحكم منفرداً بعد إستقالة الرئيس أحمد حسن البكر ..

جريمة تعد هينة مقارنة بما فعله صدام لاحقاً .. فحملات الأنفال مثلاً و التى شنها صدام على مناطق الأكراد خلفت ورائها 182 ألف قتيل و تدمير حوالى 4,000 قرية كردية مثلوا 80% من إجمالى قرى الأكراد وقتها مع تدمير شامل للبنى التحتية من مدارس و مستشفيات و طرق ..

كانت عملية إبادة متكاملة الأركان خاصة مع إستخدام الأسلحة الكيماوية على أكثر من 250 قرية كردية أبرزهم على الإطلاق مجزرة حلبجة التى خلفت ورائها حوالى 5,000 قتيل فى يومان بخلاف 7,000 إصابة على الأقل ..

حوالى 30,000 قتيل كانوا هم ضحايا الإنتفاضة الشعبانية عام 1991 ..

التركمان على سبيل المثال تم تهجيرهم و اختفى قسرياً منهم قرابة الـ17,000 شخص .. تم تهجير الأكراد الفيلية من مناطقهم بحجة تبعيتهم لإيران .. و هذا بخلاف أوامر الإعتقالات و الإعدامات التى طالت الكثيرين و على تهم ساذجة مثل الإساءة لرئيس الجمهورية .. حتى إن صدام أعطى الحق لقادة و ضباط الجيش الحق فى إعدام الجبناء و الخونة المتهربين من الخدمة العسكرية ..

عام 1992 تم إعتقال حوالى 200 تاجر متهمين بالإحتكار تم إختيار 40 منهم نفذ فيهم حكم الإعدام بلا محاكمة

.. أثناء زيارته لقرية الدجيل تعرض لمحاولة إغتيال فاشلة فانتقم لنفسه بإعدام العشرات من أهل القرية و قام بتجريف 1,000 كم من البساتين المثمرة لضمان عدم تكرار تلك المحاولة مرة أخرى ..

بعد إنتهاء عملية تحرير الكويت تم حصار العراق إقتصادياً ما رفع التضخم إلى 2400 % فازداد الغلاء و تسبب فى هجرة الآلاف من الباحثين و الأطباء و تسبب ذلك التدهور فى ارتفاع نسب وفيات الأطفال إلى حدود الـ5,000 طفل شهرياً ..

رائج :   الأصابع الصغيرة ‏!‏! .. رسالة من بريد الجمعة

على المستوى الدولى خسائر العراق فى الحرب الإيرانية وحدها وصلت إلى 250 ألف عسكرى و 100 ألف مدنى مع خسائر مادية قدرت بـ500 مليار دولار .. فى غزو الكويت خسر العراق 295 جندى و أصيب 361 بخلاف خسارة 32 مروحية و 7 طائرات مقاتلة و 120 دبابة و 4 زوارق و 18 حاملة جنود ..

و فى حرب التحرير تضاعفت خسائر العراق بشكل رهيب حيث خسر العراق حوالى 80,000 جندى و أسر 30,000 أخرون و دمرت 4,000 دبابة و 3,100 قطعة مدفعية و 1,856 عربة نقل و 240 طائرة و هذا بخلاف خسائر تدمير مصافى النفط و مولدات الكهرباء التى دمر 96% منها و انقطعت بسببها الكهرباء عن أغلب مناطق العراق تقريباً ..

وسط تلك الأجواء البوليسية داخلياً و الخسائر العسكرية خارجياً و بينما كان الشعب العراقى يعانى الجوع و المرض منتصف التسعينات كان صدام يفتتح معرض الصور السنوى الخاص بموضوع واحد فقط هو صوره الشخصية .!!!.

أيضاً كان يشرف على بناء أكبر مسجد فى العالم .!!!. كان من المفترض بنائه وسط بحيرة صناعية فى منطقة المنصور ببغداد بحيث يتسع لـ100 ألف مصلي .. بالطبع كان سيحمل إسمه و كان من المقرر صنع جزر صناعية على شكل خريطة الدول العربية و أيضاً أحد تلك الجزر ستحمل شكل بصمة إبهامه .!!!.

كان طاغية لا يضع الشعب العراقى و معاناته فى حسبانه أبداً .. كان قاسياً لا تجد الرحمة إلى قلبه سبيلاً .. ليس أدل من هذا إلا حديثه المسجل وقت أن كان نائباً للرئيس عام 1978 الذى قال فيه :

( بس كل واحد يوقف بوجه الثورة .. يصير ألف .. يصير ألفين .. ثلاثة آلاف .. عشرة آلاف .. أقص رؤوسهم دون ما ترجف شعرة واحدة منى أو يرجف قلبى عليه )

كان ذلك مؤشراً لما سيراه العراقيين .. كان هذا كافياً لتخيل الـ24 عاماً اللاحقة لتلك المقولة ..

الآن إلى النقيض .. فعلى عكس الصورة المهيبة التى أحاط صدام نفسه بيها كان هناك طاغية أخر يحاول تقليد صدام و لكن تصرفاته دائماً ما حملت من الطرافة أكثر ما حملت من المهابة .. حديثنا الآن عن معمر القذافى ..

واحد من أعجب الطغاة على الإطلاق فإذا تجنبنا الحديث عن مقولاته المثيرة للجدل أحياناً و للضحك أحياناً أخرى فلا يمكن أن نتجنب الحديث عن جرائمه مع الشعب الليبى مثل إلغاؤه للدستور عام 1996 و التى كانت تعمل به ليبيا منذ أن كانت مملكة .. حل البرلمان .. حل الجيش ..

حل كل مؤسسات الدولة و استعاض عنها بمؤسسات سماها جماهيرية و لجان ثورية تنفذ أوامره هو فقط .. حل الأحزاب كلها و جعل كتابه الأخضر دستوراً يلتزم به الجميع و كانت له مقوله شهيرة هى ( من تحزب خان )

رائج :   هزيمة يونيو المستمرة || (٤) : خمسة مشاهد على يومين

فى سجن أبو سليم عانى السجناء هناك ظروف إعتقال رهيبة .. طالبوا بحقوقهم المدنية مثل السماح بزيارة أهلهم و محادثتهم هاتفياً و حقهم فى تحسين أوضاعهم داخل السجن .. طالبوا بحقهم فى العلاج .. طالبوا بتحديد موعد لمحاكمتهم .. طالبوا فقط برؤية نور الشمس ..

خلال ساعة واحدة أمر القذافى بإعدام 1270 سجين سياسى داخل السجن و هو ما تم بالفعل .. الإعدامات طالت حتى طلبة الجامعة مثل حادثة إعدام رمضان أحمد مصطفى النويرى الذى قتل فى ساحة  جامعة قاريونس بتهمة الإنضمام لحزب محظور و هو  حزب البعث ..

وصل الجنون بالقذافى إلى إذاعة الإعدامات على الهواء و فى نهار شهر رمضان مثلما فعل فى حادثة إعدام الصادق الشويهدى بتهمة خيانة البلاد و محاولة قلب نظام الحكم .. كانت الإعدامات العلنية وسيلته للسيطرة على الشعب الليبى ..

إعدامات القذافى لم تطل السجناء السياسيين فقط فالقذافى أعدم رفاق دربه لمجرد أنهم أبدوا إمتعاضاً من أسلوب قيادته للدولة و إنحرافه عن مسار الثورة مثل عمر المحيشى الذى هرب إلى تونس ثم مصر ثم المغرب حتى تم تسليمه إلى ليبيا و اعدم و لم يعرف مكان دفنه حتى الآن ..

منصور الكيخيا أيضاً اختطف من منفاه و سلم للقذافى و قتل و لم يعرف مكان دفنه إلا حينما أعلن شقيقه عن العثور على جثة تطابق حمضه النووى عام 2012 .. 

النقيب أحمد_على بن سعود قتله لمحاولته الإطاحة به ..

المثال الأبرز كان وزير العدل السابق إبراهيم بكار و الذى أصر على التحقيق فى قضية سقوط طائرة ليبية فى رحلة داخلية سقطت بعد إصطدامها بطائرة حربية ليبية فى منطقة السبيعة و قتل على متنها 157 راكب .

حاول النظام طمس معالم القضية إلا أن الوزير أصر على متابعة التحقيق فما كان من القذافى إلا أن أرسله إلى مؤتمر وزارى فى تونس و أثناء عودته عن طريق البر قام بإغتياله فى حادث سير أودى بحياته و حياة كل من كان معه ..

أخيراً يجدر الإشارة لقصة رئيس الوزراء السابق عبد الحميد البكوش الذى تم نفيه إلى مصر و حاول القذافى قتله عن طريق إستئجار مرتزقة من شرق أوروبا إلا أن المخابرات المصرية إكتشفت المخطط و قبضت على المرتزقة و إتفقت معهم على تمثيل عملية قتل البكوش عن طريق فبركة صور له فى أوضاع تمثيلية تثبت مقتله و حينما وصلت الصور إلى القذافى ابتلع الطعم و أذاع الصور تلفزيونياً مصرحاً بأن يد الثورة طالت الخونة فى أوكارهم و أذيعت أغانى النصر إحتفالاً بمقتل العميل الخائن البكوش .. فى اليوم التالى ظهر البكوش يتحدث على الهواء مباشرة فى مؤتمر صحفى مشترك مع قوات الأمن المصرية يكشف جريمة القذافى أولاً و يفضح سوء حالة مخابراته ثانياً ..

فى الصورة : صدام حسين فى أحد لقاءاته مع معمر القذافى

مقالات ذات صلة